محمد نعيم - محمد جمال الزهيرى - مروى حسن حسين - ياسمين السيد هانى - سميحة شتا - بهاء المهدى قد يكون بنيامين نتانياهو رئيس الوزراء الاسرائيلى هو المسئول الدولى الوحيد، الذى زار العاصمة الامريكيةواشنطن والتقى مع الرئيس الامريكى ترامب اربع مرات خلال نحو ستة اشهر من تولى الاخير مهام عمله الامر لا يعود فقط الى العلاقة الاستراتيجية بين البلدين او على المستوى الشخصى الذى يتسم بالتفاهم الشديد ووجود قواسم مشتركة عديدة ولكن ايضا الى التطورات غير المسبوقة فى منطقة الشرق الاوسط، فعلى الرغم من اعلان ترامب منذ ايامه الاولى فى البيت الابيض ان مهمته هى نشر السلام وانهاء الحروب والنزاعات الا انه قدم لإسرائيل حجم مساعدات عسكرية غير مسبوقة بمليارات الدولارات مكنها من الاستمرار فى عدوانها وغض الطرف عن جرائم المستوطنين. ودخلت ايران ضمن بنك الاهداف بين البلدين، حيث عمل ترامب بالتنسيق مع نتنياهو وبالنيابة عنه فى الهجوم على البرنامج النووى الايرانى وفتح الطريق امام هجمات متبادلة بين اسرائيل وإن كان قد تدخل بعد ال 12 لوقفها وراح يروج يوميا باستئناف عودة المفاوضات بينهما وبدء الجولة السادسة التى لم نجد لها اى صدى على ارض الواقع مع وجود مطالب من طهران للعودة الى الطاولة وعاد نتنياهو من واشنطن دون ان تكون هناك نتائج ملموسة او آنية سوى فى البحث عن اجراءات للتوصل الى اتفاقيات امنية او تطبيع مع كلٍ من سورياولبنان وسط حركة نشطة من الدبلوماسيين الامريكيين فى البلدين ويبدو ان الفترة القادمة ستشهد التركيز على بعض الملفات منها ادارة غزة فى اليوم التالى من التوصل الى صفقة تبادل جديدة. لا تنعزل مفاوضات إبرام صفقة فى غزة عن خطط إسرائيلية موازية، يسعى معدوها لترسيخ التلاعب بمصير القطاع المأزوم، وفرض أدوات جديدة للضغط على ما يزيد على مليونى مواطن فلسطيني، أملًا فى إعادة احتلال 356 كيلو مترا مربعا على ساحل شرق البحر المتوسط، وبالتالى ضم إجمالى مساحة القطاع إلى إسرائيل، بعد تفعيل برامج تهجير إسرائيلية لا يبرح طرحها الطاولة. يشكل هذا الواقع حديقة خلفية لما يجرى فى أروقة الداخل الإسرائيلى، ويعكس النوايا غير المعلنة للمتحكمين فى خيوط الأزمة؛ فإذا كان المرجو الرئيسى من إبرام الصفقة هو وقف إطلاق النار، والوصول إلى هدنة ال60 يومًا بما يعيد الاستقرار الإقليمى، وعدم التفريط فى الحقوق الفلسطينية؛ تضع إسرائيل محددات واضحة لإدارة الأزمة، يأتى فى طليعتها تحرير الرهائن لدى حماس، وامتصاص ردود أفعال الجبهة الداخلية، وتسويق انتصار زائف يمكن من خلاله إعادة انتخاب نتنياهو لولاية جديدة، ربما تقيه عقوبة ملفات الفساد، وضغوطات الائتلاف المتطرف. مع تمرير تلك الأهداف أو بعضها على الأقل، تطول رقاب مهندسى سيناريو ما بعد تحرير الرهائن، ليعيدوا المشهد القاتم فى القطاع إلى المربع رقم واحد، وينفتح القوس على خلخلة إقليمية جديدة، وانقلاب على الحقوق الفلسطينية، أو حتى بقاء الغزاويين على الأرض. ويمكن تأكيد ذلك صراحة من خلال كلمات نتنياهو التى تسربت من اجتماع لجنة الخارجية والأمن فى الكنيست، التى قال فيها: «نحن نهدم المزيد والمزيد من المنازل فى قطاع غزة، ليس لديهم مكان يعودون إليه. النتيجة الواضحة الوحيدة ستكون رغبة سكان غزة فى الهجرة خارج القطاع. مشكلتنا الرئيسية تكمن فى الدول المستقبلة هذا مهم: لا يكفى ترحيل الناس لإتمام عملية تهجيرهم، بل يجب اقتلاعهم من جذورهم ومنعهم من العودة (كما حدث، على سبيل المثال، بعد عام 1948). ويبدو واضحًا من كلام نتنياهو أن الوصول إلى تبعات هذا المستوى الأمنى فى قطاع غزة، لن تحققه سوى عمليات القصف الممنهجة، التى خلفت دمارًا شاملًا على مدار الأشهر الماضية، ولا يزال مشروع الترحيل الكبير مطروحًا، وأجنحة اليمين الإسرائيلى المختلفة، فى الحكومة وخارجها شركاء فيه. أما السؤال الذى يسعى نتنياهو وأعوانه للإجابة عنه من خلال فرض الأمر الواقع هو: إذا لم يستطع الغزاويون تحمل الضغط الهائل، أين يذهبون؟ وفقًا لموقع «سيحا ميكوميت»، تتفاوض إسرائيل منذ أشهر مع ما وصفته ب«الدول المستقبلة»، وهى مجموعة من الأنظمة الديكتاتورية، وما يشغلها فقط هو ضمان استقرار حكوماتها عبر تلبية المطلب الإسرائيلى والأمريكى سواء. وحتى يحين وقت التهجير، والأمر مرهون بمدى قوة تحمل الغزاويين، أعدت إسرائيل 3 مناطق على أنقاض مدينة رفح الفلسطينية لاعتقال السكان فيها. ظهرت المناطق الثلاث على خريطة نُشرت فى صحيفتى ال«تايمز»، وال«صنداى تايمز» فى 17 مايو الماضى. إلا أن معدى الخريطة تجاهلوا تمامًا حقيقة إخلاء وهدم مبانى قطاع غزة، وعدم سماح قوات الاحتلال للسكان بالعودة إلى منازلها، تمهيدًا لتهجيرهم تحت الضغط من رفح إلى خارج القطاع. وحسب خريطة أخرى نشرتها صحيفة «هاآرتس»، كانت مناطق حشد الغزاويين المقترحة إسرائيليًا أقل مساحة فى السابق، ووفقًا لحساب تقريبى، بلغت مساحة كتلة غزة نحو 50 كيلو مترًا مربعًا، وكتلة المخيمات المركزية نحو 85 كيلو مترًا مربعًا، وكتلة مواسى على طول الساحل نحو 8 كيلو مترات مربعة. قبل الحرب، كانت الكثافة السكانية فى غزة الفقيرة تضاهى الكثافة فى مدينة لندن، وإذا نجح الاحتلال فى طرد سكان قطاع غزة المدنيين إلى المناطق الثلاث، فسيُحشر أكثر من مليونى غزاوى فى 40% من أراضى القطاع، وتصل الكثافة السكانية إلى 15٫000 نسمة لكل كيلو متر مربع، مع الانتباه إلى خلو المساحة التى تبتلع هذه الأعداد من أى أثر للبنية التحتية اللازمة للمعيشة والحياة. رغم ذلك، توضح بيانات ميدانية جمعتها منظمات إنسانية، ونشرها موقع «سيحا ميكوميت» المحسوب على اليسار الإسرائيلى، أن معدى «مشروع التهجير البطىء»، يعتزمون تقليص المساحة المزمع حشر الغزاويين فيها إلى مساحات أقل، لتستحيل إلى «معسكرات اعتقال» عند النظر إلى صغر حجمها، ومنع الخروج منها، وانعدام سبل العيش والبنية التحتية فيها. إلى جانب خطة إقصاء الفلسطينيين من قطاع غزة، طرحت دوائر أخرى فى تل أبيب بديلًا يحرم السلطة الفلسطينية من إدارة القطاع والتراجع عن مقترح ترامب بتأجير غزة لمدة 50 عامًا حيث تم طرح فكرة استبدال واشنطن بإحدى دول المنطقة. ووفقًا للخطة، يعود القطاع بعدها إلى سيطرة السلطة الفلسطينية شريطة ضمان الدولة المستأجرة عدم وجود مشاكل أمنية فى القطاع كما تتكفل الدولة المعنية بتمويل عمليات إعادة الإعمار فى القطاع مع التزامها بدعوة دول أخرى بما فى ذلك الولايات المتحدة للمساهمة والتمويل فى إعادة الإعمار. اقرأ أيضًا | وزير خارجية إيران: تعاوُننا مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية سيتخذ «شكل جديد» كوبى ريختر، رجل أعمال، وسياسى، وطيار سابق فى سلاح الجو الإسرائيلى، طرح الخطة التى يدور الحديث عنها، واعتبرها حلًا لتنفيذ رؤية الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، ودعا فيها إلى تعميم التجربة على الضفة الغربية حال نجاحها فى قطاع غزة. وفى تقييمه، يرى المبادر للخطة أن «مثل هذا المقترح يفتح الطريق أمام حل الصراع الفلسطينى - الإسرائيلي، ويمكنه تسهيل مهمة ترامب فى التوصل إلى اتفاقات مع إيران». رغم ذلك يؤكد الطيار الإسرائيلى السابق أن خطته قد تحظى بترحيب الأكثرية لدى الولايات المتحدة ودول المنطقة وكذلك إسرائيل، لكنها ستواجه معارضة من شخص واحد فقط هو بنيامين نتنياهو، خاصة أن الأخير يعتقد أن وقف الحرب يتعارض ومصالحه الشخصية. منظمة غزة الإنسانية مصير مجهول فى ظل استمرار العدوان الإسرائيلى الغاشم الأخير على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر 2023، وما تبعه من دمار واسع النطاق فى البنية التحتية، وتزايد الكارثة الإنسانية التى تطال أكثر من 2.3 مليون مواطن فلسطينى، برزت قضية المساعدات الإنسانية كملف رئيسى ضمن أى مفاوضات محتملة لوقف إطلاق النار، حيث إنه بينما تتحدث التقارير عن خطوات لتثبيت هدنة طويلة الأمد، تُطرح تساؤلات عديدة حول مستقبل «منظمة غزة الإنسانية» التى تشكلت بدعم من الولايات المتحدة وأطراف أخرى لإدارة وتوزيع الإغاثة بعيدًا عن الإطار الدولى المعتاد الذى تمثله منظمات دولية مثل «الأونروا» و«برنامج الغذاء العالمى» و«اللجنة الدولية للصليب الأحمر». وقد أثارت هذه المنظمة جدلًا واسعًا بين الأطراف المعنية، سواء الفلسطينيون أو الفاعلون الدوليون، حيث يُنظر إليها باعتبارها محاولة لتقويض الآليات الدولية التقليدية وتسعى لمنح إسرائيل دورًا مباشرًا فى التحكم بالمساعدات الإنسانية، وهو ما تعتبره العديد من الجهات غير قانونى ويكرس الاحتلال بدلًا من تخفيف آثاره. وتشكلت «منظمة غزة الإنسانية» ككيان