لم يكن غريبًا أن تظل نجمة بحجم القديرة أنغام "صاحبة المقام الرفيع" لسنوات طويلة هي الصوت النسائي المصري الوحيد المتربع على عرش الساحة الغنائية المصرية، والعربية على حد سواء، وذلك لم يأتِ من الفراغ.. فهي أحد أعمدة الفن المصري، وصاحبة المشوار الثري المليء بالتحولات والتحديات. منذ بداية التسعينيات مرورًا بمطلع الألفية الجديدة، وحتى الآن، كانت أنغام ولا تزال الرهان الرابح لعشاق الطرب وهواة الحداثة والتطور معًا، واللحن العذب الأصيل الذي يستعصي على الزمن هدرُه، ولم يَكِلْ يومًا عن البوح برقي المشاعر ودفء الأحاسيس. من المعروف أن النجمة الكبيرة أنغام بدأت مشوارها الفني في سن مبكر، بصحبة والدها ومكتشفها الأول الموسيقار محمد علي سليمان، الذي كان حريصًا على صقل موهبتها منذ الصغر، وإشباعها بجميع المدارس والألوان الموسيقية العربية، وهو ما انعكس بشكل واضح وكبير على ثقافتها وشخصيتها الفنية التي لم تتأثر أمام أيّة تحديات، ولم يكن من الإنصاف أو المعقول أيضًا القولَ بأن لا أحد كان يتوقع لهذه الطفلة البريئة أن تصل إلى ما تتمتع به الآن من مكانة وخبرة وثقل فني، لا سيما وأن كل الوقائع أكدت بأن كل من التقى بها في صغرها، ولاحظ موهبتها ونبوغها، توقع لها شأنًا عظيمًا ومستقبلًا قد تصبح فيه إحدى رايات التجديد والتطور، ونموذجًا نادر التكرار. خطت أنغام أولى خطواتها في التعبير عن موهبتها الفنية بعدد من الروائع الغنائية، تُعَدُّ الآن من الكلاسيكيات، بداية من "الركن البعيد الهادئ" عام 1987، و"أول جواب" عام 1988، ثم التجربة الأكثر شهرة ونجاحًا مع "لالي لي لالي" التي قدمتها عام 1989.. وكلها كانت تجارب حاولت من خلالها أنغام أن تحافظ على ما نشأت عليه، وفي الوقت نفسه تحاكي حجم التغيرات التي بدأت تظهر ملامحها على الساحة الغنائية في ذلك الوقت، وتجسدت معالمها بظهور ألوان جديدة، رغم انتشارها وبداية سيطرتها على المشهد في ذلك الوقت، إلا أن معظمها قوبل بموجات من التحفظ والاعتراض. وحدها أنغام هي التي استطاعت الفرار بتجاربها في تلك الفترة من موجات النقد والتحفظ، كونها نجحت في معادلة صعبة، جنحت فيها ناحية الحداثة والتطور دون خلل فى الحفاظ على الروح والطابع الكلاسيكي للأغنية المصرية ذات الطابع الطربي، ولذا كانت أنغام ومنذ ظهورها الصوت الوحيد الذي كان يُشار إليه دومًا بالجمع بين الأصالة ومواكبة التطور الموسيقي الذي طرأ على الأغنية في هذه الحقبة، وعُرف فيما بعد بمصطلح "الأغنية الشبابية". تنبؤات وتحديات مع أول ألبوماتها قدمت توازنًا ملحوظًا بين المدرستين، بعدد من الأغنيات تميزت بالطابع السردي على مستوى الكلمات والأفكار، والرشاقة والتنوع على مستوى الموسيقى والألحان، الأمر الذي جعلها محط آمال وانتظار الجميع، وبشّر بقدوم نجمة تنبأ لها من حولها – رغم صغر سنها – أنها ستكون خليفة الكبار من نجوم زمن الفن الجميل، والامتداد الطبيعي لتطور الأغنية المرتبط بالأصالة والذوق الرفيع، وهمزة الوصل التي يمكن أن تحقق التوازن بين زمنين رغم التناقضات وأوجه الاختلاف بين كل منهما. وعلى ما يبدو أن هذا كان قدر أنغام الذي كُتب عليها منذ البداية، أو ربما كان قراءة مبكرة لفكر أنغام، ولتطورات مشروعها الغنائي الذي كشفت تفاصيله السنواتُ فيما بعد، حيث قدّم مشوارها الثري بكل محطاته تجسيدًا واضحًا وصريحًا لهذه التنبؤات. وقدمت أيضًا مثالًا ونموذجًا منفردًا