لم يكن اختيار رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقى تعيين السفير محمد إدريس المندوب الدائم المراقب للاتحاد الإفريقى لدى الأممالمتحدة ورئيس بعثة الاتحاد الإفريقى فى نيويورك محض صدفة أو مجاملة للدولة المصرية ومدرستها الدبلوماسية العريقة، فهو فى البداية يعكس ما تحظى به الكوادر الدبلوماسية المصرية من ثقة وتقدير فى المحافل الدولية والإقليمية ويجسد المكانة المتميزة للدبلوماسية المصرية، كما أن الاختيار كان تقديرًا للقيادة السياسية المصرية وجهودها فى العديد من الملفات الإفريقية وحفظ وبناء السلام فى القارة ودورها التنموى الكبير خلال السنوات الأخيرة. كما جاء تعبيرًا عن رؤية الاتحاد الإفريقى لمستقبل القارة وضرورة وجود شخصية متميزة على رأس مقعدها فى أهم المؤسسات والمنظمات الدولية بالعالم وهى الأممالمتحدة فى ظل التحديات التى تواجه دول القارة، فالسفير محمد إدريس صاحب مسيرة مهنية حافلة فى مجال الدبلوماسية، خبرات واسعة فى مجالات العمل متعدد الأطراف وبصفة خاصة قضايا السلم والأمن والتنمية فى القارة الإفريقية، مثل مصر فى عدة مواقع دبلوماسية رفيعة، حيث سبق أن شغل مندوب مصر الدائم لدى الأممالمتحدة ومندوبها الدائم لدى الاتحاد الإفريقى وعضو مجموعة الشخصيات البارزة المستقبلة لصندوق بناء السلام بالأممالمتحدة المعينة من سكرتير عام الأممالمتحدة.. وقبل أسابيع قليلة على توليه مهام منصبه رسميًا فى نيويورك استضاف د. أسامة السعيد رئيس تحرير جريدة «الأخبار» السفير محمد إدريس بمقر الجريدة لتقديم التهنئة له على اختياره فى هذا المنصب الدولى المهم، وتم إجراء حوار صحفى هو الأول له عقب توليه المسئولية.. وإلى نص الحوار. فى البداية رحَّب د. أسامة السعيد بالسفير محمد إدريس، وأكد أن اختياره وكونه شخصية دبلوماسية لها تاريخها وقيمتها- لهذا المنصب الدولى المهم يعد ثمرة من ثمار الدبلوماسية المصرية العريقة التى نعتز ونفخر بها، كما أنه يُمثّل اختيارًا مهمًا جدًا لمصر ولإفريقيا. وقال د. أسامة السعيد إن التعويل بأن يكون هناك دبلوماسية إفريقية نشطة فى محفل مهم مثل الأممالمتحدة، يعطى لنا ثقة فى أن يكون للقارة السمراء أدوار أكثر تقدمًا خلال الفترة المقبلة، من خلال التعاون مع الأممالمتحدة من أجل تخفيف الأزمات التى تشهدها القارة من صراعات وأزمات اقتصادية أو تغيُّرات مناخية وغيرها من التحديات التى تواجهها الدول الإفريقية، إضافة إلى أن الصراعات المحيطة بإفريقيا وحالة التنافس الدولى الكبير تجاه القارة السمراء تلقى بأعباء ثقيلة على المؤسسات والمنظمات الإفريقية. اقرأ أيضًا | اتصال هاتفي بين وزير الخارجية والهجرة ونظيره النرويجي تقدير للدبلوماسية المصرية ما دلالات اختيار دبلوماسى مصرى لهذا المنصب المهم؟ وما تصوراتك لما يمكن أن تقوم به كممثل للاتحاد الإفريقى فى الأممالمتحدة خلال الفترة المقبلة؟ هذا الاختيار من جانب رئيس الاتحاد الإفريقى الجديد محمود على يوسف، والذى يحظى بقدر كبير من الاحترام على الساحة الإفريقية، بعد عملية ترشيح للدول الإفريقية لعدد من الشخصيات لهم ما يؤهلهم للعمل فى هذا الموقع. وقد رشحتنى الدولة المصرية من خلال وزارة الخارجية لهذا المنصب، وتشريفى بتعيينى فى هذا الموقع من قبل رئيس المفوضية الإفريقية. وأعتبر تعيينى فى هذا الموقع هو تقدير للدبلوماسية المصرية، فمؤسسة الخارجية المصرية تعد مؤسسة عريقة ولها باع وتاريخ طويل من العمل فى القارة الإفريقية. ومصر من الدول المؤسسة لمنظمة الوحدة الإفريقية التى أنشئت عام 1963 قبل أن تتحول إلى الاتحاد الإفريقى عام 2002. كما أن مصر من الدول الأساسية والقوة الدافعة داخل الاتحاد الإفريقى، والعمل الإفريقى المشترك، وهناك أيضًا علاقات مصرية قوية مع كل دول القارة الإفريقية والانخراط فى القضايا الإفريقية المهمة. تُمثّل بعض القضايا العربية نوعًا من التماس بين منظمة الأممالمتحدة وكذلك الاتحاد الإفريقى.. ما تصورك للمرحلة المقبلة فيما يخص التعاون حول الأزمتين الليبية والسودانية؟ هناك عشر دول عربية أعضاء فى الاتحاد الإفريقى، وبالتالى فإن تماس القضايا العربية والإفريقية هو تماس قوى جدًا، حيث تُمثّل الدول العربية مكونًا أساسيًا من عمل الاتحاد الإفريقى. وهناك قضايا شائكة كثيرة سواء فى الدول الإفريقية غير العربية وبعضها يشهد كثيرًا من الصراعات والنزاعات والمشكلات، وأيضًا الدول العربية الإفريقية. وبالطبع يوجد تعاون وثيق واَليات بين الأممالمتحدة والاتحاد الإفريقى، فهناك قرارات دولية تتعلق بمشكلات فى القارة الإفريقية وهناك تنسيق وتعاون بين المنظمتين فيما يتعلق بتلك المشكلات. فيما يتعلق بالوضع فى ليبيا فهو معقد، وليس من السهل القول بأن هناك حلًا سحريًا سريعًا، ولكن بالطبع هناك جهود مستمرة حول هذه القضية. وما يزيد من إشكالية هذه الأمور أنها بالطبع فى أحيان كثيرة تكون ضحية استقطابات وصراعات إقليمية ودولية، وبالتالى هناك مرحلة من مراحل احتواء الآثار الإنسانية والاَثار المترتبة على الصراع، ومحاولة الوصول إلى حل لجذور هذا الصراع. المشكلة تكمن أحيانًا فى أن المشكلات لا تجد حلولًا فى أن تحل، ولكن بأن تأتى قضايا أخرى أكثر إلحاحًا، وبالتالى تتوارى بعض القضايا، ويتجه الاهتمام الإقليمى والدولى إلى القضية الجديدة ثم تأتى قضية أخرى وهكذا. وبالتالى تظل القضية القديمة قائمة وتضاف إليها قضايا أخرى جديدة. وهذا نراه تجاه أزمات كثيرة داخل القارة الإفريقية وأيضًا على مستوى العالم. وبالتالى هذا يجعل هناك عبئًا إضافيًا على المنظمات الإقليمية والدولية، سواء الجامعة العربية أو الاتحاد الإفريقى أو الأممالمتحدة، فيظل الجهد مستمرًا وموصولًا، ويظل الأمل فى الحل قائمًا. تشهد منطقة الساحل الغربى أزمات أمنية فى مقدمتها الإرهاب والتطرف.. ما الدور الذى يمكن أن تلعبه مصر فى إطار التعاون والتنسيق مع الاتحاد الإفريقى والأممالمتحدة لمكافحة الإرهاب فى تلك المناطق؟ بالطبع، هذه المنطقة تُمثّل أهمية استراتيجية كبيرة لمصر، كما أنها على تماس مع ما يحدث فى السودان، وإشكالية منطقة الساحل، أن أزمتها متعددة الأبعاد، حيث إن شقًا منها يتعلق بالشق السياسى الداخلى، وآخر يتعلق بالإرهاب والتطرف، وأيضًا شق يتعلق بالقضايا التنموية وتغيُّر المناخ والجفاف، فكل هذه عوامل مركبة تؤدى إلى تفاقم الأزمات. كما أن هناك تفاعلًا بين الأزمات فى هذه المنطقة وأيضًا جوارها الجغرافى. وقد عملت مصر على بلورة استراتيجيات فى منطقة الساحل، وهناك الكثير من الاستراتيجيات سواء الخاصة بالاتحاد