مؤقت برعاية أمريكية ومراقبة إسرائيلية وثيقة وبمشاركة بعض الدول الغربية، بغرض «الاستجابة الفورية للاحتياجات العاجلة»، وبدأت فى العمل بشكل ميدانى خلال الأشهر الأولى من العدوان الإسرائيلى على المدنيين فى فلسطين، خاصة مع تراجع قدرة «الأونروا» والمنظمات الدولية المختلفة على مواصلة العمل نتيجة استهداف مقارها أو وقف تمويلها، لكن هذه المنظمة واجهت منذ بدايتها اتهامات بأنها مجرد واجهة تهدف لإعادة صياغة المشهد الإنسانى فى غزة بما يتماشى مع التصورات الأمنية والسياسية الإسرائيلية، وقد أعلنت السلطة الفلسطينية وحركة حماس بالإضافة لعدة منظمات حقوقية دولية رفضها التعامل مع هذا الكيان، معتبرين أنه لا يحظى بأى شرعية قانونية أو إنسانية. ومع تفاقم الأوضاع الإنسانية بشكل غير مسبوق وتزايد الضغط الدولى لوقف إطلاق النار، بدأت أصوات متعددة تطالب بعودة الأمور إلى مسارها الطبيعى من خلال «الآلية الدولية السابقة» القائمة على قيادة منظمات الأممالمتحدة لملف الإغاثة، دون تدخل مباشر من أحد أطراف النزاع، وقد أكدت عدة دول أوروبية، إلى جانب روسيا والصين، ضرورة عودة «الأونروا» ووكالات الأممالمتحدة إلى إدارة المساعدات، باعتبارها جهات محايدة تمتلك الخبرة والبنية المؤسسية للقيام بذلك، كما أكد السكرتير العام للأمم المتحدة مرارا أن «العمل الإنسانى فى غزة يجب أن يتم من خلال آليات أممية معترف بها، تضمن الحيادية والشفافية وعدم التسييس»، وشدد على أن المنظمة الأممية ترفض أى ترتيبات أحادية من هذا النوع. وتبرر إسرائيل تأسيس منظمة غزة الإنسانية بأنها جاءت لسد الفراغ بعد توقف عمل «الأونروا» بسبب «شبهات دعمها لحماس» على حد زعمها، وتؤكد أنها تعمل بالتنسيق مع منظمات غير حكومية دولية ومحلية، وأن الهدف هو ضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها دون تسربها إلى «جهات إرهابية»، وفقا للمزاعم الصهيونية.. وتُصر إسرائيل على أن أى اتفاق مستقبلى لوقف إطلاق النار يجب أن يتضمن ترتيبات جديدة تضمن مراقبة صارمة لعملية إدخال وتوزيع الإغاثة والمساعدات، فى إطار ما تسميه «منع إعادة تسليح حماس»، وهو ما يضع «منظمة غزة الإنسانية» فى واجهة المشهد كمقترح بديل أو مكمل للمنظومات الدولية المختلفة. فى المقابل، ترفض الفصائل الفلسطينية المتنوعة وفى مقدمتها حماس والسلطة الفلسطينية، أى وجود لمنظمة غزة الإنسانية، وتعتبرها محاولة لشرعنة الاحتلال وتكريس واقع السيطرة الإسرائيلية على تفاصيل الحياة اليومية للفلسطينيين فى القطاع، وتصرّ القيادة الفلسطينية على ضرورة استئناف الأممالمتحدة ووكالاتها دورهم المعتاد والكامل، رغم الحملات الإسرائيلية الأمريكية لتعليق تمويلها... كما يرى الجانب الفلسطينى أن القبول باستمرار وجود هذه المنظمة ضمن أى اتفاق لوقف إطلاق النار يعنى القبول بتفكيك المنظومة الدولية التى تعترف بحقوق اللاجئين، ويفتح الباب أمام تغيير جذرى فى وضع غزة السياسى والإنسانى. وبالرغم من الرفض والتحفظات الدولية والفلسطينية على وجود هذه المنظمة من الأساس، إلا أن الظروف الميدانية القاسية تفرض واقعًا معقدًا، حيث تعانى المنظمات الأممية من تراجع كبير فى التمويل والبنية التحتية، كما يتحكم الكيان الصهيونى فى المعابر ومسارات الإمداد، وهو ما يضع جميع الأطراف المعنية أمام معادلة صعبة، فإما الرضوخ والقبول بترتيبات إنسانية ضعيفة ومؤقتة تقودها إسرائيل بالتعاون مع جهات غير أممية لضمان التدفق السريع للإغاثة، أو الإصرار على العودة إلى الآلية الأممية رغم التحديات الميدانية والسياسية.. وفى حالة التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين الطرفين، فإن مصير منظمة غزة الإنسانية قد يتحدد بعدة أشكال رئيسية، أولها هو تفكيك المنظمة بشكل كامل والعودة إلى الآلية الأممية، وهو السيناريو الذى تدفع نحوه معظم القوى الدولية والأممالمتحدةوالفلسطينيين، باعتبار أن أى حل إنسانى يجب أن يتم عبر قنوات محايدة وشرعية، ثانيًا قد يتم الإبقاء على المنظمة كشريك تنفيذى مؤقت تحت إشراف أممى وهو سيناريو وسطى معتدل وقد يرضى العديد من الأطراف كما يطرح شكل من أشكال التوازن، حيث يمكن دمج بعض كوادر المنظمة فى عمليات التوزيع، مع ضمانات أممية بالمراقبة والشفافية، أما عن التصور الأخير فقد يتم اعتماد