تزايدت مؤخرًا مشاهد البلطجة، وهى استعراض القوة أو التلويح بالعنف أو التهديد باستخدام السلاح بقصد ترويع الأشخاص، وفرض السطوة عليهم، وابتزازهم، حتى بات الأمر يشكل خطورة تهدد أمنهم، وتكدر سكينتهم، وبرغم خطورة تلك الظاهرة، فإن الدولة تبذل جهودًا متواصلة لمواجهتها، وفى هذا التحقيق استطلعنا آراء عدد من علماء الدين عن كيفية مواجهتها. تقول د. روحية مصطفى، أستاذ الفقه بجامعة الأزهر: إن الشريعة أولت قضية الأمن المجتمعى عنايةً لما لها من أثر فى تحقيق الاستقرار بين أفراد المجتمع، فقد أقرت الشريعة للإنسان حقوقه الأساسية فى العيش الكريم، وطلب الرزق، وإبداء الرأي، واعتبرت أى اعتداء على هذه الحقوق جريمة تستوجب العقاب وتضيف أن النصوص الشرعية صنَّفت من يتجرأ على ترويع الآمنين ضمن دائرة المفسدين فى الأرض، وفتح الفقهاء بابًا عُرف باسم باب الحرابة، وهو يعالج صور الاعتداء على الناس، سواء على أموالهم أو أرواحهم أو حقوقهم المعنوية والفكرية، بما يضمن حماية المجتمع وصون أمنه. اقرأ أيضًا | لماذا شبه النبي صلى الله عليه وسلم المؤمن بالنخلة؟| أزهري يُجيب وتؤكد أن ما نشهده اليوم من مظاهر البلطجة واستعراض القوة من بعض الأفراد، إنما هو صورة معاصرة من صور الاعتداء التى حذرت منها الشريعة، إذ يُستغل هذا النفوذ فى إرهاب الناس وترويعهم، وفرض مبالغ مالية عليهم، أو إجبارهم على تصرفات لا يرضونها ولا يخفى أن هذه الممارسات محرمة فى شريعة الإسلام، فقد نهى الله تعالى عن كل صور الضرر والضرار، وحرَّم الاعتداء على الناس أو أكل أموالهم بالباطل، ومن يتجرأ على ذلك فقد تجاوز حدود الله، واستحق العقوبة التى تناسب جرمه فى الدنيا، فضلًا عن العقاب الإلهى فى الآخرة، غير أن بعض المعتدين قد يغفلون عن الحساب الأخروي، أو يستبطئونه، أو ربما ينكرونه جملة وتفصيلًا، فجعل الله تعالى للقاضى فى الأرض سلطةً تمثل حكم السماء فى ردعهم وزجرهم، وقد قرر أهل العلم قاعدة بليغة فى هذا المعنى: «إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن»، أى أن هيبة الدولة وسلطان القانون قد يحققان فى ردع المجرمين ما قد يعجز عنه الوعظ وحده، حمايةً للناس وصونًا لأمن المجتمع.. وتشير إلى جهود وزارة الداخلية فى ملاحقة هؤلاء المجرمين المقدرة مؤكدة أن الأمر بحاجة ماسة أيضا إلى سنّ قوانين جديدة أو تشديد العقوبات القائمة. ويضيف الشيخ أشرف عبد الجواد، من علماء وزارة الأوقاف أنه من أقبح الظواهر التى انتشرت فى الفترة الأخيرة ظاهرة العنف والبلطجة، والتعدى على الآخرين بالأسلحة البيضاء وغيرها، وهذا من المحرّمات فى الشريعة الإسلامية، قال تعالى: «والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات من غير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانًا وإثمًا مبينًا»، وقال رسول الله : «من أخاف مؤمنًا، كان حقًا على الله أن لا يؤمنه من أفزاع يوم القيامة». ويوضح أن الإسلام دين يدعو إلى السماحة والسلام بين الناس جميعًا، فترويع الآمنين مرفوض ومحرم، والتعدى على حرماتهم بدون مسوّغ شرعى أو قانونى حرام، وحمل السلاح بلا داعٍ أو مبرر شرعى أو قانونى أيضًا حرام.. ويثمَّن عبد الجواد دور رجال الداخلية وجهودهم وتضحياتهم فى ضبط الخارجين على القانون والعناصر الإجرامية التى تروع الناس وتعتدى عليهم، حفاظًا على الأمن العام وأرواح المواطنين. ويقول: «نصيحتى إلى كل مجرم خارج على القانون: إياك أن تكون ممن قال الله فيهم: «ولا تُفسدوا فى الأرض بعد إصلاحها»، واعلم أن الإسلام بلغ من حرصه على الأرواح أن امرأة دخلت النار بسبب قطة، «حبستها، لا هى أطعمتها، ولا تركتها تأكل من خشاش الأرض». فلم يفرق الإسلام بين روح المسلم أو غير المسلم، بل حتى الحيوان له حق الحماية والرعاية. ويوضح أنه إذا تعرض الإنسان لإيذاء من آخر، فعليه أن يدافع عن نفسه، ويرفع الظلم عنه، ثم يأخذ حقه بالطرق القانونية والوسائل المشروعة، حتى لا تحدث فوضى فى المجتمع.