الإفريقى أو الأممالمتحدة أو الاتحاد الأوروبى، لكن ربما العائد منها غير ملموس. بالطبع عندما توجد مناطق ليس بها استقرار وحالة من الفوضى، فهذا يمثل تربة خصبة للإرهاب، وهذا الإرهاب عابر للحدود ويؤثر علينا بشكل كبير. ولنا تحرك قائم ومستمر فى هذا الصدد، وأعتقد أن الفترة المقبلة ستشهد تحركات للعمل على احتواء الموقف فى الساحل، من خلال مبادرات مصرية فى إطار مجال مكافحة الأرهاب بالتنسيق مع الأممالمتحدة والاتحاد الإفريقى. توفير فرص عمل ما رؤيتكم لاستغلال قدرات القارة الإفريقية خاصة الشباب وتوفير فرص العمل وإحداث التنمية التى تتطع إليها الشعوب خلال الفترة المقبلة؟ هناك معادلة صعبة وبها خلل كبير ولابد من تغييرها، وهى أن تكون القارة الإفريقية هى أغنى القارات، وأفقر الشعوب. فالقارة غنية بالثروات الطبيعية بشكل وافر، وأيضًا غنية بالطاقات البشرية، وهم الشباب الذين يعدون مستقبل هذه القارة لكن هذه القوى يمكن أن تكون عنصر بناء أو عنصر هدم. فإذا لم يتم استغلال هذه الطاقة الشبابية من خلال توفير فرص عمل لها فى ظل غياب التنمية، تصبح مشروعًا فى أيدى الجماعات الإرهابية التى تستقطب هذه الطاقات وتوفر لهم فرصًا بديلة، طالما أنه فى إطار الدولة الوطنية لا توجد تنمية. فى ظل الدعوات الدولية بضرورة إصلاح منظومة الأممالمتحدة.. تطالب إفريقيا بتمثيل دائم من خلال مقعدين دائمين فى مجلس الأمن وعضوية غير دائمة لضمان سماع صوتها فى قضايا السلام والأمن العالمية.. ما إمكانية تحقيق ذلك؟ القارة الإفريقية جديرة بأن يكون لها صوت ونصيب عادل فى النظام الدولى، سواء بشقه السياسى فى إطار الأممالمتحدة والمنظمات الدولية، أو فى الإطار الاقتصادى، فبعد أن نجحت الدول الإفريقية فى التحرر أصبح هناك حاجة إلى استقلال دائم، وحركات تحرر جديدة، من خلال تحرر القرار الوطنى، والتحرر الاقتصادى، والاستفادة من طاقات القارة السمراء. وتتطلع القارة إلى نصيب أكبر - وهو حق مشروع- بتمثيل أكثر عدالة فى مجلس الأمن وبالتالى الحوار داخل القارة أنتج بما يسمى بالموقف الإفريقى الموحد يتمثل فيما يسمى بإعلان إزولوينى وأيضا إعلان سرت فى 2005، حول المطالبة بمقعدين دائمين بمجلس الأمن الدولى مع حق الفيتو، بالإضافة إلى زيادة عدد المقاعد غير الدائمة. وحتى وقتنا هذا، لا تزال تلك القضية تراوح مكانها إلى حد كبير، أيضًا يحدث فيها تقدم ضئيل.. ويتواصل العمل حتى الآن فى هذه القضية، وفى الحقيقة أنه لا يوجد أى طرف ينكر على الدول الإفريقية أحقيتها فى عضوية دائمة بمجلس الأمن، لكن الخلاف على الحزمة التى سيتوافق عليها فى النهاية. والانتقال من أربع دول إلى 54 دولة فى الأممالمتحدة بالطبع، دعا القارة إلى أن تتطلع وتطالب بحق مشروع، وهو نصيب أكبر وتمثيل أكثر عدالة فى مجلس الأمن. خاصة أن إفريقيا ليس لها مقاعد دائمة فى المجلس، كما أن الحوار داخل القارة أنتج ما يسمى بالموقف الإفريقى الموحد.. وسوف تتمسك القارة بحق الفيتو فى حالة استمراره، أما فى حالة اختفائه فلا داعى للتمسك به، والهدف من ذلك أن تكون العضوية الدائمة الإفريقية ليست عضوية شكلية أو عضوية من الدرجة الثانية. لأن تأثير العضو الدائم بدون حق الفيتو ليس مثل الأعضاء الدائمين الذين يمتلكون هذا الحق. قبل أن نترك هذه الجزئية هل تعتقد أن البيئة الدولية مهيأة للقبول أصلًا بفكرة تغيير العضوية فى مجلس الأمن؟ بوضوح، ما يحول دون هذا التحرك هو عدم التوافق بين الدول الكبرى على الحزمة التى ستؤدى إلى هذا التوسع. لأنه، على سبيل المثال، الدول التى تتمتع بحق الفيتو لن تتنازل عنه، ولن تسمح بحصول أطراف أخرى عليه. وبالتالى هذه بداية غير مبشرة، وتعد عقبة كبيرة. الأمر الآخر، هناك دول ذات عضوية دائمة تتمتع بحق الفيتو تعارض دخول دول بعينها إلى مجلس الأمن. وبالتالى هذا أمر آخر يمثل عقبة، لأن هناك من يحشد مواقف ضد الإصلاح بشكل عام حتى يتجنب دخول هذه الدول، وفى نفس الوقت عندما يتم التوافق على حزمة متوافقة، لابد أن يتم أيضًا الموافقة عليها والتصديق عليها من برلمانات الدول الأعضاء بما فى ذلك الدول الخمس الدائمة. وهذه أيضًا عقبة ليست هينة. ما رؤيتك لفكرة الإصلاح المؤسسى للاتحاد الإفريقى؟ تطورت على مر السنوات الماضية أجهزة الاتحاد وتشعبت قضاياه وأنشطته، وأصبح حاليًا يعنى بتفاصيل كثيرة لم تكن موجودة من قبل عندما كان الهدف الأساسى هو قضية التحرر من الاستعمار وتحقيق الاستقلال الوطنى. ويعد الانخراط فى مختلف القضايا أمرًا مهمًا، لأنه يجعلك تحقق قدرًا من التقدم وعلى سبيل المثال، توجد الآن اتفاقية التجارة الحرة الإفريقية.. التى تعد خطوة مهمة للأمام، خاصة أن التجارة الإفريقية معدلها حوالى 12% مقابل 60% للاتحاد الأوروبى وهو فارق كبير.. لكن مع الاتفاقية التى أعلنت عام 2019 فى ظل رئاسة مصر للاتحاد الإفريقى، وكذلك تنسيق القارة مع دول الجنوب العالمى، يؤدى إلى تحقيق قدر أكبر من الاستفادة بجانب أن الاتحاد الإفريقى أصبح العضو ال 21 فى مجموعة ال 20 لذلك فهناك خطوات أمكن تحقيقها، كما أصبح هناك إدراك أكبر للتعامل مع الجذور المسببة للنزاعات وليس فقط تسكينها، وكذلك إدراك أكبر لمخاطر قضية الإرهاب والتعامل معها بمنظور شامل وليس بوسائل أمنية فقط، وإنما من خلال التنمية والرؤية الاجتماعية والرؤية الفكرية والرؤية الدينية. فهناك مسارات كثيرة يتحرك فيها العمل الإفريقى المشترك حاليًا. وبعثة الاتحاد فى نيويورك هى حلقة وصل أيضًا بين آليات الاتحاد التى تعمل فى كل هذه الأنشطة والمسارات وبين الشريك الأساسى وهو الأممالمتحدة ووكالاتها ومنظماتها، وتدير البعثة التعامل بين الطرفين وتنسقه بهدف تعزيز هذا التعاون. مبادرات مصرية تعد مصر ضمن الدول التى تطالب بإصلاح النظام المالى العالمى. أين إفريقيا والاتحاد الإفريقى فيما يخص هذا الملف؟ بالطبع هذا الجهد تقوم به مصر من خلال عدة مسارات لأنها دولة إفريقية وعربية وإسلامية ومتوسطية، ودولة عدم انحياز، وعضو فى مجموعة ال77، ولمصر دور وتأثير كبير فى كل هذه المسارات، وهى تحاول أن تحشد من خلال كل هذه المسارات قدرًا أكبر من الإصلاح فى النظام المالى الدولى، والتعاون من خلال مبادرات تتعامل مع قضايا الديون للدول النامية، ومبادرات تمويل التنمية. والآن يعقد مؤتمر تمويل التنمية الرابع، وهو مؤتمر أممى. والقارة الإفريقية بالطبع هى ذات مصلحة أساسية فى قضايا تمويل التنمية، سواء من مصادر داخلية، أو مؤسسات مالية دولية، أو من استثمارات خارجية، وأيضًا الأموال التى تتسرب من القارة الإفريقية بطرق غير مشروعة