الاستعانة بآراء الأصدقاء فى الكتابة يفقد النص روحه.. والكتابة نتاج عقل صاحبها صحفية إنجليزية هى من أطلقت علىَّ لقب «الهرم الرابع».. وسعيد بالعمل الاحترافى ل«دار الشروق» عشت حياة تعيسة.. وطريقة تربيتى لا تخرج سوى شخص «مجرم أو مبدع» إذا لم يكن بالأديب هزة نفسية لا يستطيع الإبداع.. والجوائز الأدبية تذهب لمن يستحقها بالصدفة الأزهر هو الجهة الوحيدة المنوط بها تجديد الخطاب الدينى.. والمثقف الحقيقى دوما على الطرف الآخر من السلطة تخاذل الأدباء فى موقف استشهاد محمد الدرة سبب بعدى عن الكتابة أولى مهام الكاتب الإدلاء بوجهة نظره فى القضايا المطروحة.. وعليه الاستعداد لدفع الثمن «ضارب الطبل» كانت قصة قصيرة وتحولت لرواية
لفت انتباه كبار الأدباء والنقاد لموهبته الفذة، منذ قدمه الأديب جمال الغيطانى، لتزخر الساحة الأدبية بأعماله التى تنوعت ما بين قصص قصيرة وروايات، منها: «ضارب الطبل»، و«الجبريلية»، و«الفرس ليس حرا»، و«السكَاتة»، و«منافى الرب» التى وصلت للقائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية «بوكر»، و«انحراف حاد» التى رشحت لنفس الجائزة 2015.
إنه الروائى أشرف الخمايسى، الذى قال عنه الأديب العالمى نجيب محفوظ، «مبدع حقيقى قادم كإعصار»، ووصفه جمال الغيطانى، ب«ماركيز مصر»، أما الناقد محمد محمود عبدالرازق، فقال: «على نجع الخمايسة، أن يفخر بإنجاب أشرف الخمايسى، كما يفخر نجع البيروم، بإنجاب يوسف إدريس»، وفى آخر حوار للراحل أحمد خالد توفيق، ببرنامج «وصفولى الصبر»، لعمر طاهر، سأل عن «من هم الكتاب الذين لم يأخذوا حقهم»؟ فأجاب أشرف الخمايسى. فى حوار امتد ثلاث ساعات متواصلة، كشف خلالها الروائى أشرف الخمايسى، الكثير من تفاصيل كواليس روايته الأحدث «جو العظيم»، ومشروعه الأدبى «الخلود»، وغيرهما الكثير فيما يخص الأدب والثقافة.. وإلى نص الحوار: * ما هو أصعب شىء فى الكتابة؟ الفكرة.. هى أصعب ما فى عملية الكتابة، والتى غالبا ما تأتى من مناطق تشغل ذهن الكاتب، بعدها يتم رسمها وتشكيل شخصياتها وعوالمها على الورق؛ لتصبح عملا أدبيا مكتملا. * متى تكتب؟ أكتب بشكل يومى، طالما شغلتنى فكرة، فتظل تلح على حتى اكتمالها، وأنشغل بها وأظل أشبكها وكأننى أصنع سجادة من النسيج، وحتى فى أسوأ الظروف ألتزم بكتابة 5 أو 6 سطور، كما أننى أمتلك حيلة للدخول فى مزاج الكتابة، وهى إعادة قراءة ما كتبته سابقا، والتأكد من سلامة التشكيل، ثم أعود فأحذف أو أضيف الكلمات وتغييرها. * هل تتبع خريطة لإتمام مشروعك الأدبى؟ لا.. لست من مؤيدى فكرة الكتابة وفق خريطة، فعلى الكاتب أن يرمى البذرة، ثم يعتنى بها ويراقبها وهى تنمو وتثمر بشكل طبيعى، مع السيطرة عليها حتى لا تحيد عن طريق اختير لها من البداية. * هل تستعين بآراء أصدقائك أثناء عملك على الرواية؟ نعم.. فعلتها من قبل، وتأكدت من أنها تجربة سيئة، فالكاتب أدرى من غيره بالأفكار التى يتناولها، فالإضافة أو الحذف وفق آراء الأصدقاء يُفقد النص روحه، ويصبح العمل مشتتا ومهلهلا؛ لأن الكتابة فى أساسها نتاج عقل صاحبها فقط. * ما أقرب شخصيات أعمالك لنفسك؟ كل أبطال رواياتى صور مختلفة منى، وآراؤها انعكاسات لآرائى وأفكارى وصراعاتى الداخلية. * هل تضع أمامك رأى القارئ أثناء الكتابة؟ لا.. على الرغم من أن القارئ هو الذى يكمل العمل، والكاتب يكتب له ومن أجله فى الأساس، لكننى أكتب وأنا أضع الفكرة فقط أمامى وأسير وراءها، ثم أتركها تفرض نفسها، وكذلك أفعل مع الشخصيات حتى تسير بحريتها، ولكن بعد صدور العمل اهتم بمتابعة ردود الفعل. * تقول إن نشأتك لا ينتج عنها سوى «مجرم أو أديب».. كيف هذا؟ أنا من الذين عاشوا حياة تعيسة وكئيبة؛ بها من التسلط والقهر والترهيب أكثر ما بها من الحب والترغيب، فوالدى رجل صارم بحكم نشأته الصعيدية ووظيفته العسكرية، فكان يعاقبنى بقسوة إن رآنى ألعب مع أصدقائى، ويأمرنى بالمذاكرة فقط، مما جعلنى أبغض الدراسة رغم تفوقى فيها، وأدخلنى فى حالة من انطواء كانت سببا فى دخولى عالم القراءة، التى بدأت مع مجلات «ميكى وسمير»، وحتى هذه أحرقها والدى جميعا. وبالطبع هذه الطريقة فى التربية لا يخرج منها سوى شخص «مجرم أو مبدع»؛ نظرا لأن طبيعة الاثنين بها اهتزاز نفسى، وأعتقد أن الأديب إذا لم يكن به هزة نفسية لا يستطيع الإبداع. * اتهمت بانتمائك إلى جميع التيارات الفكرية على تناقضها.. كيف تفسر ذلك؟ أندهش من هذه التصنيفات؛ فكل مرة أدرج تحت تيار مناقض للآخر، فمرة اُصنف على أننى إخوان، ومرة ملحد، وأعود لأتهم بأننى سلفى، ثم أصولى، وكذلك ليبرالى أو علمانى، واعتقد أن هذا كله يعود إلى كتاباتى وآرائى فى القضايا العامة، والتى اصنف على أساسها. وفى النهاية، أنا كاتب هويتى عربية، أرفض الانبطاح للغرب، ودينى الإسلام السمح الوسطى، بعيدا عن التطرف ومدعى التدين، فأساس الإسلام دين براح؛ نحتاج فقط أن نفتش فيه ونخرج ما ألصق به من أخطاء، ولهذا أنا مع دعاوى تجديد الخطاب الدينى. * ما الجهة المنوط بها تجديد الخطاب الدينى؟ الأزهر طبعا.. فهو الجهة الوحيدة التى باستطاعتها ذلك، فكيف يجدد من لا يعلم ولم يدرس دينه بشكل جيد. * حدثنا عن 8 سنوات فى ظل السلفية؟ كانت البداية، عندما طرق باب شقتى، أحد جيرانى وآخر يرتديان الزى السلفى، ليعرفانى بنفسيهما وأنهما من جماعة التلبيغ والدعوة، وإن واجب المسلم على أخيه المسلم الزيارة، وأخذنا الحديث عن الإسلام والصحابة، ودور المسلمين تجاه بعض، ليمر شريط حياتى أمام عينى بلمح البصر؛ «انكساراتى والخذلان الذى أعيشه بعد تخلى الأدباء عنى فى موقف استشهاد محمد الدرة، وبعدى عن الالتزام الدينى». وقلت لنفسى؛ إنها أحد أمرين: «إما أن الله يحبك فبعث لك من ينصحك، وإما أنه يكرهك فبعث إليك من ترفض نصيحته فينزل عليك غضبه»، لتبدأ رحلة 8 سنوات والخروج معهم فى سبيل الله؛ بهدف النصح والالتزام بتعاليم الدين، بعيدا عن السياسة. * هل أثرت رحلة ال8 مع السلفين على كتاباتك؟ نعم.. أكسبتنى الكثير أثناء كتابة «ضارب الطبل»، وإجادة طرح المنطقة الأصولية فيها. * وماذا عن كتاب «النهر الحالى من فتح البارى لشرح صحيح البخارى»؟ أثناء فترة انضمامى للجماعة، قرأت الكتاب، ووجدته كتابا قيما ورائعا، ولكن مشكلته كانت فيما يحتويه من أصول اللغة والنحو وتصريفاته، مما يجعله ثقيلا على القارئ غير المتخصص، فقررت أن أنقحه، واستخرج منه القصص اللطيفة، وأقدم كتابا جميلا سهلا للقراءة، بدون تدخل منى فى ما قدمه الأقدمون. * ماذا عن العودة إلى الأدب مرة أخرى؟ عدُت للأدب، بعد دعوتى للمشاركة فى إحدى الندوات، فذهبت وأنا ارتدى جلبابا قصيرا ولحيتى طويلة، وبعد تقديمى من رئيس النادى، فوجئت بأحد الحاضرين يهتف: «أنت صاحب (الجبريلية والصنم)، ويطالبنى بالعودة للكتابة، يومها كلامه هزنى وشعرت أننى قدمت شيئا كبيرا، وعلى أن استمر، فكانت العودة مرة أخرى. * تدلى برأيك فى القضايا المطروحة.. ألا تخشى أن ينتقص هذا من رصيدك عند الجمهور؟ لا أخشى ذلك؛ لأن أولى مهام الكاتب الإدلاء بوجهة نظره فيما يطرح من قضايا تخص مجتمعه، وأن يكون مستعدا لمواجهة تبعات ذلك، ودفع الثمن، لكن ما يحدث فى الواقع شىء آخر، ولا ينتمى إلى المثقف الحقيقى بشىء، الذى دائما وابدا على الطرف الآخر من السلطة حتى يكون «رمانة الميزان». * مشروعك الأدبى يدور حول فكرة «الخلود».. حدثنا عنه أكثر؟ فكرة الخلود هى ما تستحوذ على تماما، ولذلك تظهر كالشمس فى أعمالى، ومشروعى فيها يضم 5 روايات، انتهيت من كتابة أربعة منها، كل رواية فيها مكتملة بذاتها، ولها مذاقها الخاص ولغتها المتفردة بها، أما الرواية الخامسة، فكانت مؤجلة بسبب انشغالى بكتابة «جو العظيم»، والتى انتهيت منها. * أنت كاتب قصة قصيرة فى الأصل.. لماذا تحولت إلى عالم الرواية؟ اعتقد أن كل كاتب قصة قصيرة هو روائى بديع، أما الروائى فمن الصعب أن يصبح قاصا، فكتابة القصة القصيرة عمل شاق، وفيها يتم التمرن على أصول الكتابة الإبداعية، وتمكن صاحبها من التحكم فى أدواته. كما أرى أن الأفكار تختار القالب المناسب لها، وأحيانا بعد كتابة العمل تجد نفسك تغير القالب، وقد حدث هذا معى فى رواية «ضارب الطبل»، كانت قصة قصيرة باسم «صوفيا هارون»، قبل أن تصبح رواية، وعلى الرغم من بداياتى القصصية إلا أننى لن استطيع العودة لكتابة القصة القصيرة. * من وراء لقبك ب«الهرم الرابع»؟ صحفية إنجليزية تدعى «فلورا»، وهى أحد أمناء جائزة ال«بوكر» العربية، وهى التى أطلقت على هذا اللقب بعد إجراء حوار معى. * هل تذهب الجوائز الأدبية لمن يستحقها؟ لا تذهب لمن يستحقها إلا ب«الصدفة»، فهناك مقاييس أخرى تحكم اختيار الفائز غير جودة العمل، ولكنى لا أنكر أن فكرة إنشاء جائزة بمبالغ مالية ضخمة، فكرة عبقرية، وتضييف قيمة للأدب، ولكن يعيبها أن بعض أمناء الجوائز يختارون عملا أقل من المستوى، أو أن تكون للجنة توجهات سياسية. * قلت إن القراء نوعان قارئ مثلى وآخر مثالى.. ما الفرق؟ القارئ «المثلى» هو الذى يحب أن يقرأ الكتب التى تشبه أفكاره، وتتناول معتقداته فقط، أما القارئ «المثالى» فهو من يقرأ الكتب على اختلاف أفكارها، ويشتبك معها ويحاورها ويحبها ويحترمها، مهما كانت مضادة لفكره ومعتقده. * ما رأيك فى وضع المؤسسات الثقافية فى مصر؟ الثقافة مثل الدين لا يجب أن تخضع لجهة حكومية؛ لأنها ستصبح ذراعا سياسيا لها، فالدول المتقدمة لا توجد فيها وزارات للثقافة، والأصلح أن تدعم الدولة المنشآت الثقافية، فلا وصاية على الثقافة والفكر. * هل قصدت فى «ضارب الطبل» إظهار حكمة إخفاء ميعاد وفاة الإنسان؟ نعم.. فالفكرة السائدة أن الإنسان إذا علم بميعاد وفاته سيلتزم بالطاعات، والرواية جاءت لتؤكد أن العكس هو الصحيح، فسنجد الصراعات حول الميراث والانتقام والحسد والغيرة من الآخرين أصحاب العمر الطويل، وغيرها من المشكلات وفى الرواية كان هناك العديد من النماذج، كالذى باع زوجته، والطفل الذى أحرق جيرانه، وغيرهما، وبهذا يصبح إخفاء ميعاد الموت إحساس بديع. * اتهمت بالإسراف فى الكتابة عن الجنس.. لماذا؟ اتناوله عندما يخدم القضية المطروحة، وأتساءل لماذا يقال عن «ذكرى عاهراتى الحزينات» لماركيز، أنها أروع ما يكون على الرغم من الجنس الصريح فيها، وغيرها من روايات الأدب العالمى، وهذا يذكرنى بالمثل القائل: «زامر الحى لا يطرب.. ولا كرامة لنبى فى وطنه». * يشاع أنك لم تقرأ سوى 18 كتابا.. ما صحة ذلك؟ غير صحيح، والحكاية عندما سئلت عما قرأته من روايات، فقلت لم أقرأ سوى 18 رواية، فُفهمت على أن هذا مجموع قراءاتى، وفى الحقيقة أننى قرأت عددا مهولا من الكتب، منها كتاب «الأغانى» لأبى الفرج الأصفهانى، وكتاب «الحيوان»، للجاحظ، و«قصة الحضارة» لويل ديورانت، و«البداية والنهاية» لابن كثير، و«ألف ليلة وليلة»، وأعمال العقاد، والحكيم، وطه حسين، وماركيز، وشكسبير، وغيرها. * حدثنا عن «جو العظيم»؟ «جو العظيم»، هى روايتى الثانية مع «دار الشروق»، التى أعتز بالتعامل معها لأنها دار نشر كبيرة، وتعمل بشكل احترافى، والرواية تختلف كليا عما قدمته من أعمال أدبية؛ فهى مكتوبة بشكل ساخر، رغم أنها تناقش قضية كبيرة، وبها إسقاطات كثيرة على الواقع؛ فهى رواية ستترك بسمة على شفاه القارئ، وتجعله يستمتع بها، وأنا شخصيا استمتعت بها كثيرا أثناء كتابتها. * وعن تجربتك مع «دار الشروق»؟ أجمل ما حدث فى تجربتى مع «دار الشروق» هو العمل الاحترافى الذى شاهدته من الدار، التى كانت ترسل لى النسخة التجريبية من الرواية لمراجعتها فى «ماكيت»؛ كما يفعل غيرها، لإجراء ما يلزم من تعديلات، فأنا بطبعى أحب تقديم العمل للناشر بشكل لائق يعكس شخصيتى، وهذا ما وجدته من الدار، ومن المسئولين فيها، كما أننى أحب إبراهيم المعلم، كشخص، فهو رجل عفوى ومرح ومثقف.