«مستقبل وطن» ينظم مؤتمرات جماهيرية بالمحافظات لدعم المشاركة في انتخابات مجلس النواب (فيديو)    وزيرا التنمية والزراعة ومحافظ الوادي يتفقدون مجمع الخدمات الذكيه بالخارجة    «الزراعة» تطلق الحملة القومية لتحصين الماشية ضد الحمى القلاعية والوادي المتصدع    اللواء محمد إبراهيم الدويري يكشف تفاصيل المرحلة الثالثة من صفقة شاليط    تأكيد مصري باكستاني على تكثيف التشاور بين البلدين لتفادي التصعيد ومواجهة التحديات المشتركة    جلسة بين الأهلي وحسين الشحات لبحث نقاط الخلاف في ملف تجديد العقد    طقس الأحد.. حار نهارا وشبورة كثيفة صباحا والعظمى بالقاهرة 30 درجة    السبت 1 نوفمبر إجازة رسمية تزامنا مع افتتاح المتحف المصري الكبير    وزارة الأوقاف: منع تام لاستخدام المساجد في الدعاية أو الأنشطة الانتخابية    جدول مباريات اليوم السبت 25 أكتوبر 2025.. مواجهات نارية في الدوري المصري ودوري أبطال إفريقيا    ترامب يعرب عن استعداده للقاء زعيم كوريا الشمالية خلال جولته الآسيوية    المتحدث باسم حماس: جاهزون لتسليم حكم غزة وندعو للإسراع بذلك    أول تعليق من منة شلبي بعد زواجها من أحمد الجنايني    محافظ المنوفية: 172 مليون جنيه جملة استثمارات مشروعات الخطة الاستثمارية الجديدة    وظائف جديدة في البنك الزراعي المصري .. التفاصيل والشروط ورابط التقديم    رئيس «المتاحف» في مصر: الشمس ستتعامد على وجه رمسيس الثاني بالمتحف الكبير على غرار معبد أبو سمبل    دون الحاجة للذهاب إلى الطبيب.. 5 طرق لعلاج ألم الأسنان في المنزل    قلق عالمي.. الأمير هاري وميجان يدعوان إلى حظر الذكاء الاصطناعي الفائق    تبدأ اليوم.. جامعة الإسكندرية تطلق فعاليات مبادرة «تمكين» لدعم الطلاب ذوي الإعاقة    «مكيف وروسي».. مواعيد قطارات «الإسكندرية - القاهرة» اليوم السبت 25 أكتوبر 2025    إصابة 6 أشخاص في تصادم مروع بالشرقية    اتهامات تزوير تلاحق رمضان صبحي.. وجنايات الجيزة تؤجل نظر القضية ل22 نوفمبر    «الداخلية»: ضبط 381 قضية مخدرات وتنفيذ 84 ألف حكم قضائي خلال 24 ساعة    «السردين ب70 جنيهًا».. أسعار السمك والمأكولات البحرية بأسواق الإسكندرية اليوم 25 أكتوبر 2025    بعد انخفاض الكيلو.. أسعار الفراخ اليوم السبت 25 أكتوبر 2025 في بورصة الدواجن    شيخ الأزهر يزور إيطاليا للمشاركة في المؤتمر العالمي «إيجاد الشجاعة للسعي لتحقيق السلام»    رئيس «الدولي» للمتاحف: الشمس تتعامد على وجه رمسيس الثاني بالمتحف المصري الكبير    عشاق الهدوء.. 5 أبراج مش بيحبوا الضوضاء والزحمة    وزير الإسكان يتفقد مكونات مشروع حدائق «تلال الفسطاط»    تخطيط وتجميل.. الجيزة تتزين لاستقبال زوار المتحف المصري الكبير    حملة «100 يوم صحة» قدّمت 138 مليونًا و946 ألف خدمة طبية مجانية خلال 98 يومًا    من غير مواد حافظة.. حضري لأطفالك الزبادي بالفواكه الطازجة في البيت    التضامن: تحسين منظومة الكفالة وتطبيق إجراءات الحوكمة عند تسليم الأطفال    اللواء محمد الدويري: أحد قيادات حماس البارزة لجأ لأبو مازن لحمايته من قصف إسرائيلى    وزير الرى يتابع حالة المنظومة المائية وإجراءات تطوير منظومة إدارة وتوزيع المياه بزمام ترع الإسماعيلية والسويس وبورسعيد    وزير الزراعة يستقبل عدد من الفلاحين ويستمع لمشاكلهم.. ويؤكد: دعم الفلاح "أولوية" ومكتبي مفتوح للجميع    وزارة التعليم: امتحان الشهر لصفوف النقل يوم 26 أكتوبر والأسئلة مقالية بنسبة 15%    موعد مباراة الحزم والنصر في الدوري السعودي    وزارة «الزراعة» تقرر حظر نقل القطن بين الوجهين القبلي والبحري    توصيات طبية جديدة: إدخال الأطعمة المثيرة للحساسية للرضع يدرب الجهاز المناعي    موعد مباراة بايرن ميونخ أمام مونشنجلادباخ بالدوري الألماني.. والقنوات الناقلة    في 5 خطوات فقط.. روشتة لتحسين الصحة النفسية والجسدية    ختام مبهر للدورة الثامنة من مهرجان الجونة السينمائي، سعد مفاجأة الحفل، ساويرس يكرم انتشال التميمي، أحمد مالك وليا دروكير أفضل ممثل وممثلة (صور)    بعت نصيبي من ورث والدي فقاطعني إخوتي هل عليا ذنب؟ الإفتاء ترد    حكم صلاة المرأة بالبنطلون في الإسلام.. الأزهر يوضح الضوابط الشرعية وآداب الستر    حريق بشقة سكنية في الإسكندرية    عمرو أديب يرد على شائعة انتقال محمد صلاح إلى الأهلي: «سيبوا الراجل في حاله»    موعد مباراة ميلان القادمة عقب التعادل أمام بيزا والقنوات الناقلة    مستوطنون يهاجمون المغيّر ويحرقون 3 مركبات    ترامب: علاقاتي مع زعيم كوريا الشمالية جيدة وآمل لقاءه خلال جولتي الآسيوية    «الأزهر العالمي للفتوى» يرد| قطع صلة الرحم.. من الكبائر    الإفتاء تُجيب| تحديد نوع الجنين.. حلال أم حرام؟    الإفتاء تُجيب| «المراهنات».. قمار مُحرم    الشرطة المصرية.. إنجازات أبهرت العالم    الوداد المغربي يعلن عن مدة تعاقده مع حكيم زياش    تفاصيل اصطدام باخرة سياحية بكوبري كلابشة في أسوان.. ماذا حدث؟    "لا تستمع لأي شخص".. بانزا يوجه رسالة ل محمد السيد بعد انتقادات الجماهير    إنزاجي يشيد بلاعبى الهلال بعد الفوز على اتحاد جدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



غزة.. اليوم التالى بين التعمير والتهجير
نشر في بوابة أخبار اليوم يوم 06 - 09 - 2025

700 يوم على العدوان الإسرائيلى على غزة سقط خلالها عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى تحولت فيها إلى خراب، يعانى أهلها من سلاح التجويع، نزحوا أكثر من مرة ومازالوا صامدين متمسكين ببيوتهم وأراضى أجدادهم ولم ينجح الجيش الإسرائيلى فى مهامه، حيث يواجه عمليات نوعية من المقاومة الفلسطينية التى نجحت فى إعادة ترتيب صفوفها وتعويض خسائرها من الأفراد، ولم تتمكن عناصره.
اقرأ أيضًا| 68 شهيدًا و362 مصابًا فى غارات إسرائيلية على غزة خلال 24 ساعة
رغم هذا الوجود العسكرى، من فك أسراه ومع ذلك كله فإن تل أبيب ترسم سيناريوهات اليوم التالى لما بعد وقف العمليات وعنوانه الأكبر السعى إلى إنجاز مهمة التهجير القسرى والتى فشلت فيه بالحرب فتحولت مع دعم أمريكى غير مسبوق إلى إعادة الحديث من جديد عن مشروع كان قد طرحه ترامب منذ فبراير الماضى حول تحويل القطاع إلى ريفييرا الشرق..
اقرأ أيضًا| نصرة لأهل غزة.. انطلاق تظاهرات وسط العاصمة البريطانية
وفى هذا الملف استعراض للأفكار من الأطراف الرئيسية والتى تتراوح بين السعى إلى إنهاء حقيقى لتداعيات العدوان الإسرائيلى وعدم السماح بالتهجير وهذا ما قامت به مصر حيث سبقت الجميع وعملت مبكرا وبدأب شديد وبدراسات مفصلة عن مخطط لإعادة إعمار غزة بتوقيتات محددة، والأهم أنه يضمن إتمام هذه العملية مع الإبقاء على السكان فى القطاع بينما واشنطن وإسرائيل تنظران إلى غزة كما لو كانت مشروعا عقاريا، والحديث عن تحويلها إلى ريفييرا الشرق، دون أى اعتبار أن هناك أصحاب الأرض عاشوا عليها منذ عقود مرتبطين بها فهى المأوى وهى المصير.
أرقام فى الخطة المصرية
احتياجات التعافى وإعادة الإعمار
الإسكان 15.2 مليار دولار
الطرق 3.45 مليار دولار
قطاع الكهرباء 1.5 مليار دولار
الصحة 6.9 مليار دولار
التجارة والصناعة 6.9 مليار دولار
الحماية الاجتماعية 4.2 مليار دولار
التعليم 3.8 مليار دولار
الزراعة 4.2 مليار دولار
إزالة الركام 1.25 مليار دولار
المياه والصرف الصحى 2.7 مليار دولار
الإسكان المؤقت 7 مواقع تستوعب حوالى 1.5 مليون فرد فى وحدات سكنية مؤقتة
مرحلة التعافى المبكر المدة 6 شهور التكلفة 3 مليارات دولار
المرحلة الأولى المدة 24 شهرًا التكلفة 20 مليار دولار
المرحلة الثانية المدة 30 شهرًا التكلفة 30 مليار دولار
أمريكا.. «ريفييرا الشرق»: رؤية ترامب لغزة الجديدة
رضوى شاهبور
لم يأت الحديث عن خطة تحويل غزة إلى «ريفييرا الشرق الأوسط» من فراغ، فمصدر الرؤية يعود إلى سلسلة من التصريحات العلنية والمقابلات الصحفية التى أدلى بها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، إلى جانب مقترحات رفعت من فريقه الإدارى ومستشاريه عقب التصعيد الأخير فى غزة، هذه الخطة، التى تداولتها وسائل إعلام أمريكية كبرى مثل واشنطن بوست ورويترز وسى إن بى سى، ليست وثيقة رسمية معلنة كخارطة طريق حكومية، بل أشبه بمزيج من أفكار سياسية واقتصادية ورؤية شاملة لمرحلة ما بعد الحرب.
