إنه زمن الجنون! ولا عجب مما يجرى بلاعقل، فهم يريدونها كذلك حتى نهاية العالم كما يتخيلون هربًا مما يعلمون هكذا يختلط الوهم المتسربل بأردية تبدو دينية مع أطماع هى فى حقيقتها لون من ألوان الاحتلال والاستعمار وبناء ما يتخيلونه أمجادًا يقودون بها آمال الموهومين نحو نهاية يحسبونها كلمة الختام السعيدة لهم ولهذا العالم! توالت عشرات القرون مع أطماع لا تتوقف لبنى يهود، حتى مع فناء من يمكننا بالفعل وصفهم ببنى إسرائيل. الفارق بين الماضى واليوم أن الماضى البعيد والوسيط كان فيه أجداد هؤلاء عرضة لناتج أطماعهم ومكرهم وخبث طويتهم بأن طوردوا وأهينوا وتشتتوا وكانوا مواطنين من الدرجة الثانية الممتهنة، خاصة فى أوروبا المسيحية، بينما كان الشرق المسلم والغرب الأندلسى المسلم حاضنة أمان لهم ولأموالهم ولعلمهم أيضًا الذى نبغوا فيه وهو المال والطب، فى قصور الخلفاء المسلمين شرقًا وغربًا فى العصور الوسطى. وقد حفظت صفحات التاريخ بعض تلك الأسماء التى لمعت فى ظل الدولة الإسلامية؛ موسى بن ميمون: الطبيب والفيلسوف اليهودى، الذى كان طبيبًا شخصيًا لصلاح الدين الأيوبى، حسداى بن شبروط طبيب ودبلوماسى يهودى أندلسى، كان دبلوماسياً ومبعوثاً للخلفاء الأمويين فى الأندلس.. فرات بن شحناثا طبيب يهودى اشتهر فى إفريقية خلال العهدين الأغلبى والفاطمى، موشى هامون طبيب يهودى فى الدولة العثمانية، شغل منصب الطبيب الخاص للسلطان سليم الأول والسلطان سليمان القانونى.. ومن أشهر الوزراء اليهود فى الدولة الإسلامى هناك صموئيل بن نغريلة وهو وزير يهودى فى بلاط مملكة غرناطة فى الأندلس، كان يتمتع بنفوذ كبير فى الدولة. وعلى النقيض من ذلك كان وضع اليهود فى أوروبا، فمن يطالع شخصية تاجر البندقية اليهودى المرابى كما رسمها وليم شكسبير يعلم على وجه الدقة كيف كانوا كمواطنين وكيف كان الغرب ينظر إليهم! من هنا تبدأ حكايتهم مع الغرب وكيف تلاعبوا ومزجوا أفكارهم التوراتية المحرفة بمذاهب مسيحية كالبروتستانت والإنجيليين وأقنعوهم بأن العودة الثانية للسيد المسيح للأرض مشروطة بثلاثة شروط؛ أولها قيام دولة إسرائيل والثانى تهويد القدس واتخاذها عاصمة لإسرائيل وأخيرًا هدم المسجد الأقصى بحجة وجود هيكل سليمان أسفله. وكانت المسيحية الصهيونية تعتبر جزءًا من الفكر البروتستانتى، خاصةً التيار الذى يركز على العهد القديم وتفسيراته المتعلقة باليهود ودولتهم. أما الصهيونية المسيحية فتؤمن بأن قيام دولة إسرائيل وتحقيق الأهداف الصهيونية هو جزء من خطة الله، وأن ذلك سيؤدى إلى تحقيق الخلاص وظهور المسيح. وبالعودة إلى العام 1970 نجد أنه قد صدر فى أمريكا كتاب «كوكب الأرض العظيم والأخير» للكاتب التوراتى الأمريكى «هال ليندسى»، حيث احتل هذا الكتاب فى أمريكا المركز الثانى فى قائمة الكتب الأكثر مبيعًا لعقد السبعينيات بأكمله، وكان مما ذكره «ليندسى»: أن دولة إسرائيل هى الخط التاريخى لمُعظم أحداث الحاضر والمستقبل، وأننا نركض نحو الأيام الأخيرة حيث سيجتمع أعداء إسرائيل من مختلف شعوب الأرض فى هرمجيدون وتقوم المعركة الكبرى. إن كثيرًا من قيادات أمريكا اليمينيين وقيادات الكيان الصهيونى فى فلسطينالمحتلة هم من تلامذة وأمثال هال لندسى، فمثلًا كان رونالد ريجان أحد نجوم هوليوود وأول ممثل يصل إلى حكم أمريكا كان شديد التفاؤل بتسريع الأحداث ليلتقى السيد المسيح وجها لوجه! فقد صرح نصًا بقوله:»إننى أترقب ذلك اليوم الذى أصافح فيه السيد المسيح». كل هذه الجذور هى أساس ما نتابعه اليوم من قادة إسرائيل وقبلهم قادة أمريكا، ومنهم وزير الخارجية الذى صرح بكونه صهيونيًا وترامب الذى أعلن ذات مرة أنه «مرسل فى مهمّة من قِبَل الرب».. «ولا شىء يمكنه وقف ما هو قادم».! إنه زمن الجنون! ولا عجب مما يجرى بلاعقل، فهم يريدونها كذلك حتى نهاية العالم كما يتخيلون هربًا مما يعلمون، ولله فى خلقه شئون.