حالة واحدة مستحيلة تنتصر فيها تل أبيب وجنرالات إسرائيل يدركون ذلك المستحيل لكن نتنياهو ويمينه المتطرف يريدون المزيد من الحرب. فى موسم تفتح أزهار الساكورا بالصيف وصلت هناك قبل 15 عامًا.. طابور من الزوار يزيد على 50 مترًا فى انتظار الدخول.. ترى الحضور من كل جنسيات العالم.. المشهد بالداخل سيظل محفورًا فى ذاكرتك بالتأكيد.. متحف هيروشيما هو الأول من نوعه فى العالم الذى يوثق أول جريمة من نوعها فى حق البشرية.. يوم الأربعاء قبل الماضى أحيا العالم ذكرى مرور 80 سنة على إلقاء الولايات المتّحدة أول قنبلة ذرية على المدينةاليابانية بإقامة مراسم شاركت فيها أكثر من 100 دولة وقف خلالها الحضور دقيقة صمتًا.. أهم ما يلفت الانتباه فى هذا المتحف هو مجسمات من الحجم الطبيعى تم صنعها من الشمع لتجسد شكل الضحايا بعد إلقاء القنبلة.. هى حقًا كانت ليلة من الجحيم.. بشر يسيرون وجلودهم متساقطة عن أيديهم من شدة حرارة الانفجار.. الكثيرون تجمعوا وألقوا بأنفسهم داخل بحيرة لإطفاء نيران حروقهم لكن الماء بداخلها تبخر!!.. جوعى وعطشى فى كل شبر محاطين بأجزاء ما تبقى من أجساد بشر وحجر كانوا من لحظات معهم.. الحقيقة هى مشاهد لا تنسى تستدعى بمخيلتى نفس ما نراه على مدار عامين.. 50 طنًا من القنابل أسقطت على غزة مقارنة ب 15 طنًا من القنابل على هيروشيما وهو ما يعادل 3.5 مرة من قوة الانفجار النووى الذى تلقته هيروشيما.. القنبلة التى ألقيت على هيروشيما قتلت 70 ألف شخص على الفور والحرب على غزة خلفت نفس الرقم وأكثر حتى اليوم.. مساحة هيروشيما 905 كيلو مترات بينما غزة أقل من النصف 365 كيلو مترًا !! .. وهناك معلومة تاريخية مغلوطة وهى أن الولاياتالمتحدة انتصرت على اليابان بعد إلقاء قنبلتين نوويتين لكن الحقيقة ليست كذلك، فالشعب اليابانى لا تعرف عقيدته سوى الموت أو الانتصار والإيمان بالإمبراطور سليل الآلهة.. وقتها أدرك الجنرال الأمريكي «ماك آرثر» أن هزيمة اليابان تتطلب تحطيم معتقدها القومى. وبالفعل نجح الجنرال الداهية فى إقناع الإمبراطور «هيروهيتو»بأن يخرج بنفسه إلى الشعب فى 1 يناير عام 1946 ليقول لهم إنه ليس من أصل إلهى مطلقا وأنه ليس سليل «آلهة الشمس» وأن مثل هذا الأمر هو فى الواقع أسطورة تستحق الندم وطالبهم بالاستسلام!!. هنا فقط وفى هذه اللحظة تحديدًا سقطت اليابان ولم تسقطها القنابل النووية!!. أما فلسطين اليوم فلن تسقط بقوة السلاح ولا بإعلان تل أبيب احتلال غزة بالكامل ولا بحصارها وتجويع شعبها.. حالة واحدة فقط تنتصر فيها تل أبيب وهو هبوط وحى من السماء يطلب من أهل فلسطين الاستسلام وهجر أرضهم!!.. جنرالات إسرائيل والعالم يدركون ذلك المستحيل ويرفضون الاستمرار فى الحرب لكن نتنياهو ويمينه المتطرف يريدون المزيد من الدماء والمزيد من الحرب.. مصر حذرت الجمعة الماضية بأشد العبارات من تداعيات قرار المجلس الوزارى الإسرائيلى بوضع خطة لاحتلال كامل القطاع بهدف تصفية القضية الفلسطينية. وأعادت وزارة الخارجية التحذير بأنه «لا أمن ولا استقرار ستنعم به إسرائيل والمنطقة إلا من خلال تجسيد الدولة الفلسطينية على خطوط الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدسالشرقية» وجددت التأكيد على أن «مواصلة إسرائيل سياسة التجويع والقتل الممنهج والإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطينى الأعزل ستؤدى إلى تأجيج الصراع وتزيد من تصعيد التوتر وتعميق الكراهية ونشر التطرف فى المنطقة، والذى تفاقم بالفعل بسبب العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة وما خلّفه من كارثة إنسانية غير مسبوقة فى القطاع». قبلها بساعات جاءت تصريحات اللواء خالد مجاور محافظ شمال سيناء لتؤكد بحزم رفض مخططات التهجير أو المساس بحدودنا قائلًا بلهجة حاسمة: «أى شخص فى العالم يفكر فقط أن يقترب من الحدود المصرية، سيكون الرد المصرى مفاجئًا للعالم كله». وهكذا بين أزهار الساكورا البديعة التى تتجدد كل عام، وضحايا هيروشيما وغزة الذين لن يعودوا، تظل الحكاية ذاتها تتكرر: القوة العمياء قد تقتل الأجساد، لكنها لا تقتل الإرادة.. العالم يتذكر هيروشيما بدقيقة صمتا، بينما يرى غزة تتعرض لويلات تفوق القنبلة النووية بثلاثة أضعاف. مصر هنا، كحارس للضمير العربى، تذكر الجميع بأن السلام لن يُبنى على جماجم الضحايا، وأن أى محاولة لفرض الأمر الواقع ستولد مزيدًا من الكراهية. رسالة مصر واضحة: هناك خط أحمر لا يمكن تجاوزه، ليس فقط على الحدود الجغرافية، ولكن أيضًا فى التاريخ الإنسانى. فلسطين ستكون مثل أزهار الساكورا، ستزهر من تحت الأنقاض، لأن بعض الجذور لا تقتلها حتى القنابل النووية.