وأثار التحقيق الذى نشرته واشنطن بوست جدلاً واسعاً بعد كشفه عن خطة طموحة تحت اسم «صندوق إعادة بناء غزة، وتسريع اقتصادها، وتحويلها» لإعادة تشكيل قطاع غزة جذرياً، وتحويله إلى ما وصفه الرئيس الأمريكى دونالد ترامب ب«ريفييرا الشرق الأوسط»، ولا تقتصر الخطة، التى تمتد على 38 صفحة على إعادة إعمار غزة فحسب، بل تسعى إلى إعادة صياغة دورها الاقتصادى والسياسى فى المنطقة، المدهش أن هذه الفكرة ليست وليدة اللحظة، بل لها جذور تعود إلى أكثر من ثمانية عقود حين درست بريطانيا مشروعًا مشابهًا لإنشاء «منطقة تنمية عملاقة» بين العقبة وغزة.
ويقترح المشروع، حسب الرؤية الأمريكية، وضع غزة تحت وصاية أمريكية مؤقتة لمدة لا تقل عن عشر سنوات، عبر صندوق دولى متعدد الأطراف يبدأ باتفاق ثنائى بين الولايات المتحدة وإسرائيل، ويتولى الصندوق الإدارة الاقتصادية والأمنية، ويعمل على تشكيل قوة أمن محلية بإشراف دولى، مع استمرار السيطرة الإسرائيلية على الأمن الشامل إلى حين ضمان الاستقرار.
وتتحدث الخطة التى استند إليها تقرير واشنطن بوست الأمريكية عن استثمار يتراوح بين 70 و100 مليار دولار لإعادة إعمار القطاع، مع التأكيد أن هذه الاستثمارات خارج ميزانية دافعى الضرائب فى أمريكا، كما يشير إلى تحفيز استثمارات خاصة إضافية تصل إلى 65 مليار دولار، وتشمل المشاريع الرئيسية إزالة الأنقاض والمتفجرات غير المنفجرة، وبناء طرق وموانئ ومطار صغير، وإنشاء شبكة سكك حديد تربط غزة بالخليج، وإقامة مناطق صناعية متقدمة لصناعة الذكاء الاصطناعى والمركبات الكهربائية.
ولتحقيق أهداف الإعمار، تقترح الخطة نقلاً مؤقتًا أو دائمًا لأكثر من مليونى فلسطينى إلى مناطق آمنة داخل غزة أو إلى دول أخرى مقابل تعويضات مالية تصل إلى 5 آلاف دولار للشخص، إضافة إلى دعم سكنى ومعيشى لمدة أربع سنوات، وبالنسبة لأصحاب الأراضى، فيُمنحون «رموزًا رقمية» تمثل حقوقهم المستقبلية فى الأراضى والممتلكات، ما يسمح بتداول ملكية الأراضى بشكل جديد وشفاف.. وترسم الخطة الأمريكية إعادة تصور غزة كمنطقة خالية من السكان الفلسطينيين الحاليين مع إعادة توطينهم بعيداً، لتحويل القطاع إلى منطقة استثمار وأسواق عالمية جديدة تحت إشراف أمريكى.
وفى مقابلات متعددة، تحدث ترامب صراحة عن تقديم حوافز مالية لإخلاء غزة طوعياً، وإعادة إعمارها لتصبح مركزاً سياحياً واقتصادياً يشبه مشاريع «نخلة دبى»، مؤكدا أن تحويل غزة إلى منتجع عالمى.. وتعيد هذه الخطة إلى الأذهان مشروعاً قديماً درست بريطانيا تنفيذه قبل 83 عاماً لإنشاء «منطقة تنمية عملاقة» بين العقبة وغزة، بطول 177 كم وعرض 8.5 كم، مع قناة وسكة حديد مزدوجة لتحويل المنطقة إلى شريان اقتصادى يربط القارات الثلاث.
وكان المشروع البريطانى يستهدف خلق منطقة التجارة تحت سيطرة بريطانية أمريكية مشتركة، وهى فكرة تتقاطع مع الطموح الحالى لتحويل غزة إلى محور تجارى دولى.. وتنطلق كلتا الخطتين من إدراك الأهمية الجيوستراتيجية لغزة، حيث السعى إلى استغلال موقعها لإنشاء ممر اقتصادى عالمى، الفرق أن خطة ترامب تضيف بعداً تقنياً متقدماً مدن ذكية، استثمارات فى الذكاء الاصطناعى، ونظام ملكية رقمى للأراضى.
