أكد خبراء الاقتصاد أن «يوليو 1952» مثلت نقطة تحول جذرية في تاريخ مصر، حيث نجحت في تحرير الاقتصاد الوطني من هيمنة الاحتلال الأجنبى، وإرساء أسس العدالة الاجتماعية، وأطلقت سلسلة من المشروعات الطموحة التى غيرت هيكل الاقتصاد المصري، وفى صدارتها قانون الإصلاح الزراعى الذى حرر الفلاح المصرى من هيمنة الإقطاع. كما مثل بناء السد العالى نقلة نوعية فى إدارة الموارد المائية وتوليد الطاقة، حيث حمى مصر من تقلبات فيضان النيل ووفر الكهرباء اللازمة للتنمية الصناعية، كما أقامت الثورة قاعدة صناعية متينة شملت مصانع الغزل والنسيج والصناعات الثقيلة والكيماوية، واستعادت أهم موارد مصر الاقتصادية عبر تأميم قناة السويس. أوضح د. أحمد سعيد الخبير الاقتصادي أن الثورة وضعت حداً لسياسة النهب المنظم لثروات مصر التى استمرت لعقود تحت الاحتلال الأجنبي، مشيراً إلى أن المحتلين كانوا يصدرون المواد الخام كالقطن والذهب بأسعار زهيدة ثم يعيدون استيرادها كمنتجات مصنعة بأسعار مضاعفة، مما أفقد مصر قيمة مضافة كبيرة كانت من حقها. وأضاف سعيد أن أخطر أشكال الاستنزاف الذي تعرضت له مصر كان نهب الكفاءات البشرية، حيث عمل الاحتلال على تصدير العمالة الماهرة للخارج بينما حرم الداخل من التعليم الجيد، مشيراً إلى أنه فى عام 1952 كان عدد الجامعات في مصر لا يتجاوز جامعتين فقط رغم أن تعداد السكان كان يقارب 20 مليون نسمة. مؤكدًا أن هذه السياسة الاستعمارية كانت تهدف إلى تجريف مصر من كوادرها العلمية والمهنية لضمان استمرار تبعيتها. ◄ قانون الإصلاح الزراعي من جانبه، أشار الدكتور خالد الشافعي الخبير الاقتصادي إلى أن قانون الإصلاح الزراعى الذى أصدرته الثورة عام 1952 كان أحد أهم التشريعات الاجتماعية فى تاريخ مصر الحديث، موضحاً أنه لم يقتصر على مجرد توزيع الأراضى على صغار الفلاحين، بل شمل إنشاء منظومة متكاملة من التعاونيات الزراعية التى وفرت مستلزمات الإنتاج من بذور وأسمدة وآلات زراعية. وأضاف أن هذا النهج الشامل هو ما مكن الفلاح المصري من التحول من مجرد عامل فى أرض الإقطاع إلى مالك منتج يساهم فى تطوير الزراعة المصرية. ◄ اقرأ أيضًا | ثورة 23 يوليو| الحصن من ناصر إلى السيسي.. القوات المسلحة مشروع وطن لا ينكسر ◄ تأميم قناة السويس ووصف د. الشافعى تأميم قناة السويس عام 1956 بالانتصار التاريخى الذى استعادت به مصر أهم شريان اقتصادى كان تحت السيطرة الأجنبية، موضحاً أن عائدات القناة بعد التأميم ساهمت بشكل كبير فى تمويل مشروعات التنمية. ◄ أكبر عملية تصنيع وأشار د. إبراهيم مصطفى الخبير الاقتصادى أن ثورة يوليو أطلقت أكبر عملية تصنيع شهدتها مصر فى تاريخها الحديث، حيث تم إنشاء المئات من المصانع فى مختلف المجالات بدءاً من الصناعات الغذائية والنسيجية ووصولاً إلى الصناعات الثقيلة مثل الحديد والصلب، مؤكدا أن هذه النهضة الصناعية لم تكن ممكنة دون التخطيط العلمى والرؤية الاستراتيجية التى ميزت قيادة الثورة، والتى فهمت أن الاستقلال السياسى لا يكتمل دون استقلال اقتصادي. ◄ تأميم القناة وأضاف د. مصطفى أن الثورة واجهت تحديات جسيمة تمثلت فى الضغوط الدولية والعقوبات الاقتصادية خاصة بعد تأميم القناة، كما واجهت العدوان الثلاثى عام 1956 ثم نكسة 1967، لكن إرادة الشعب المصرى وقدرة قيادته على التخطيط الاستراتيجى مكّنت البلاد من تجاوز هذه الأزمات، موضحا أن هذه التحديات لم توقف مسيرة التنمية، بل زادت من إصرار القيادة والشعب على تحقيق الاستقلال الاقتصادي. ◄ اقرأ أيضًا | ثورة 23 يوليو| الحصن من ناصر إلى السيسي.. القوات المسلحة مشروع وطن لا ينكسر ◄ تعليم وصحة وإسكان وعلى المستوى الاجتماعي، أوضح الشافعى أن الثورة حققت قفزة نوعية فى مؤشرات التنمية البشرية من خلال سياسات مجانية التعليم التى وسّعت قاعدة المستفيدين، وتطوير النظام الصحى عبر إنشاء المستشفيات والوحدات الصحية فى القرى، وبرامج الإسكان الاجتماعى التى وفرت سكناً لائقاً للفئات محدودة الدخل. وأضاف أن هذه السياسات ساهمت فى تحسين مستوى معيشة المواطن المصرى ورفعت من مؤشرات التنمية البشرية فى البلاد. واختتم د. سعيد بالتأكيد على أن ثورة يوليو لم تكن مجرد حدث سياسى عابر، بل كانت مشروعاً تنموياً متكاملاً وضع الأسس للدولة المصرية الحديثة، مشيراً إلى أن ما تحقق فى تلك الفترة من إنجازات اقتصادية واجتماعية لا يزال أثره ملموساً حتى اليوم، فيما أشار د. مصطفى أن أهم إنجازات الثورة كان استعادة الثقة للمواطن المصرى فى قدرته على بناء دولته وتحقيق تقدمه بنفسه، مما شكل نقلة حضارية حقيقية فى وعى الشعب وثقافته. ◄ السد.. أعظم إنجاز مادي للثورة واتفق الخبراء الثلاثة على أن السد العالى يمثل أعظم إنجاز مادى للثورة. فمن الناحية الفنية، يشرح د. سعيد كيف حل مشكلة الفيضانات ووفر مصدراً ثابتاً للري، أما د. الشافعى فيركز على الجانب الزراعي، موضحاً كيف مكن السد من استصلاح ملايين الأفدنة، بينما يرى د. مصطفى أن أهميته تكمن فى توليد الطاقة الكهربائية التى أشعلت حركة التصنيع.