الأب وابنه روجا للمخدرات عن طريق السوشيال ميديا

في زمن أصبحت فيه وسائل التواصل الاجتماعي نافذتنا اليومية على العالم، تسللت آفة المخدرات إلى تلك المساحات الرقمية، متخفية خلف ستار «الترند» و»المحتوى الترفيهي». لم تعد المخدرات تُباع في الشوارع المظلمة فقط، بل باتت تُروج علنّا في فيديوهات ومنشورات، تقدم بأساليب جذابة تستهدف فئة الشباب والمراهقين تحديدًا، هذا التحول الخطير جعل من السوشيال ميديا ساحة مفتوحة لترويج السموم البيضاء، آخر هذه الوقائع كانت في محافظة البحيرة؛ عندما كشف مقطع فيديو إتجار رجل في بيع المخدرات، وبعد التحري، تبين ضلوعه في الإتجار بهذه السموم بصحبة نجله، تفاصيل أكثر عن تلك الواقعة وكيف انتشرت المخدرات بهذه الصورة على منصات التواصل الاجتماعي في السطور التالية.
في مشهد لم يكن يتخيله أكثر المتشائمين، باتت المخدرات حاضرة يوميًا على شاشات الهواتف، ليس في شكل تحذيرات أمنية أو حملات توعوية، بل في مقاطع «تيك توك» و»ريلز» و»ستوريات»، تظهر فيها المواد المخدرة وكأنها جزءًا من حياة الرفاهية أو الموضة.
آخر هذه الأمثلة واقعة البحيرة، رجل تجاوز عمره ال50 عامًا، علامات الكبر تبدو واضحة عليه، لكن وقار سنه لم يمنعه من التجاوز في حق نفسه وفي حق مجتمعه، وأيضًا في حق أسرته.
هذا الأب، هو رب أسرة، متزوج منذ أكثر من 30 عامًا، ولديه أولاد، أحدهما، يشاركه في التجارة، لم تكن هذه التجارة مثلا هي تجارة مشروعة، بل كانت تجارة في المخدرات.
تحت أعين الأمن
قبل أسبوع، رصدت الأجهزة الأمنية مقطع فيديو لهذا الرجل، يشير فيه إلى إتجاره في المخدرات، وبعد التحري والبحث، تم التوصل إلى هويته، وتبين أنه فعلا يتاجر في المخدرات، وبتضييق الخناق، ألقي القبض عليه، والمفاجأة، أن ابنه شريكه في هذه التجارة الآثمة.
تخيل أن يلقي أب بابنه إلى التهلكة بدلًا من أن ينجو به إلى بر الأمان، ويضمن له مستقبلا أفضل، أوداه بيده إلى السجن، بسبب المخدرات.
مخدرات على النت
الأمر حاليًا لم يعد مقتصرًا على البيع المباشر، بل تطور بشكل خفي وأكثر خطورة؛حيث ظهرت صفحات تقدم محتوى في ظاهره ساخر أو ترفيهي، لكن في باطنه، يتضمن رسائل خادعة، تُطبع في ذهن المتلقي دون وعي، مفاد هذه الرسائل، «المخدرات تجعلك سعيدًا، الاستروكس للرجالة، الترامادول سر التركيز».
هذه العبارات، باتت تتكرر بشكل غير مباشر عبر مقاطع الفيديو، وتُظهر المتعاطي وكأنه «جامد» ومواكب للموضة، وهو الأمر الذي يُغري المراهقين.
نموذج مضلل
في هذه الجزئية تحديدًا، يوضح الدكتور جمال فرويز، استشاري الطب النفسي وعلاج الإدمان؛ أن خطورة مثل هذه العبارات والطرق مضاعفة، لأن منصات التواصل الاجتماعي، تظهر هذا النموذج المضلل بشكل غير الذي عليه، مضيفًا أن فكرة ربط التعاطي والإتجار بالشهرة والمرح والانطلاق، يخلق ارتباطًا نفسيًا في ذهن المتابعين.
وأكد «فرويز» في حديثه ل«أخبار الحوادث»؛ أن هناك ممن يتأثر بهذا الأسلوب، ويلين له، ويرغب في التجربة، والتجربة مرة تقود إلى التجربة مرات، حتى يصل إلى درجة الإدمان، ومن هنا يصبح تأثيرها كارثيًا، ويجب التعامل معه فورًا عبر آليات مختلفة، أمنيًا وتوعويًا.
وأشار استشاري الطب النفسي وعلاج الإدمان؛إلى أن الانشغال اليومي وضغوط الحياة، بالإضافة إلى تغيب الرقابة الأبوية عن محتوى الأبناء على الإنترنت، يؤثر سلبًا على انتشار هذا النوع من المحتوى، واستطرد قائلا: «عايز أقولكإن كتيرجدًا من الآباء، معندوهمش دراية أصلا بأساليب الترويج الحديثة للمخدرات، والتي قد تمر مرور الكرام تحت مسمى «محتوى ترفيهي» أو «فيديوهات مضحة، وبالتالي هو معندوش فكرة عن اللي بيدبر لابنه».