ورغم الطموح الاقتصادى، تبقى التحديات السياسية والإنسانية حاضرة أهمها مسألة الوصاية الأمريكية على غزة التى تواجه رفضاً فلسطينياً ودولياً، بالإضافة إلى حقوق السكان وإعادة التوطين أو إخلاء السكان ولو طوعياً يثير مخاوف بشأن حق العودة والهوية الوطنية.
خطة «ريفييرا الشرق الأوسط» تعكس رؤية ترامب وفريقه لتحويل غزة من ساحة صراع إلى مركز ازدهار اقتصادى وسياحى، وهى رؤية تبدو امتداداً لأفكار طُرحت قبل أكثر من ثمانية عقود فى عهد الاستعمار البريطانى، لكن نجاحها يعتمد على معادلة صعبة وهى توافق سياسى محلى ودولى، بالإضافة إلى استقرار أمنى طويل الأمد، وضمان حقوق السكان الأصليين من دون ذلك، تبقى الخطة مجرد رؤية على الورق، أو مشروع مثير للجدل أكثر من كونه حلاً قابلاً للتطبيق .
إسرائيل.. تهويد القطاع وإحياء «جوش قاطيف»
محمد نعيم
فى «اليوم التالى» للحرب، لا ترضى حكومة اليمين الإسرائيلى بغير «تهويد قطاع غزة»، وترفض «الصهيوينة الدينية» بموجب اتفاقاتٍ ائتلافية مع نتنياهو ضلوع طرف فلسطينى أو حتى عربى فى تولى مسئولية إدارة القطاع، ولعل ذلك كان باعثًا على رفض إسرائيل محاولات نزع فتيل الأزمة، أو التوصل لتسوية، يمكنها وضع أوزار الحرب، والعودة لاستقرار مفقود منذ عامين كاملين.
وإذا كان هدف إسرائيل المُعلن هو تصفية حماس، وانتزاع روح المقاومة من جسد القطاع المأزوم، فلا تعرف آلتها العسكرية الغاشمة سوى الهيمنة على كامل الأرض، وعدم القبول بغير خضوع أهلها للتهجير القسرى، أو على الأقل نزوح الغزاويين إلى الجنوب، لتصدير كارثة إنسانية على الحدود المصرية، تُفضى فى نهاية المطاف إلى انفراد المعسكر الاستيطانى بالقطاع وتصفية القضية الفلسطينية برمتها.
لا يتناقض هذا التوجه مع رؤية وزير المالية، رئيس كتلة «الصهيونية الدينية» بتسلئيل سيموتريتش، الذى رفض ومعه أقطاب اليمين المتطرف كل المبادرات والحلول، الرامية إلى إعادة إدارة القطاع من خلال السلطة الفلسطينية، فحين طرحت الأطراف الضالعة فى الأزمة اسم رئيس الوزراء الفلسطينى الأسبق سلام فياض، وارتأت صلاحيته لإدارة القطاع بعد حكومة حماس، انتفض سيموتريتش فى إحدى جلسات الكنيست، وانبرى فى طرح رؤاه المتطرفة ذات الصلة ب «اليوم التالى»، داعيًا إلى تهجير سكان القطاع، وعودة مستوطنة «جوش قاطيف»، التى جرى تفكيكها فى الماضى بموجب خطة «فك الارتباط» عن قطاع غزة عام 2005.
حتى «جوش قاطيف» الجديدة التى يأمل سيموتريتش فى عودتها، لا تقتصر بمنظور اليمين المتطرف على ذات المساحة التى كانت عليها فى الماضى، وإنما نشرها على مساحة 365 كيلو متراً مربعاً، أو بالأحرى كامل أرض قطاع غزة. وأضاف الوزير المتطرف خلال جلسة الكنيست: من يظن أن الحل فى غزة سيكون مشابهًا لحلول سابقة فهو لا يفهم أين يعيش، فلا سلام فياض، ولا أى شخصية فلسطينية أخرى يمكنها إدارة القطاع فى «اليوم التالى». ورغم عدوان إسرائيل الغاشم على المدنيين فى القطاع، زعم سيموتريتش حينها: «أقرأ عناوين لا أساس لها بالواقع حول طرح اسم سلام فياض لإدارة غزة فى «اليوم التالى»، ولا أرى إلا أن هؤلاء نازيون جدد يرغبون فى تدمير دولة إسرائيل».
ووجه سيموتريتش خطابه إلى نتنياهو ووزير خارجيته جدعون ساعر، قائلًا: «أدعو رئيس الوزراء ووزير الخارجية إلى انتهاز الفرصة لتنسيق مشروع هجرة سكان القطاع إلى دول العالم، فلدينا شركاء حول العالم يمكننا الاستفادة منهم، وهناك شخصيات عالمية يمكننا تسويق الفكرة من خلالهم».
