بدون وأد الفساد وهزيمته ستكون أي جهود لإعادة بناء مصر "علي نضافة" بمثابة حرث في بحر أو تشييد لقصور من رمال، لا تلبث أن تذروها الرياح.. ومن نافلة القول أن الأساس لو لم يكن سليما ونظيفا سينهار كل ما يقام فوقه، ولن يبني الحضارة ودولة القانون والتقدم والتنمية سوي الاستقامة، النزاهة، الصرامة، الجدية والإخلاص.. هاتوا لي أمة حققت تقدما حضاريا حقيقيا بالفساد أوبالظلم وغياب العدالة والقانون. أو هاتوا مجتمعا ناجحا سمح بإعادة فتح الأبواب لنفس الفاسدين الذين لا يخفون عداءهم للثورة الطاهرة، دون الحذر والتنبه للكمائن والفخاخ لإعادة تمكين الفساد القديم، ومنها قانون التصالح الذي صدر خلسة ممن حاولوا هدم الثورة، بحجة أن الفلوس أهم من العدالة والقانون ومن حقوق المجتمع والشعب!.. ومازلت متمسكا بالمبدأ الصارم الذي لاغني عنه لتحقيق التقدم الشامل لبلادنا ويقول لجميع المواطنين "نظف مؤسستك تتطهر مصر كلها" في عهد الرئيس غير المأسوف علي خلعه وصل نفوذ وجبروت رؤساء الصحف الكبري الأباطرة لدرجة الافتراء والغرور، وحتي "المنظرة علي خلق الله"، وقد استغل صبيانهم ذلك في الحصول علي مايريدون مقابل كلمة إطراء أو لمسة نفاق رخيصة وربما تكون طريفة لإشباع ذلك الغرور.. أحدهم حصل في لعبة واحدة علي منصب رئيس تحرير، بالإضافة لعفو الإمبراطور الغاضب عليه وقتها بشدة، وكل مافعله أن ذهب إلي حفل زواج ابنته وهو يحمل ثلاث نسخ صنعها بنفسه من صحف الأخبار والأهرام والجمهورية، وقد استعان بصديق له بالمطبعة في كتابة مانشيت رئيسي موحد للصحف الثلاث باللون الأحمر يقول "مليون مبروك زواج القمورة ن. س"! (1) شاب آخر قام الإمبراطور بتعيينه صحفيا مع أول خطوة لمست فيها قدمه أرض الجريدة والسبب أنه ابن صديقه "الأنتيم"، الذي استقبله بمنزله لفترة بعد استدعائه من الخارج مغضوبا عليه من أحد الزعماء السابقين، ومن وقتها وهو يعتبر هذا الشبل ابنه.. وقد ظل زملاء هذا الابن ثماني سنوات كاملة "تحت التمرين" بدون تعيين، بداعي تعلم المهارات اللازمة للصحفي، وقد عين من عين منهم بعد شكاوي و"بهدلة".. ومن لم يرق منهم للإمبراطور طرد خارج المؤسسة.. أما ابن الصديق الذي لم تكن الصحافة "في رأسه" أصلا فقد ترقي خلال شهور قليلة ليصبح مديرا لتحرير الجريدة التي عين بها، ثم نقل مديرا لتحرير مجلة أخري تم تعطيل موعد صدورها الأول لحجزها خصيصا من أجله، وكان الهدف الرئيسي لها أن يكوّن لنفسه ثروة بعشرات الملايين من الجنيهات من عمولات، وبزنس إعلانات ومن السفر لعدد كبير من دول العالم، لم يحظ بجزء ضئيل منها رئيس التحرير الذي شغل المنصب إلي حين إعداد ذلك الشبل للمنصب الكبير.. وبالفعل حل محله بعدها بسنوات قليلة وتضاعفت ثروته وسفرياته.. ومن العجائب التي لم تحدث في تاريخ الصحافة المصرية أن يتنازل هذا الابن عن عضوية نقابة الصحفيين وعن رئاسة التحرير لتحقيق نوع من المواءمة مع البلاغات التي قدمت ضده لجهاز الكسب غير المشروع.. وليستقر في العمل الحقيقي الذي كان يجب أن يعين به من الأساس وهو مندوب إعلانات!.. (2) إمبراطور بمؤسسة صحفية ثانية، كان صديقا لأحد أساتذة الجامعات من أصحاب المكاتب الاستشارية الهندسية. وكان متعاقدا معه لأعمال تخص المؤسسة الصحفية.. وفي يوم قدمه لأحد رؤساء الوزارات للتعيين كوزير للإسكان خلفا لوزير كان مشهودا له بالجدية والالتزام بالقانون في كل ما يطلب منه، مهما كان صاحب الطلب.. حتي إن رده علي طلب لأحد ولدي الرئيس المخلوع بتخصيص مساحة كبيرة من الأرض له كان كلمة واحدة "خلي بابا يكلمني" ولم يكررها الولد.. ولكنه استبدل صديق الإمبراطور الصحفي مكان هذا الوزير "النمكي".. ومن