الدرس المستفاد من هذه المعلومات هى أهمية تماسك الجبهة الداخلية لحماية الأوطان. الدرس هذه المرة من إيران. فى حوارات مع صديقى المثقف مصطفى الحفناوى أبدى اندهاشه الشديد من سهولة الاختراق الاستخباراتى الإسرائيلى للداخل الإيرانى، بلغت الدهشة حد الانزعاج من عدد المقبوض عليهم بتهمة الخيانة أو العمالة لإسرائيل الذى يصل فى بعض الأحيان إلى عدة مئات فى المرة الواحدة، وتساءل هل كل هؤلاء عملاء لإسرائيل، وكيف استطاعت تجنيدهم؟ كان ردى أنه بالإضافة إلى المراقبة المعلوماتية الدقيقة، استفادت إسرائيل من بقاء العديد من الإيرانيين اليهود فى بلدهم وتحولهم إلى الإسلام لضمان العيش فى سلام وقد اندمج هؤلاء فى المجتمع الإيرانى المسلم وتزاوجوا وأنجبوا أجيالًا بهوياتهم الجديدة غير الحقيقية. وقد سهل هذا مهام العملاء الإسرائيليين ذوى الأصول الإيرانية. كما لعبت إسرائيل على الانقسام العرقى والخريطة الديموجرافية بالغة التعقيد فى إيران والتى تصعب على النظام الحالى السيطرة عليها؛ إذ لا يمثل الفرس سوى 40% من تعداد السكان، بينما هناك مجموعات عرقية مُختلفة، مثل الأكراد والتركمان والبلوش والآذريين، تُشكل مصدرًا مُحتملًا لتجنيد العملاء. لكن أخطر ما جاء ردًا على سؤال صديقى المثقف ما ذكره أحد قيادات الموساد السابقين من أن الدافع من التعاون مع الموساد ليس بالضرورة دعم إسرائيل أو الحصول على مكافأة مالية، بل غالبًا ما يكون نابعًا من عدم الرضا عن النظام الإيرانى. وأشار عنصر الموساد فى مقابلة أجرتها معه صحيفة بيلد الألمانية إلى عامل آخر يُسهّل أنشطة الموساد، وهو طول حدود إيران وصعوبة مراقبتها بالكامل. وأشار إلى أن «هذا يسمح بتهريب كل شيء إلى داخل البلاد»، الأمر الذى يفسر إنشاء وحدة إسرائيلية مسلحة تابعة للموساد بأجهزتها وعناصرها البشرية داخل إيران. الدرس المستفاد من هذه المعلومات هى أهمية تماسك الجبهة الداخلية لحماية الأوطان، وقد جربنا فى مصر محاولات الأعداء فى زرع بذور الفتنة بين طوائف الشعب المختلفة، بين مسلم ومسيحى، وبين صعيدى وبحرى، وبين سكان الأطراف (نوبى أو بدوى) مع سكان الداخل، وبين النوعين الذكر والأنثى، وكذلك زرع الحقد الطبقى. الخطير فى الأمر أن أساليب زرع الفتنة ناعمة لا تكاد أن تكون محسوسة، كالتنمر والتهكم وإطلاق النكات على بعض الطوائف أو سكان الجهات، بما يهين الصورة الذهنية لهذه الفئة فى أعين المجموع. وساهمت وسائل التواصل الاجتماعى فى نشر هذه الأنواع من الفتن فآلية عملها تجرى بلا ضابط ولا رابط اللهم إلا قيودًا وضعتها الشركات المالكة لتلك الوسائل لا تمت بصلة لأى مصلحة وطنية. كما أن مستخدمى هذه الوسائل من مختلف طبقات الشعب بتنوع ثقافاته ودرجات وعيه ومن ثم يقع السذج فريسة لأساليب خبيثة قد تتسم بالخفة والاستظراف من قبيل «هتطبخوا إيه النهاردة»، أو «هو المعاش نزل ولا لسه» أو بتكوين مجموعات تتظاهر بعرض المشكلات الأسرية ومعظمها مشكلات مزيفة من تأليف منشئ المجموعة، تنطوى على مبالغات مسيئة للسلام العائلى وتنشر صورة سلبية عن علاقات الأخوة والمصاهرة، وتكشف عن ثغرات لا يخلو منها أى مجتمع إنسانى. مع ذلك يستفيد العدو من تلك المنشورات استنباط معلومات تشريحية للمجتمع وترسم صورة اجتماعية ونفسية وسلوكية واقتصادية تمكنه من وضع يده على نقاط الضعف التى يمكن التسلل منها ورسم خطط الاختراق الناعم والخشن. أتمنى أن يوقظنا الدرس القادم من طهران، لندرك أهمية الحفاظ على سلامة وصلابة الجبهة الداخلية وتماسك فئات المجتمع على اختلافها وتنوعها.