لقد ضربت تلك الشركات المثل الأعلى في الأنانية وحب الذات، حيث اهتمت فقط بنفسها وبمظهرها، بل واقتطعت أجزاء كبيرة من الشوارع المتواجدة بها. في عام 1994 زرت ضمن وفد صحفى كبير، مدينة هيوستن التى تقع فى ولاية تكساس جنوبالولاياتالمتحدةالأمريكية. تلك المدينة كما تعلم معروفة بعاصمة الطاقة فى العالم وقد تصادف أن زرتها فى شهر يوليو، وكانت درجة الحرارة مرتفعة جدًا، لذا فهى ليست من المدن السياحية مثلًا التى يقصدها السائحون من مختلف أنحاء العالم كما هو الحال فى المدن الأمريكية الأخرى. لكن شركات البترول العالمية الكبرى التى تتخذ من هيوستن مقرًا لمكاتبها الرئيسية قررت، وكنوع من رد الجميل أن تفعل كل ما بوسعها لجذب السياح لزيارة هيوستن. وبالفعل تحولت تلك المدينة، إلى مقصد سياحي كبير. وقتها بدأ العالم يتداول تعبير المسئولية الاجتماعية للشركات. أى كيف تخدم الشركات المحيط المتواجدة فيه. عذرًا إن كانت المقدمة قد طالت بعض الشيء لكنى أردت من ورائها، أن أمهد للموضوع الذى أود تناوله. فأنا من سكان حى السفارات بمدينة نصر، وهو للعلم عزيزى القارئ اسم على غير مسمى، فهو بلا سفارة واحدة بعد أن ذهب مع الريح الهدف الأصلى من إنشائه حيث كان مخططًا فى الأصل ليكون مقرًا لبعثات وسفارات الدول الأجنبية، لكن مع الأسف ومع الوقت، تحول لمجرد حى سكنى وإدارى عادى بكل الفوضى والعشوائية والشوارع المزدحمة المليئة بالحفر والمطبات والأرصفة المتهالكة. فأصبحنا كسكان للحى نعانى من كل تلك المشكلات التى يعانى منها أغلب الأحياء، بل نعانى بزيادة من معاملة معظم الصنايعية وأصحاب الحرف لنا كسفراء حاليين، أو على أقل تقدير أُسر سفراء سابقين! فأصبح ينطبق علينا المثل الشعبى الصيت ولا الغنى. ثم عاد الأمل لسكان الحى مع حرص أكبر شركات البترول والغاز على التواجد فيها فظننت وبعض الظن إثم أن حى السفارات سوف «يقب على وش الدنيا». كنت حريصًا على ترقب كيف ستمارس شركات البترول والغاز مسئوليتها الاجتماعية، كنت أظن أنها ستحيل الحى إلى جنة غناء، كنت أظن أنها ستحيل الشوارع إلى سجادة حريرية من الخضرة والجمال، كنت أظن أنها ستجعل من الحى منطقة سياحية يقصدها السياح من مصر وخارجها استفادة من موقعها المتميز وقربها من المطار، كنت أظن أنها ستفعل ما بوسعها لتنظيف الشوارع على الأقل من الكلاب الضالة التى تفترس أولادنا وتفترش ممراتنا، كنت أظن وكنت أظن وخاب ظنى. أزيدكم من الشعر بيتًا، لقد ضربت تلك الشركات المثل الأعلى فى الأنانية وحب الذات، حيث اهتمت فقط بنفسها وبمظهرها، بل واقتطعت أجزاء كبيرة من الشوارع المتواجدة بها، وهى شوارع رئيسية لتكون تلك الأجزاء امتدادًا لها تضع به الحواجز تلو الحواجز مانعة مرور البشر فى محيطها. أذكر أننى فى مرة اضطررت للوقوف بجوار واحدة من تلك الشركات منتظرًا ابنتى خلال عودتها من الجامعة مساءً، ففوجئت بمن يمنعنى من الوقوف وعندما سألته عن السبب الذى يمنعنى من الوقوف فى شارع الحكومة قال لى: الشارع تبع الشركة وكمان سيادتك ظاهر فى الكاميرات!. فرفضت المغادرة وقلت له إننى مواطن من دافعى الضرائب وليس من حق أيٍ من كان منعى من الوقوف فى أى مكان طالما لم أخالف القواعد، وأوشك الرجل على التصعيد لولا أن جاء فى تلك اللحظة أتوبيس الجامعة الذى منع مشكلة، كان من الممكن أن تتطور بشكل سيئ. شركة أخرى فى نفس الحى قامت فجأة بتغيير واجهتها الأمامية والخلفية ومن جميع الاتجاهات. رغم أن الواجهة السابقة كانت فى منتهى الفخامة لكن يبدو أن هناك من رأى التغيير إلى مزيد من الفخامة، حيث استوردت الشركة أفخم المواد المطلوبة للشياكة التى كلفت بالتأكيد ملايين الملايين من الجنيهات. نعم هى أموال الشركة بالتأكيد ولها كل الحق فى التصرف فيها كيفما شاءت لكن، ألم يكن لحى السفارات ولو بعض الحق فى تلك الأموال على الأقل لتنظيفه وتزيينه ورصف شوارعه التى تطل عليها تلك الشركات حتى تكتمل تلك الصورة الفخيمة التى حرصت الشركة أن تظهر عليها؟!. على كل حال إذا كانت شركات البترول والغاز تحب الوجاهة وهذا حقها فأقترح على الحكومة تغيير اسم حى السفارات - حيث لم ير الحى من تلك السفارات أى خير يُذكر - إلى حى البترول لعل وعسى ينوب هذا الحى من «الحب جانب»!.