وُلِدتُ وعِشتُ سنوات عُمرى الأولى فى قرية الضهرية مركز إيتاى البارود محافظة البحيرة، التى تُطِلُ على فرع رشيد، أحد فرعى نهر النيل اللذين يُمدان الدِلتا بالحياة. أما النيل الأساسى فهو مرفأ الأمن والأمان لصعيد مصر من أقصى حدودنا مع السودان حتى لحظة تحوله لفرعى دمياط ورشيد. قرأتُ أن وزير الخارجية الدكتور بدر عبد العاطى وجَّه خطابًا لرئيس مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بعد التطورات الأخيرة فى النيل الأزرق وتنظيم إثيوبيا فعالية دولية لإعلان انتهاء وتشغيل السد الإثيوبى المُخالِف للقانون الدولى. قبل ذلك كان رئيس الوزراء الإثيوبى آبى أحمد قد أعلن افتتاح السد الإثيوبى رسميًا، وهذا الافتتاح تم بحضور عدد من القادة الأفارقة للأسف، فقد كان هناك رئيس وزراء جيبوتى، ورئيس جنوب السودان، ورئيس الصومال، ورئيس كينيا، ورئيس وزراء بربادوس، ورئيس وزراء مملكة إسواتينى، ومسئولون حكوميون إثيوبيون ومسئولون من دولٍ أُخرى. وزير خارجية مصر قال إنه رغم المساعى الواهية لمنح المسار الإثيوبى غِطاءً زائفًا من القبول، فإن السد يظل إجراءً أُحاديًا مخالفًا للقانون والأعراف الدولية. ولا ينتُج عنه أى تبعات من شأنها التأثير على القانون التنظيمى الحاكم لحوض النيل، فضلا عما تمثله التصرفات الإثيوبية من خرقٍ جديد يُضاف لقائمة طويلة من الانتهاكات الإثيوبية للقانون الدولى بما فى ذلك البيان الرئاسى لمجلس الأمن الصادر 15 سبتمبر 2021، منوهًا بأن مصر لديها موقف ثابت فى رفض جميع الإجراءات الأحادية الإثيوبية فى النيل وعدم الاعتداد بها أو القبول بتبعاتها على المصالح الوجودية لشعبى دولتى المصب مصر والسودان. الخطاب المصرى الموجه إلى مجلس الأمن أشار إلى أنه منذ البدء الأحادى لمشروع السد الإثيوبى وعلى مدار السنوات الماضية مارست مصر أقصى درجات ضبط النفس واختارت اللجوء للدبلوماسية والمنظومة الدولية بما فيها الأممالمتحدة ليس نتيجة لعدم قُدرة على الدفاع عن مصالحنا الوجودية، وإنما انطلاقًا من اقتناع مصر الواسع بأهمية تعزيز التعاون وتحقيق المصلحة المشتركة بين شعوب دول حوض النيل وفقًا للقانون الدولى بما يحقق المصالح التنموية ويراعى شواغل دول المصب. الخطاب الدبلوماسى المصرى المُهم أوضح أنه فى المُقابل تبنَّت أديس أبابا مواقف مُتعنِّتة، وسعت للتسويف فى المفاوضات وفرض الأمر الواقع مدفوعة إلى ذلك بأجندة سياسية وليس احتياجات تنموية لحشد الداخل الإثيوبى ضد عدوٍ وهمى مُتذرِّعة فى ذلك بدعاوى زائفة حول السيادة على نهر النيل الذى يُمثِّل ملكية مشتركة لدوله المُشاطئة، مشددًا على أن أى تصورات مغلوطة بأن القاهرة قد تغُض الطرف عن مصالحها الوجودية فى نهر النيل هى محض أوهام. وأن مصر متمسكة بإعمال القانون الدولى فى نهر النيل، ولن تسمح للمساعى الإثيوبية المهيمنة على إدارة الموانى المائية بصورة أُحادية، وتحتفظ بحقها باتخاذ جميع التدابير المكفولة بموجب القانون الدولى وميثاق الأممالمتحدة للدفاع عن المصالح الوجودية لشعبها، الشعب المصرى صاحب أقدم حضارة فى التاريخ. وبالنسبة لإنسانٍ مصرى مثلى نشأ فى قرية مُشاطئة للنيل، وقبل بناء السد العالى العظيم، كُنَّا وقت الفيضان نسهر لنحرس مياه النهر قبل أن تتسلل إلى الأراضى المزروعة، وإلى من يسكنون فى هذه الأراضى، وكانت هناك مناوبات بين الأهالى يُنظِّمونها بأنفسهم بالتعاون مع الدولة الحاكمة فى ذلك الوقت. إلى أن بنى مؤسس مصر الحديثة الزعيم جمال عبد الناصر السد العالى، وكان بناؤه حدثًا وطنيًا فريدًا ومهمًا، غنينا له جميعًا وفرحنا به كلنا. وما من مطرب مصرى إلا وغنى للسد العالى الذى جعلنا نعيش فى أمنٍ وأمان بأن المياه هى مبرر الحياة الوحيد بالنسبة لنا، خاصة مياه نهر النيل. لدرجة تذكرنى أننى فى طفولتى وصباى كانوا فى قريتى يقولون عن النيل: بحر النيل. تعبيرًا عن ضخامته وأهميته وكونه مبرر حياة نادر الوجود. فما الذى تفعله إثيوبيا؟ وكيف تقف عند حدودها؟ ومصر جميعًا وشعبها وقواتها المسلحة فى المقدمة ضد هذا الذى يتم.