قلاع محصنة تحاصرها أسوار خرسانية ضخمة شاهقة الارتفاع، ملساء البنيان، يصعب تسلقها، يزيد علوها سور حديدى يرقد فوق نهايتها مدعوماً بالأسلاك الشائكة، تقبع على أطرافها كاميرات دقيقة ترصد تفاصيل ما يحدث فى جنبات المكان على مدار ساعات الليل والنهار، تضفى الكثير من الغموض على عالمها الداخلى الذى تخفيه الأسوار العالية، عالم يسبح فى حدائق خضراء وأزهار ملونة تحيط ببروج مشيدة، تتخذ منها دول أجنبية سفارات لها فى قلب العاصمة، يتولى شئونها سفير هذه الدولة والبعثة الدبلوماسية المرافقة له بهدف متابعة أحوال الجالية التى تقيم فى مصر، بالإضافة إلى تدعيم العلاقة بين البلدين، بلده، وتلك التى تقبع فيها السفارة بمبانيها الفخمة. ثلاث سفارات لثلاث دول كبرى اتخذت من حى جاردن سيتى مقراً لها، الأمريكية والبريطانية والكندية، لم تجد لنفسها أفضل من الحى الراقى الذى صممه المهندس الأجنبى جوزيف لامبا فى بدايات القرن التاسع عشر، ليتحول المكان مع مرور الزمان إلى مقصد للبعثات الدبلوماسية، التى اتخذت منه مقرا لسفارتها وقنصليتها، كما يروى حسن الشاعر صاحب محل بازار مجاور لمبنى السفارة الأمريكية متخصص فى بيع الفضيات وأوراق البردى ذات الرسومات الفرعونية، قائلا «الحى هنا يضم العديد من سفارات الدول الكبرى التى اختارت هذا المكان دون أى مكان آخر فى مصر لتقيم فيه سفاراتها». يتحدث «الشاعر» عن سفارات الدول الكبرى قائلاً إنه لا يعرف تاريخاً لإقامتها فى جاردن سيتى، رغم وجوده فى البازار منذ أكثر من 35 عاما، لكنه يؤكد أن السفارتين البريطانية والأمريكية جاءتا إلى الحى على سكانه المقيمين فيه، لكنهما صبغتا الحى بالصبغة الأمنية، وأصبحت الشوارع المحيطة بمبنى السفارتين تشهد عمليات تأمين خاصة على حساب حرية الحركة لسكان الحى ورواده، ومنعهم من السير فيها بسياراتهم، وأحياناً ما كان يتم التضييق على رواد المكان ومطالبتهم بالعبور من شوارع أخرى بعيداً عن مبنى السفارة، ويستطرد حسن بقوله «وكأن السفارات هى أصل المكان وعلى جميع السكان التأقلم مع هذا الوضع». الحواجز حول السفارتين -كما يقول حسن- وضعت فى مارس 2003، أى قبل أكثر من 10 أعوام، تحديداً مع بداية العدوان الأنجلوأمريكى على العراق، وما صاحب ذلك من خروج مظاهرات عنيفة فى القاهرة تعترض على ما جرى، وقتها قررت السلطات المصرية وضع الحواجز فى محاولة لإعاقة المتظاهرين عن الوصول إلى مقر السفارتين الهامتين داخل جاردن سيتى، فعلت السلطات ذلك كما يقول حسن دون أى مراعاة لقاطنى الحى ورواده، ومع استمرار الإغلاق قام بعض سكان الحى برفع دعوى قضائية تحمل رقم 116/64 لتضررهم من إغلاق الشوارع المحيطة بالسفارتين وطالبوا بإزالة تلك الحواجز، وصدر الحكم فى 27 يوليو الماضى، يقضى برفع الحواجز وفتح الشوارع المحيطة بمبنى السفارتين. يروى حسن أن أهالى الحى الراقى استقبلوا الحكم بسعادة بالغة، خاصة عندما نفذته وزارة الداخلية وقتها، وقامت برفع جميع الحواجز فى محيط السفارتين. غير أن القاطنين فى الحى بجوار المبانى الدبلوماسية لم يهنأوا طويلاً بالقرار، كما يقول حسن، إذ لم تكد الحواجز ترتفع من الحى إلا وبدأت المظاهرات مستهدفة هذه المرة السفارة الأمريكية فى أعقاب إعداد بعض المواطنين الأمريكيين فيلماً مسيئاً للرسول عليه الصلاة والسلام، لينتهى الهدوء الذى كان يتسم به الحى، وتلجأ الجهات الأمنية من جديد إلى الحواجز لمنع المتظاهرين من الوصول لمبنى السفارة، ويرى حسن الشاعر أن عودة الحواجز على مساحة أكبر من الحواجز الأولى التى كانت تقتصر على الشوارع المحيطة بالسفارة فقط وتم رفعها بحكم قضائى، لتعود من جديد لتغلق المداخل الرئيسة للحى من جهة الكورنيش وميدان التحرير وشارع قصر العينى، كل ذلك من أجل توفير الأمن والأمان للسفارة الأمريكية وجارتها البريطانية، دون أى اعتبار لساكنى الحى وأصحاب المحلات التى أوصدت أبوابها بسبب الأحداث المتكررة كما يقول حسن، والتى جعلت الأجانب والسياح يتجنبون الحى أو الاقتراب منه.