كشفت معركة الرسوم الجمركية الأخيرة بين الصينوالولاياتالمتحدة عن ورقة ضغط حاسمة تملكها بكين، تتمثل في سيطرتها شبه الكاملة على المعادن الأرضية النادرة. اقرأ أيضا: بحصة الصناعة في ناتجها الإجمالي.. روسيا تدخل قائمة الدول ال5 الأولى عالميًا وهي عناصر تدخل في صناعات حيوية مثل الإلكترونيات والدفاع والطاقة، وفي الوقت الذي تسعى فيه إدارة ترامب لتقليص هذا الاعتماد، أكدت التقارير أن واشنطن ما زالت عاجزة عن مجاراة الصين تجاريًا في هذا القطاع، ما يمنح بكين أفضلية استراتيجية في النزاع التجاري الجاري. بحسب تحليل لمجلة «فورين بوليسي» الأمريكية، أكد النائب الجمهوري جاري بالمر، أن الاعتماد على الصين في توريد المعادن الأرضية النادرة أصبح يشكل "تهديدًا لا يمكن إنكاره للأمن القومي الأمريكي". وشدد في بيان رسمي على أن "مشروع القانون الجديد ليس سوى خطوة أولى في طريق طويل لفك هذا الارتباط الاستراتيجي الخطير". تأتي هذه التصريحات في ظل تصاعد التوترات التجارية بين واشنطنوبكين، والتي أعادت ملف المعادن الحيوية إلى صدارة المعركة، باعتبارها أحد أبرز أدوات الضغط التي تملكها الصين. الصين تهيمن على فصل المعادن الثقيلة رغم التحركات السياسية الأمريكية، لا تزال الصين تهيمن على عمليات فصل العناصر الأرضية النادرة الثقيلة، وهي مرحلة صناعية بالغة التعقيد، لم تنجح الولاياتالمتحدة حتى الآن في تنفيذها على نطاق تجاري. وهذا الواقع يمنح بكين تفوقًا تفاوضيًا واضحًا في النزاع التجاري المستمر مع إدارة ترامب. ففي حين تتجه واشنطن إلى فرض الرسوم الجمركية وتقييد واردات صينية، تحتفظ بكين بورقة أكثر فاعلية، وهي: التحكم في الإمدادات العالمية لعنصر لا غنى عنه في الصناعات الحساسة، من الطاقة والدفاع إلى الذكاء الاصطناعي. ولمعالجة هذا الخلل، تعوّل الولاياتالمتحدة على توسع قدرات شركة التعدين الأمريكية MP Materials، المتخصصة في استخراج ومعالجة المعادن النادرة. إلا أن الشركة تواجه عقبة أساسية، تتمثل في الحاجة إلى كميات كبيرة من العناصر الثقيلة اللازمة لإنتاج مكونات استراتيجية، أبرزها المحركات عالية الأداء والمغانط الدائمة. لكن هذه المغانط تمثل تحديًا فنيًا بالغًا، كما أوضح زوموالت-فوربس بحسب مجلة «فورين بوليسي» مشيرًا إلى أن "الصناعة الأمريكية تفتقر إلى البنية الأساسية الكاملة لتصنيع هذه المنتجات، سواء على مستوى الخبرات أو حقوق الملكية الفكرية". وأضاف: "هذه ليست مجرد صناعة لم تُبْنَ بعد في الولاياتالمتحدة، بل هي مجال معقد للغاية لا يُمكن تقليده بسهولة". «المغانط الدائمة».. نقطة ضعف في سلسلة التوريد الأمريكية تُعد المغانط الدائمة مكوّنًا جوهريًا في تطبيقات عسكرية ومدنية، مثل الطائرات المقاتلة، وأنظمة الملاحة، والأقمار الصناعية، والسيارات الكهربائية. وعدم قدرة واشنطن على إنتاج هذه المغانط محليًا يجعلها مكشوفة أمام أي قرار صيني بقطع الإمدادات أو تقليلها. ويؤكد الخبراء وفقًا للمجلة الأمريكية ذاتها أن الموقع التفاوضي للولايات المتحدة لن يتحسن فعليًا إلا بعد أن تبدأ شركة MP في تسليم كميات تجارية من هذه المغانط للأسواق، وهو ما لم يحدث حتى الآن. بكين تعزز قبضتها لتأمين تفوقها في المقابل، تتحرك الصين بسرعة لتعزيز سيطرتها على هذا القطاع. ومع تصاعد التوترات مع الغرب، بدأت السلطات الصينية في تنظيم القطاع بشكل أكثر انضباطًا، من خلال إعداد قوائم رسمية لخبراء المعادن النادرة ومراقبة تحركاتهم الخارجية، وصولًا إلى سحب جوازات سفر بعضهم لمنع تسريب المعرفة الفنية إلى الخارج، بحسب تقارير مُتخصصة. ويأتي هذا في إطار حرص بكين على الحفاظ على موقعها كمنتج ومورد أول عالميًا لأكثر من 80% من هذه المعادن، بحسب بيانات وكالة Benchmark Minerals المستقلة المتخصصة في إعداد تقارير الأسعار والمعتمدة من قبل هيئة تنظيم الأسواق المالية الدولية (IOSCO). ورغم محاولات واشنطن إعادة هيكلة سلسلة التوريد، يرى مُراقبون أن الصين نجحت في استخدام سلاح المعادن النادرة كسلاح تفاوضي فعّال، مما أدى إلى اهتزاز ثقة كثير من الدول في كونها موردًا يعتمد عليه. وأكد فابيان فيلالوبوس، كبير المهندسين في مؤسسة راند البحثية الأمريكية، أن "ما حدث أثار قلقًا واسعًا لدى دول كبرى، ستبدأ في التحرك لإيجاد بدائل وتقليل الاعتماد على الصين في هذا المجال الحساس". ما هي المعادن النادرة ولماذا هي مهمة؟ المعادن الأرضية النادرة، هي مجموعة مكونة من 17 عنصرًا، تُستخدم في: -تصنيع الرقائق الإلكترونية والهواتف الذكية. -أنظمة الدفاع والطائرات المقاتلة. -التوربينات الهوائية والبطاريات المتطورة. -السيارات الكهربائية والمغانط المستخدمة في المحركات. -تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي والاستشعار عن بُعد. واحتكار الصين لإنتاج هذه المعادن، خصوصًا في المراحل المُتقدمة من الفصل والمعالجة، يمنحها تفوقًا جيوسياسيًا هادئًا لكنه فعّال.