قلبى لم يعد يحتمل كل هذا الوجع، لم أعد أدرى كم بقى فيه من أسماء أحباب ما زالوا أحياءً، من كثرة ما بات يحمل من أسماء أحباب خطفهم الموت وآخرهم الصديق طيب القلب حسن الخلق وليد عبيد. أتدرى يا وليد أنى لا أصدق أنك لم تعد معنا وأنى أكتب إليك بعد ساعات قليلة من رحيلك المفجع الذى أدمى قلوبنا جميعًا، ولكن الدموع التى تبلل أوراقى تذكرنى بأنك لن تعود. لم أعد أدرى كم بقى فى عينى من دموع وفى قلبى من أحزان، ولكنى يا وليد سأكتم حزنى كما أفعل كل مرة يفجعنى فيها الموت وسأروى لك حكايتى معه وأنا أعلم يا وليد أنك كنت تحب الاستماع إلى حكاياتى. منذ كنت فى الخامسة من عمرى وأنا أحمل خوفًا غامضًا فى أعماقى من غدر الموت الذى يخطف الأحبة فى لحظة ويفر، ارتجف من لحظات الوداع التى لا ترحم، وظل هذا الخوف يكبر حتى صار ظلى صديقى أحيانًا وعدوى فى كل الأحيان. الآن تجاوزت الخمسين ببضع سنين وجاء رحيلك المباغت يا وليد ليذكرنى بأن قلبى صار مقبرة كبرى لأحبة كثر رحلوا وتركونى مع هذا الخوف الذى يرعبنى ويحرمنى من أن أمنح كل ما فى قلبى من حب لمن قد يخطفه الموت غدًا. يا وليد أنت آخر من دفنته فى قلبى بعد أمى وأبى وطفلتى وعشرات بل مئات من الأحباب الذين يعيشون معك الآن داخل قلبى، إذا كنت تراهم فأبلغهم منا كل الحب، وقل لهم: إن الأوجاع التى خلفها رحيلهم ما زالت حية ومؤلمة وتتجدد مع كل حبيب يرحل وآخرهم أنت. أدرى يا وليد أن الموت لا يستأذن وأن غيابك أبدى، ولكنى سأظل أتذكر لحظة دخولك «أخبار اليوم» متدربًا قبل ما يزيد على عشرين عامًا وكيف مرت السنوات سريعًا لتصبح زميلًا وصديقًا وأخًا صغيرًا طيبًا نديًا نقيًا دمثًا حتى فى اختلافاتك. أتود يا وليد أن تسمع نهاية حكايتى مع الموت، لم أعد أحتمل، أريد أن أدفن سريعًا فى قلوب من أحبونى بصدق وأستريح من خوفى ورعبى من الموت الذى يخطف منى أحبتى ولعله هو الآخر منى يستريح.. رحمك الله يا وليد وإلى لقاء أرجو ألا يكون بعيدًا.