ولا تغاير رؤية سيموتريتش نظيرتها لدى وزير الأمن القومى إيتمار بن غفير ل «اليوم التالى»، لا سيما وأن الأخير أعرب عن أمله فى أن يكون أول مستوطن فى قطاع غزة. وأضاف فى سياق حوار مع موقع «كيكار» اليمينى: «الأهم من كل ذلك، هو تفادى إضاعة الوقت فى دراسة خيارات تغاير سيطرة إسرائيل على قطاع غزة. بعد تهجير الغزاويين، يصبح من السهل توسيع نطاق القطاع ليتجاوز مجرد العودة إلى المستوطنات. سأكون سعيدًا بالعيش فى غزة لو كان ذلك ممكنًا».
سواء كان سيموتريتش، أو بن غفير، أو غيرهما فى الحكومة المتطرفة، فلا تُدار قضية مستقبل قطاع غزة إسرائيليًا على طاولة الحكومة، وإنما تتحكم فى مفاصلها «خلية سريَّة» محسوبة على المعسكر الاستيطانى، لا علاقة لها بالظهور الإعلامى، ويقتصر دورها على شحن سيموتريتش بإملاءاتٍ يفرضها لاحقًا على نتنياهو فى اجتماعات المجلس الوزارى المصغر للشئون السياسية والأمنية «الكابينت». من خلال «الخلية السريَّة»، حسب صحيفة «يديعوت أحرونوت»، رفض بنيامين نتنياهو إبرام صفقة مع حماس فى يناير الماضى، تفاديًا لتقديم سيموتريتش استقالته من الحكومة.
ويتصدر والد سيموتريتش الحاخام يروحام سموتريتش عضوية الخلية، الذى كان له بالغ الأثر فى صياغة العديد من قرارات الحكومة قبل تمريرها، لدرجة أن نتنياهو اعتاد التواصل مع والد وزير المالية لترتيب بعض الأوراق ذات الصلة بأحزاب الحكومة، لا سيما «البيت اليهودى»، و«عوتسماه يهوديت». وإلى جانب سيموتريتش الأب، يحتل شقيق وزير المالية عاكيفا سيموتريتش المركز الثانى فى الخلية، الذى صاغ بنفسه العديد من الكلمات التى ألقاها الوزير المتطرف، خاصة ما تعلق منها بقطاع غزة، وكان من بينها: تأكيد الوزير أن «قطاع غزة سيصبح جزءًا لا يتجزأ من إسرائيل، وأن الفرصة متاحة حاليًا لبناء مستوطنات جديدة على أنقاض منازل الفلسطينيين التى دمرتها الحرب».
العالم يفكر| «شهد شاهد من أهلها».. أزمة شرعية تُهدِّد تل أبيب
نوال سيد عبدالله
تفاخر الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، قائلًا: «أنا أكثر الرؤساء دعمًا لإسرائيل فى تاريخ الولايات المتحدة»، وفى خطاب آخر، قال سلفه جو بايدن ذات يوم: «لست مضطرًا لأن تكون يهوديًا كى تكون صهيونيًا... أنا صهيونى»، هكذا تشكلت لعقود طويلة صورة التحالف الأمريكى- الإسرائيلى كتحالف راسخ يتجاوز الانقسامات الحزبية، يقوم على ما يُشبه «إجماعًا استراتيجيًا» داخل واشنطن، غير أن أحدث الدراسات الصادرة عن معهد الأمن القومى الإسرائيلى، كشفت أن هذا الإجماع للمرة الأولى آخذ فى التآكل بوتيرة خطيرة، وأن إسرائيل تُواجه اليوم أكبر أزمة فى صورتها لدى الرأى العام الأمريكى منذ تأسيسها.
وتصف دراسة معهد الأمن القومى الإسرائيلى، هذا التحول بأنه «تهديد استراتيجى» يُقَيِّد حرية المناورة السياسية والعسكرية، ويُعَرِّض الأمن القومى الإسرائيلى للخطر، ليست المشكلة حملة علاقات عامة فاشلة، بل أزمة قيم وشرعية تفاقمت مع حرب غزة، وتمددت إلى صفوف الجمهوريين الأصغر سنًا والجمهور اليهودى الأمريكى، لتصيب قلب الإجماع الذى حمى إسرائيل لعقود.
تقر الدراسة، بأن تراجع المكانة سببه السلوك الإسرائيلى فى الحرب وتداعياته الإنسانية، مع اتساع الشعور الأمريكى بوجود فجوة فى «القيم المشتركة» «الديمقراطية، حقوق الإنسان، سيادة القانون».
وتكشف استطلاعات الرأى الأمريكية، عن تحول غير مسبوق فى المزاج العام تجاه إسرائيل: جالوب «يوليو»: 32٪ فقط يؤيدون الأداء العسكرى الإسرائيلى فى غزة «انخفاض 10 نقاط عن سبتمبر 2024»، و60٪ يرفضون، وبين الشباب 18-34 عامًا 9٪ فقط يؤيدون. ومركز بيو «أبريل»: 53٪ من الأمريكيين لديهم نظرة سلبية لإسرائيل «زيادة 10 نقاط عن يناير 2024»، الحدة الأكبر لدى الديمقراطيين الأكبر سنًا والجمهوريين الأصغر سنًا، وجامعة ميريلاند «أغسطس»: تعاطف أكبر مع الفلسطينيين، 41٪ يصفون ما يجرى فى غزة بأنه «إبادة أو شبيه بها».