في المزج بين أصالة الأمس وحداثة اليوم. توالت نجاحات أنغام واستمرت في رحلتها الفنية خلال فترة التسعينيات، التي لم تشهد اختلافًا كثيرًا عن بدايتها فيما كانت تقدمه للجمهور، إلى أن جاءت الألفية الجديدة – حيث التحدي الأكبر – والتي بدأت معها أنغام تدرك وتتأكد من حجم التغير الموسيقي الذي تشهده هذه المرحلة وسيطر عليها، ولأن لكل زمن نجومه، بدأت أنغام تساير هذه التغيرات بذكاء فني وخبرة كبيرة، حتى استطاعت أن تقدم نفسها بشكل جديد وملائم لاحتياجات السوق والجماهير في ذلك الوقت، فحققت العديد من النجاحات كانت الأبرز في مشوارها الفني منها تجاربها خلال ألبوم "ليه سبتها، عمري معاك، نفسي أحبك، كل ما نقرب لبعض".. ولا ننسى نجاحها المدوي مع "سيدي وصالك".. وهي نفس الفترة التي بدأت تظهر فيها بعض الدماء الجديدة على الساحة من الأصوات الشابة في ذلك الوقت، فضلًا عن الوافدين العرب، إذ بدأت تظهر على الساحة أسماء لنجوم بدأوا في الصعود بسرعة الصاروخ، سواء من المغرب العربي مثل صابر الرباعي أو من بيروت كهيفا ونانسي وإليسا واللاتي ارتبط ظهورهن باتجاهات وأنماط غنائية مختلفة على مستوى الكلمة أو الجمل اللحنية والتوزيعات.. ولا ننسى المفاجآت المدوية للنجم عمرو دياب خلال هذه الفترة، والتي توجت بحصوله على ال"ميوزك أوورد"، في فترة شهدت تطورًا ملحوظًا كان أشبه بالثورة الثانية في عالم الموسيقى والتوزيعات – على غرار الثورة التي أحدثها سابقًا الشاعري ورفاقه – وعاصرها ظهور أسماء من شباب الموسيقيين الجدد الذين كشف عنهم عمرو خلال تعاونه معهم في هذه الفترة. تحولات وهنا تجدر الإشارة إلى عدد من التحولات التي مرت بها أنغام خلال مشروعها الغنائي، والتي لولاها ما تمكنت من تحقيق الاستمرارية، وبنفس القدر من النجاح. التحول الأول يأخذنا لما قبل ذلك بسنوات، وتحديدًا مع بداية انفصالها عن مكتشفها ومعلمها الأول الموسيقار محمد علي سليمان، بعد سلسلة من النجاحات نالاها سوياً آخرها مع ألبوم "إلا أنا" خلال عام 1994، وهو النجاح الذي كان له الفضل - كما أشرنا – في أنه جعل من أنغام المطربة الأحق والأجدر في نظر الكثيرين بأن تكون وريثة الزمن الجميل وخير خلف لنجومه، ولذا فقد كان قرار الانفصال أكبر من كونه مجرد قرار بفض شراكة فنية، كان قرارًا مصيريًا يحوي قدرًا كبيرًا من الجرأة والمجازفة، اتخذته أنغام و راهنت فيه على أفكارها، في انتصار واضح لإرادتها على استكمال المشوار بما تراه ملائمًا ومناسبًا لطبيعتها ورؤيتها الفنية. ومن جديد عادت تلاحقها الأنظار تحسبًا لنتائج هذه الخطوة، التي رأى فيها البعض قدرًا كبيرًا من الرعونة والتمرد، إلا أن أنغام سرعان ما برهنت على صدق حدسها وصواب قرارها. ورغم أنها كانت في موقف صعب كانت مطالبة فيه بالبرهنة على سلامة قرارها من ناحية، والاستمرار على نفس مستوى نجاحها السابق من ناحية أخرى، معتمدة على نفسها دون رفيق أو مرشد.. من جديد حسمت الرهان لصالحها، بعدد من التجارب والمشاريع الغنائية التي إن لم تكن حملت اختلافًا أو تطورًا ملحوظًا على مستوى تجاربها قبل الانفصال، فعلى الأقل هي لم تكن أقل في المستوى الفني وكذلك النجاح. أما التحول الثاني وهو الأكثر تأثيرًا، فكان مع قدوم الألفية الجديدة وما شهدته من تغيرات عديدة داخل السوق الغنائي، والتي كانت سببًا في تراجع وبداية اختفاء لمطربين كثر من نجوم الثمانينيات والتسعينيات كونهم لم يتمكنوا