في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي وبعد ثورة 23 يوليو 1952 قررت سيدة ألمانية الاستقرار في مصر بشكل نهائى بعد أن زارت بلد الأهرام كسائحة، ويبدو أن روح الفراعنة قد تلبستها فطافت المعابد والمتاحف وقررت أن تنشئ مصنع نسيج مستلهمة أفكار أجدادنا القدماء، ونجحت التجربة وانبهر العالم بخامة النسيج الجديد وتلقت مدام فوكس طلبات لتصدير منتجاتها إلى دول عدة أبرزها أمريكا وكندا والسعودية.. وفيما يلى نص التقرير الذى كتبته «آخرساعة» عنها عام 1953: إن الذين يؤمنون بنظرية تقمص الأرواح يتسع خيالهم لتصور أن روح أحد الفراعنة تعيش الآن فى شخص مدام مارتي كريستين فوكس الألمانية، وإلا فلماذا تحاول مدام فوكس أن تبعث من جديد صناعة النسيج التي نبتت في وادي النيل منذ خمسة آلاف سنة؟ ◄ اقرأ أيضًا | رئيس الوزراء يتابع آخر مستجدات مشروعات تطوير صناعة الغزل والنسيج جاءت مدام فوكس بصحبة ولديها إلى مصر لفض إشكال تجارى مع بين زوجها شقيق أحد أقطاب حزب الوفد، ولكن القطب الوفدى هدد وتوعد، وكان فى سبيله إلى إخراجها من مصر بالقوة. ثم جاءت الثورة فى 23 يوليو 1952، وكان زوجها قد أرسل إليها يقول إنه قدم طلبًا للالتحاق بالعمل فى الجيش المصرى، وطلب منها أن تظل فى القاهرة حتى يحضر إليها، ولكن القدر لم يرد أن يتحقق هذا الأمل، فقد خطفه الموت قبل أن يسافر إلى مصر بأربعة عشر يومًا، ونزل الخبر على الزوجة نزول الصاعقة. وتقول مدام فوكس: «إن جميع أهلى يلوموننى لأننى لم أرجع إلى ألمانيا لحضور جنازة زوجي، لكننى شعرت بأننى على حافة انهيار عصبى، فقد كان زوجى أول رجل أحببته وعشنا كأسعد زوجين، 22 عامًا، ورزقنا ببنت وثلاثة بنين، ومن أجل ذلك لم أستطع أن أعود إلى الذكرى، لأن أى بقعة فى بلدى كانت ستذكرنى به». وهكذا قررت البقاء فى مصر، فقد أحسست حينما شهدت شروق الحركة الجديدة بالشبه الكبير بين مصر وبلادى يوم أرادت أن تنهض من مأساتها، ثم إن مصر هى مهد لصناعة احترفتها فى ألمانيا، ذلك أن صناعة النسيج اليدوي التي قطعت خمس سنوات فى دراستها، هى فى الواقع منقولة عن المصريين القدماء، وأدخلت عليها ألمانيا تحسينات مختلفة حتى بلغت بها أرقى درجاتها. وأضافت: «حبى لمصر ليس جديدًا، فقد زرتها كسائحة مدة ثلاثة أشهر فى سنة 1938، وطفت بمتاحفها مع زوجى، وهو نفس ما فعلته فى هذه المرة أيضًا بتوجيه الدكتور فخري عالم الآثار المصرى، الذى حفزنى إلى هذا أنه كان فى عزمى أن أنشئ مصنعًا للنسيج، على أن استوحى نماذجه من نسيج وألوان المصريين القدماء، وبذلك أعطى لمصر نوعًا من النسيج القومي، لا ليستهلكه السائحون فحسب، بل ليصدّر أيضًا إلى الخارج، ومن أجل هذا ظللت أدرس شهورًا فى المتاحف والمقابر، ثم فى مكتبة الدكتور فخري الغنية بالكتب». وتابعت: "لما شرعت فى إنشاء المصنع لم يشأ أحد أن يساعدنى، فاضطررت أن أغامر فى هذا المشروع ببوليصة التأمين على حياتى، فبعتها بنصف ثمنها، وبدأت عملى بخمسة آلاف جنيه، واستدعيت لهذا الغرض فتاتين ألمانيتين تحملان درجة الأستاذية فى صناعة النسيج، وهى نفس الدرجة التى أحملها». وواصلت: «أخذ المصنع يؤتى ثماره الجديدة، ونجحت بسرعة لم أتخيلها، وجاءنى رؤساء الأموال يعرضون على أن يشاركونى بنسبة 60% بعد توسيع هذه الصناعة، فرفضت وذهبت إلى مجلس الإنتاج بمشروعى، وأردت أن يتولوا هم إنشاء هذه الصناعة لتصبح قومية بدل أن تكون بيد أفراد، ثم إننى أرى بجانب ذلك أنها من الصناعات التى تستطيع المرأة المصرية أن تقوم بها فى منزلها، فإذا تم لى أن أنشر هذا الفن بين المصريات، فسيكون فى استطاعة مصر أن تصدّر للخارج كميات كبيرة من نسيجها القومى، ويصبح لها بذلك مورد جديد من العملة الأجنبية، وقد برهنت على ذلك لمجلس الإنتاج القومى بالطلبات التى جاءتنى من أمريكا وكندا والحبشة والسعودية، وكلها تريد هذا النوع من النسيج». («آخر ساعة» 2 ديسمبر 1953)