المنظمة كبديل دائم للقنوات الشرعية الدولية والأممية وهو السيناريو الذى تسعى إسرائيل لتحقيقه، عبر ضغوط سياسية ومالية على المانحين لتقليص دعمهم ل«الأونروا» وتوجيه التمويل لمنظمتها، وهو ما يواجه رفضًا واسعًا، لكنه يظل احتمالًا قائمًا. وبينما تتركز الأنظار على المفاوضات الجارية بشأن وقف العمليات العسكرية فى الأراضى الفلسطينية، فإن الحسم فى مصير هذه المنظمة سيكون جزءًا لا يتجزأ من أى اتفاق قادم، فالصراع ليس فقط بين مؤسسات إغاثة، بل يقع الصراع ضمن مسارين أحدهما يعيد الاعتبار للقانون الدولى وحق الفلسطينيين فى المساعدات المحايدة، وآخر يسعى لإعادة تشكيل المنظومة الإنسانية بما يخدم أجندات سياسية وأمنية للكيان الصهيونى. لبنان.. ترتيبات أمنية هدفها تفكيك قدرات «حزب الله» تكتسب زيارة المبعوث الأمريكى المُقرّب من الرئيس دونالد ترامب إلى بيروتودمشق فى الأسابيع الأخيرة أبعاداً تتجاوز الشكل الدبلوماسى التقليدى، وتدل على مساعٍ أمريكية جديدة لرسم خريطة أمنية وسياسية فى لبنان، يكون لحزب الله فيها دور مختلف عمّا اعتاده خلال العقود الماضية. تأتى هذه الخطوة وسط سياق إقليمى متحرك ومشهد داخلى لبنانى مأزوم، حيث تحاول واشنطن، بقيادة إدارة ترامب العائدة إلى الحكم بعد فوزه فى الانتخابات الأخيرة، ترجمة التغييرات الميدانية فى جنوب لبنانوسوريا إلى ترتيباتٍ أمنية دائمة، تضمن تقليص نفوذ الحزب ودمج الدولة اللبنانية بشكل أوسع فى القرار الأمنى والعسكري، فى مقابل إعادة تطبيع جزئى للوضع مع إسرائيل وتقديم مساعدات اقتصادية وإعمارية للبنان. اللافت للانتباه أن الرسالة الأمريكية لم تحمل تهديداتٍ مباشرة، بل جاءت فى قالب تفاوضى واضح، يقوم على عرض خطة متكاملة تتضمن نزع سلاح حزب الله خلال فترة زمنية محددة، مقابل انسحاب إسرائيلى من مواقع محددة فى الجنوب، ووقف القصف على الأراضى اللبنانية، وانتشار مكثف للجيش اللبنانى بدعم دولى. وتقول المصادر: إن الرد اللبنانى كان مفاجئاً فى إيجابيته، إذ جاء فى ورقة مفصلة من سبع صفحات، ركّزت على ضرورة الالتزام بالتوازى بين المسارات: الانسحاب الإسرائيلى ووقف العدوان، ونزع السلاح أو إعادة تنظيمه تحت سلطة الدولة، وتقديم ضمانات لإعادة الإعمار وتحييد المدنيين. وقد وصف المبعوث الأمريكى الورقة بأنها «رائعة»، مما يعكس وجود نية أمريكية حقيقية لتمرير هذه التسوية كجزء من ترتيبات إدارة ترامب فى ملفات الشرق الأوسط، فى إطار رؤيته الموسعة لإعادة فرض الدور الأمريكى المباشر بعد تراجع نسبى فى فترات سابقة. فى المقابل، لا يُخفى حزب الله توجّسه من هذه التحركات. ورغم أنه لم يصدر موقفًا رسميًا مباشرًا من المبادرة، فإن دوائره الداخلية تسرب إشاراتٍ إلى أن الحزب فى حالة مراجعة استراتيجية، يدرس خلالها الخيارات المُمكنة لتقليص ترسانته الصاروخية أو نقل بعض مراكزه إلى الداخل اللبنانى بعيدًا عن الجنوب، لكن دون التفريط بسلاح يعتبره «سلاح المقاومة والردع». ويبدو أن الحزب يدرك تراجع الغطاء الشعبى الداخلى له، إضافة إلى الإنهاك المالى والسياسى بعد الحرب الأخيرة مع إسرائيل، فضلًا عن تضييق الحلفاء عليه فى سوريا والعراق واليمن، حيث تغيّرت معادلات النفوذ الإقليمى مع دخول أطراف جديدة إلى اللعبة واشتداد ضغوط العقوبات. فى ظل هذه المعطيات، تبرز أمام حزب الله ثلاثة سيناريوهات مستقبلية متداخلة. الأول: سيناريو التفاوض المشروط، وفيه يتجه الحزب إلى تقديم تنازلاتٍ تدريجية بشأن ترسانته مقابل وقف الغارات الإسرائيلية وضمان عدم استهدافه، بما يتيح له الحفاظ على جزء من سلاحه تحت ذريعة «الدفاع الوطنى»، ويمنحه فرصة الاندماج مجددًا فى مؤسسات الدولة من موقع أقوى نسبيًا. أما السيناريو الثانى فهو سيناريو الجمود والمراوحة، حيث لا يتم التوصل إلى تسوية نهائية، بل تُعلّق المبادرات وتبقى حالة اللا سلم واللا حرب قائمة، مع احتمالات دائمة للتصعيد، واستمرار الضغط المالى والسياسى على الحزب، مما يُنهكه ببطء. أما السيناريو الثالث، وهو الأخطر، فيتمثل فى رفض حزب الله للمبادرات وعودته إلى منطق المواجهة، إما مع إسرائيل أو مع أطراف لبنانية داخلية، مما قد يفتح الباب أمام انفجار داخلى أو حرب شاملة، خاصة إذا أحست تل أبيب أن الوقت مناسب لتوجيه ضربة قاصمة للبنية العسكرية للحزب. من