هذه ليست تقلبات عابرة، بل إعادة تموضع بنيوى: انزياح ديمقراطى حاد بعيدًا عن إسرائيل، وتآكل متسارع بين الجمهوريين دون الخمسين، وتبدل فى موقف إنجيليين شباب تحت وطأة صور المجاعة والدمار.
انتقلت قيادة الديمقراطيين نحو قاعدة حزبية أكثر نقدًا، 40 سيناتورًا ضغطوا لاستئناف مفاوضات وقف النار، وأغلبية صوتت لقرارات رمزية لتقييد السلاح.
وبين صفوف الجمهوريون: دعم رئاسى وعسكرى قوى، لكن يتسع تيار «أمريكا أولًا» المشكك فى قيمة المساعدات، وحذرت أصوات نافذة «مثل تاكر كارلسون» من «نفوذ مفرط للوبى»، ونواب «مارجورى تايلور جرين» اتهموا إسرائيل بارتكاب إبادة.
وحتى اليهود الأمريكيون: بعد قفزة تعاطف عقب 7 أكتوبر إلى 82٪، عاد الشعور بالارتباط إلى 69٪ «مستوى ما قبل الحرب»، ونددت مؤسسات ليبرالية ب «الجوع الشامل فى غزة».
أولًا: إنسانية الحرب وسياسات القوة، خلقت صور المجاعة والقصف سردية أخلاقية مضادة لدى جمهور شاب حساس للحقوق والعدالة العابرة للحدود.
ثانيًا: الاستقطاب الحزبى الأمريكى، حيث تحول إسرائيل من «قضية إجماع» إلى معيار هوية حزبية، وتسييس القضية داخل أجندات العدالة الاجتماعية والتكلفة/المنفعة للأمن القومى.
ثالثًا: سلوك حكومى إسرائيلى مع اتهامات باستدامة الحرب لأهداف ائتلافية، والتساهل مع عنف المستوطنين، وحديث التهجير القسرى والضم للضفة الغربية، وتجاهل ثمن إنسانى -قيمى، يتابعه الأمريكيون يوميًا.
تزداد احتمالات تقييد ووضع شروط على السلاح من واشنطن لتل أبيب، وتباطؤ فى الذخائر الدقيقة، مع توسيع رقابة الكونجرس، فى الوقت نفسه، تنكمش المظلة الدبلوماسية مع صعوبة استخدام الفيتو السياسى غير الرسمى داخل مؤسسات واشنطن، وتراجع قدرة اللوبى على كبح موجات تشريعات تقييدية.
بدوره، أكد المعهد الإسرائيلى فى دراسته، أن «استعادة المكانة الإسرائيلية لن تأتى من خطاب، بل من سياسة»، واقترح على حكومة بنيامين نتنياهو، وضع خطة واضحة بجدول زمنى لإنهاء حملة غزة لا لإدامتها، وتوسيع الممرات الإنسانية «غذاء/دواء/وقود»، وتوثيق تقليل الأذى للمدنيين أمام الكونجرس والرأى العام، وإعادة وصل القنوات مع قيادة الديمقراطيين والانخراط مع جماعات طلابية ويهودية تقدمية لخفض الاغتراب، مع إرسال إشارات سياسية «تعزيز السلطة الفلسطينية، الانخراط فى مسار إقليمى برعاية أمريكية»، لإثبات نية الحل لا إدارة الصراع.
ما بين سطور تقرير المعهد الإسرائيلى، يبرز قلق تل أبيب العميق من أن الدعم الأمريكى لم يعد «مسلمًا به» كما كان فى العقود الماضية، بل إن استمرار الحرب على غزة وغياب رؤية سياسية قد يتركان إسرائيل «معزولة داخل الحزب الجمهورى المُنقسم نفسه»، وهو ما يهدد أمنها القومى على المدى الطويل.
ولعل ما يجعل هذه الأرقام أكثر دلالة، أن مَن يقرع ناقوس الخطر ليس خصوم إسرائيل، بل معهد الأمن القومى الإسرائيلى نفسه، أحد أبرز مراكز التفكير فى تل أبيب، ويؤكد اعترافه بأن صورة إسرائيل بالولايات المتحدة تتآكل بفعل سياساتها فى غزة مقولة: «شهد شاهد من أهلها». فالتراجع ليس مؤامرة إعلامية أو دعاية مُعادية، بل نتيجة طبيعية لعقود من الاحتلال والاستيطان والحروب على المدنيين.
مصر.. رؤية شاملة لإدارة القطاع
إبراهيم مصطفى
مع اقتراب الحرب فى غزة من انتهاء عامها الثانى لا يبدو فى الأفق سوى مشروعين لما بعد الحرب، أحدهما ينافى القانون الدولى ويرفضه الفلسطينيون، وهو المخطط الإسرائيلى لتهجير الشعب الفلسطينى، والمشروع الآخر الذى طرحته مصر وتبنته معظم دول العالم لإعادة إعمار قطاع غزة.
ومنذ طرح القاهرة خطة «التعافى المبكر وإعادة إعمار غزة» فى مارس الماضى، وجد فيها العالم - باستثناء إسرائيل وأمريكا - رؤية بناءة وشاملة لكيفية إدارة القطاع ومعالجة التدمير الشامل الذى لحق به فى حرب الإبادة التى يشنها جيش الاحتلال، وذلك مع بقاء الشعب الفلسطينى على أرضه.
