تسابق الدبلوماسية الإسرائيلية المدرعات السورية المتوجهة إلى جنوبسوريا لتحرير ما تبقى من ريف درعا والقنيطرة، وسط تهديدات أمريكية بالتدخل العسكري إذا لم تلتزم سوريا باتفاقية خفض التصعيد مع الجماعات المسلحة في جنوبسوريا، وزار وزير الدفاع الإسرائيلي أفيجور ليبرمان العاصمة الروسية موسكو، والتقي نظيره الروسي سيرجي شويجو للتباحث بشأن تقدم القوات السورية باتجاه حدود الجولان المحتل والحدود الأردنية، وأعاد طرح طلب انسحاب القوات الإيرانية من سوريا مقابل عدم تدخل إسرائيل وعرقلة تحركات الجيش السوري والتوقف عن تقديم أي دعم للمسلحين، وقد أبدت روسيا استعدادها للتوسط بين إسرائيل وكل من سورياوإيران بشأن إبعاد أي قوات إيرانية عن القوات الإسرائيلية في الجولان المحتل. حالة القلق تبدو واضحة على قادة إسرائيل في الاتصالات والزيارات المكثفة، فمنذ زيارة نيتانياهو لموسكو في 9 مايو الماضي وهو لا يكف عن اتصالاته الدولية لبحث ملفي الوضع في سوريا والنفوذ الإيراني، ويتوجه نيتانياهو إلى أوروبا خلال الأيام المقبلة لمواصلة مساعيه الرامية إلى تشديد الضغوط على إيران، لكن نيتانياهو لا يطرح على حلفائه مقترحات قابلة للتنفيذ، فهو يكثر من التلويح بالحرب ولا يجد تجاوبا، بل لا يلقى تأييدا حتى داخل إسرائيل، وتكفي نتائج معركته الأخيرة في غزة ليدرك أنه في مأزق لا يحسد عليه، فلم يتمكن من فرض شروطه على غزة المحاصرة برا وبحرا وجوا منذ 11 عاما، وفرضت عليه الفصائل الفلسطينية معادلة جديدة «صاروخ على إسرائيل مقابل كل صاروخ على غزة»، واضطر إلى طلب الوساطة لوقف قصف المستوطنات والقواعد العسكرية المحيطة بقطاع غزة، مقابل وقف الغارات على القطاع، واكتفى نيتانياهو بتكثيف التهديدات بأنه قادر على أن يلحق بالفلسطينيين خسائر فادحة، في الوقت الذي أعلن فيه قادة عسكريون إسرائيليون أنهم فشلوا في ضرب مواقع إطلاق الصواريخ، وأنهم فوجئوا بالتطور الكبير في مدى وقوة ودقة الضربات الصاروخية الفلسطينية. لقد أصيب قادة إسرائيل بحالة إنكار للواقع، حتى إنهم ادعوا أن الجولان السوري المحتل لم تصله الصواريخ السورية في أبريل الماضي، وأنهم قضوا على الوجود الإيراني في سوريا، لكنهم عادوا ليطلبوا من روسيا إبعاد القوات الإيرانية عن حدود الجولان، في تخبط واضح للخطاب الإسرائيلي المتراوح بين التباهي المفرط بالقوة حينا، والتظاهر بالمظلومية والمطالبة بإنقاذ إسرائيل من المخاطر المحدقة بها أحيانا. تتعرض خطة «نيتانياهو ترامب» لفشل مبكر، فالهدف من وراء فرض العقوبات على إيران، بعد خروج الولاياتالمتحدة من الاتفاق النووي، كان طرح تشكيل تحالف دولي لحصار وضرب إيران، لكن سياسات نيتانياهو - ترامب فضت الأصدقاء من حولهما، فأوروبا الرافضة لإلغاء ترامب للإتفاق النووى مع إيران ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس، مرورا بمذبحة غزة ضد المتظاهرين العزل لا يمكن أن تنجح في حشد الدعم الدولي لإسرائيل، ولهذا يصعب على نيتانياهو وترامب اتخاذ قرار بالحرب، لكن الأصعب هو اتخاذ قرار بالانسحاب من سوريا دون قيد أو شرط، ولهذا جاء التعويل على روسيا لتفتح مخرجا مناسبا لكل من إسرائيل والولاياتالمتحدة، وطرح الخروج المتبادل للقوات الإيرانيةوالأمريكية، ونشر القوات السورية على كامل أراضيها، لكن إسرائيل تريد ضمانات من روسيا بألا تدخل قوات إيرانية أو من حزب الله اللبناني إلى سوريا، وهو ما لا تستطيع روسيا أن تمنحه، لأن سوريا دولة ذات سيادة، وهي من تقرر أي قوات تبقى على أراضيها ومتى تخرج، وترى موسكو أن إصرار إسرائيل والولاياتالمتحدة على توجيه ضربات إلى سوريا سيؤدي إلى استعانة سوريا بقوات أكبر من حلفائها، لتزداد كثافة الوجود العسكري لإيران وحزب الله، وستجد إسرائيل تشكيلات عسكرية من الحرس الثوري تساند القوات السورية في حال تصلبها واستمرارها في العدوان على سوريا. هكذا يزداد المشهد الميداني تعقيدا في جنوبسوريا وشرق الفرات، والوقت ليس في صالح إسرائيل والولاياتالمتحدة بعد الانهيارات السريعة للجماعات المسلحة التي تلقت هزائم ثقيلة في الغوطتين الشرقية والغربية لدمشق وريف حمص، كما أن معظم ما تبقى من الجماعات المسلحة في ريف درعا والقنيطرة على وشك إلقاء السلاح والدخول في مصالحات، ولهذا لن تجد القوات الأمريكية والإسرائيلية قوات برية ذات قيمة يمكنها الإعتماد عليها، ولهذا يتقدم الجيش السوري في جنوبسوريا غير مكترث بالتهديدات الإسرائيلية والأمريكية، ليزيد من إحراج نيتانياهو الذي لا يلقى تأييدا من قادته العسكريين بشن حرب، ويواجه الرئيس الأمريكي ترامب موقفا مماثلا من إدارته، وإذا فشلت التسوية المطروحة من روسيا فلن يكون أمامهما الكثير من الوقت ليقررا إما الدخول في مغامرة خطيرة بالحرب، أو الانسحاب غير المشروط. لمزيد من مقالات مصطفى السعيد