جهة أخرى، تحاول الدولة اللبنانية أن تلعب دورًا مزدوجًا، فهى من جهة لا تستطيع تحدى حزب الله علنًا أو فرض نزع سلاحه بالقوة، ومن جهة أخرى تسعى للاستفادة من المبادرة الأمريكية لإعادة ضبط العلاقة مع المجتمع الدولى والحصول على دعم اقتصادى طال انتظاره. ويلعب الجيش اللبنانى هنا دورًا محوريًا، إذ طُرحت عليه مهمة الانتشار الكثيف فى مناطق الجنوب ومراقبة الحدود مع إسرائيل، فى إطار خطة لتجريد الجنوب من أى تواجد مسلح خارج الدولة. ويبدو أن المؤسسة العسكرية، رغم محدودية قدراتها، هى الطرف الوحيد الذى يحظى بقبول نسبى من مختلف القوى الداخلية والدولية، مما يعزز من فرص تنفيذ هذه الخطة إذا توافرت ضمانات إقليمية مناسبة. لكن هذه الديناميكية المُعقدة تصطدم بمجموعة تحديات، أبرزها: عدم وضوح الموقف الإسرائيلى حتى الآن، خاصة فى ظل استمرار الغارات على مواقع داخل لبنانوسوريا، ورفض حكومة تل أبيب تقديم أى التزامات بوقف العمليات العسكرية قبل ضمان تفكيك منظومة حزب الله الصاروخية بشكل كامل. كذلك، فإن السياق السورى لا يزال غامضًا، خصوصًا أن المبعوث الأمريكى زار دمشق فى توقيت يطرح تساؤلاتٍ حول دور النظام السورى فى أى تسوية لبنانية مستقبلية، وهل سيتم استخدام نفوذه للحد من تهريب السلاح عبر الحدود إلى حزب الله، أم أن ذلك سيبقى ورقة تفاوض لاحقة. فى كل الأحوال، يبدو أن واشنطن تراهن على فرصة تاريخية لإحداث تغيير جذرى فى المعادلة اللبنانية من خلال آلية تدريجية تشمل: نزع السلاح بالتفاهم، وليس بالإكراه، عبر دمج حزب الله فى مشروع الدولة على مراحل، مقابل مكاسب واضحة. غير أن هذا السيناريو، رغم واقعيته، يظل محفوفًا بالمخاطر، إذ أن أى خطوة غير متوازنة أو استباقية قد تعيد إشعال الساحة الجنوبية أو تفجر الساحة الداخلية الهشة. فالمطلوب اليوم ليس فقط نزع سلاح، بل إعادة رسم العقد السياسى اللبنانى بأسره، وهو أمر دونه سنوات من التفاوض، واشتباك بين الممكن والمستحيل. أمريكا - إيران.. كل السيناريوهات مفتوحة رغم اعلانه المتكرر بالانتصار فى حربه ضد إيران، الا أن رئيس وزراء دولة الاحتلال الاسرائيلى بنيامين نتنياهو يعلم جيدا أنه لم يفز فى هذه الحرب وتترجم تصريحاته هذه القناعة لديه. وربما كان الرئيس الأمريكى دونالد ترامب قد انتبه لذلك حيث أعلن مرارا عن دمار لحق بالمنشآت النووية الإيرانية جراء الضربة الأمريكية التى أمر بها وقال فى خطاب مباشر من البيت الأبيض إن المنشآت الأساسية لتخصيب اليورانيوم «تم تدميرها بالكامل» ووصف الضربة بأنها «نجاح عسكرى مذهل»، مؤكدًا أن «القدرات النووية لإيران تم إبادتها بالكامل». ومع ذلك كانت تصريحاته اللاحقة -وفريق ادارته وعلى رأسهم وزير الخارجية ماركو روبيو- بخصوص المفاوضات كاشفة الى حد كبير بأن الضربة الأمريكية لم تفض لشىء. وانتبه ترامب الى ان حديثه عن التفاوض هو ادلة وبرهان أمام شعبه على ان ايران لا يزال بها ما يستحق التفاوض لتسويته. فتوقف الحديث تماما من جانب ترامب وادارته عن اجراء مفاوضات نووية مع ايران. أما استمرار نتنياهو فى الحديث عن «الخطر الإيرانى» فهو اوضح دليل واعتراف بأن حربه كانت فاشلة ولم تحقق أيا من اهدافها، سواء فى القضاء على البرنامج النووى الايرانى او تغيير النظام السياسى فى طهران. وهذا يشير الى أمرين.. أولا ان إيران قد نجحت فى بناء قوة الردع الدفاعى.. فلا اسرائيل تمكنت من الانتصار عسكريا وكسر شوكة النظام الايرانى ودفاعاته، ولا حتى أمريكا ارادت الدخول بعمق فى الحرب رغم اللحظة الاستثنائية حين ازدادت الضغوط من تل أبيب التى كانت عالقة بالفعل فى دائرة القصف الباليستى.. ومع تزايد نفوذ حركة ماجا الرافضة للحرب فى أمريكا، وتبدل المزاج الشعبى فى أمريكا ضد اسرائيل بسبب غزة، لا يتوقع من ادارة ترامب دعما اكبر لتل أبيب أمام اى خطط محتملة لضرب ايران مجددا. فترامب تمكن من فتح قناة اتصال مع الايرانيين، حتى ان لم تكن معلنة. وقد عززت طهران من جانبها هذا التواصل بالتصريحات المهادنة مع واشنطن مؤخرا بشكل يعمل على مزيد من تحييد الادارة الأمريكية عن دعم اسرائيل فى ذلك الملف. الأمر الثانى هو أنه من المؤكد أن مرحلة المواجهة لم تنته بين اسرائيل وايران.. وكلا البلدين لا شك أنهما يراجعان خططهما تحضيرا للجولة القادمة من المواجهة.. لكن