ترجمة: بسمة ناجى اختارت لجنة التحكيم الكاتبة السودانية ليلى أبوالعلا فائزة بجائزة بِن بينتر البريطانية لعام 2025، والتى تُمنح لمن «يُبدى شجاعة وعزيمة فكرية قوية لتقديم حقيقة حياتنا وجوهرها» مِن الكاتبات والكُتاب. ولدت ليلى أبوالعلا فى القاهرة ونشأت فى الخرطوم وتعيش فى أبردين، اسكتلندا، منذ عام 1990 وأصدرت سِت روايات ومجموعتين قصصيتين. نالت ليلى الجائزة لكتاباتها عن الهجرة، والإيمان، وحياة النساء، مع التركيز بشكل خاص على جعل حياة وقرارات النساء المسلمات محورًا لأعمالها. هنا حوار أجراه معها فِروز راذر حول روايتها الأخيرة «روح النهر» ونشر عبر موقع بريزم انترناشونال أول ما لفت انتباهى فى رواية «روح النهر» قدرتكِ على تقصى العوالم الداخلية لشخصياتك، رغم الظروف القاسية المصاحبة للثورة التى تصورينها بتفاصيل قوية. كيف أعدتِ خلق العوالم الداخلية للشخصيات فى خضم صراع عنيف ضد الاستعمار فى تلك الفترة البعيدة من تاريخ السودان؟ كتبتُ المسودة الأولى للرواية خلال فترة الحجر الصحى بسبب وباء كوفيد. عادةً، يتخلل فترات كتاباتى السفر والتزاماتى الأخرى، ولكن مع «روح النهر»، حظيتُ بتجربة كتابة غامرة بالكامل. بدا الأمر كأن الشخصيات والأحداث كانت موجودة فى مستوى موازٍ لحياتى اليومية، وكل ما كان على فعله زيارتهم أو الغوص واستكشاف ما كانوا يفعلونه أو كيف تسير أمورهم منذ تركتهم آخر مرة. مررتُ بلحظات مماثلة مع روايات أخرى، ولكن فى «روح النهر» منحتنى إجراءات الإغلاق مساحات من الوقت المُتصل سهَّلت على التعمق فى الحياة الداخلية للشخصيات. فى ذلك الوقت بقى الناس فى منازلهم، بعيدًا عن الأماكن العامة، وبطريقة ما انعكس ذلك فى الكتابة. يتبع السرد المسار العام للتاريخ -بدءًا من صعود المهدى وانتهاءً بالغزو البريطانى للسودان فى عام، بينما تُمرر كل شخصية عصا القصة إلى الشخصية التالية. كانت الحيلة وضع الشخصية المناسبة فى المكان والزمان المناسبَين بطريقة تبدو طبيعية وغير مصطنعة. وبمجرد أن تموضعت كل شخصية، أصبحت حياتهم الداخلية أشد إثارة بالنسبة لى، وتمكنت من التركيز على كل واحد منهم. أرى رغبة أكوانى فى العودة لياسين أمر محورى فى تطلعاتها ونموها كشخصية. لكنى أتساءل عما إذا كانت مصدرًا لقدرتها على الفعل والاختيار أم تُشكِل قيدًا لها؟ الحب، بحكم تعريفه، مصدر للطاقة وللقيود فى آن واحد يتطور حب أكوانى لياسين وينضج خلال الرواية فى البداية، عندما كانت صغيرة جدًا، ظهر كتجسيد للأمان والحماية. لقد أحبته لكل ما وفره لها - الهروب من الدمار الذى حل بقريتها وكشخص ذى سلطة يمكنها الوثوق به لتوجيهها هى وشقيقها الصغير. مع مرور السنوات، يصبح تطلعها أنثويًا، ويصبحان عاشقَين بالمعنى التقليدى والرومانسي. ثم تنتقل إلى الخرطوم، فيُصبح العائلة التى تبحث عنها، ويقدم لها حياة أُسرية حافلة. فى نهاية الرواية، يفقد ياسين وظيفته ومكانته الاجتماعية بالإضافة إلى إصابته بإعاقة، فتنعكس أدوارهما. تصبح أكوانى هى التى تحميه، وتقدم قريتها كملجأ له. ستمنحه عائلة جديدة ومكانة جديدة فى المجتمع. هذا تمكين لها، وبمعنى ما، انتصار. كيف تستكشفين حياة شخصياتك المسلمة مثل ياسين وزوجته صالحة، والمهدى الذى يلتزم بالشعائر ويعلن عن إيمانه؟ الإسلام فى المركز من أفكار أعمالى الأدبية، أكتب عن مسلمين يمارسون شعائر الإسلام أريد أن أفعل أكثر من مجرد تقديم الإسلام ك «ثقافة». أريده متغلغلًا فى الرواية، ويمنحها منطقها ومعناها الأعمق نعم، ياسين وصالحة هما أكثر المسلمين تعبيرًا والتزامًا (بأكثر من معنى) فى الرواية. كان من السهل بالنسبة لى أن أكتب عنهما وهما، أكثر من الشخصيات الأخرى، قريبان من وجهة نظرى الخاصة. لم أكتب من وجهة نظر المهدى لأنه لم يفتننى بما يكفي. أعتقد أنه عندما دعا إلى الحركة، كانت أهدافه مثالية، ولكن كحال الثورات، تتحول إلى الدموية وتختطفها طموحات أخرى. كنت أكثر افتتانًا بموقف ياسين، تمسكه بالحقيقة مع وقوف الرأى العام السائد والبلد بأكمله ضده. كيف تنظرين إلى التقاليد الروائية الغربية التى تصور الرواية على أنها ملحمة العالم الذى لا إله فيه، حيث، على حد تعبير المُنظر الأدبى والفيلسوف المجرى جيورجى لوكاش، لا يمكن للمعنى أن يخترق الواقع تمامًا؟ ربما تزامن صعود الرواية الغربية مع تراجع الكنيسة، لكنها لم تتمكن من التخلص من المسيحية. يتعامل القراء والكتاب مع الرواية على أنها علمانية أو إنسانية، ولكن التدقيق فى المحتوى يمنحك صورة مختلفة. تحتوى كل الأنواع الأدبية من الجريمة إلى الخيال العلمى على رموز مسيحية، بينما يرتبط الأدب الخيالى العلمانى، حتى لو كان معارضًا للمسيحية، بأخلاقياتها. ولا أعنى العادات الاجتماعية والثقافية فحسب، بل أيضًا تأثر الرواية المفترض أنها علمانية بمواضيع محددة كالصراع الوجودى بين الخير والشر، وعودة الابن الضال، والتضحية النبيلة للفرد من أجل مصلحة المجموعة، وثنائية العاهرة والعذراء وهى مواضيع متجذرة فى التعاليم المسيحية. كقارئة مسلمة، تقرأ بعيون مسلمة، أنا واعية جدًا بهذه المركزية بنفس درجة وعيى بالمركزية الأوروبية والمركزية البيضاءسرد القصص عالمى وكان موجودًا دائمًا، حتى قبل التقاليد الغربية أو المسيحية أو أى دين منظم. القصص تعكس حياة البشر، والمجتمع، وما يبحث عنه الناس وما يهربون منه. أعجبنى حقًا كيف تصورين شخصياتك على جانبى الانقسام الاستعمارى بسهولة عندما كنت تكتبين فصولًا من وجهة نظر بانى السفن الاسكتلندى والرسام الموهوب، روبرت، هل أزعجتكِ معاملته العنيفة لأكوانى؟ فى فكرتى الأولى ل «روح النهر»، تصورتُه شاباً من إدنبرة يفتنه المعمار المحلى للسودان المُستعمَر يرسم النيل ويبدأ فى ارتداء ملابس السكان الأصليين. يرسم زوجة زعيم قبلى ويتم اكتشاف الرسم، فتتعرض مسيرته فى الإدارة الاستعمارية وسلامته الشخصية للخطر. مع مرور الوقت، فقدت إيمانى بهذه الرؤية وأصبحت واعية بمدى اشتقاقها. مَّر خيالى بعملية إنهاء الاستعمار! تصدرت المرأة السودانية الفكرة، ورأيتُ الفنان من خلال عينيها -انتهازيًا، وطموحًا. كانت إفريقيا ومعظم الإمبراطورية ملعبًا خلفيًا للرجال الأوروبيين، ومكانًا يمكنهم من خلاله التقدم والتألق فى وطنهم. لا، لم يزعجنى أنه ضرب أكواني. لقد شعرت أن هذا يناسب الشخصية والموقف بناءً على بحثى، كان هذا العنف منتشرًا فى السودان (وبقية العالم) فى القرن التاسع عشر، لكنى شعرت أن التركيز على حادثة أو اثنتين سيكون له تأثير أقوى على القارئ. أحد أكثر الفصول إقناعًا فى «روح النهر» عن تشارلز جوردون. عرضٌ رائع للغطرسة والتعقيد النفسى، وهو جزءٌ لا يتجزأ من الموقف الاستعمارى والشعور الوهمى بالسلطة الذى يمكن أن يولده. كان التحدى فى الكتابة عن جوردون وجود الكثير من المعلومات عنه. عدد لا يحصى من الكتب، فيلم هوليوودى، معالجات روائية، ومذكراته الشخصية التى غطت أشهر حياته الأخيرة فى الخرطوم. هذه المذكرات مذهلة، وكاشفة، ومفصلة. تتوقف قبل وفاته ببضعة أشهر حين نجح فى تهريبها من الخرطوم المحاصرة قبل استيلاء المهديين على المدينة واغتياله. كان التحدى كتابة شىء جديد، وعدم إعادة صياغة ما قد قرأته بالفعل عنه. فهمت تعقيدات موقفه، وشعوره الثقيل بالمسؤولية. كان إمبرياليًا وعنصريًا، لكننى أعجبت بتقشفه وتفانيه. أشعر أن النبرة فى روايتك الأولى، المترجِم (1999)، متوازنة بينما فى «روح النهر»، طريقة كتابة الجمل تعكس تسارعًا فى الأفكار وتقدمًا سريعًا فى الحبكة. حين بدأت الكتابة، لم تتدفق الكلمات بسهولة، رُغم شعورى بإلحاح الأفكار كان التدفق بطيئًا، واستغرق الأمر منى وقتًا طويلًا لكتابة ما يكفى من الكلمات. قد يكون هذا ما جذبنى للقصة القصيرة. أذكُر شعورى بأن ما أكتبه يأتى من مكانٍ عميق، أفكار ومشاعر لم أُعبِر عنها بكلماتٍ من قبل. حرصتُ على تدفُق الكتابة فحسب. مع مرور الوقت، بدأت الكتابة تتدفق بشكل أسرع، لذا أود أن أقول إننى أكتب بشكل أسرع الآن، وأكثر ثقة فى وجهتي. مع كل رواية نشرتها قبل «روح النهر»، كان يطلب منى محررى إضافة المزيد من المشاهد أو المزيد من الأوصاف. كانت النسخة النهائية المنشورة تنتهى بكونها أطول بنسبة%7 تقريبًا من المسودة الأولى. حدث العكس مع «روح النهر». لأول مرة يطلب منى محررى إزالة مقاطع من النص وحذف حوالى20% مما كتبت!