عاد الحديث مجددًا عن «تهجير الفلسطينيين» من العاصمة الأمريكية، وكان محورًا فى اللقاء الذى جمع الرئيس دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، وفى الوقت نفسه تشهد الدوحة مفاوضات لاستكمال بحث التوصل إلى هدنة جديدة، قد تمهد لمحادثات أوسع لوقف الحرب وتبادل الأسرى والرهائن. ووسط هذا المشهد الغامض، وجه ترامب رسائل سلبية لا تخدم أجواء التفاوض، وقد يكون هدفها الضغط أو فرض أمر واقع، وإن كان من المستبعد أن تُحدث تحولًا جذريًا فى مسار المحادثات، مع زيارة مرتقبة للمبعوث الأمريكى للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف. إعادة طرح فكرة التهجير فى هذا التوقيت خطوة خطيرة، تضرب جهود التهدئة وتنسف المساعى الجادة لوقف إطلاق النار، ويظل الموقف المصرى والعربى واضحًا وثابتًا، برفض أى محاولات لتصفية القضية الفلسطينية وتهجير أبناء غزة من أرضهم. نتذكر عندما سُئل ترامب منذ عدة شهور إن كان يدعم ضم إسرائيل للضفة الغربية، تهرب من الإجابة لكنه قال: مساحة إسرائيل صغيرة جدًا، ثم شبّه إسرائيل برأس قلم صغير يحمله، وبعيدًا عن سذاجة التشبيه، كانت الرسالة واضحة: التفكير فى توسيع تلك المساحة، ولو كان الثمن باهظًا. وتزامن مع تصريحات ترامب حدثان خطيران: أولًا: موافقة ترامب على دعم إسرائيل بشحنات سلاح ضخمة تتضمن قنابل ثقيلة مخصصة لهدم البنية التحتية والملاجئ، وليست موجهة لحرب الشوارع أو استهداف مقاتلى حماس، وهو ما يفسَّر على أنه دعم أمريكى مباشر لعمليات تدمير شاملة، تمهيدًا لإفراغ ما تبقى من غزة من سكانها. ثانيًا: نقل نفس سيناريو غزة إلى الضفة الغربية. وإسرائيل تنفذ أكبر عملية عسكرية منذ اجتياح «السور الواقى» عام 2002 تشمل اقتحامات وجرافات ودعمًا جويًا، ما يؤدى لزيادة سقوط شهداء وجرحى واستكمال التدمير الواسع للبنية التحتية.. عملية مزدوجة فى الاتجاهين شمالًا وجنوبًا، توحى بأن الخطة أكبر من مجرد ردع حماس أو القضاء عليها، وربما تتجاوز الحدود المؤقتة إلى تغيير ديموغرافى جذرى. وعودة الحديث عن مشروعات التهجير تطرح مخاوف كبيرة، فى ظل بيئة دولية وإقليمية مواتية لإسرائيل، فلا يمكن التعويل كثيرًا على مواقف الصين وروسيا، التى تنشغل كل منهما بمصالحها الخاصة، ولا تقدم سوى خطابات مبدئية، وبالنسبة لأوروبا، فإن أقصى ردود أفعالها تبقى فى إطار الإدانة، دون فرض عقوبات أو اتخاذ خطوات فعالة. وسط هذا المشهد الغامض، تقود مصر جهدًا عربيًا حقيقيًا لمواجهة مخطط التهجير، بدعم من بعض الدول المؤثرة، فى ظل ظروف ليست سهلة، ورغم استمرار محادثات الدوحة إلا أن لغة التصعيد المسلح من جانب إسرائيل والتأييد السياسى والعسكرى من ترامب، تجعل المنطقة تقترب من مفترق طرق خطير. هل تتجه المنطقة نحو تهدئة حقيقية ومشروع سلام جديد، أم بصدد فصل دموى آخر فى مسلسل التهجير والتدمير؟.. السؤال مطروح، والإجابة رهن الأيام القادمة.