واختتم دكتور جمال فرويز حديثه قائلا: «أما بالنسبة للواقعة التي ضبطها الأمن في البحيرة، ده راجل جاتله حالة من حالات الاضطراب، افتكر نفسه بإنه محدش قادر عليه، عشان كدا خرج بالفيديو دا وكأن محدش هيوصله، وكون ابنه يبقى شغال معاه في نفس التجارة، يدل على أنه لا يعي أصلا معنى الأبوة، ومعاقبته بأشد أنواع العقوبات واجب وفرض عين».
اقرأ أيضا: a href="https://akhbarelyom.com/news/newdetails/4665704/1/%D8%A3%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%8A%D8%B2%D8%A9-%D9%8A%D8%B6%D8%A8%D8%B7-%D8%B3%D8%A7%D8%A6%D9%82-%D9%85%D9%8A%D9%83%D8%B1%D9%88%D8%A8%D8%A7%D8%B5-%D9%88%D8%A2%D8%AE%D8%B1-%D9%84%D8%AA%D8%B9%D8%A7%D8%B7" title="أمن الجيزة يضبط سائق "ميكروباص" وآخر لتعاطى المواد المخدر "أمن الجيزة يضبط سائق "ميكروباص" وآخر لتعاطى المواد المخدر
سوق جديدة
في حديثه ل»أخبار الحوادث»، يوضح اللواء وليد السيسي، وكيل الإدارة العامة لمكافحة المخدرات الأسبق؛ أن السوشيال ميديا ساهمت بشكل أو بأخر في وجود المخدرات التخليقية، وجعلتها الأكثر انتشارًا لعدة أسباب، أولا أن المخدرات التخليقية، كالاستروكس والشابو والحشيش الصناعي، سعرها أقل بكثير من أنواع أخرى من المخدرات كالهيروين والكوكايين والأفيون وخلافه، الأمر الثاني سهولة تصنيعها، فهي عبارة عن خلط مواد كيميائية على نبات عشبي، فتظهر هذه الأنواع من المخدرات، والأمر التصنيعي الذي أدخل على هذه المخدرات جعلها «مغشوشة»، تختلف من مكان لآخر في كيفية تصنيعها وطبيعة المواد المستخدمة فيها، وهو ما يضاعف ضررها.
وأضاف: «هذا يتعلق بالتصنيع، أما فيما يخص الترويج، فإن الترويح لهذه الأنواع من المخدرات أصبح سهلًا، خاصة مع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي، والتي يبث من خلال محتوى يروج لهذه المخدرات تحت مزاعم واهية».
واستطرد وكيل مكافحة المخدرات الأسبق قائلا: «في الماضي، لو أن أي مخدر ظهر تستطيع أجهزة المكافحة تحديد من السبب في انتشاره، خاصة في الأحياء الشعبية، على عكس ما يحدث الآن، والذي يتم ترويج المخدرات عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي والإنترنت وطرق أخرى كثيرة، وبالتالي هناك حالة من حالات الصعوبة في الرصد، وصعوبة في تحديد التاجر، الأمر الذي يجعل من الضرورة تكليف العديد من المصادر السرية والاستعانة المستمرة والكثيرة بمواقع التواصل الاجتماعي وتكنولوجيا المعلومات، وإتقان كيفية مهامها وسبل تتبع ورصد أصحاب الحسابات المشتبه فيهم، حتى يتسنى الوصول إليهم وكشف طرق ترويج هذه المخدرات».
واختتم اللواء وليد السيسي حديثه قائلا: " لكن في المقابل، استطاع رجال المكافحة أن يطوعوا التكنولوجيا، كي تصبح لها الدور المهم في رصد وكشف تجار المخدرات، وأساليب التهريب، على الرغم من أن المسألة هنا أصبحت شديدة التعقيد، خاصة وأن تجار المخدرات أصبحوا يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي المشفرة والإنترنت المظلم، المعروف بال»Dark Wep»، وبالتالي كان لزامًا علينا تطوير كافة أدواتنا التكنولوجيا والتقنية، والكثير جدا من قضايا المخدرات في الفترة الأخيرة تم رصدها وتتبع المتهمين فيها من خلال هذه المواقع، ونجح القطاع بالفعل في ضبط الكثير منهم، وجهاز المكافحة يحدث نفسه تقنيا بشكل آنّ ولحظي، حتى يتم مواكبة السوق الجديد من تجارة المخدرات الإلكترونية.