معلومة مؤكدة وليس فيها مبالغة: بعض البلوجرز يحققون أرباحًا خيالية، ما بين 5 آلاف و50 ألف دولار شهريًا وربما أكثر، لأصحاب الحسابات الرائجة، حسب عدد المتابعين والإعلانات والرعاة، و»الترند». هذا يفسر الجنون لانتهاك الأعراض، وبث الأكاذيب والفضائح والعرى والجرائم الجنسية، والعالم السرى للدعارة وتجارة الأعضاء والمخدرات، وبعد أن كان مرتكبوها يختبئون فى أماكن مجهولة وبشفرات سرية، أصبحوا الآن علانية باستخدام المحمول أو الكمبيوتر. كل الناس يُسجلون لكل الناس، ويكذبون على كل الناس وينتهكون أعراض كل الناس، وإذا سلمت نفسك لحظات لبعض المنصات، سوف تفقد الثقة تماماً فى هذا العالم الفضائحى، الذى اقتحم البيوت وغرف النوم وهتك الأسرار. السبب: الانتشار السريع للإنترنت والهواتف الذكية، مع ضعف الرقابة وغياب التربية الرقمية، فأصبح صناع المحتوى نجوماً سوداء يحققون الشهرة والمال عن طريق إثارة الجدل والجمهور المتعطش الفضائح، والضحية سمعة الأشخاص وعائلاتهم دون وازع من أخلاق أو قانون. دول العالم المتقدمة لم تقف مكتوفة الأيدى.. الاتحاد الأوروبى فرض قانون «الخدمات الرقمية» الذى يُلزم المنصات الكبرى مثل تيك توك ويوتيوب بحذف المحتوى الضار خلال 24 ساعة، وإلا تتعرض لغرامات ضخمة.. وبريطانيا أقرت قانون «السلامة على الإنترنت» الذى يجرّم المحتوى الذى يحرّض على الكراهية أو ينتهك الخصوصية.. وكندا تعمل على مشروع قانون جديد يحمى الأطفال والمراهقين من المحتوى الضار ويجبر المنصات على مراجعة سياساتها. ومصر لم تقف مكتوفة الأيدى وتدخل القضاء والنيابة العامة بقرارات وأحكام، وتم القبض على عدد من صناع المحتوى بتهم الفجور والتربح غير المشروع، ولكنها فى أمس الحاجة إلى تشريع حديث، وفى السعودية تتم إحالة قضايا التشهير والقذف الإلكترونى إلى النيابة، ومحاكمة عدد من المؤثرين لنشرهم محتويات مسيئة، والإمارات تمتلك قانون جرائم تقنية صارم يفرض غرامات وسجنًا على من ينشر محتوى خادشاً أو يهدد خصوصية الأفراد. وهناك دول مثل الهند قررت حظر تيك توك نهائيًا لأسباب تتعلق بالأمن القومى والأخلاق العامة، وحظرت الولاياتالمتحدة التطبيق على الأجهزة الحكومية، وهددت بحظره كليًا إن لم تنفصل إدارة التطبيق عن الشركات الصينية. وبعض الدول تحصّل ضرائب من أرباح صنّاع المحتوى، وتُدرّ عليها هذه الأنشطة عائدًا اقتصادياً، ولكن فى المقابل تتحمل كلفة اجتماعية وأخلاقية باهظة. والحل لا يكمن فقط فى القمع أو الحظر الكامل، بل فى تحديث القوانين وتعزيز التربية الإعلامية، ووضع ضوابط صارمة للمحتوى، وتوعية الشباب بحدود حرية التعبير، وهذا لا يتعارض مع مساحات الحرية، لكن دون أن يتحوّل إلى أداة لانتهاك الكرامة الإنسانية وتشويه القيم. الخلاصة: معركة حقيقية بين قيم الحرية والمسئولية، وإذا لم يتم تنظيم هذه «الغابات الرقمية»، فسوف تتربى أجيال على التفاهة والانتهاك والربح السريع، على حساب الكرامة والقيم الإنسانية.