وتتضمن الخطة المكونة من 91 صفحة خطوات مفصلة لإحياء القطاع، بدءا من إزالة الركام والأنقاض، وإنشاء مساكن مؤقتة لإيواء السكان وانتهاء بإنشاء مشروعات وميناء للصيد بما يضمن تنمية مستدامة للقطاع الذى يعانى جولات متلاحقة من الحروب منذ سنوات، بالإضافة إلى النص على إيجاد لجنة غير فصائلية لإدارة القطاع، بما يحفظ إدارة السلطة الفلسطينية لكامل الأراضى المحتلة، على أن تقوم مصر بتدريب آلاف من عناصر الشرطة الفلسطينية لحفظ الأمن فى القطاع.
الخطة التى ولدت ناجحة بإقرارها فى القمة العربية بالقاهرة فى مارس الماضى، حظت بزخم دولى متسارع بعد إعلان الاتحادين الإفريقى والأوروبى دعمهما لها، ثم منظمة التعاون الإسلامى ودول كبرى مثل روسيا والصين واليابان، فى تأكيد على الرفض الدولى لأفكار التهجير التى طرحها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب.
وقاد د. بدر عبدالعاطى وزير الخارجية فى الأشهر الماضية حملة دبلوماسية لإبقاء خطة إعادة الإعمار أمام العالم باعتبارها الخيار المنطقى الوحيد لمستقبل غزة، حيث تعتزم مصر استضافة مؤتمر دولى فور وقف إطلاق النار فى القطاع، بالشراكة مع السلطة الفلسطينية والأمم المتحدة، بهدف حشد الدعم والتمويل لتنفيذ الخطة، المقدر تكلفتها ب53 مليار دولار.
وتواصل مصر حشد التأييد الدولى لخطة إعادة الإعمار لتكون خطة دولية مشتركة، بعدما نجحت فى تحويلها من خطة مصرية إلى خطة عربية وإسلامية. وتواصل البعثات الدبلوماسية المصرية فى كل دول العالم العمل على شرح وتوضيح خطة إعمار غزة، بما يسهم فى خلق مزيد من الزخم والتأييد الدولى، وحث جميع الأطراف على تمويل المخطط الذى وضعته مصر وأيدته الدول العربية والإسلامية.
وبموازاة موقف الإدارة الأمريكية الذى يردد بين الحين والآخر دعم فكرة خلق «ريفييرا» فى غزة وتهجير شعبها، تكثف السفارة المصرية فى واشنطن تواصلها مع دوائر صنع القرار بشأن رؤية إعادة إعمار غزة، حيث أرسلت السفارة ملخصاً للخطة إلى كل أعضاء الكونجرس، كما تتواصل مع مراكز الفكر والرأى لحشد رأى عام مضاد لمحاولات ترويج فكرة التهجير.
وخلال المباحثات مع جميع الأطراف، تبدى مصر انفتاحاً تاماً على تعديل الخطة وفق أى تصورات دولية ذات صلة، ولكن بما يحقق الهدف الأساسى منها وهو بقاء الفلسطينيين على أراضيهم، فضلاً عن الاقتناع بأن مهمة إعادة إعمار قطاع غزة تتطلب «قدراً مهولاً» من العمل ستساهم به دول كثيرة.
وبالتوازى مع جهود حشد الدعم الدولى، تواصل مصر بالتنسيق مع قطر والولايات المتحدة العمل على التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، حيث تبنى مصر رؤيتها على أنه دون إنهاء الحرب لا يمكن بدء العمل على إعادة الإعمار، كما أن الاتفاق السياسى هو الضمانة لتنفيذ خطة التعافى المبكر التى تستغرق 6 أشهر تمهيداً لتنفيذ مرحلتى إعادة الإعمار، لكن يظل التحدى أمام الجهود المصرية التصعيد الإسرائيلى المستمر بتوسيع العمليات العسكرية فى مدينة غزة.
فلسطين.. إعلان دولة من طرف واحد بدستور جديد
مروى حسن حسين
منذ عقود يسعى الشعب الفلسطينى إلى تجسيد حلم الدولة المستقلة، غير أن هذا الحلم ظل أسيرًا لتعقيدات الاحتلال الإسرائيلى وسياسات التهميش الدولية وتبدل موازين القوى الإقليمية اليوم، ومع انسداد أفق المفاوضات الثنائية وفقدان الثقة بالمسار الأمريكى التقليدى، تتبلور رؤية فلسطينية أكثر وضوحاً نحو الانتقال من كيان السلطة المحدود إلى إعلان الدولة الكاملة، بما يشمل إعداد دستور وطنى يمثل العقد الاجتماعى الجديد ويعكس الهوية الجمعية للشعب الفلسطينى.