كلاهما يستهدف العلاقات مع واشنطن ضمن هذه الخطط. فإسرائيل تستهدف تعزيز الدعم الأمريكى وضمان ان تدخل امريكا معها الحرب بكل قوتها وقدرتها، بينما ايران تعمل على تحييد الجانب الأمريكى عبر مغازلة ترامب بالحديث عن الانفتاح على تطوير العلاقات الاقتصادية والسماح للمستثمرين الأمريكيين بالعمل داخل إيران، وربما توجد عروض أخرى لاستقطاب ترامب لم تكشف فى وسائل الإعلام. ومع شخصية ذات مزاج سياسى متقلب مثل ترامب، لا توجد استراتيجية واضحة تترجم لسياسات فى مسار محدد. وهو ما يعنى ان كل السيناريوهات واردة.. لكنه يعنى ايضا ان ترامب لم يحسم أمره.. وهو أسلوب سياسى (ذو مرجعية تجارية).. فكلما تباطأ ترامب فى حسم موقفه، تسابق الجميع لارضائه وتقديم التنازلات له.. ومن ثم فيمكن القول ان نهج ترامب، وان كان يعزز حالة عدم اليقين السياسى التى تشهدها المنطقة، الا انه ناجح حتى الان فى جعل الجميع يتسابقون لاستقطابه. سوريا - تل أبيب.. وحدة مصالح مؤقتة أم بداية عهد جديد؟ لقد ظلت سوريا وإسرائيل فى حالة من العداء لعقود من الزمن، ولكن السلطات الجديدة فى دمشق تتخذ الآن مساراً مختلفاً مع جارتها إلى الجنوب. يستخدم الرئيس السوري، أحمد الشرع، قنوات دبلوماسية ويجرى محادثات غير مباشرة مع إسرائيل، التى ساهمت الولايات المتحدة فى التوسط فيها، لحل المشاكل على طول الحدود، وفقًا لمسئولين سوريين وإسرائيليين وأمريكيين، وحافظ البلدان على التواصل حتى مع توغلات الجيش الإسرائيلى فى جنوب سوريا، مما أثار مخاوف من استمرار الاحتلال لفترة طويلة. وترى صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية أنه رغم أن الأهداف تبدو متواضعة، إلا أن هذه المحادثات تُعدّ الأكثر جدية بينهما منذ أكثر من عقد، وتُمثّل تحولاً عن عداء الحكومة السابقة تجاه إسرائيل. تعكس هذه المفاوضات تحولاً فى موازين القوى فى الشرق الأوسط، حيث تجد إسرائيل وسوريا الآن أرضية مشتركة بينهما. يشترك كلاهما فى عداءٍ تجاه إيران، التى كانت حليفًا وثيقًا للرئيس السورى المخلوع بشار الأسد خلال حربه الأهلية التى استمرت 13 عامًا ضد مجموعة من الجماعات المتمردة السورية. تتشارك إسرائيل والقيادة السورية الجديدة أيضًا مخاوف أمنية بشأن الجماعات التابعة لإيران، التى تريدان منعها من التسلل إلى سوريا، وقد وجد كلٌّ من الشرع ورئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو فى الرئيس ترامب حليفًا. وأضافت الصحيفة أن الولايات المتحدة قد ساهمت فى التوسط فى المحادثات السرية بين البلدين، وفقًا لتوماس ج. باراك الابن، مبعوث ترامب إلى سوريا وسفيره لدى تركيا، وقد دعا إسرائيل وسوريا إلى البدء فى إصلاح علاقاتهما بتوقيع معاهدة عدم اعتداء. اتفاقيات إبراهيم، التى أسست علاقات دبلوماسية بين إسرائيل وأربع دول عربية خلال ولاية ترامب الأولى، ومع ذلك، لم يُبدِ المسئولون السوريون أى رغبة فى الانضمام إلى الاتفاقيات قريبًا، أو تطبيع العلاقات مع إسرائيل بأى شكل آخر، وفقًا لأربعة أشخاص مطلعين على المناقشات، ويبدو أن هدف المحادثات الحالية أكثر محدودية. وقال الحاخام أبراهام كوبر، مدير العمل الاجتماعى العالمى فى مركز سيمون فيزنتال، وهى منظمة يهودية لحقوق الإنسان: «بناءً على ما استوعبته وسمعته من الرئيس، فمن غير المرجح أن نسمع عن اتفاقيات إبراهيم فى الأمد القريب، ومن المرجح أن نسمع عن نزع فتيل الصراع والتأكد من أن إسرائيل وسوريا ليستا أعداء». والتقى الحاخام كوبر مع الشرع الشهر الماضى فى دمشق برفقة جونى مور، وهو زعيم إنجيلى يرتبط بعلاقات مع إدارة ترامب. قال وزير الخارجية السورى أسعد حسن الشيبانى مؤخرا إن سوريا منفتحة على التعاون مع الولايات المتحدة لاستعادة اتفاقية فك الاشتباك لعام 1974 مع إسرائيل، التى أنشأت منطقة عازلة تحرسها الأممالمتحدة بين قواتهما فى مرتفعات الجولان. استولت إسرائيل على الجولان، الهضبة الاستراتيجية، من سوريا فى حرب عام 1967، ثم ضمّتها لاحقًا، ورغم أن الجولان يُعدّ من أكثر القضايا الخلافية بين إسرائيل وسوريا، إلا أن الحاخام كوبر قال إن الشرع لم يُثر هذه القضية فى لقائهما. العودة إلى اتفاق فك الاشتباك لعام 1974 من شأنها أن تعيد فعليًا فرض وقف إطلاق النار الذى كان ساريًا فى مرتفعات الجولان قبل الإطاحة