السيسي يواجه تحديات كبيرة وكتابي يشرح للفرنسيين البسطاء معركته الثورية الشعب المصري الواعي رفض بأغلبية ساحقة الهيمنة الأيديولوجية للإخوان المسلمين استراتيجية الإخوان في فرنسا اختراق المؤسسات والجمعيات وغالبية الفرنسيين يدركون خطورتهم من يدعم الإخوان في فرنسا "متهاونون أو جاهلون" ويعتبرونهم أدوات انتخابية لكسب الأصوات التضييق على أنشطة الجماعة في فرنسا وخنق تمويلها "انفراجة" جاءت بعد "سنوات من السذاجة" الأجيال الشابة من المسلمين "حصان طروادة" للجماعة ويستغلون ضيقهم الاجتماعي والاقتصادي يثيرون الانقسامات بين الفرنسيين ويزرعون بذور حروب أهلية مستقبلية أجرى الحوار: مي السيد أكد الدكتور والباحث الفرنسي المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، رولان لومباردي، أن ثورة 30 يونيو لم تنقذ مصر وحدها من الإنزلاق في الفوضى، بل أنقذت باقي الإقليم من نفس المصير، وكانت حجر الزاوية لوقف مشروع توسع الإسلام السياسي في مصر والعالم العربي. وفي حواره لأخبار الحوادث، حذر صاحب كتاب " عبدالفتاح السيسي، بونابرت المصري"، على أنه في الوقت الذي تراجع فيه تنظيمهم في العالم العربي، يحاولون استعادة قوتهم في أوروبا، وعلى الرغم من أنهم نجحوا في بعض الأحيان، إلا أن حكومات عديدة بدأت تدرك المخاطر المرتبطة بمعايير تلك الجماعة المزدوجة.. وإلى نص الحوار: في البداية حدثنا عن رأيك في ثورة 30 يونيو وتأثيرها على جماعة الإخوان المسلمين؟ ثورة 30 يونيو عام 2013، تعد نقطة تحول تاريخية بالنسبة لمصر والإقليم المحيط، حيث ينسب لها الفضل في إنقاذ مصر من الفوضى الكبيرة، بل ومنع الإقليم من الإنزلاق إلى فوضى أكثر مما كان فيه، ووقتها حذرت شخصيًا قبل القيام بالثورة من التداعيات التي كان من الممكن أن تخلقها حكومة الإخوان المسلمين على مصر. كانت مصر ستنزلق إلى وضع كارثي ينعكس على أوروبا، ولذلك رفض الشعب المصري الواعي بأغلبية ساحقة الهيمنة الأيديولوجية للإخوان المسلمين وعجزهم عن تلبية طموحات الشعب والانشغال بأنفسهم، ولم يكن أمام الجيش سوى الوقوف خلف الشعب ودعمه. وبالنسبة لي دائمًا ما أصفها الثورة المضادة التي شكلت في طياتها وقفة كبرى أمام توسع الإسلام السياسي في مصر كما في أماكن أخرى من العالم العربي. من وجهة نظرك كيف ترى وضع تنظيمات جماعة الإخوان المسلمين في أوروبا؟ من المفارقات، أنه بينما يتراجع تنظيم جماعة الإخوان المسلمين في العالم العربي، إلا أنه استعاد قوته في أوروبا، وخاصة في فرنسا، حيث لا تزال شبكاتهم المؤسسية والجمعيات حاضرة ونشطة بشكل متزايد، ومن المؤكد أن الحكومة الفرنسية بدأت أخيرًا تُدرك المخاطر المرتبطة بمعاييرهم المزدوجة، لكنها لا تزال مُترددة للغاية. لماذا هذا التردد من وجهة نظرك؟ لطالما روجت الحركة، التابعة للإخوان المسلمين في فرنسا، ظاهريًا فقط، للخطاب الجمهوري الفرنسي، بينما تنشر في داخلها أيديولوجية رجعية وجماعية، ولأكثر من عقد من الزمان، حذّرنا نحن وباحثون آخرون من مخاطر هذه المنظمة على أرضنا وترابنا الفرنسية، لكن القادة السياسيين رفضوا الاستماع. هل هناك اختلاف في التصور حول خطورة الجماعة بين النخبة السياسية الفرنسية ووسائل الإعلام؟ ينظر إليهم قطاع من النخبة السياسية والإعلامية، التي طالما أصفهم بأنهم متهاونون أو جاهلون، على أنهم محاورون "معتدلون"، ولكن بعضهم، وخاصةً من اليمين، مُصمّمون بالفعل على محاربتهم، ومع ذلك، لا يزال هناك أغبياء لهم في اليسار، وخاصةً في أقصى اليسار وفي حزب العمال الفرنسي، يدافعون عنهم لأنهم بمثابة أدوات انتخابية في الضواحي، ومن ناحية أخرى. كيف ينظر المجتمع الفرنسي عمومًا إلى جماعة الإخوان المسلمين؟ غالبية الفرنسيين، حتى في الضواحي، يدركون بوضوح تأثيرهم الضار على المجتمع، وظهر ذلك جليًا في أحدث استطلاع كبير، والذي كشف بدوره عن أن قطاعات واسعة من الشعب الفرنسي ترفض وجود الجماعة في البلاد، ويريدون حظرها وحظر أنشطتها نهائيًا، وعدد ضئيل فقط هو من يعارض الفكرة. خلال الفترة الأخيرة شهدنا زخمًا حول جماعة الإخوان في باريس.. كيف تصف ذلك؟ تكمن استراتيجية جماعة الإخوان المسلمين في فرنسا، بالعمل على قدم وساق على اختراق المؤسسات والجمعيات، وهي أمور حقيقية وموثقة، وكانت وحدها أجهزة الأمن الفرنسية هي من تستمع إلينا، ولذلك عملت على مراقبتهم من خلال المديرية العامة للاستخبارات والأمن (DGSI) منذ فترة طويلة. وكانت باكورة ذلك، هو التقرير الذي ناقشه مجلس الدفاع والأمن القومي، والذي كشف عن مدى توغل الجماعة في فرنسا خلال العقد الماضي، واعتمادها على 280 مؤسسة خيرية و تعليمية، و139 مكانا للعبادة، وكشف أيضًا عن أن دخولهم إلى الساحة السياسية آخذ في الانتشار، وأنها تعمل على تطوير الإسلام السياسي من أسفل القاعدة على المستوى المحلي، وصولًا إلى الأعلى على المدى الطويل. وهل كان هناك نتائج أو تقييد لأنشطتهم داخل المجتمع الفرنسي؟ بالطبع كما ذكرت من قبل بدأت الحكومة الفرنسية أخيرًا تُدرك المخاطر المرتبطة بمعاييرهم المزدوجة، وكان من أبرز تحركاتهم قانون مكافحة الانفصال 2021، والذي بموجبه حُلّت الجمعيات القريبة من الإخوان المسلمين، وتُفرض رقابة أشد على التدفقات المالية، وخاصة الأجنبية منها. وما أبرز نتائج تلك الرقابة من وجهة نظرك؟ دعينا لا ننسى الضربة القوية التي وجهتها أجهزة الأمن الفرنسية لمحفظة تمويل الإخوان، حيث حددت ما لا يقل عن 20 صندوق أوقاف مشبوه مرتبط بالإسلام السياسي، تم تأسيسها في عام 2008 لتوجيه الأموال الخاصة نحو الأنشطة ذات الإهتمام العام، إلا أنه تم استثمار الأموال بشكل غير قانوني، وبلغ إجمالي الأموال المجمدة 25 مليون يورو. كيف تصف تلك التحركات الأمنية السياسية تجاه الإخوان في فرنسا؟ من وجهة نظري، يُعدّ هذا انفراجًا بعد سنوات من السذاجة، لكن كل هذا لا يزال غير كافٍ، علينا أن نضرب بقوة أكبر وسرعة أكبر، لكنني أعتقد أن الحكومات المتعاقبة لم تُرِد حتى الآن إثارة غضب دولة خليجية، راعيها الأخير إلى جانب تركيا، والتي لديها استثمارات كبيرة في فرنسا إنه لأمرٌ مؤسف! ما تفسيرك لتأثيرهم على الأجيال الشابة من المسلمين في أوروبا؟ جماعة الإخوان المسلمين، يستغلون ما يعرف بالضيق الهوياتي والاجتماعي والاقتصادي لهؤلاء الشباب، وخطابهم المتمحور حول الضحية والطائفية يتردد صداه أحيانًا، ولكنه بالطبع يعتبر خطابًا يتعارض جوهريًا مع مبادئ الجمهورية الفرنسية، إنهم حصان طروادة بالنسبة لهم، ولكن بالنسبة لنا هم سمٌّ حقيقي لمواطنينا المسلمين. بعيدا عن النخبة السياسية.. هل تعتبر فرنسا جماعة الإخوان المسلمين تهديدًا حقيقيًا؟ نعم، وبات ذلك يتضح أكثر فأكثر، حيث تُصنّفهم وزارة الداخلية والمديرية العامة للأمن الداخلي كتهديدات أيديولوجية، لأن تأثيرهم غير مباشر ولكنه حقيقي، لا سيما فيما يتعلق بالتطرف "الناعم"، من خلال ارتباطاتهم، حيث يقفون وراء جميع المطالب الطائفية، مما يُثير التوترات والانقسامات بين الفرنسيين، ويزرع بذور حروب أهلية مستقبلية. ماذا تقصد بالحرب الأهلية المستقبلية؟ منذ عشرات السنين وحتى الآن، مرورا بحرب الجزائر ومايو 1968 وأعمال الشغب عام 2005، وصولا إلى حركة السترات الصفراء، رأينا أن الجمهورية الفرنسية تجيد الدفاع عن نفسها ببراعة، ولكن في ظل المناخ الحالي والانقسام الذي تشهده البلاد، أشعر بقلق بالغ، ولا أخفيك سرًا أنني أكثر تفاؤلا بشأن الشرق الأوسط من تفاؤلي بشأن بلدي. ما أبرز ردود أفعال الإخوان والمنظمات أو المؤسسات المتحالفة معهم على ذلك التضييق؟ هم بالطبع ينكرون كل شيء، بل ويصورون أنفسهم كضحايا، ويلجأون إلى خطاب حقوق الإنسان، كل ذلك في حين يستحضرون "إسلاموفوبيا" وهمية وخيالية! هذه هي استراتيجيتهم التقليدية، حيث يقدمون أنفسهم على أنهم مسالمون وديمقراطيون مكبوتون لتعزيز مواقفهم في فرنسا أو في أي بلد أوروبي آخر. في رأيك.. ما ردود الفعل المتوقعة من الجماعة على ذلك.. هل سيعززون موقفهم أم يتراجعون؟ كل شيء يعتمد على الإرادة السياسية الحقيقة على التراب الفرنسي أو أي بلد يريد الحفاظ على هويته، فإذا حافظت الدولة الفرنسية على موقفها الثابت، فسيستمر نفوذهم في التراجع، أما إذا خضعت للضغوط الصبيانية السياسية ولم تحررت من ضغوط الدول الداعمة لهم فسيكون الإخوان قادرين على التكيف والازدهار. في النهاية.. حدثنا عن كتابك حول الرئيس السيسي وما الأسباب التي دفعتك لنشره؟ حاولت من خلال كتاب " السيسي، بونابرت مصر" أن أشرح بعيدًا عن الإثارة الإعلامية والتشويه والمرشحات الأيديولوجية القديمة ما حدث بالفعل وما يحدث بالفعل فى هذا الجانب من البحر الأبيض المتوسط، لإعلام الناس البسطاء وحتى السياسيين لماذا قامت ثورة 30 يونيو في مصر. كما كان لي هدف يتمثل في الرد على المعلومات الخاطئة التي كان يتم الترويج لها في وسائل الإعلام الفرنسية من قبل الإخوان وداعميهم من اليمين وحتى اليسار عن الرئيس السيسي، الذي من وجهة نظري كان ومازال يواجه تحديات هائلة على المستوى الإقليمي والإفريقي في معركته الثورية. رولاند لامباردى فى سطور رولان لومباردي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ، وهو مدرس وعالم جيوسياسي متخصص في الشرق الأوسط والعلاقات الدولية وقضايا الأمن والدفاع، وهو محاضر في قسم دراسات الشرق الأوسط في جامعة إيكس مرسيليا ويدرس الجغرافيا السياسية في كلية إكسيليا للأعمال في لاروشيل، وهو مؤسس ومدير تحرير موقع Le Diplomate Média الإعلامي والجيوسياسي . وهو مؤلف العديد من المقالات المرجعية الأكاديمية، بما في ذلك: "إسرائيل والوضع الجيوسياسي الجديد في الشرق الأوسط: ما هي التهديدات الجديدة وما هي الآفاق؟ "، و"مصر السيسي: تراجع أم استعادة إقليمية؟"، و كتاب "البحر الأبيض المتوسط الاستراتيجي - مختبر العولمة". بالإضافة إلى كتاب "تحولات السياسة الفرنسية في ليبيا"، وكتاب "الغاز الطبيعي، الصفقة الجديدة"، وكتاب "كبار المراسلين، في قلب الصراعات"، وكتاب "الجيوسياسية في مواجهة الإسلام السياسي"، وأحدث أعماله كانت "الثلاثون المخزية"، نهاية النفوذ الفرنسي في العالم العربي والإسلامي و "هل وصلنا إلى نهاية التاريخ؟" و"عبد الفتاح السيسي، بونابرت المصري؟"