تعرضت مصر على مدار الأيام الماضية لحملة دعائية شرسة من التنظيم الدولى لجماعة الإخوان الإرهابية، هدفها اتهام مصر بأنها تحاصر غزة، وتمنع وصول المساعدات إلى المحاصرين فى القطاع. وعلى إثر تلك الاتهامات الوقحة، خرجت عناصر الجماعة فى الخارج لتحاصر السفارات، وذلك بالتزامن مع إطلاق حملات إلكترونية تحاول إثبات الاتهام والتسفيه من محاولات الرد عليها، وهى طريقة إخوانية معروفة، تعتمد على وضع الخصم دائمًا فى قفص الاتهام.. والخصم الدائم لها هو الدولة المصرية. يجيد التنظيم الدولى صناعة الأكاذيب، ويتمتع بوقاحة وانحطاط منقطعى النظير فى توجيه الاتهامات لمصر، التى يعلم القاصى والدانى ما قدمته من أجل القضية الفلسطينية ومساعداتها المتواصلة لغزة، وهو ما أكدته تصريحات رئيس الوزراء الفلسطينى محمد مصطفى فى القاهرة وإشادته بالدور المصرى السياسى والإغاثى، ووصفه للقاهرة بأنها الحضن الدافئ، الذى لم يتخلَّ عن غزة فى أحلك اللحظات. رغم ذلك الاعتراف الفلسطينى الرسمى بالدور المصرى، دفع التنظيم الدولى عناصره فى دول أوروبا والولاياتالمتحدة إلى ترديد سردية الإخوان الكاذبة بغوغائية خلال التظاهرات أمام السفارات أو عبر وسائل التواصل. وتحولت الغوغائية إلى حالات اعتداء سافر على السفارات والبعثات الدبلوماسية المصرية -من بينها هولندا- وهى من الدول التى وفرت ملاذات آمنة لتلك العناصر من كل الجنسيات. وهو تجاوز رد عليه عدد من المصريين عبر مظاهرة حاشدة أمام سفارة هولندا فى القاهرة، يعترضون على هذه التجاوزات، ويطالبون بحماية البعثة الدبلوماسية ووقف اعتداءات عناصر الإخوان وإغلاقهم للسفارات. يريد التنظيم الدولى للإخوان عبر حملة إغلاق أبواب السفارات تشويه الدور المصرى، ونقل الضغط الدولى من على إسرائيل إلى مصر، وأيضا وضع القاهرة فى خانة المتهم مع إسرائيل بسبب ما تتعرض له غزة من حصار وتجويع، وقد اختار توقيت تصويت المصريين بالخارج فى انتخابات الشيوخ لمدّ التأثير على الوضع السياسى وإرباك الاستحقاق الانتخابى، وذلك بهدف إظهار الدولة المصرية فى حالة من عدم الاستقرار. كشف التحالف الإسرائيلى - الإخوانى عن وجهه الدميم فى ذلك التحرك المريب، فمَن المستفيد من استهداف السفارات المصرية بسبب غزة؟ وكيف يمكن قبول ظهور إسرائيليين وإخوان جنبًا إلى جنب للتظاهر ضد السفارة المصرية المغلقة فى تل أبيب؟ إنه مخطط إسرائيلى تنفذه أيدٍ إخوانية، تحرك مجموعة من الدمى بلا عقل أو وعى. دفع التنظيم الدولى عناصره من الجيل الجديد للتظاهر المستمر أمام السفارات المصرية، وهم شباب صغير السن، بعضهم لم يزُر مصر أبدًا، وانقطعت صلاتهم بها بسبب انتمائهم لذلك التنظيم، واللافت كان الانحدار الأخلاقى فى لغتهم أمام السفارات، ثم الجرأة فى إغلاق أبوابها بالجنازير. أخطر ما فى هذا الجيل ليس فقط أنه نشأ وتربى فى بيئات غربية ويحمل جنسيات أجنبية، بل إتقانه إخفاء انتمائه الحقيقى للتنظيم الإرهابى وتقديم نفسه للعالم بوجوه متعددة، والنموذج الأبرز هو محمد سلطان -الأمريكى الجنسية ونجل القيادى الإخوانى صلاح سلطان- فهو لا يقدم نفسه كإخوانى، بل كناشط حقوقى مدافع عن الحريات، وكانت صورته الشهيرة وهو يعود إلى الولاياتالمتحدة ساجدًا على أرض المطار وملتحفًا بالعلم الأمريكى، عاكسة إصراره