بالأسد، بعد الإطاحة به، صرّح مسؤولون إسرائيليون بأنهم اعتبروا الاتفاق لاغيًا إلى حين استعادة النظام فى سوريا. ورغم أن هذا الاتفاق لا يرقى إلى مستوى معاهدة سلام، فإنه قد يؤدى فعليا إلى استعادة الهدوء وإرساء الأساس لتخفيف التوترات. إن الحديث عن علاقات دبلوماسية طبيعية سابق لأوانه، وفقًا للمسئولين الأربعة المطلعين على المفاوضات غير المباشرة، ولعدة مسئولين آخرين التقوا بالشرع وناقشوا الموضوع. ومع ذلك، ترسم رواياتهم صورة لرئيس سورى أكثر براجماتية وانفتاحًا على التعامل مع إسرائيل من أسلافه على مدى العقود الخمسة الماضية. قال الحاخام كوبر عن الزعيم السوري: «استنتاجى هو أنه وحيد القرن»، وأضاف: «لكن علينا أن نثق به ونتحقق منه»، معترفًا بالشك المستمر لدى الشرع بسبب جذوره الجهادية. ولم ترد وزارة الإعلام السورية على طلب التعليق على الفور، وتطورت المفاوضات رغم التوترات بين سوريا وإسرائيل. بعد سقوط الأسد، توغل الجيش الإسرائيلى فى أجزاء من جنوب سوريا، كما شنّ مئات الغارات الجوية على أهداف عسكرية فى سوريا، ونشر قواته عبر المنطقة العازلة منزوعة السلاح فى مرتفعات الجولان. ودافع المسئولون الإسرائيليون عن العمليات العسكرية باعتبارها ضرورية لضمان عدم تمركز أى قوات معادية فى الأراضى السورية بالقرب من إسرائيل. داخل سوريا، أثارت العمليات العسكرية الإسرائيلية مخاوف من أن تسعى إسرائيل إلى الحفاظ على وجود عسكرى على الأراضى السورية إلى أجل غير مسمى، وتوسيع نطاق عملياتها خارج مناطق الحدود الجنوبية. فى الأسابيع الأخيرة، كانت هناك بعض علامات التقدم فى المفاوضات، حيث يرى مسئولون إسرائيليون الأسبوع إن لديهم مصلحة فى تطبيع العلاقات مع سورياولبنان المجاور. الأسبوع الماضى، ألغت إدارة ترامب تصنيف منظمة إرهابية أجنبية لهيئة تحرير الشام، الجماعة المتمردة التى قادها الشرع قبل الاستيلاء على سوريا، كانت هذه أحدث بادرة حسن نية تجاه الشرع من ترامب، الذى رفع أيضًا معظم العقوبات الاقتصادية الأمريكية على سوريا مؤخرًا. فى اجتماع عُقد فى أواخر أبريل، قال الشرع إن اتفاقيات إبراهيم لم تكن مناسبة لسوريا، وفقًا لمعاذ مصطفى، رئيس مجموعة الضغط السياسى الأمريكية، فرقة العمل السورية للطوارئ، الذى كان حاضرًا، وقال الشرع إن أى اتفاق مع إسرائيل سيحتاج إلى دعم شعبى من السوريين، على حد قول مصطفى. كما تساءل مهند الحاج على، الباحث فى مركز كارنيجى للشرق الأوسط فى بيروت، عما إذا كان موقف سوريا تكتيكيًا، يهدف إلى إبعاد القوات الإسرائيلية، أم أنه تحول استراتيجى حقيقى، وقال: «يبدو أن هناك تفاهمًا يتشكل على المستوى الأمنى، أما على المستوى السياسى، فلم نشهد أى مبادرات كبيرة». رغم أن العلاقات بين سوريا وإسرائيل لا تزال بعيدة عن التطبيع الكامل، فإن التحركات الجارية تشير إلى بداية فصل جديد أكثر واقعية فى تاريخهما المتقلب، فالمحادثات غير المباشرة، والتفاهمات الأمنية، ومحاولة إعادة إحياء اتفاق فك الاشتباك لعام 1974، كلها مؤشرات على تحول تدريجى فى نهج دمشق تجاه إسرائيل، مدفوعًا بالتحولات الإقليمية، والعداء المشترك لإيران، والدور الأمريكى المتجدد، ومع أن مستقبل هذه المساعى لا يزال غامضًا. 12 مليار دولار فى 6 أشهر.. مساعدات عسكرية بلا سقف فى خضمّ التصعيد الإقليمى غير المسبوق فى الشرق الأوسط، والدعم الأمريكى غير المحدود لإسرائيل، فقد قامت الولايات المتحدة خلال فترة تولي الرئيس دونالد ترامب مقاليد الحكم، «منذ يناير الماضى»، فقد قام بدعم إسرائيل بمعدات وأسلحة وذخائر تجاوزت قيمتها 12 مليار دولار، وهو الأعلى منذ نشأة إسرائيل فى مدة لا تتجاوز 6 أشهر. وبحسب موقع «JNS» الأمريكى-الخاص بالجالية اليهودية -، فإن إجمالى الدعم العسكرى الأمريكى المباشر لإسرائيل خلال فترة ترامب الثانية (منذ يناير 2025) تجاوز 12 مليار دولار، في وقت قياسى، وهو ما يُعتبر أعلى مستوى دعم فى تاريخ العلاقة بين البلدين. وقد أذِن ترامب خلال يونيو 2025 بشن ضربات جوية مباشرة ضد ثلاثة مواقع نووية إيرانية: «فوردو»، و«أصفهان»، و«نطنز»، باستخدام طائرات B‐2 الشبحية والقنابل خارقة التحصينات. هذه الطائرات، التى لا تملكها إسرائيل، قادرة على اختراق الدفاعات الجوية العميقة وتدمير منشآت تحت الأرض بفضل قنابلها من