هنا فقط وفى هذه اللحظة تحديدا سقطت اليابان ولم تسقطها القنابل النووية!! خالفت «نوبل» كل التوقعات والآمال ومنحت جائزة السلام لمنظمة «نيهون هيدانكيو» اليابانية المناهضة للأسلحة النووية.. فضل أعضاء لجنة الاختيار السلامة من أيادى اللوبى اليهودى والذهاب إلى المنطقة الآمنة وتجاهلت جهات تحتاج إلى مساندة عاجلة لدعم السلام فى ظل حرب إبادة على غزة ولبنان والتهديد باتساع الصراع وتدهور الاقتصاد العالم.. ومن بين الأسماء التى كانت مرشحة لنيل نوبل السلام محكمة العدل الدولية والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش ووكالة الأممالمتحدة لإغاثة اللاجئين (الأونروا) والمحكمة الجنائية الدولية.. كلها جهات قالت كلمة حق وسط إجرام إسرائيلى غير مسبوق ودعس على وجه كل القوانين الدولية.. ليس معنى ذلك أن المنظمة اليابانية التى حازت على «نوبل» لا تستحقها بل هو استحقاق عن جدارة لكنه جاء متأخرا 80 عاما!!.. فالمنظمة تناهض انتشار السلاح النووى منذ عام 1945 وتجمع فى عضويتها ناجين من القنبلتين الذريتين اللتين ألقتهما الولاياتالمتحدة على اليابان خلال الحرب العالمية الثانية.. وكنت محظوظا بأن شرفت فى يناير 2010 بزيارة مدينة «هيروشيما» وإجراء أول حوار صحفى لجريدة عربية مع أحد أكبر الناجين من القنبلة النووية «سوناو تسوبوي» وهو ينتمى لجماعة من المعروفين فى اليابان باسم «هيباكوشا» أو الناجون من الانفجار النووي.. كارثة راح ضحيتها فى غمضة عين 200 ألف إنسان بعضهم تبخرت أجسادهم تماما.. وحكى لى «سوناو» عن الفظائع التى شاهدها وقصة نجاته العجيبة من القنبلة النووية والتى كانت على بعد كيلو متر واحد منه!!.. وشرح لماذا اختار الأمريكان «هيروشيما» لأنها مدينة مكتظة بالسكان ومحاطة بالجبال من كل اتجاه وهكذا يظل الغبار الذرى والغيمة الحارقة أطول فترة ممكنة مما يعنى عذابا وموتا مستمرا وهو ما حدث مع دمار شامل للمنازل.. وقد عاش «سوناو» يعانى من آثار الإشعاع النووى والسرطان لكنه كان مقاتلا واشتهر بتاريخ كبير فى التوعية بمخاطر الأسلحة النووية والتصدى لها وقد توفى عام 2021 عن عمر 96 عامًا. نتنياهو وصف هجمات «طوفان الأقصى» بأنها مثل «بيرل هاربر» التى دفعت الولاياتالمتحدة لإسقاط القنابل النووية فوق رءوس اليابانيين.. لقد كانت صور الموت والدمار التى شاهدتُ تفاصيلها مجسمة بالشمع فى متحف هيروشيما تستدعى اليوم بمخيلتى نفس ما نراه على مدار عام فى غزة.. المرصد الأورومتوسطى لحقوق الإنسان قال فى بيان له إن 25 طنًا من القنابل أسقطت على غزة مقارنة ب 15 طنًا من القنابل على هيروشيما وهو ما يعادل 1.5 مرة من قوة الانفجار النووى الذى تلقته. المعروف أن اليابان استسلمت للولايات المتحدة بعد إلقاء القنابل النووية لكن الحقيقة ليست كذلك فالشعب اليابانى وقتها كان يؤمن بشخصية «الإمبراطور» الإلهية ولا يعرف الاستسلام وكانوا يستطيعون المقاومة للنهاية.. وقد أدرك الجنرال الأمريكى الداهية «ماك آرثر» ذلك وأنه لا يمكن السيطرة على اليابان وهزيمتها دون هدم ذلك المعتقد وقد نجح فى إقناع الإمبراطور «هيروهيتو» بأن يخرج بنفسه إلى الشعب فى 1 يناير عام 1946 ليقول لهم إنه ليس من أصل إلهى مطلقا وأنه ليس «سليل آلهة الشمس» وأن مثل هذا الأمر هو فى الواقع أسطورة تستحق الندم وطالبهم بالاستسلام!!. هنا فقط وفى هذه اللحظة تحديدا سقطت اليابان ولم تسقطها القنابل النووية!!.. أما فلسطين فلن تسقط بأطنان القنابل وقتل البشر والحجر لأنه كلما استشهد مقاوم لسلب الوطن ظهر آخر يقاوم حتى ولو بكلمة حق وسيظل كل ناج من مذابح إسرائيل «هيباكوشا» فلسطينى شاهدا على فظائع يرويها لكل العالم والأهم أن فى قلب كل فلسطينى وعربى ومؤمن إلها واحدا حيا لا يموت.