«زمبة» من النوع الثقيل.. كانت من رئيس الوزراء سرعان ما حولها أستاذى جلال دويدار إلى جريمة كبرى. رحم الله الدكتور عاطف صدقى رئيس مجلس الوزراء الأسبق والذى ارتبط اسمه بعملية الإصلاح الاقتصادى وبدء التوسع فى مشاركة القطاع الخاص بعملية التنمية. تولى رئاسة الحكومة فى 10 نوفمبر عام 86 واستمر حتى 5 يناير 1996 من خلال 3 حكومات.. كان الراحل الكبير يحظى بتقدير خاص من الرئيس الراحل مبارك وارتبط اسمه بالعديد من الإنجازات وكان له أسلوبه الخاص فى العمل. لم يكن يأتى لمقر مجلس الوزراء فى الصباح ولكن فى حدود الساعة الواحدة ظهراً ويستمر تواجده حتى صلاة العشاء. ربطته علاقة محبة وتقدير مع الاقتصادى الكبير الدكتور محمد الرزاز وزير المالية والذى كان يواظب على الحضور يومياً للجلوس مع رئيس الوزراء لمدة تقارب الساعة قبل مغادرة رئيس الوزراء. كان الراحل الكبير الدكتور عاطف صدقى يكن تقديراً ومحبة خاصة لزميلى الكاتب الكبير مصطفى النجار مدير تحرير الأهرام ولصاحب هذه السطور. حيث كنا نواظب على اللقاء معه ساعة وصوله لمقر مجلس الوزراء. أذكر أننى تغيبت عن الذهاب لمقر مجلس الوزراء لمدة يومين فقام الدكتور صدقى بالاتصال بالراحل الكبير أستاذى جلال دويدار رئيس تحرير الأخبار وقال له: إننى لم أحضر لمقر مجلس الوزراء منذ أسبوع وبالطبع كانت «زمبة» من النوع الثقيل.. زمبة من رئيس الوزراء سرعان ما حولها أستاذى جلال دويدار إلى جريمة كبرى وكاد أن يصدر قراراً بنقلى من تغطية أخبار مجلس الوزراء. قمت ساعتها بالاتصال بالدكتور صدقى وبعد محايلة طويلة اتصل الدكتور صدقى برئيس التحرير وقال له: إنه لم يرنى أمس فقط وأحب «إنه يأخذ علقة» من رئيس التحرير. وبمثل حبه لى ولزميلى مصطفى النجار كان حبنا له وأذكر أنه قال لنا إنه يحب أن يرانا ساعة وصوله لمقر مجلس الوزراء كنوع من الاستبشار والتفاؤل. كان الدكتور عاطف صدقى يمتاز بالطيبة الشديدة وعدم الانفعال لأى سبب من الأسباب وجمعتنى معه ذكريات كثيرة وخاصة حبه لمختلف أذواق الأطعمة. فى إحدى المرات وأثناء خروجه من سيارته متجهاً للسلالم المؤدية لمكتبه «شم» رائحة كشرى وحقيقة كانت الرائحة شديدة وصادرة من بدروم أسفل مقر المجلس وكان مُخصصاً لعمال السويتش وبعض الإداريين وبصوت جهورى قال لمرافقه اللواء على محرز الأمين العام المساعد لمجلس الوزراء معقولة يا على كشرى فى مجلس الوزراء!! هيا حصلت يجيبوا كشرى فى مكتبى!! دى فوضى وقلة ذوق ودخل مكتبه وطلب منا أن ندخل معه.. ثم قال انتم شميتم الريحة.. الريحة وصلت لميدان التحرير. وتدخل اللواء على محرز وقال: سيادتك دول عمال السويش جابوا كشرى يتغدوا سنوقع الجزاء عليهم. وفوجئنا برئيس الوزراء يقول بس بصراحة الريحة حلوة أووى قوى.. ابعت هات لينا يا على طبقين كشرى.. أنا مش هعرف أشتغل إلا