الغربية: محمد عوف لا تقاس بشاعة الجريمة بمدى ضخامتها، بل بعمق الخيانة التي تحملها، فبين جدران البيوت الهادئة بمدينة طنطا، حيث تبدو الحياة بسيطة وآمنة، حدثت مأساة اهتزت لها القلوب، وكشفت عن وجه مظلم للغدر والطمع. لم يكن الأمر مجرد سرقة أو جريمة قتل عابرة، بل كانت طعنة غائرة في صميم الثقة، وجريمة أبطالها أقرب الناس إلى بعضهم البعض. في هذا التقرير، نسرد فصول قصة الحاجة «هُدى»، السيدة السبعينية الطيبة التي كانت مثالاً للبساطة والدفء، والتي انتهت حياتها على يد من كانت تعتبرها جارتها وصديقتها المقربة، «رباب»، قصة تكسر حاجز الخيال، وتثبت أن الشر يمكن أن يتخفى في ثياب الود، وأن الطمع لا يرحم، والآن إلى التفاصيل الحاجة «هُدى» التي تجاوزت السبعين من عمرها، كانت نموذجًا للسيدة البسيطة الطيبة، تعيش وحيدة بعد أن غادر الأبناء والأحفاد منزل العائلة، جيرانها يعرفونها بابتسامتها الدافئة وحرصها على تقديم يد العون للجميع، ورغم بساطة حياتها، كانت تحتفظ ببعض مشغولاتها الذهبية التي ورثتها من زوجها الراحل، تمثل لها قيمة معنوية أكثر من قيمتها المادية. قبل نحو أسبوعين، اكتشفت الحاجة هُدى اختفاء بعض المشغولات الذهبية من داخل شقتها، شعرت أن هناك من خان ثقتها، لجأت على الفور إلى قسم ثان طنطا لتحرير محضر بالواقعة، لكن لم تدرِ المسكينة أن الخطوة التي اتخذتها لحماية حقها ستكون الشرارة التي تشعل النهاية المأساوية. اقرأ أيضا: جريمة قتل والسبب هاتف محمول مواجهة من بين كل من يدور حولها، كان قلبها يوجّه أصابع الاتهام إلى أقرب الناس إليها: جارتها وصديقتها «رباب»، خياطة في منتصف الأربعينيات، طالما تقاسمت معها الخبز والملح، وجلسات السمر، والأسرار الصغيرة، وعندما واجهتها الحاجة هُدى بجرأة قائلة: «إنتي اللي سرقتيني.. ولو ما رجعتيش الذهب هستكمل الإجراءات القانونية»، لم تدرك أنها وقّعت على حكم قتلها بكلماتها الصادقة. خطة الغدر التحريات الأمنية كشفت أن «رباب» لم تتحمل فكرة الفضيحة أو الملاحقة القانونية، ومع ضعف النفس أمام إغراء المال، خططت للتخلص من صديقتها، ارتدت قفازات لتجنب ترك بصمات، وتوجهت إلى منزل الضحية في زيارة عادية، تبادلت معها كلمات ودودة مصحوبة بقطرات دمع من عينيها تطلب منها الصفح والغفران، لكن في لحظة غادرة، انقضّت عليها وخنقتها حتى لفظت أنفاسها الأخيرة، لم تترك سوى جثة هامدة صامتة، وغادرت المكان بخطوات ثقيلة تخفي جريمة لا تُمحى. مشهد صادم مرت ساعات طويلة أثارت قلق الجيران الذين اعتادوا أن يطمئنوا على الحاجة هُدى يومياً، طرقوا بابها فلم تُجب، فازداد القلق حتى قرروا فتح الباب، كان المشهد صادمًا على الجميع: جسد الحاجة هُدى مسجى على الأرض، وجهها شاحب، وآثار الخنق واضحة على رقبتها، صرخة انطلقت من قلب جارتها العجوز: «إزاي؟! دي ست طيبة ما أذتش حد في حياتها!»، بينما تجمع الأهالي في ذهول ودموع. سباق مع الزمن فور الإبلاغ، انتقلت قوة من مباحث قسم ثان طنطا بقيادة الرائد أحمد جمعة، وبمشاركة النقباء زياد مصباح، وكريم الدفتار، ومحمد مشعل، جرى تمشيط المنطقة، ومراجعة كاميرات المراقبة المحيطة، وتتبع تحركات المشتبه بها. وفي أقل من ثلاث ساعات، تمكنت الأجهزة الأمنية من ضبط «رباب»، لتسقط قناع الصداقة وتواجه حقيقتها المظلمة. اعترافات وشهادات أمام النيابة العامة، انهارت المتهمة واعترفت بارتكاب الجريمة، مؤكدة أن خوفها من الفضيحة في واقعة سرقة الذهب كان دافعها الأول، قالت بصوت متقطع: «ماكنتش قصدي أوصل لكده.. بس خوفي ضيعني»! كلماتها لم تُشفع لها أمام بشاعة الجريمة التي أطفأت روحًا بريئة وخانت صداقة عمر. الجيران لم يستوعبوا ما حدث، قالت إحدى السيدات وهي تبكي: «الحاجة هُدى كانت زي أمي.. عمرها ما قصرت مع حد»، وأضاف رجل مسن: «كنا نشوفها هي ورباب كأنهم أخوات.. مين كان يصدق إن النهاية تبقى كده؟» أما شاب من الجيران فعلق بمرارة: «الطمع بيعمّي.. والنتيجة جريمة تهز الحجر.» الجريمة تركت جرحًا عميقًا في نفوس أهالي طنطا، وأصبحت حديث الساعة في المقاهي والبيوت، لم تكن مجرد جريمة قتل، بل درسا قاسيًا عن كيف يمكن أن يتحول أقرب المقربين إلى قاتل إذا سيطر الطمع وأُغلقت القلوب. جرائم خيانة الثقة ليست هذه المرة الأولى التي تهتز فيها محافظة الغربية على وقع جريمة مشابهة؛ إذ شهدت السنوات الأخيرة أكثر من حادثة حملت نفس الملامح: خيانة الثقة، والطمع الذي ينتهي بجريمة قتل، ففي قرية سبرباي بمركز طنطا قبل نحو عامين، أقدمت سيدة على قتل قريبتها خنقًا داخل منزلها بعد أن استدرجتها بحجة المساعدة، ثم استولت على مصوغاتها الذهبية، ليتم ضبطها خلال ساعات، وفي المحلة الكبرى، تكرر المشهد حين أقدم شاب على قتل جارته العجوز بعد أن تسلل إلى شقتها لسرقتها، وحين قاومته، اعتدى عليها حتى فارقت الحياة. كما شهدت قرية بشبيش مأساة مشابهة حين استدرجت شابة جارتها لسرقة هاتفها المحمول، وانتهت الواقعة بقتل الضحية في مشهد صادم للجميع.