منذ عدة شهور أثار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الكثير من الجدل حين سأله أحد الصحفيين عما إذا كان يؤيد ضم إسرائيل للضفة الغربية؟.. واكتفى بالقول إنه لن يتحدث عن ذلك ولكن إسرائيل دولة صغيرة جدًا، وشبَّهها برأس قلم يحمله فى يده، مؤكداً أن ما حققته إسرائيل رغم صغر مساحتها أمر مذهل، لكنه فى الوقت نفسه ليس جيدًا. هذا التوصيف يكشف عن رؤية ترامب لإسرائيل ككيان محدود المساحة يحتاج إلى توسيع أو توفير «مجال حيوى» جديد، وهو ما يفتح الباب للتساؤل حول ارتباط هذه الرؤية بمشروعات التهجير القديمة للفلسطينيين. وبعد ذلك توالى حدثان لهما دلالات خطيرة: الأول موافقة ترامب على إمداد إسرائيل بشحنة أسلحة إضافية قيمتها مليار دولار، معظمها من القنابل الثقيلة المخصصة لتدمير المبانى والملاجئ، وهذه النوعية من الأسلحة لا تُستخدم فى مواجهات محدودة أو فى ملاحقة مجموعات مسلحة داخل المدن، وإنما فى عمليات تدمير واسعة النطاق للبنية التحتية، كما حدث فى غزة، ويبدو أن هذه الشحنة تأتى فى إطار خطة إسرائيلية لاستكمال ما بدأ من تدمير القطاع وإفراغه من سكانه. والحدث الثانى هو انتقال سيناريو غزة إلى الضفة الغربية، وتنفذ إسرائيل أوسع عملية عسكرية منذ «السور الواقى» عام 2002، تشمل اقتحامات عسكرية مدعومة بجرافات وطائرات مسيرة وتدمير البنية التحتية، وهو ما يؤكد أن سياسة الضغط والاقتلاع لا تقتصر على غزة وحدها، بل تشمل الضفة الغربية أيضًا. نحن فى الزمن الأسوأ من احتلال فلسطين، وعادت مشروعات التهجير التى راودت إسرائيل منذ عقود بوتيرة أسرع، خصوصًا فى ظل أوضاع إقليمية ودولية مهيأة لصالحها، وتبنى ترامب يمنحها غطاءً أمريكيًا ثقيل الوزن، أما روسيا والصين فلا يمكن الرهان على مواقف قوية منهما لفرملة الانحياز الغربى لإسرائيل، بينما تقتصر المواقف الأوروبية غالبًا على الإدانات اللفظية دون ترجمتها إلى ضغوط فعالة. وعلى الصعيد العربى تتحمل مصر العبء الأكبر فى قيادة موقف رافض للتهجير، وتساندها فى ذلك بعض الدول المؤثرة فى الإقليم، ويبقى الرهان على إمكانية بلورة موقف عربى جديد يقوم على أسس واقعية ويستفيد من دروس الماضى، بحيث لا يلقى مصير «مبادرة السلام العربية» التى أُطلقت عام 2002 وفشلت بسبب الرفض الإسرائيلى والانقسام الفلسطينى الداخلى. تحطمت مشروعات السلام السابقة على صخور التشدد الإسرائيلى، وعانت من غياب موقف فلسطينى موحد بسبب الصراع بين السلطة وحركة حماس، ثم جاءت أحداث «الربيع العربى» المزعوم عام 2011 لتغير أولويات الدول العربية وتصاعدت النزاعات الداخلية وتراجعت القضية الفلسطينية فى سلم الأولويات، مما أفقد مبادرات التسوية الزخم المطلوب. وبعد كل هذه التحولات، يبقى الأمل فى صياغة موقف عربى جديد يتجاوز عوامل الفشل السابقة، ويرتكز إلى رؤية عادلة تضمن حقوق الفلسطينيين، وتقطع الطريق على مشروعات التهجير التى قد تعصف بما تبقى من استقرار المنطقة.