لحظتها حصل ابنا المخلوع وأصدقائهما وأصدقاء والدهما علي ما طلبوا.. لكن خبراء ومستشاري القانون من محترفي التفصيل وتقديم الخدمات نصحوا بالاحتياط والتصرف بحكمة لم يكن اكتسبها بعد ابن الرئيس المخلوع، الذي كان متعجلا تكوين نفسه اقتصاديا في البدايات، وقد أتي ببعض التصرفات الفجة التي انتشرت حينها واعتقد البعض أنها سببت حرجا للأب المخلوع، لكن رده كان غير متوقع وصادم: "اعتبروه ابنكم"، وكأنه يقول " اعطوه ملكا أو ميراثا كأولادكم"! وكان أحد أباطرة الصحف الكبري الأسرع في الاستجابة للفكرة التي تحتاج مرونة في التصرف بعيدا عن كل من القطاعين العام والخاص، ولم ينتظر حتي يتم تسقيع الأراضي الكثيرة التي حصل عليها من الوزير المشار إليه وغيره بحجة إقامة مساكن ومصايف ومنتجعات للعاملين بأماكن متميزة للغاية، وبدأ مع مستشاره القانوني هو الآخر في تفصيل عملية نقل ملكية لأرض أخري متميزة أيضا وساقعة وجاهزة بالفعل، دون أن يظهر اسم الابن علي أي أوراق، لكن أهالي المنطقة والسماسرة ومكاتب التسويق قاموا بالواجب.. وفي بلدنا لا شيء "يستخبي" طويلا! (3) واحد آخر من الأباطرة الكبار كان يهوي بجانب عمليات غسيل الأراضي والأموال "غسيل الوزراء" أو بمعني أدق تمرير عمليات الفساد الإداري التي كانت تمارسها بعض أجهزة الدولة الفاسدة عندما تريد تعيين وزير تنقصه الخبرة أو حنكة المناصب العليا ومتطلباتها.. فإذا كان أستاذا بإحدي الجامعات مثلا وينبغي إعداده للمنصب السياسي، فمن الحكمة تدريبه أولا علي عمادة الكلية أو رئاسة الجامعة مثلا، لكن من الممكن أن يعترض الأساتذة من زملائه المستحقين للعمادة قبله وقد يؤدي ذلك ل"شوشرة".. وهنا تلجأ الدولة العميقة للأباطرة بالمؤسسات الصحفية الكبري، صاحبة المرونة العالية بعيدا عن أنظمة الحكومة وعبقرية بعض موظفيها في إيقاف المراكب السايرة، وبذلك أظهر الأباطرة مواهب أخري غير الصحافة وأضافوا أنشطة كثيرة ما أنزل بها القانون من سلطان وأصبح من الممكن ان يطلق علي البعض رسميا داخل المؤسسة الصحفية "تاجر وصحفي" أو "صحفي وسمسار أراضي«. الإمبراطور المشار إليه في الفقرة العليا قام بعملية غسيل وإعداد لتعيين وزير لإسكان سابق ثبت فساده، وهو سجين حاليا.. فلماذا لايثبت إمبراطور الصحيفة الثانية "الأكبر" أنه أجدر منه ويقوم بغسل وزيرين وليس وزيرا واحدا.. أليست علاقته برجال وحاشية الدولة الفاسدة ورجال أعمالها أقوي وأعمق كثيرا من الآخر.. ألا يعتبره الرئيس السابق ولو سرا الكاتب الأول لديه؟!.. وبالفعل قام بتعيين اثنين من أساتذة الجامعات كعميدين واحدا وراء الآخر للمعهد العلمي الذي أسسه في كيان استثماري مرتبط بصحيفته وكان ذلك كالإشارة الخضراء التي تعلن فتح طريقيهما نحو شغل رئاسة الجامعات الكبري، ومن بعدها كراسي الوزارة!.. (4) هل يتصور أحد أن يصل الغرور والاستهانة بالدين بأحد أباطرة الصحف الكبري التي تعج بالفساد رسميا بإدانة قضائية لأن يكون جالسا بمكتبه خلال صلاة للجمعة ويجمع حوله عددا من مساعديه ويقول لهم ساخرا: لنضحك قليلا..انظروا ماذا سأفعل بزميلكم "اللي عامل فيها شيخ " ويلقي الخطبة الآن في الزملاء وسيصلي بهم بعد قليل.. ويستدعي ساعي المكتب ليأمره: اذهب لفلان وقل له إن رئيس مجلس الإدارة يريدك فورا.. وماهي إلا دقيقة واحدة إلا ويفاجأ الجميع بدخول الإمام مهرولا، تاركا الخطبة والصلاة، ويتلعثم متسائلا أوامرك ياريس.. فيكون الرد عليه القهقهة وضحك الجميع حتي استلقوا علي ظهورهم من السخرية، ويصرفه الإمبراطور: اذهب واستكمل صلاتك كنت أريد فقط أن أري طلعتك البهية! يبدو أن هذا التعالي والاستهانة بالبشر وبالدين كان له ما