لما أذوق الكشرى ده. وكلنا كشرى مع رئيس الوزراء. ● ● ● رغم أن اجتماعات مجلس الوزراء فى عهد الدكتور صدقى كانت قليلة جداً وأحياناً لم تكن تُعقد إلا كل شهرين وربما أكثر إلا أنها كانت تستغرق وقتاً طويلاً وكان العرف قد جرى على أن يقوم بعض الوزراء بالتناوب فى إحضار وجبات غذاء جاهزة لكل الوزراء.. كان يتناوب على إحضار الوجبات كل من الراحل الكبير: المشير حسين طنطاوى والراحل محمد جلال أبو الدهب وزير التموين والراحل الدكتور عاطف عبيد وكان وقتها وزيراً لقطاع الأعمال والبيئة. حدث فى إحدى المرات أن تغيب جلال أبو الدهب عن حضور الاجتماع لسفره للخارج وخلال الجلسة نبه الراحل كمال الشاذلى وزير الشئون البرلمانية إلى أنه لا يوجد غداء اليوم لأن الدور كان على وزير التموين. وبعد عدة همهمات بين الحضور قال الراحل كمال الشاذلى: إحنا موجودين دلوقتى فى مكتب رئيس الوزراء وعمره ما عزمنا والمفروض هو الذى يعزمنا اليوم. وأسُقط فى يد الدكتور صدقى وقال حاضر يا كمال بيه أنت بتدبسنى بدل ما تقول إنك هتجيب لنا فطير وعسل من المنوفية بلدك. فقال الشاذلى: تعالى عندنا الباجور وأنا أجيب لك حتة من السما. واستطرد قائلاً: يا دكتور صدقى الغدا عليك النهاردة بلاش تتهرب. خرج الدكتور عاطف صدقى من قاعة المجلس وطلب السفير نور فرغلى رئيس المراسم وأعطاه 500 جنيه وقال له: ابعت هات لنا سندوتشات فول وطعيمة وبدنجان مخلل. وقبل أن يعود للدخول لقاعة المجلس قال: يا نور بيه لا تنسى الشطة. وكانت العزومة المقلب التى فوجئ بها كل أعضاء مجلس الوزراء وتعالى صوت الراحل كمال الشاذلى وقال للدكتور صدقى: معقولة يا ريس.. فول وطعمية!! بدل ما تجيب لنا كباب. ومن تحت نظارته قال له الدكتور صدقى الكباب مضر بالصحة يا كمال. وطبعاً بدأ عدد كبير من الوزراء يعتذر عن عدم الأكل.. منهم من قال أنا نسيت الدواء اللى باخده قبل الأكل.. وبعضهم قال أنا القولون عندى تعبان لو فيه زبادى ماشى.. ومنهم من خرج للصلاة!! فى إحدى المرات كنت أجُرى حديثاً مع الدكتور عاطف صدقى وسألته عن قيمة الاحتياطى النقدى الآن وللعلم كان الدكتور صدقى أول رئيس للوزراء يهتم بتكوين احتياطى نقدى من الدولارات. فقال: إنه يتجاوز الآن 14 مليار دولار ثم استطرد قائلاً: استنى نسأل الدكتور كمال الجنزورى وبالفعل طلبه من التليفون الخاص الذى يربطه بكل الوزراء. ويبدو أن الدكتور كمال الجنزورى رحمه الله قال له: إنه يتناول الغداء. لأن الدكتور صدقى قال له: بتاكل إيه؟.. ثم قال: محشى.. وملوخية يا بختك.. أنا بقالى مدة مكلتش محشى.. ثم قال له بالهنا والشفا يا دكتور كمال وأغلق الخط ونسى أنه طلبه أصلاً للسؤال عن قيمة الاحتياطى وضحكت فقال لى: بلاش نعطل الراجل يا ممتاز لأنه بياكل. ● ● ● لم أكن «القط» الوحيد فى مجلس الوزراء فقد كان هناك