تشهد إسرائيل حالة من الانقسامات السياسية العميقة التي تعكس استقطابًا حادًّا داخل المجتمع والنخبة الحاكمة، وهى انقسامات تفاقمت بفعل تداعيات الحرب على غزة والتحديات الداخلية والخارجية التى تواجهها الدولة. هذه الخلافات ليست جديدة، بل تمتد جذورها إلى سنوات سابقة، لكنها أصبحت أكثر وضوحًا وحدة بعد أحداث 7 أكتوبر 2023، التى أطلق عليها «طوفان الأقصى»، وما تبعها من حرب طويلة الأمد فى غزة، بالإضافة إلى التوترات الإقليمية المتزايدة. وتعكس هذه الانقسامات صراعات حول هوية الدولة، وطبيعة النظام السياسي، وكيفية التعامل مع القضية الفلسطينية، فضلًا عن التوجهات الإقليمية والدولية. تتمحور الخلافات السياسية الحالية في إسرائيل حول عدة قضايا رئيسية. أولًا، هناك أزمة ثقة بين المستوى السياسي والمؤسسة العسكرية، والتى برزت بشكل واضح فى سياق الحرب على غزة. وتشير تقارير إعلامية، مثل تلك المنشورة في صحيفة «هآرتس»، إلى توترات بين رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ورئيس هيئة الأركان العامة إيال زامير، حيث يحذر الأخير من مغبة احتلال القطاع بسبب التكاليف البشرية والاستراتيجية، بينما يصر نتنياهو على مواصلة العمليات العسكرية لتحقيق أهداف مثل «القضاء على حماس» واستعادة الأسرى. ويعكس هذا الخلاف انقسامًا أعمق بين الرؤية السياسية التي تسعى إلى تحقيق انتصارات رمزية، والرؤية العسكرية التى تركز على الجدوى العملياتية والتكاليف طويلة الأمد. ثانيًا، تضيف الانقسامات داخل الائتلاف الحاكم، الذى يُعَدّ الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل، طبقة أخرى من التعقيد. فالحكومة الحالية، التى يقودها نتنياهو بدعم من أحزاب دينية وقومية متطرفة مثل «عوتسما يهوديت» بزعامة إيتمار بن غفير و«الصهيونية الدينية» بقيادة بتسلئيل سموتريتش، تواجه ضغوطًا داخلية متزايدة. وتدفع هذه الأحزاب باتجاه سياسات متشددة، مثل توسيع الاستيطان في الضفة الغربية وتكثيف العمليات العسكرية، بينما يرى آخرون داخل الائتلاف ضرورة التركيز على استقرار الحكومة وتجنب التصعيد الذي قد يؤدي إلى عزلة دولية أكبر. ويشير تقرير «مدار» الاستراتيجي لعام 2025 إلى أن هذه الانقسامات أدت إلى ما يشبه «حربًا أهلية باردة» بين التيارات السياسية المختلفة، حيث تتصارع الجماعات على تعريف هوية الدولة وقيمها. ◄ اقرأ أيضًا | مصر تتصدى لاحتلال غزة| دعت لتحرك دولي فوري لوقف سياسة «القوة» الإسرائيلية ◄ خلاف مركزي ثالثًا، أصبحت قضية الأسرى فى غزة نقطة خلاف مركزية. وتُظهر استطلاعات الرأى، مثل تلك التى أجرتها قناة 12 الإسرائيلية، أن 47% من الإسرائيليين يخشون أن تؤدى صفقة تبادل إلى تفكك الحكومة، بينما يعتقد 48% أن نتنياهو يؤخر الصفقة للحفاظ على تماسك ائتلافه. وأدى هذا التوتر إلى احتجاجات واسعة في الشارع الإسرائيلي، حيث شارك مئات الآلاف فى مظاهرات تطالب بإنهاء الحرب وإعادة الأسرى. كما أصبحت حركات مثل «عائلات عودة المختطفين» و«قوة كابلان» قوى ضغط بارزة. ◄ تجنيد الحريديم على الصعيد الاجتماعى، تتسع الفجوة بين العلمانيين والمتدينين، خاصة فيما يتعلق بقضية تجنيد الحريديم. وتشير استطلاعات «معهد دراسات الأمن القومى» إلى أن 67% من الإسرائيليين يرون أن إعفاء الحريديم من الخدمة العسكرية يضر بالروح القتالية، مما يعزز التوتر بين هذه الفئات. كما أن محاولات نتنياهو لفرض تعديلات قضائية، مثل إقالة رئيس الشاباك رونين بار والمستشارة القضائية جالى بهاراف ميارا، أثارت أزمة دستورية أدت إلى دعوات للعصيان المدنى، خاصة من قبل اليسار والوسط السياسي. ◄ تحديات إقليمية أما على الصعيد الخارجي، فتواجه إسرائيل تحديات إقليمية ودولية تزيد من تعقيد المشهد السياسي. فعودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض تعطى دفعة لنتنياهو ولليمين المتطرف. ومع ذلك، فإن هذه السياسات تزيد من عزلة إسرائيل دوليًّا.