كلما زاد التصعيد اصبحت كل السيناريوهات مطروحة بشأن مصير غزة فى اليوم التالى الذى لا تبدو له شمس، والمؤشرات تقول إن الوضع يزداد تعقيدا، والأهداف بعضها يتقاطع ومعظمها يتناقض، ولم تحسم بعد قضية واحدة من عشرات القضايا الملحة. اسرائيل لا تتراجع ولا تتنازل ولا تضغط عليها ازمة تحرير الرهائن، ولا تريد فتح ولا حماس ولا الدولة الفلسطينية أصلا، وتمضى فى مخطط إخلاء مناطق واسعة من غزة ولن تسمح بعودة سكانها مرة اخرى، لفرض التهجير على أرض الواقع، عبر الممرات التى حددها الجيش الاسرائيلى، هربا من الموت جوعا او بالحرب الوحشية. وأمريكا لا يعلم أحد حقيقة نوايا ترامب بعد الرفض العربى القاطع لمشروع الريفيرا وتراجعه عنه، ويزداد موقفه شدة بشأن حماس، مطالبا بمغادرتها غزة والإفراج فورا عن الرهائن، مهددا بعواقب وخيمة إذا لم يلتزموا بالأمر، ولا يتحدث عن أى أفق لتسوية سياسية مما يعظم احتمال عدم تراجعه عن مشروعه. وعلى الصعيد الفلسطينى، تصاعدت التوترات منذ أيام، وأصدرت حماس بيانًا تدين ما وصفته ب «نزيف الدم الفلسطيني» على يد أجهزة السلطة فى الضفة الغربية، ووصفت هذه الأفعال بأنها «تتجاوز كل الخطوط الحمراء والأخلاق الوطنية»، وردت عليها السلطة بدعوتها إلى التنحى عن حكم قطاع غزة حفاظًا على «الوجود الفلسطيني»، وحذرت من «أيام ثقيلة وقاسية وصعبة قادمة على سكان القطاع» إذا استمرت حماس فى الحكم. والجانب العربى فيه مصر والأردن الأكثر تضررا ويواجهان مخاطر التهجير بشكل قاطع، وكل الدول العربية لا تسعى للصدام مع أمريكا، وتطالب بموقف عادل واستئناف وقف إطلاق النار وإعطاء الفرصة للمبادرة المصرية، التى تتطلب هدوء الأوضاع والاتفاق على حل نهائى، حتى لا تتكرر عمليات تدمير غزة بعد الإنفاق الضخم على الإعمار كما كان يحدث فى المرات السابقة. وإسرائيل تعمل على إفشال أى اتفاق حتى يكون البديل الوحيد هو التهجير، ولم تعد قضية إطلاق الرهائن ضاغطة على نتنياهو، رغم احتجاجات فئات كثيرة من ذويهم على استئناف القتال خوفا على مصيرهم. وحماس تعلم جيدا ان إسرائيل لن تتركها وستواصل الحرب ضد عناصرها حتى لو اطلقت سراح جميع الرهائن، وأصبح وجودها مرفوضا من أمريكا وإسرائيل والغرب وغير مرحب به عربيا، وتكسب مزيدا من الوقت ليكون لها دور فى اى ترتيبات سياسية، وعدم إجبارها على مغادرة غزة بالكامل وتسليم أسلحتها. ويبقى السؤال: هل أعادت عملية السابع من أكتوبر الروح للقضية الفلسطينية أم أزهقتها؟ لا هذا ولا ذاك، ورغم ثقل فاتورة الخسائر إلا ان القضية الفلسطينية دخلت مرحلة جديدة تتوقف على قدرة الفلسطينيين -أولا- على استثمار الزخم الدولى وتحويله إلى مكاسب سياسية، وإلا فستكون فرصة اخيرة ضائعة .