أكثر من مائة «قط وقطة».. مقر مجلس الوزراء القديم كان مقراً للأميرة شوه كار من الأسرة المالكة وتم إدخال العديد من الإضافات والتوسعات إليه مثل المبنى الضخم لمركز المعلومات والمبنى الإدارى الضخم الذى يضم الأقسام الإدارية التابعة لمجلس الوزراء. داخل المبنى عاشت سلالة من القطط الأليفة التى تعود جذورها لما قبل الثورة. كان من المألوف أن نرى هذه القطط تغدو ذهاباً وإياباً دون أن يعترضها أحد لدرجة أنها أحياناً تدخل للمكتب الخاص لرئيس الوزراء. وعلى مدار سنوات عديدة حاول العاملون بالمجلس اصطياد هذه القطط ولكن باءت كل المحاولات بالفشل وصدرت تعليمات من رئيس الوزراء بعدم قتل هذه القطط. والتى استمر تزايد أعدادها. وأذكر أنه فى اليوم الأول لتولى الدكتور أحمد نظيف رئاسة الحكومة قام بجولة داخلية لتفقد المبنى وكانت إحدى القطط قد انتهت من عملية وضع أنجبت فيها 4 قطط داخل مكتب تابع لسكرتارية رئيس الوزراء بالبدروم. وكانت تزمجر ويعلو صوتها وتستعد للانقضاض على أى شخص يقترب منها. وكنت أرافق رئيس الوزراء فى جولته حيث دخل إلى الطرقة المؤدية لمكان ولادة القطة وتخوف كل الحضور من أنها يمكن أن تنقض على رئيس الوزراء أثناء اقترابه منها واضطررنا للوقوف بجانب بعضنا ومن خلفنا صندوق كبير اتخذته القطة مكاناً لأولادها. بدأ التخلص من هذه القطط عندما تولى المسئولية الدكتور كمال الجنزورى رحمه الله وكلف المستشار طلعت حماد وزير شئون مجلس الوزراء الذى أسند العملية لشركة متخصصة. واستمر تواجد القطط أيام د. نظيف. ● ● ● فزت بثلاث جوائز صحفية عن حواراتى مع رؤساء الوزارات وكان منها حديث عنوانه فلاح كفر الهنادوة يشكو همومه لرئيس الوزراء. وكانت فكرة الحوار والحديث تدور من خلال مختلف شكاوى الناس التى تنشرها الصحف. اتفقت مع رئيس الوزراء الدكتور صدقى على اللقاء بعد أذان الظهر وبسبب الزحمة الشديدة بمنطقة مجلس الوزراء والبرلمان والعديد من المكاتب الحكومية تأخرت 10 دقائق وعندما وصلت أخبرنى مدير مكتبه أنه تم إلغاء الحوار. بعد اعتذار لطيف منى لرئيس الوزراء وافق وسألنى عن سبب تأخرى فقلت له: إننى حضرت بتاكسى لأنه لا يوجد لنا مكان نترك فيه سياراتنا داخل أو بجوار مقر المجلس وقلت له إننى أخبرت سائق التاكسى أننى ذاهب لإجراء حوار مع رئيس الوزراء.. ترى لو قابلت الدكتور صدقى ماذا تقول له وبالفعل طرح السائق عدة أسئلة سوف يتناولها حديثنا. فقال لى: طبعاً السواق مبسوط من الحكومة؟ فقلت: مبسوط على الآخر فقال يعنى شتمنى فقلت له مش أوى؟! وضحك رئيس الوزراء. بعد اللقاء طلب الدكتور فتحى سرور رئيس مجلس الشعب وقال له: يا دكتور يا ريت تخصصوا لنا جزءاً من موقف سيارتكم بالمجلس. عشان الولاد الصحفيين الغلابة. بالفعل استخدمنا موقف سيارات البرلمان وللأسف منعونا بعد يومين فقط!!