د. طارق فهمى يأتى هذا التوتر السياسى الذى يعم مكونات الائتلاف الحاكم فى ظل فقدان الحكومة الإسرائيلية الدعم الشعبي، وتراجع التأييد الدولى . تواجه الحكومة الإسرائيلية مأزقا حقيقيا للخلافات المتصاعدة بين مكونات الائتلاف حول جملة من السياسات، إضافة لدخول الرئيس ترامب على خط ما يجرى من خلال رؤيته تجاه القضايا محل التماس مع إسرائيل. وفى هذا السياق يمكن الإشارة إلى جملة من التطورات الجارية داخل الحكومة الإسرائيلية بسبب أزمة غزة وتبعات جولة الرئيس ترامب حيث تشهد الساحة السياسية الإسرائيلية حالة من عدم الاستقرار فى ظل تخوفات إسرائيلية مستمرة حتى الوقت الراهن والمنتظر -ما لم يحدث تطورات مفصلية فى إسرائيل- ويغيّبها عن التفاعلات الإقليمية الراهنة متجاهلا دورها التقليدى كحليف استراتيجى للولايات المتحدة فى المنطقة. وهذا التغييب الواضح واللافت أثار ردود فعل مختلفة فى أوساط الائتلاف الحكومة الإسرائيلية، خصوصا لدى رئيس الوزراء نتنياهو الذى يواجه فى الوقت ذاته تحديات داخلية، وسط أجواء سياسية محتقنة تسبق تصويتا متوقعا على الثقة فى حكومته يعكس تراجع شعبيته وتصدع التماسك داخل ائتلافه الذى عمل على تقويته طوال الأشهر الأخيرة وبعد دخول الوزير جدعون ساغر الحكومة. وفى إطار ما يجرى سيظل يواجه نتنياهو سلسلة أزمات داخلية أبرزها استمرار الحرب على غزة، وتصاعد الخلافات بشأن قانون تجنيد الحريديم بعد أن قرر رئيس الأركان إيال زامير توسيع أوامر التجنيد لتشمل أبناء التيار الديني. وهو ما تعاملت معه الأحزاب الدينية بمقاطعة التصويت على قوانين الحكومة، بسبب رفضها تجنيد الشبان الحريديم وقد عمق هذا الموقف الشرخ داخل مكونات الائتلاف، وأفقد الحكومة القدرة على تمرير قوانين عاجلة وسط مؤشرات على أن نتنياهو لم يعد مستعدا لتقديم التنازلات المعتادة للحريديم، بل لوّح بإمكانية الذهاب إلى انتخابات مبكرة. يأتى هذا التوتر السياسى الذى يعم مكونات الائتلاف الحاكم فى ظل فقدان الحكومة الإسرائيلية الدعم الشعبي، وتراجع التأييد الدولي، وتدهور العلاقات مع الحليف الأمريكي، وهى عوامل مجتمعة تعيد طرح السؤال بشأن قدرة نتنياهو على البقاء فى السلطة وسط عواصف سياسية تعصف بالداخل والخارج على حد سواء وفى قلب هذه التحديات يواجه نتنياهو ضغوطا إضافية ناتجة عن استمرار محاكمته فى قضايا فساد، فى وقت تتزايد فيه ردود الفعل داخل إسرائيل بشأن مدى قدرته على قيادة إسرائيل فى ظل هذا المشهد السياسى المتوتر. أضف إلى ذلك تصاعد الخلاف فى وجهات النظر بين رئيس الوزراء الإسرائيلي، ورئيس الأركان إيال زامير، حول خطة إعادة توزيع المساعدات الإنسانية بغزة حيث طالب نتنياهو ووزراؤه بإدخال تعديلات على الخطة التى قدمها زامير حول توزيع المساعدات الإنسانية، لكن رئيس الأركان أبلغهم أن هذه التغييرات تتناقض مع القانون الدولى وتوزيع المساعدات الإنسانية على سكان غزة حيث يرى رئيس الأركان أن الموقف القانونى للجيش الإسرائيلى يتناقض مع طلب نتنياهو والوزراء، لأنه إذا بقى السكان فى شمال قطاع غزة أو فى أماكن أخرى لا يتم إخلاؤها، فإن الجيش الإسرائيلى سيكون ملزما بموجب القانون الدولى بتزويدهم بالمساعدات الإنسانية بطرق مختلفة وهو أمر ما زال محل تجاذب داخل الحكومة حيث انضم رئيس الوزراء نتنياهو إلى مطلب وزير المالية سموتريتش بالإسراع بتنفيذ الخطة والعمل على تنفيذها، وفى الواقع اتفق جميع الوزراء على أن توزيع المساعدات يجب أن يتم فقط فى المناطق التى قام الجيش الإسرائيلى بالسيطرة عليها بالكامل وليس فى كل المواقع بعد أن أعلن الجيش الإسرائيلى عن إخلاء السكان ونقل سكان القطاع إلى أماكن تحت سيطرته، مثل المنطقة الواقعة جنوب محور موراغ إلى محور فيلادلفيا، سيتم توزيع المساعدات الإنسانية فقط هناك بينما فى الأماكن التى لا يزال الجيش الإسرائيلى غير مسيطر عليها ولا يتحرك فيها، لن تدخل أى مساعدات إليها، حتى الأدوية والمياه والغذاء، بناءً على التجربة التى تفيد بأن حركة حماس تستولى على المساعدات فى الأماكن التى لا يسيطر عليها الجيش، وفق ردود الوزراء المؤيدين لرئيس الوزراء نتنياهو والوزراء. فى المجمل قد تشهد المرحلة المقبلة فى عمر الحكومة الراهنة مزيدا من التدهور فى ظل غياب خطة واضحة للتعامل مع الملفات الشائكة، سواء على مستوى الحرب أو القضايا الداخلية، وهو ما ينذر بانفجار سياسى قد يعيد تشكيل الخريطة السياسية فى إسرائيل بالكامل وقد يؤدى فشل خطة توزيع المساعدات إلى تصعيد سياسى داخل الحكومة الإسرائيلية، خاصة مع وجود انقسام واضح بين المتشددين ونتنياهو نفسه حول ملف المساعدات. وإذا نجح الرئيس ترامب -وإن كان ذلك مستبعدا حتى الآن- فى تحريك ملفات غزة والأسرى وإيران، فقد يسجل مسارا حقيقيا فى ولايته الرئاسية الثانية. أما إذا فشلت إدارته ولم يقدم أى طرح، فقد تترك التطورات الجارية فى غزة على مما هى عليه من سيناريوهات مفتوحة على مصراعيها، كما قد تفجّر انقسامات داخلية فى إسرائيل، وتعصف باستقرار الائتلاف الحاكم بدليل أن الإدارة الأمريكية فتحت بابا مواربا للحديث مجددا مع المعارضة الإسرائيلية خاصة يائير لابيد وبينى جانتس إضافة لرئيس الوزراء السابق نفتالى بينت ما يشير بقوة إلى وجود تحركات أمريكية للتعامل مع كل التطورات المتقلبة والمرشحة للتصعيد مجددا داخل مكونات الائتلاف الحاكم .