من التكيف مع هذه المتغيرات ومجاراتهَا.. إلا أن أنغام بذكائها الفني الشديد وحسها المتمرد المتطلع دومًا للتطور والتجديد، استطاعت التكيف مع هذه المتغيرات ومواكبتها بأعمال من روح تلك المرحلة، مما منحها عمرًا فنيًا أطول واستمرارية مكنتها من الحفاظ على مكانتها الجماهيرية وبين أكثر من جيل، ويُحسب لها خلال هذه المرحلة أن جرأتها على التجديد لم تنسها القيمة، واختارت التكيف مع متطلبات العصر مع الاحتفاظ بروح الأصالة ورقِي الكلمة وعذوبة اللحن. اقرأ أيضا: بعد عودتها إلى مصر.. نجوم الفن يدعمون أنغام رؤية معاصرة وبرز هذا التحول إلى ذروته تحديدًا بين ألبوم "وحدانية" الذي صدر عام 1999 وألبومي "ليه سبتها" عام 2001 و"عمري معاك" عام 2003، حيث شكلا نقلة نوعية ملحوظة في اختيارات أنغام وطبيعة الأنماط الموسيقية الأكثر تحررًا، التي قررت اعتمادها منذ هذين الألبومين، ولجأت خلالهما للانفتاح على تجارب موسيقية لملحنين جدد في مقدمتهم شريف تاج – أحد فرسان هذه المرحلة من الشباب - ذلك بعد نجاحه الضخم مع النجم عمرو دياب في "قمرين" و"تملي معاك"، واعتمدت على تاج في وضع الألحان لخمسة أغنيات خلال الألبوم الأول "ليه سبتها" وظهر أيضًا بنفس القدر من التواجد في ألبوم "عمري معاك" حيث قدم لها "عمري معاك، مايهمش، اسرقني، تحب أتغير، أنا مخصماك، شفت الدنيا"، وكذلك الملحن تامر علي الذي تعاونت معه في أربع أغنيات في نفس الألبوم وهن "عرفها بيا، فينك، رجعنا في كلامنا، حالك"، إلى جانب الملحن خالد عز أيضًا. وعلى مستوى الشعراء كشف هذا الألبوم عن تعاونها أيضًا مع عدد من الشعراء الشباب آنذاك ومنهم أيمن بهجت قمر ونادر عبدالله، إلى جانب تعاونها فيما بعد مع الشاعر أمير طعيمة الذى قدمت من كتاباته مجموعة من الأغانى المتميزة، أما على مستوى التوزيع فشهد تعاونها مع الموزعين طارق مدكور الذى أضافت أعماله رؤية موسيقية مختلفة فى مشوارها، والفيصل، إلى جانب رفيق نجاحها السابق فهد، الذي تولى مسئولية التوزيع لتسع أغنيات من الألبوم. التغيير هنا لم يكن قاصرًا فقط على مستوى الأغنيات فحسب، بل امتد أيضًا للمظهر، والمقصود هنا اللوك الجديد والصادم أيضًا، الذي ظهرت به أنغام خلال هذين الألبومين على وجه التحديد، واعتمدته نهجًا سارت عليه في ألبوماتها التالية، وتحديدًا على الغلاف.. إذ كان واضحًا وضوح الشمس بمقارنة بسيطة بين غلافي ألبوم "وحدانية" و"ليه سبتها" أن ندرك حجم التغير الذي مرت به أنغام خلال الألبومين، وأن أنغام كشفت مع هذا الألبوم«ليه سبتها» عن انطلاقة جديدة لها، برؤية ومنظور أكثر حداثة وتطورًا، لا سيما أن ما قدمته من تجارب خلال ألبوماتها التالية، أكد على هذه الفرضية بما لا يدع مجالًا للشك، كذلك مفاجأة الفيديو كليب الذي تم تصويره من الألبوم، وكان لأغنية "سيدي وصالك"، الذي أثار نجاحه ضجة كبيرة وقت طرحه، وأكد أيضًا على بلوغ أنغام مرحلة فنية جديدة تغير خلالها حتى مفهومها في التعامل مع الأغنيات المصورة بشكل مغاير عما سبق. توالت تجارب أنغام ونجاحاتها مع ألبوم تلو الآخر وهي تخطو بثبات، بمعادلتها الخاصة التي لم تغفل فيها يومًا عن أهمية الكلمة والتعبير الصادق، بنفس قدر الاهتمام بمواكبة التطور على مستوى الموسيقى والألحان.