مع توالى مشاهد التجويع فى قطاع غزة يتصاعد الغضب الأوروبى إزاء سياسة إسرائيل، فبالإضافة إلى إعلان 3 دول أعضاء فى الاتحاد الأوروبى عزمهم الاعتراف بالدولة الفلسطينية فى سبتمبر المقبل، تتواصل التحركات داخل التكتل لبحث معاقبة تل أبيب على انتهاكاتها لحقوق الإنسان فى فلسطين. ويحمل الشهر الجارى أهمية خاصة فى مسار علاقات إسرائيل بالاتحاد الأوروبى، حيث سيكون اجتماع وزراء خارجية الدول الأعضاء غير الرسمى المقرر فى 29 و30 أغسطس الجارى حاسمًا لتحديد مدى التزام إسرائيل فى مجال تحسين الأوضاع الإنسانية فى غزة، فيما يضع الاتحاد الأوروبى جميع الخيارات مطروحة على الطاولة فى حال عدم التزام إسرائيل، حسبما قال أنور العنونى المتحدث باسم الاتحاد الأوروبى فى الشئون الخارجية والدفاعية ل»الأخبار» خلال زيارة إلى مقر المفوضية الأوروبية فى بروكسل. اقرأ أيضًا | 57 شهيدا بنيران جيش الاحتلال في غزة منذ فجر اليوم بينهم طالبي المساعدات مسار مراجعة الاتحاد الأوروبى علاقاته مع إسرائيل بدأ فى مايو الماضى بطلب من هولندا بمراجعة اتفاق الشراكة بين الجانبين، بشأن مدى انتهاك تل أبيب للمادة المتعلقة بالتزاماتها فى مجال حقوق الإنسان، وهو ما حظى بدعم أغلبية داخل التكتل، وقد خلصت المراجعة إلى أن إسرائيل تنتهك بالفعل حقوق الإنسان فى غزة، وأوضح العنونى أن بروكسل لم تكتف بالانتقاد اللفظى بل قامت بخطوات دبلوماسية لدفع إسرائيل باتجاه تحسين الوضع الإنسانى فى غزة، حيث اتفقت الممثلة العليا للسياسات الخارجية كايا كالاس مع وزير الخارجية الإسرائيلى فى 10 يوليو الماضى على زيادة عدد الشاحنات اليومية المحملة بالغذاء والمساعدات، وفتح المعابر البرية شمال وجنوب القطاع، وإعادة تشغيل الطرق الخاصة بالمساعدات القادمة من الأردن ومصر، وغيرها من التدابير. وأشار العنونى إلى أنه على الرغم من ملاحظة بعض التقدم فى الوضع الإنسانى إلا أن خطوات إسرائيل ليست كافية، مشددًا على أن الوضع فى غزة لم يعد يحتمل، واصفًا إياه ب»الكارثى وغير المقبول» ولا يمكن الدفاع عنه، وشدد على أن الفلسطينيين «عانوا بما فيه الكفاية»، وأن الوقت قد حان لكسر دوامة العنف والمعاناة. وأوضح العنونى أن الاتحاد الأوروبى سيعمل بالتنسيق مع وكالات الأممالمتحدة والمنظمات غير الحكومية لتسريع تنفيذ هذه الإجراءات، مؤكدًا أن الهدف الأساسى هو إنقاذ الأرواح وتحسين الأوضاع على الأرض. وترفض بروكسل التعاون مع منظمة غزة الإنسانية التى توزع المساعدات بالتنسيق مع إسرائيل، إذ أكد مسئول آخر فى المفوضية أن الاتحاد الأوروبى يرفض «عسكرة المساعدات»، مؤكدًا أنه منذ طرح تلك الآلية توقعت الجهات الأوروبية العاملة فى مجال دعم الإغاثة أن تكون نتيجتها حوادث مروعة بحق الفلسطينيين، وبالفعل ثبت صحة الموقف الأوروبى. رؤية بروكسل للكارثة الإنسانية فى غزة واضحة، من حيث تحميل إسرائيل وحدها المسئولية عنها، حيث قال مدير وحدة الاستجابة للأزمات فى جهاز الخدمة الخارجية بالاتحاد الأوروبى، السفير كريستيان برجر، إن المشكلة الأساسية فى وصول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة لا تتعلق بعدم وجود دعم أو إمكانيات، بل بإغلاق المعابر من الجانب الإسرائيلى، رغم استعداد مصر الكامل لتسهيل عبور المساعدات. وأوضح المسئول، الذى شغل منصب رئيس وفد الاتحاد الأوروبى فى القاهرة العامين الماضيين، أنه خلال زيارته لمعبر رفح، لاحظ بنفسه أن «كل المساعدات الإنسانية كانت تُجمع وتُنقل عبر جمعية الهلال الأحمر المصرى»، التى كانت تتولى التنسيق الميدانى لتسليم الإمدادات. وأضاف: «منذ بداية الحرب، كنا نرسل على الأقل رحلتين إلى ثلاث رحلات جوية أسبوعيًا إلى العريش محمّلة بالمواد الغذائية والأدوية والإمدادات الطبية. كل ما تم جمعه من مساعدات سُلّم مباشرة إلى الهلال الأحمر المصرى، لكن المشكلة كانت أن الحدود من الجانب الآخر، أى من جهة غزة، كانت مغلقة». رغم تصاعد لهجة الخطاب الأوروبى ضد إسرائيل، إلا أن غياب التوافق بين الدول السبعة والعشرين الأعضاء فى التكتل يحول دون إقرار عقوبات بحق تل أبيب، وفى هذا السياق رفض المتحدث باسم الاتحاد وصف سياسات بروكسل بازدواجية المعايير مقارنة بمعاقبة روسيا على حربها فى أوكرانيا، موضحًا أن أية عقوبات لا بد أن تحظى بإجماع أوروبى لم يتحقق فى شأن القضية الفلسطينية والحرب فى غزة. لكن تواصل انتهاكات إسرائيل يبدو أنه يفقدها حلفائها فى القارة العجوز، فبحسب تقرير لمجلة «بوليتيكو» قبل أيام فإن ألمانيا تدعم مقترح داخل الاتحاد الأوروبى للحد من وصول إسرائيل لبرنامج «هورايزون» العلمى التابع للاتحاد، لمعاقبتها على الأوضاع فى غزة، وذلك رغم المواقف الألمانية الداعمة لإسرائيل تاريخيًا ومنذ اندلاع الحرب فى غزة. ورغم عدم توفر أغلبية لاتخاذ القرار حتى الآن فإن موقف برلين يعد حاسماً داخل الاتحاد، وقد يدفع لتعليق مشاركة إسرائيل فى البرنامج خلال أسابيع، إذ تؤخر الإجازات الصيفية للدبلوماسيين فى أوروبا من وتيرة اتخاذ القرار. وبالعودة إلى أجواء عاصمة العمل الأوروبى المشترك، فإن هناك إجماعًا داخل التكتل على الرفض القاطع لمخططات التهجير الإسرائيلية وأى محاولات لإحداث تغيير ديمغرافى أو جغرافى فى قطاع غزة، مع دعم ولاية السلطة الفلسطينية على كافة أراضى الضفة الغربية وقطاع غزة. كذلك، شدد المتحدث باسم المفوضية الأوروبية على أن وقف إطلاق النار أولوية عاجلة إلى جانب الجهود الإنسانية، مشيدًا بدور مصر وقطر والولايات المتحدة فى الوساطة.