المتابع لتاريخ إسرائيل منذ زرعها كالنبتة الخبيثة فى قلب الشرق الأوسط، سيجد انها تعرف كيف تبدأ حرباً -خاصة عندما تكون مدعومة سياسياً وعسكريأً ولوجيستيأً من أقوى دولة بالعالم- لكنها لا تعرف كيف تنهيها. فكل الحروب التى فرضتها أو ورطت فيها المنطقة لم تنته إلا بالضغط والإجبار من مؤسسات دولية وقوى عظمى «خاصة امريكا». ففى أولى حروبها عام 1948، سحب قادة إسرائيل قواتهم من سيناء والغوا الاستيلاء على الضفة الغربية بسب تهديد التدخل العسكرى البريطانى.. وفى العدوان الثلاثى عام 1956 فشلت فى الاستيلاء على أراضى فى سيناء وقطاع غزة وانسحبت بعد ضغوط من الرئيس الامريكى أيزنهاور.. وفى نكسة 1967 أمر مجلس الأمن بوقف النار، لكن إسرائيل لم تتوقف الا بعد ضغط من امريكاوالأممالمتحدة.. وبعد هزيمتها المروعة فى اكتوبر 1973 أرادت استغلال التدخل الامريكى لاستئناف الحرب لكن الرئيس ريتشارد نيكسون أصر على التزامها بقرار مجلس الأمن 338، والعودة للمواقع التى كانت فيها يوم صدور القرار. كذلك حربها مع حزب الله فى 2006، انتهت بتدخل أمريكا وفرنسا لاستصدار قرار من الأممالمتحدة. نفس الأمر تكرر فى مواجهاتها الأخيرة مع حزب الله فى حرب غزة وحربها مع ايران، حيث فرض عليها الرئيس ترامب وقف الحرب فى الجبهتين.. السر وراء هذا التكرار النمطى، عقيدة اسرائيل بأن بقاءها مرهون باستعراض قوتها العسكرية من حين لآخر وتصديرها للقوة فى أزمات يمكن حلها دبلوماسياً، وكذلك إصرارها على إنهاء مواجهاتها بانتصار يمحى أعداءها أو يوصلهم للاستسلام التام لمطالبها، وهو أمر لا يمكنها تحقيقه، حتى مع حركة محدودة القدرات كحماس، رغم الدعم الأمريكى المطلق.. من هنا تكون ضغوط ترامب المدفوعة برغبته فى إغلاق هذا الملف واستئناف مسار الاتفاقات الإبراهيمية، الفرصة الأخيرة، وإلا ستستمر إسرائيل فى حربها حتى لو تخللها هدنات لالتقاط الأنفاس. لأنها الوسيلة الوحيدة لتحقيق هدفها بتهجير الفلسطينيين وإعادة احتلال قطاع غزة.