هذه الرؤية لا تنطلق من فراغ، بل من إرث طويل من النضال الدبلوماسى والسياسى. فمنذ إعلان الاستقلال الرمزى عام 1988 فى الجزائر، ظل الفلسطينيون يلوّحون بحقهم فى الدولة، لكنهم فى الوقت نفسه انخرطوا فى عملية سياسية قادتها اتفاقيات أوسلو التى أفرزت السلطة الفلسطينية كمرحلة انتقالية مؤقتة يفترض أن تقود إلى الدولة خلال خمس سنوات. إلا أن تلك المرحلة تحولت إلى وضع دائم، وأصبحت السلطة إطارًا محدود الصلاحيات، مقيدًا بالاحتلال، ومعتمدًا على المساعدات الخارجية. هذا الوضع خلق قناعة متزايدة لدى النخبة الفلسطينية بأن بقاء السلطة بصيغتها الحالية يعنى إدارة للاحتلال أكثر مما هو إدارة لشعب يسعى للتحرر.
من هنا، تتقدم فكرة الإعلان عن الدولة بشكل أحادى، بوصفها خطوة سيادية ورمزية فى آن واحد، لكنها تحمل أيضاً أبعاداً قانونية وسياسية مهمة. الاعتراف بفلسطين كدولة عضو مراقب فى الأمم المتحدة عام 2012 كان محطة فاصلة فتحت الباب أمام الانضمام إلى المنظمات الدولية، وأعطت زخماً لفكرة الانتقال إلى الدولة، لا سيما بعد انضمام فلسطين إلى المحكمة الجنائية الدولية وهيئات حقوق الإنسان. فى ضوء هذه الإنجازات، ترى القيادة الفلسطينية أن الوقت قد حان لإعطاء طابع مؤسسى أعمق لهذا الكيان من خلال صياغة دستور يمثل الإطار المرجعى للمرحلة المقبلة.
مشروع الدستور الفلسطينى لا يقتصر على كونه وثيقة قانونية تنظم السلطات الثلاث: التنفيذية والتشريعية والقضائية، بل يتجاوز ذلك ليكون إعلاناً عن الهوية الوطنية، وتجسيداً للرؤية المستقبلية للمجتمع الفلسطينى. فى ظل الشتات وتعدد أماكن التواجد، يصبح الدستور عنصرًا مركزيًا لبناء الوحدة المعنوية، إذ يحدد طبيعة النظام السياسى، والعلاقة بين الدين والدولة، وضمان الحريات العامة وحقوق الأقليات، ويضع أسس تداول السلطة بشكل ديمقراطى. هو بمثابة تعبير عن نضج سياسى بعد عقود من النضال التحررى، ورسالة للعالم بأن الفلسطينيين لا يطالبون فقط بدولة على الورق، بل بدولة حديثة قادرة على الانخراط فى المجتمع الدولى.. غير أن هذا الطموح الكبير يواجه تحديات جدية على المستوى الخارجى، لن تقبل إسرائيل بسهولة أى إعلان أحادى عن الدولة، وستعمل بكل أدواتها العسكرية والسياسية والدبلوماسية لإفشاله.
على المستوى الداخلى، يواجه المشروع معضلة الانقسام بين الضفة الغربية وقطاع غزة، إذ إن أى دستور أو إعلان دولة لن يكتسب شرعية حقيقية ما لم يكن ثمرة توافق وطنى شامل.. لذلك فإن التحدى الأكبر يتمثل فى خلق أرضية مشتركة تضمن مشاركة جميع الفصائل والقوى السياسية فى صياغة الدستور، وتوحيد المؤسسات فى الضفة وغزة. كما أن غياب المجلس التشريعى المنتخب منذ سنوات طويلة يعقّد مهمة توفير غطاء قانونى داخلى للخطوات الجديدة، الأمر الذى قد يثير جدلاً حول مدى شرعية أى دستور يتم إقراره دون انتخابات شاملة.
مع ذلك، يعتقد العديد من المفكرين والسياسيين الفلسطينيين أن المضى فى هذا المشروع قد يكون وسيلة لإعادة ترتيب البيت الداخلى بدل أن يكون سبباً لمزيد من الانقسام.
من الناحية العملية، قد لا يؤدى الإعلان عن الدولة وصياغة دستور إلى تغيير فورى على الأرض، فالاحتلال ما زال يسيطر على المعابر والحدود والمياه والموارد الطبيعية، لكن القيمة تكمن فى البعد الرمزى والسياسى.
على المستوى الإقليمى، قد تجد هذه الرؤية دعمًا متفاوتًا بعض الدول العربية التى تطبّع مع إسرائيل قد تتجنب دعم خطوات أحادية خشية التوتر مع تل أبيب وواشنطن، بينما دول أخرى قد ترى فيها فرصة لإعادة القضية الفلسطينية إلى الواجهة بعد سنوات من التهميش.
الرؤية الفلسطينية تجاه إقامة دولة وصياغة دستور تعكس إرادة سياسية للخروج من مأزق المراوحة، ومحاولة لإعادة تعريف المشروع الوطنى فى مرحلة ما بعد أوسلو. إنها رؤية تتحدى الاحتلال، وتواجه تعقيدات الانقسام الداخلى، لكنها فى الوقت نفسه تعبر عن طموح الشعب الفلسطينى فى أن يكون له كيان سيادى معترف به، يستند إلى أسس قانونية ودستورية راسخة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.