على تصدير نفسه كمواطن أمريكى، وقد روّج له الإعلام الغربى كضحية اضطهاد سياسى، رغم أن صوره وهو يلتهم البيتزا العملاقة عقب خروجه، بعد سنوات من ادعاء الإضراب عن الطعام، كاشفة لزيف السردية التى روَّج لها التنظيم. إخفاء الانتماء أصبح استراتيجية متعمدة تبناها التنظيم الدولى بعد فشل الوجوه القديمة المرتبطة بالعنف، فالجماعة أدركت أن التصريح بعضويتها صار عبئًا، ومن ثم تصدر عناصرها الجديدة بصفات مهنية وحقوقية، وهؤلاء يتحركون تحت لافتات براقة مثل «الدفاع عن الديمقراطية» أو «حقوق الإنسان»، لكنهم فى الواقع ينفذون أوامر التنظيم الدولى للجماعة الإرهابية. هذه القدرة على التخفى والتمويه هى التى تجعل الجيل الجديد أخطر من سابقيه، فهو لا يرفع شعار الجماعة ولا يتبنى فكرها علنًا، لكنه يمرر خطابها عبر قنوات ناعمة أكثر قبولًا لدى الغرب، بل إن بعض عناصره وصل به الأمر إلى حد الادعاء بالقطيعة مع أفكار الجماعة الأم، بينما وثائقهم وصلاتهم العائلية والتنظيمية تؤكد أنهم أبناء شرعيون لها. إنهم نسخة حديثة من الإخوان، تخاطب أجيالًا جديدة لم تشهد جرائم الجماعة، ولا تدرك صلاتها بالتنظيمات الإرهابية، بداية من القاعدة وصولًا إلى داعش. وقبل أيام، بدأت السفارات المصرية بالفعل فى تنفيذ تعليمات وزير الخارجية الدكتور بدر عبد العاطى بالتصدى بحزم لأى محاولات للاعتداء على مقرات البعثات الدبلوماسية، ونجحت القنصلية المصرية فى نيويورك -التى تستحق التقدير والإشادة- فى إحباط محاولة اعتداء، حيث تمكنت من ردع المعتدين واحتجازهم مؤقتًا، متجاهلة محاولات بعض العناصر تصوير الحادثة بغرض التشويه، ثم قامت بتسليمهم لاحقًا للشرطة الأمريكية وفق الأطر القانونية، ورغم محاولة التنظيم الدولى عبر منصاته على وسائل التواصل الاجتماعى استغلال الحادثة للتحريض والتشويه، فإن ما قامت به القنصلية يتفق تمامًا مع القواعد الحاكمة للعمل الدبلوماسى، ويعكس حق الدول فى حماية بعثاتها حال تقاعس الدول المضيفة، فحماية السفارات التزام دولى راسخ، وذلك بموجب اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961، التى نصت صراحة على حرمة المبانى الدبلوماسية، واعتبرت أى اعتداء عليها انتهاكًا صريحًا للقانون الدولى، مع تحميل الدولة المضيفة المسئولية الكاملة عن ضمان سلامة البعثة، وأفرادها وصون كرامتهم وحصاناتهم، ومن ثم فإن أى تقصير فى أداء هذا الواجب يضع الدولة المضيفة أمام مسئولية قانونية ودبلوماسية مباشرة، ويمنح الدولة المعتدى على بعثتها الحق فى اللجوء إلى الآليات الدولية للاحتجاج والمطالبة بالمحاسبة. تدرك القاهرة جيدًا قواعد النظام الدولى، ولذلك أعلنت بوضوح أنها ستردع أى محاولة للمساس ببعثاتها، وستتعامل بالمثل مع الجميع، وتؤكد أن حماية مقارها الدبلوماسية وأعضائها أولوية لا تقبل التهاون، فالتحرك المصرى الأخير يعكس إدراكًا متوازنًا بأن الالتزام بالقانون الدولى يسير جنبًا إلى جنب مع الحرص على صون المكانة والهيبة الوطنية.. ومصر التى التزمت دومًا باتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لن تتردد فى اتخاذ كل ما يلزم من خطوات لضمان سلامة دبلوماسييها وحماية حرمة بعثاتها فى الخارج، بما يرسخ صورتها كدولة مسئولة تدافع عن مصالحها، وتصون كرامتها وسيادتها.