لا ألوم الرأى العام المشغول بأم مكة وسوزى الأردنية وملكة السحر «بنت العجماء» ومداهم وشاكر، ولكن شدّنى كلام خطير قاله عالم اسمه «جيفرى هنتون» وهو «أبو الذكاء الاصطناعى فى العالم». يقول: هناك تهديد وجودى يتمثل فى إمكانية تطوير «كائنات رقمية» تفوق ذكاء البشر، ولا نعلم إذا كنا نستطيع السيطرة عليها أم لا، ولم يعد هذا الخطر ضربًا من الخيال، بل أصبح واقعًا حتميًا. ويقول: قد يستخدم الذكاء الاصطناعى فى تطوير «فيروسات جديدة» قاتلة أو أسلحة فتاكة، تقرر من تلقاء نفسها من تقتل أو تشوه، ونحن بحاجة إلى أبحاث تركز على كيفية منع هذه الكائنات الذكية من السعى للسيطرة. «جيفرى هنتون» عالم فيزياء ورائد الذكاء الاصطناعى الأول فى العالم وترك عمله فى جوجل، وتفرغ يحذر العالم من مخاطر التكنولوجيا التى ساهم فى بنائها، وقال هذا الكلام الخطير أثناء تسلمه جائزة نوبل فى الفيزياء لعام 1924، فى العاشر من ديسمبر نفس العام. ويقول: لقد أدى الذكاء الاصطناعى إلى خلق «عزلة فكرية»، واستخدم من قبل الحكومات الاستبدادية لأغراض المراقبة الجماعية، ومن قبل مجرمى الإنترنت فى هجمات الاحتيال الإليكترونى. طبيعى أن يكون السؤال هو: لماذا أربط بين «جيفرى هينتون» العالمى و»بنت العجماء» القروية وبين «فك السحر» و»الفيروسات الرقمية» ؟. العلاقة معقدة ولكنها واضحة. خوارزميات تيك توك التى تستخدمها «بنت العجماء» وأخواتها هى ذكاء اصطناعى، وتحديد ما يجذب المستخدم ويثير انتباهه ويجعله يستمر بالمشاهدة، ويدمن المحتوى ويعود إليه. الخوارزميات لا تُفرّق بين المحتوى القيم أو المنحط، فهى تروّج لما يحقق أعلى نسب مشاهدة وتفاعل حتى لو كان محتوى إجراميًا أو مبتذلًا أو غير أخلاقى، والمحتوى غير الأخلاقى ينتشر بسرعة فائقة، لأن الذكاء الاصطناعى يراه ناجحًا من ناحية التفاعل. والبلوجرز أو التيك توكرز، يحقق أرباحًا ضخمة من مشاهدات وإعلانات دون رقابة، ويستخدم البعض هذه الأموال فى أنشطة مشبوهة مثل غسيل أموال والدعارة والمخدرات والابتذال، ويُعاد تشكيل وعى المجتمعات على يد كائنات رقمية لا تملك ضميرًا ولا عقلًا. لا مكان للتمييز بين الجيد والسيئ، والخوارزميات لا تقرأ القيم، بل ترصد القطيع، ولا تسأل: هل هذا يتوافق مع القيم الأخلاقية والقانونية والدينية أم لا؟، وبهذا المقياس المشوه تتحوّل شخصيات تافهة إلى نجوم وتُهمَّش العقول الجادة، ويُدفن كل محتوى يفيد الناس. نحن لا نعيش عصر «الإعلام الرقمى» بل عصر «القطيع الرقمى»، وتقوده خوارزميات ذكية صنعتها عقول عبقرية، لكنها تُستخدم لتفريغ المجتمعات من الوعى وتسطيح الأجيال، وتحويل المنصات إلى مصانع للابتذال، والخطر لا يهاجمنا من الخارج بل يعيد البرمجة من الداخل، ويسوّق السخف كترفيه والابتذال كشهرة.