بعد نقاشات متوترة امتدت لساعات، تصاعد الدخان الأبيض من مقر الحكومة الإسرائيلية مساء الثلاثاء، لكنه لم يكن إعلاناً لتوافق أو اتفاق، بل نتيجةً لمواجهة نادرة ومشحونة بين رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ورئيس الأركان اللواء إيال زامير. بينما تطرح على الطاولة خطة مثيرة للجدل لغزو قطاع غزة بالكامل، تشتعل المعركة الحقيقية خلف الأبواب، إذ نقلت صحيفة "يديعوت أحرنوت" العبرية تفاصيل ما حدث. داخل غرفة القرار في ختام النقاش الأمني الذي عقد مساء الثلاثاء، أعلن مكتب رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن "رئيس الأركان عرض خيارات مواصلة الحملة على غزة"، وذلك في وقت تصاعدت فيه حدة التوتر بين قيادات المستويين السياسي والعسكري الإسرائيلي. بحسب تقرير "يديعوت أحرنوت"، فإن الاجتماع الذي استمر قرابة ثلاث ساعات شهد اشتباكات كلامية مباشرة، أبرزها تحذير رئيس الأركان اللواء إيال زامير من أن احتلال قطاع غزة قد يُعرض حياة المحتجزين للخطر، ويوقع إسرائيل في فخ نصبته حركة حماس. نتنياهو رد على زامير قائلاً: "نحن من نقرر"، في إشارة إلى السلطة السياسية في اتخاذ القرار النهائي. تحذير زامير خلال الاجتماع، أوضح زامير أن تنفيذ عملية احتلال غزة لن يكون قصير الأمد، بل قد يستمر لشهور، وهو أمرٌ قد يؤدي إلى استنزاف كبير في القوات النظامية والاحتياط، وقال زامير بالحرف: "الاحتلال ليس انفجارًا وينتهي، بل عملية طويلة ومعقدة". في المقابل، رأى نتنياهو أن المسار الذي اتبع حتى الآن لم ينجح في إطلاق سراح المحتجزين، وأن الخطة الجديدة، على الرغم من خطورتها، قد تزيد من فرص استعادتهم. نجل نتنياهو يتدخل زاد من تعقيد الموقف تدخل غير مباشر من يائير نتنياهو، نجل رئيس الوزراء، الذي هاجم رئيس الأركان في تغريدة على منصة "تويتر"، ردًا على تعليق للمعلق العسكري يوسي يهوشواع، الذي دعا نتنياهو لتوضيح مخاطر خطته. كتب يائير: "إذا كان من أملى عليك التغريدة هو ما نعتقده، فهذه ثورة وانقلاب عسكري تليق بجمهوريات الموز في السبعينيات". وخلال النقاش، واجه زامير "نتنياهو" قائلًا: "لماذا يهاجمني ابنك؟"، فأجابه نتنياهو: "ابني يبلغ من العمر 34 عامًا، وأنا لست مسؤولًا عما يكتبه على تويتر". وأصدر مكتب نتنياهو بيانًا عقب النقاش، أكد فيه أن "الجيش الإسرائيلي مستعد لتنفيذ أي قرار يتخذه المجلس الوزاري السياسي الأمني المصغر"، وعلى الرغم من معارضة زامير، إلا أنه أعلن أنه سينفذ ما تقرره القيادة السياسية. وأكد زامير، خلال لقاء سابق مع نتنياهو ووزير الدفاع يسرائيل كاتس، أنه لم يهدد بالاستقالة، مشددًا على التزامه بالقرار النهائي. قرار الخميس أوضحت "يديعوت أحرنوت" أن خطوة احتلال غزة ستُعرض على المجلس الوزاري للموافقة يوم الخميس المقبل، وسيتوجب على نتنياهو تبرير هذه الخطوة التي تتعارض مع المواقف المهنية والعسكرية، لا سيما بشأن قضية المختطفين واستنزاف القوات. ومن المرجح أن يستند نتنياهو في تبريره إلى مقاطع مصورة حديثة للمحتجزين روم بريسلافسكي وإيفاتار ديفيد، مشددًا على أن "حماس تماطل، والمحتجزين يواجهون الموت جوعًا". وطرح الجيش الإسرائيلي خيارين رئيسيين هما الاحتلال الشامل أو التطويق، حيث يفضّل زامير الخطة الثانية التي تهدف إلى خنق حماس عسكريًا واقتصاديًا دون التوغل الكامل في غزة. إلا أن نتنياهو يعتقد أن الاحتلال سيؤدي إلى تغيير الواقع الحالي، وربما يؤدي إلى إطلاق سراح المحتجزين، لذلك، فهو مصمم على عرض الخطة هذا الأسبوع على المجلس الوزاري. ضوء أخضر أمريكي أشارت الصحيفة إلى أن نتنياهو تلقى ضوءًا أخضر من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للمضي في حملة شاملة ضد غزة، ويأتي هذا الدعم متزامنًا مع مطالب من وزراء متطرفين كبتسلئيل سموتريتش وإيتامار بن غفير، الذين يدفعون نحو حسم عسكري كامل. ويؤكد مكتب نتنياهو أن حماس لن تقدم تنازلات حقيقية بشأن المحتجزين وبالتالي فإن الحل العسكري هو الخيار الوحيد المطروح حاليًا. بحسب مصادر مقربة من نتنياهو ومسؤولين في الليكود، هناك جهود تُبذل لتقويض شرعية رئيس الأركان زامير إعلاميًا وشعبيًا، حيث يُوصف ضمن حلقات داخلية بأنه جزء من "جيل الحمل"، أي أولئك المسؤولين عن إخفاقات السابع من أكتوبر. وتكشف الصحيفة أن تعيين زامير نفسه لم يكن برغبة نتنياهو، بل جاء نتيجة إصرار وزير الدفاع كاتس، كما أشارت تقارير سابقة إلى ضغوط من سارة نتنياهو لضم ديفيد زيني إلى قائمة المرشحين لرئاسة الأركان. رغم الهجوم الحالي، تُذكّر "يديعوت أحرنوت" بأن نتنياهو نفسه كان قد أشاد بزامير قبل خمسة أشهر فقط، خلال مراسم تنصيبه قائلاً: "رشحتك ثلاث مرات، حان وقت البلبل، عملت معك عندما كنت سكرتيرًا عسكريًا، وأعجبت دومًا بصهيونيتك والتزامك المهني". يعمل نجل نتنياهو والمقربون منه، بحسب الصحيفة، على استهداف زامير عبر ما وصفته ب"القنوات الداخلية"، بغرض نزع الشرعية عنه وتوصيفه كرمز للطبقة التي ارتُبطت بإخفاقات كارثية.