يدعمه من وجهة نظر الإمبراطور علي الأقل.. ففي يوم صدر تقرير يدين وجود حوالي 61 مليون جنيه بميزانية المؤسسة كهدايا تم شراؤها وتوزيعها بدون أي فواتير، وبدلا من إحضار الفواتير التي تخص المال العام حضر رئيس الجهاز الرقابي الكبير بأوامر عليا ليراضي الإمبراطور وتحذف صفحات الإدانة ويصدر تقرير جديد بدونها.. (5) تحية واجبة للشرفاء تحية من القلب للصديق والزميل المحترم عضو جبهة إنقاذ أخبار اليوم الذي رفض الاستجابة للمشاركة في مجاملة إمبراطور الصحافة الهارب بسويسرا.. قال لي الزميل العزيز إنه تلقي رسالة من صديق مشترك بينه وبين الإمبراطور الهارب.. تبلغه أن الإمبراطور اختاره ومعه زميل آخر من المقاومين للفساد بجبهة إنقاذ المؤسسة بالإضافة إلي إحدي أو أحد الأعضاء الذين عينوا مؤخرا بالمجلس الأعلي للصحافة ليقدم الثلاثة شكوي ضد كاتب هذه السطور إلي الجمعية العمومية للمؤسسة، لتتخذ قرارا أو عقوبة بشأن المقال الذي سبق أن نشرته بآخر ساعة وأشرت فيه إلي البلاغات المقدمة لاستعادة أموال المؤسسة المنهوبة منه ومن غيره.. ومن الطريف أن الإمبراطور مازال يعيش في نفس الإحساس الذي كان يسيطر عليه وقت الفساد والجبروت فيأمر ليستجيب الجميع فوراً خوفاً وطمعاً ولازال يتعالي حتي عن أن يستخدم حقه القانوني ويظهر مستنداته في مقابل مستنداتنا ومستندات الجهاز المركزي للمحاسبات، لكي يدفع التهم عن نفسه، وهي نفس التهم التي هرب منها منذ خمسة عشر شهرا عندما استدعاه كل من جهاز الكسب غير المشروع ونيابة الأموال العامة، ومازال التحقيق مفتوحا لدي الجهازين ومعهما محكمة الجنايات. (6) وهي مناسبة لكي أدعو النيابة الموقرة لاستكمال التحقيق في البلاغ لإدانة أو لتبرئة ذلك الإمبراطور الصحفي فيستريح من الغربة القاسية التي وضع نفسه فيها.. كما أدعو الإمبراطور نفسه إذا كان واثقا من نفسه في جميع البلاغات الموجودة بالجهازين وغيرهما أن يأتي ويحصل علي البراءة مثل كل من حصلوا علي براءات خلال المحاكمات.. ولم يعد يجدي الأسلوب العقيم القديم بالضغط علي الآخرين بالمؤسسة ليحاربوا له معركته، دون اهتمام إن كان ذلك قد يؤدي لخلافات بين غالبية تحارب الفساد وتسعي لاستعادة حقوقها.. وأقلية مرتبطة لسبب أو لآخر بذاته الإمبراطورية.. فيا سبحان مغير الأحوال: هل ينسي الإمبراطور أيام كانت الحرية له وحده عندما تقدمنا للقنوات الشرعية منذ حوالي 21 سنة للتحقيق فيما نملكه من مستندات، ووقتها ضغط علي الجمعية العمومية وقطاعات المؤسسة الأخري لكي يسبونا ويشيعوا جوا من الرعب والتشويه حولنا دون الاقتراب من الموضوع الأصلي المرتبط بحقوق كل العاملين وكان كل هدفه وصمنا بسوء الأدب واتهامنا بنشر غسيل المؤسسة خارجها.. والحمد لله أن تأكد الجميع أنه لم يكن لنا من هدف سوي العدالة التي هرب منها.. (7) الزمن تغير أيها الإمبراطور. زمان كان لك صولات وجولات والحرية الكاملة أن تذبح وتفضح وتشنع علي أي إنسان، ولم يكن في ذلك أي فروسية، لأنه في ذات الوقت لم يكن متاحا للطرف الآخر الفرصة الكاملة في الرد حتي مع وجود الحق القانوني، فلم تنشر الردود ومنعت البعض من الكتابة سنوات طويلة اعتمادا علي جبروتك وعلاقاتك الظاهرة والعميقة.. الآن مازال لك بقايا نفوذ.. لكننا أيضا لانخشي إلا الله، وقد واجهناك مباشرة في عز سطوتك وجبروتك المستمد من علاقتك المباشرة بالرئيس الفاسد المخلوع وحاشيته.. ولن نخشي كذلك مواجهة كل الأساليب التي يدفعك ذعرك للجوء إليها.. وأقدر موقفك بشكل إنساني بحت لأن درجة اطمئنانك قبل الهروب قد تلاشت كلها تقريبا عندما وجدت اثنين من مساعديك يسجنون في قضية صغيرة.. فما بالنا بالقضايا السمينة؟!