فئة 30 ألف باوند. وليه قرارًا سابقًا من إدارة بايدن كان قد جمّد توريد دفعات من المعدات العسكرية الثقيلة لإسرائيل، أبرزها الجرافات المدرعة من طراز D9، التى تُستخدم في العمليات الميدانية بقطاع غزة. كما سمح ترامب باستئناف تسليم قنابل «مارك 84» زنة 2000 باوند، التي كانت إدارة بايدن قد عطّلت شحنها عقب تقارير حقوقية عن استخدامها ضد مدنيين فى الحرب على غزة. وفى بيان رسمى آنذاك، وجّه وزير الأمن القومى الإسرائيلى «إيتمار بن غفير» الشكر لترامب، واصفًا قراراته بأنها «إعادة تصحيح للسياسات المتهورة فى عهد بايدن». وفى مارس 2025، أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية، فى عهد وزيرها ماركو روبيو، قرارًا بتسريع توريد أسلحة بقيمة 4 مليارات دولار لإسرائيل، مستخدمة صلاحيات الطوارئ لتجاوز قيود الكونجرس. تضمنت هذه الصفقة ذخائر ذكية، وصواريخ دقيقة التوجيه، وقطع غيار حيوية لسلاح الجو الإسرائيلى. إسرائيل تحصل على «B-2 Spirit» فيما كشفت القناة «14» الإسرائيلية عن أن الولايات المتحدة تدرس السماح لإسرائيل بالحصول على القاذفة الشبحية «B-2 Spirit» إلى جانب قنابل خارقة للتحصينات من طراز «GBU-57»، فى خطوة تُعيد رسم موازين القوة فى الشرق الأوسط وتزيد الضغوط على إيران. بحسب القناة العبرية، فإن مشروع قانون جديد تم تقديمه فى الكونغرس الأمريكى بدعم من الحزبين الجمهورى والديمقراطى. ويتضمن بندًا يسمح بتزويد إسرائيل بأسلحة أمريكية كانت حكرًا على البنتاجون، وعلى رأسها قاذفات «بى-2» وقنابل «MOP» العملاقة، المصممة لاختراق التحصينات تحت الأرض. ووفقًا للمصدر الأمنى الذى تحدث للقناة، فإن النائب الجمهورى مايك لولر، وزميله الديمقراطى جوش غوتهايمر، قدما مشروع القانون باعتبار أن «إسرائيل هي الحليف الأقرب للولايات المتحدة فى الشرق الأوسط، ويجب أن تمتلك الوسائل اللازمة للردع الفورى إذا تجاوزت إيران الخطوط الحمراء». المشروع يمنح الرئيس الأمريكى-وفق الصياغة المقترحة - السلطة لتزويد إسرائيل بأى أنظمة أسلحة أو دعم لوجيستى أو تدريبى لضمان منع إيران من امتلاك سلاح نووى، دون استثناء أى منظومة عسكرية. بما فى ذلك تلك المخصصة حصريًا للاستخدام الأمريكى، مثل القاذفة الاستراتيجية «B-2 Spirit» وقنابل «GBU-57» بوزن 14 طنًا، والمصممة لضرب منشآت محصنة على أعماق كبيرة. ورغم أن النص لا يذكر الأسلحة صراحة، إلا أنه لا يضع أى قيود على نوعية الدعم العسكرى، وهو ما فسّرته مصادر إسرائيلية بأنه تمهيد قانونى لصفقة تسليحية غير مسبوقة. فى حال تمت الصفقة بالفعل، فإن امتلاك إسرائيل لقاذفات «B-2 Spirit» سيُشكّل تحولًا جذريًا فى توازن الردع الإقليمي، بمنطقة الشرق الأوسط. فهذه القاذفات ذات القدرة التخفيّة العالية والمدى البعيد تمثل إحدى أكثر الأدوات الأمريكية تطورًا لتنفيذ ضربات استراتيجية دقيقة وعميقة فى أراضٍ معادية دون أن ترصدها أنظمة الدفاع الجوي. كما أن الجمع بين القاذفة وقنبلة «GBU-57»، التى صُممت خصيصًا لتدمير المنشآت النووية المدفونة على عمق كبير، يعنى أن إسرائيل ستملك لأول مرة القدرة التقنية على تنفيذ ضربة شاملة ضد منشآت إيران النووية المحصنة فى نطنز وفوردو وغيرهما، دون الحاجة لمشاركة أمريكية مباشرة. تُعد صفقة «بى-2 سبيريت» المحتملة جزءًا من استراتيجية أمريكية طويلة الأمد لضمان التفوق العسكرى النوعى لإسرائيل على أي خصم محتمل فىى المنطقة. تتزامن هذه الأنباء مع تقارير استخباراتية تشير إلى أن إيران لن تتخلى عن برنامجها النووى.. وتؤكد مصادر أمنية إسرائيلية أن الجيش الإسرائيلى يعمل على تحديث خطط الطوارئ لاحتمال مواجهة قادمة مع طهران خلال عامين على الأكثر، بما يشمل تدريبات على توجيه ضربات جوية بعيدة المدى، وتحديث قدرات سلاح الجو فى الحرب الالكترونية والتشويش. وقد وفّرت واشنطن لتل أبيب، على مدار عقود، أحدث الأنظمة العسكرية، بما فى ذلك مقاتلات «F-35» بنسخة خاصة لإسرائيل. بالإضافة إلى منظومات الدفاع الصاروخى «آرو» و«القبة الحديدية»، إلا أن الانتقال إلى مرحلة تزويدها بمنظومات هجومية استراتيجية ك«بى-2» يرفع مستوى التعاون إلى درجة غير مسبوقة.. وهو ما يؤكد أن الدعم العسكرى الأمريكى لإسرائيل غير محدود، ولا توجد نية-فى ظل ولاية ترامب على الأقل - بتحجيمه.