، وازداد تألقها ونجاحها إلى أن وصل إلى ذروته مع ألبوم "أحلام بريئة" الذي طرحته منذ عام 2015، وشهد انفتاحًا أكبر لأنغام على اتجاهات موسيقية جديدة لموسيقيين جدد بعضهم كان هذا الألبوم هو التعاون الأول بينهم، حيث تعاونت فيه مع كل من محمد رحيم وعزيز الشافعي ومحمد حماقي وهشام بولس إلى جانب عدد من شركاء نجاحها السابقين شريف تاج وإيهاب عبد الواحد وخالد عز، ومن الموزعين "طارق مدكور، ونادر حمدي وأحمد إبراهيم ومادي وخالد سليمان وأحمد رجب وداني حلو"، وضم مجموعة كبيرة ومتنوعة من الأغنيات على قدر عال من الثراء الفني سواء على مستوى الكلمات أو الألحان، لا تزال حاضرة وبقوة بين الجمهور، رغم مرور 10 سنوات على طرحه، ومنها "اكتب لك تعهد"، و"أحلام بريئة" وغيرها من الأغنيات التي تتصدر قائمة الأكثر طلبًا خلال الحفلات التي تقدمها أنغام سواء داخل مصر أو خارجها. علامات - يُحسب لأنغام أنها من أوائل المطربات اللاتي اخترقن الساحة الغنائية الخليجية، البداية كانت مع انطلاقتها الأولى في عالم الغناء ومع أول ألبوماتها "الركن البعيد الهادئ" قدمت أولى تجاربها في الغناء باللهجة الخليجية من خلال أغنية "لا يا الحبيب"، وفي عام 1988 كررت التجربة بألبوم كامل حمل عنوان "شكرًا"، وكان الألبوم الخليجي الأول لأنغام في مشوارها الفني، ثم كررت التجربة مع ألبوم "أنا الموقعة أدناه" الذي ضم بين أغانيه 4 أغنيات خليجية تعاونت خلالها وللمرة الأولى مع الشاعر إبراهيم خفاجي وحملت الأغنيات توقيع الملحن سامي إحسان. وفي عام 1992 أصدرت ألبومها الخليجي الثاني "ودان"، وكررت التجربة مرة أخرى عام 1994 من خلال ألبوم كامل أيضًا حمل عنوان "شئ ضاغ"، أما تجربتها الخامسة مع الغناء الخليجي فكانت من خلال ألبوم "أغاني أعجبتني" والذي ضم مجموعة من أعمال التراث الخليجي اليمني، وفي عام 1998 خاضت التجربة مجددًا مع ألبوم "خلي بكرة لبكرة"، كما كانت لها تجربة من خلال ألبومين متتاليين ضم الأول ثلاث أغنيات وهي "مع التقدير"، "قلبي تلوعه"، "عيد الفرح"، والثاني ضم أربع أغنيات هي "الله على ما صار"، "أنت محبوبي"، "سهر مالي"، "مال الناس". -تطرقت أنغام خلال أعمالها على مدار مشوارها الفني الطويل لموضوعات وأفكار عدة، أغلبها كان لصالح المرأة، حيث سخّرت جزءًا كبيرًا من مشروعها الغنائي للتعبير عن قضاياها، عن ذاتها، وتناقضها، وعاطفتها وعنفوانها وكذلك ضعفها وقوتها، فكانت لسان حالها في أقصى لحظات القهر والإحساس بالهزيمة نتيجة لعلاقة سامة أو قصة حب فاشلة.. وبرعت في التعبير عنها بمهارة شديدة جعلت من أغنياتها أشبه بواقع تعيشه وتسمعه وتراه، ساعدها في ذلك إحساسها العال وقدرتها على التعايش والتعاطف الحاد مع الجمل والكلمات التي تتغنى بها، إلى جانب حرصها الشديد وبراعتها في اختيار معانٍ وألفاظ أغانيها بعناية شديدة، والاعتماد على ألحان معبرة وجمل لحنية أكثر تعبيرًا وتأثيرًا. -تميز مشوار النجمة الكبيرة بتجربة فريدة وثرية أيضًا في عالم الأغنية المصورة، حيث كانت لها تجارب عديدة ناجحة ومتطورة في هذا المجال، بداية من بصمتها الكلاسيكية الأشهر مع أغنية "شنطة سفر" التي قدمتها بالتعاون مع المخرج الكبير عاطف الطيب والذي بدوره أضاف للكليب لمسة سينمائية كانت أحد أهم أسباب النجاح والشهرة التي حظي بها الكليب، وجعلته من العلامات الراسخة في أذهان أجيال من الجمهور، هذا بالإضافة إلى تجارب أخرى عديدة تركَت بفضلها بصمة واضحة في عالم الفيديو كليب منها "عمري معاك" و"سيدي وصالك"، مرورًا ب"بين البينين" و"حتة ناقصة" و"أهي جت" و"سيبك انت".