زيارة الدكتور معيط لأحمد هاشم تصرف إنسانى بحت. نعم الدكتور معيط ترك الوزارة لكنه لم يترك أخلاقياته وفروسيته التى يتعامل بها مع كل الناس فى لفتة لا تصدر إلا من ابن أصول يعرف ويقدر قيمة العلاقات الإنسانية، قام وزير المالية السابق الدكتور محمد معيط، بزيارة صديقنا الصحفى اللامع أحمد هاشم فى مكتبه بشارع الصحافة، مهنئًا له عقب اختياره رئيسًا لتحرير مجلة آخر ساعة، أقدم إصدارات دارنا الحبيبة أخبار اليوم. لم يتردد ابن مدينة الحوامدية بالجيزة فى فعل الواجب تجاه، لن أقول ابنه فربما لا يتعدى فارق العمر بينه وبين هاشم العشر سنوات، لكن هاشم كان بالنسبة لمعيط بمثابة الأخ الأصغر وقبل ذلك والأهم الصديق. وهى ظاهرة لا تتكرر كثيرًا فى بلادنا حيث تحول كل زملائنا الذين يتولون تغطية أخبار وزارة المالية فى فترة الدكتور معيط، إلى أصدقاء مقربين للوزير فتحولت علاقتهم به، من علاقة بين صحفيين ووزير إلى علاقة صداقة حقيقية يغبطهم عليها بقية محررى الوزارات الأخري، بل يغبطهم كذلك من سبقهم فى تغطية أخبار وزارة المالية من أمثالى فى عهود كانت صعبة وكان وزير المالية يعتبر الصحفيين أعداء متربصين له يصطادون فى الماء العكر، إلى أن تغيرت هذه العلاقة وللأمانة منذ عهد الوزير الدكتور مدحت حسانين الذى بدأ عهد جديد من العلاقة بين الصحفى والوزير ثم تطورت أكثر فى عهد الدكتور يوسف بطرس غالى ود. أحمد جلال وبلغت ذروتها مع تولى الدكتور محمد معيط وزارة المالية وأظنها مستمرة مع الدكتور أحمد كوجك الوزير الحالى. وأرجو المعذرة لو كانت الذاكرة خانتنى وأسقطت سهوًا أسماء وزراء آخرين تولوا حقيبة المالية منذ حسانين حتى الآن. وإذا كان الشيء بالشيء يذكر فقد ساهم فى توهج تلك العلاقة بين وزراء المالية والصحافة الاقتصادية فريق المكتب الإعلامى النشط للوزارة فى عهود كل هؤلاء الوزراء وحتى الآن بقيادة زميلتنا الرائعة الصحفية المرموقة، نجمة الصحافة الاقتصادية ابتسام سعد. زيارة الدكتور معيط لأحمد هاشم تصرف إنسانى بحت. نعم الدكتور معيط ترك الوزارة لكنه لم يترك أخلاقياته وفروسيته التى يتعامل بها مع كل الناس. كنت شاهدًا على كثير من الوقائع الدالة على ذلك والتى تصرف فيها الوزير بكل شهامة و»جدعنة» مع بعض ممن كانوا يتعمدون الاساءة له أو لقراراته بسبب سواء عن عمد أو بحسن نية فى حالة عدم فهمهم لها و استعجالهم فى تقييمها دون معرفة أهدافها ولا الظروف التى اتخذت فيها. كما شهدت الدكتور معيط مناقشًا من طراز فريد لتلاميذه فى رسائل الماجستير والدكتوراة، وكنت دائم الحرص على حضور تلك المناقشات التى كان لها ولا تزال، أكبر الأثر بالنسبة لى فى تسهيل فهم الاقتصاد بتفاعلاته وتراكيبه الصعبة التى تجرى على لسانه بكل بسلاسة السهل الممتنع. كما استمعت لعدة محاضرات له عن الصحة والتعليم والتأمينات والمعاشات حيث لم يتخل أبدًا عن دوره الأكاديمى حتى وهو فى عز انشغاله بالعمل التنفيذى سواء كوزير واحدة من أهم الوزارات الاقتصادية أو فى منصبه الدقيق والمهم الآن باعتباره المدير التنفيذى الممثل عن مصر والمجموعة العربية والمالديف بصندوق النقد الدولى. سألته يوما كيف يمكن التوفيق بين مسيرته المهنية والعمل الأكاديمى كأستاذ جامعى والحياة العملية كرب أسرة لها احتياجات ومطالب مثلها مثل أى اسرة مصرية عادية فقال لى أن كل شيء ممكن بتنظيم الوقت على مدار اليوم الذى يبدأ بالنسبة للدكتور معيط فى الخامسة فجرًا وربما قبل ذلك وعرفت أنه خلال فترة توليه الوزارة كان يصل مكتبه بالعباسية قبل السابعة صباحًا رغم أنه يسكن فى الشيخ زايد تقريبًا، ولم يكن الرجل يهتم بالشكليات ولا يشترط أن يصل موظفو مكتبه قبله حتى لا يشق عليهم خاصة أنه يظل فى المكتب لأوقات طويلة ربما تصل إلى منتصف الليل أحيانًا بل فى كثير من الأحيان. لقد سعد الدكتور معيط سعادة كبيرة وهو يرى أحد الصحفيين النابهين الذين تعامل معهم يصل لأعلى قمة يتمناها كل صحفى ألا وهى رئاسة التحرير، وكان من الممكن أن يكتفى بتليفون يهنئ فيها صديقنا أحمد هاشم لكنه تصرف بشكل تلقائى وجاء لمقر أخبار اليوم العريقة ليقدم له التهنئة بشخصه وليضرب كعادته مثلًا أعلى فى إعلاء قيم الصداقة وحسن الخلق وغيرها من صفات ابن البلد الشهم الذى لا تغيره المناصب مهما عظمت، ويستطيع دائمًا أن يحتفظ بإنسانيته فى وقت طغت فيه العلاقات المادية المبنية على المصالح على ما عداها من علاقات، فشكرًا مجددًا للدكتور محمد معيط، الوزير بعض الوقت، والمحاضر بعض الوقت، ورب الأسرة بعض الوقت، والإنسان كل الوقت.