فى قلب الوادى الجديد، حيث يلتقى عبق التاريخ مع بساطة الحاضر، اختارت غادة عبد الحميد أن تصنع فرقا حقيقيا فى حياة الأطفال، خريجة كلية التربية قسم اللغة العربية، وباحثة ماجستير فى الصحة النفسية، آمنت بأن الطفولة تستحق أكثر من مجرد تعليم تقليدى، وأن القصص قادرة على أن تكون جسرا يربط بين الأجيال، ويحفظ القيم من الاندثار، ومن هنا ولدت مبادرتها «حكايات جدو»، التى انطلقت عقب مشاركتها فى برنامج تنمية أبناء الصعيد والمحافظات الحدودية التابع لوزارة الشباب والرياضة. الإلهام جاء من جدتها الحاجة كريمة، التى لم تتوقف يوما عن سرد حكايات عن الجد الذى شارك فى حرب أكتوبر، عن الوطن، وعن الأخلاق والقيم، كانت هذه الحكايات بذرة، لتنبت فكرة تحولت لاحقا إلى مبادرة مجتمعية حصلت على المركز السادس على مستوى الجمهورية، بالنسبة لغادة، لم تكن الحكايات مجرد تسلية، بل كانت مصدرا للحكمة، وأداة لبناء هوية وانتماء، ورسالة تربوية تبقى راسخة فى وجدان الأطفال. المبادرة لم تتوقف عند الحكاية فقط، بل امتدت إلى ورش تعليمية جمعت بين التراث والعمل اليدوى: النجارة، الكروشيه، الخرز، الفخار، والسجاد، الأجداد والجدات كانوا هم المعلمين الحقيقيين، ينقلون خبراتهم بصبر وحب، وفى كل ورشة لم يكتسب الأطفال مهارة جديدة فحسب، بل عاشوا تجربة إنسانية صنعت الفارق فى شخصياتهم، فارتفعت ثقتهم بأنفسهم، وتعلموا التعاون، وتذوقوا معنى المشاركة. حتى المطبخ كان له نصيب من هذه التجربة، حيث استخدم الأطفال البلح، المنتج الأصيل للمحافظة، لصنع أشكال وحلويات بمساعدة الجدات. ولأن الإنسانية لا تعرف تمييزا، كانت المبادرة حاضنة أيضا لأطفال ذوى الهمم، الذين وجدوا فيها مساحة آمنة يشعرون فيها بأنهم لا يختلفون عن الآخرين، كانت لحظات الفرح والاندماج بينهم وبين أقرانهم أبلغ من أى خطاب عن التقبل والتنوع، وقد تخللت المبادرة مواقف إنسانية مؤثرة، منها حين رحل «جدو محمد» الفنان التشكيلى بعد ساعات من ورشة مع الأطفال، ليترك فى قلوبهم ذكرى وحكايات خالدة يستحضرونها بالدعاء والحنين. وفى ختام حديثها، قالت غادة بابتسامة يملؤها الأمل: «أنا نفسى مبادرة حكايات جدو توصل لكل بيت مصري، لأن كل حكاية ممكن تبقى مفتاح لقيمة، ورسالة تبنى طفل، وصوت يفضل عايش فى وجدان الأجيال». ميادة عمر