إلى الخارج هذه الأموال طائلة، تقدر بحوالى 150 مليار دولار تتسرب بشكل غير مشروع من القارة، وبالتالى تتجاوز بكثير ما تحصل عليه القارة من مساعدات أو معونات خارجية.. وهو الأمر الذى يجعل استغلال الثروات والقدرات الوطنية الإفريقية أمرًا مهمًا، وتحديًا كبيرًا؛ لأن الثروات الكبيرة الموجودة فى القارة، والأموال التى تتسرب بشكل غير مشروع خارجها، والخبرات الهائلة الموجودة بين البشر، الشباب والمرأة، كل ذلك يعد قوة كبيرة جدًا. وبالفعل مصر تهتم بكل هذه الروافد، وهناك مبادرات مصرية تدعم الموقف الإفريقى، ومحاولة الحصول على أكبر عائد يحقق مصالح القارة وشعوبها. تزايد الصراعات فى العالم، خلق بعض التساؤلات حول دور الأممالمتحدة، خاصة فى ظل سحب القوى الدولية الكبرى تمويلها للمنظمة.. فكيف ترى كيفية التعامل مع هذا التحدى الكبير؟ هناك تفاعلات كثيرة وحادة تشهدها الساحة الدولية، ونحن فى مرحلة انتقال ومرحلة مفصلية. ودائمًا مراحل الانتقال تكون صعبة وتتسم بعدم الوضوح والمفاجآت، والاضطراب والتطرفات فى المواقف وتحسّب كل طرف للطرف الآخر.. ويحاول كل طرف أن يتموضع فى المكان المناسب له.. ونشهد أن القوى الكبرى عندما تتلاقى مصالحها تتعاون، وعندما تتنافر مصالحها تتصارع، والضحية هى الدول النامية والإفريقية فى قلب هذه الدوامة. ومن المهم إدراك طبيعة هذه المنظمة، فهى قائمة على مبدأ صوت واحد لكل دولة، هذا نظريًا، لكن واقع الأمر أن صوت كل دولة لا يساوى صوت الدول الأخرى، فهناك دول صوتها أكثر قوة وتأثيرًا وإنفاذًا فى مجريات العمل فى الأممالمتحدة.. غير أنها أكثر قدرة على التأثير أيضًا خارج نطاق الأممالمتحدة والقيام بأعمال بموافقة المنظمة أو دون موافقتها، والمنظمة الدولية ليس لديها قدرة تنفيذية إلا فيما يتعلق بالفصل السابع من الأممالمتحدة، الذى فيه إنفاذ بالقوة، سواء بالقصر أو بالقوة التامة.. وحتى يتم هذا يحتاج إلى اتفاق فى مجلس الأمن.. وتستطيع أى دولة لديها الفيتو إيقاف ذلك. وقد استخدمت دول مختلفة فى مجلس الأمن حق الفيتو لإيقاف مشروعات قرارات لا توافق عليها أو تراها فى غير صالحها. وهو الأمر الذى يجعل الرأى العام يتهم الأممالمتحدة بالعجز، وعدم القدرة على حل الصراعات الدولية. قدرات القارة كيف ترى تنافس قوى دولية كثيرة على النفوذ داخل القارة الإفريقية.. وهل ذلك يصب فى مصلحة دولها؟ هناك قدر كبير من التكالب على القارة الإفريقية من جانب أطراف دولية عديدة، وهذا يتمثل فى أشكال من المشاركات بين القارة الإفريقية وأوروبا بين إفريقيا والصين واليابان والولايات المتحدة وغيرها، من المفترض أن تحقق هذه الشراكات مصالح الشريكين، لكن ربما واقع الحال أنها تحقق الشريك أكثر من مصالح القارة الإفريقية، وهناك إدراك فى القارة لذلك، وأهمية إصلاح ذلك بأن تكون الشراكة قائمة على قدر أكبر من الندية والمصالح، كما أن هناك إدراك بضرورة تنمية قدرات القارة لكى تكون شريكًا ندًا قادرًا على التأثير بما يمكنه من الاستفادة من الشراكات الدولية. قبل 12 عامًا من الآن كانت عضوية مصر مجمدة فى الاتحاد الإفريقى والآن يختار الاتحاد دبلوماسيًا مصريًا ممثلاً له فى الأممالمتحدة.. ما دلالة ذلك فى سياق السياسات المصرية على الصعيد الإفريقى؟ دلالة ذلك أن هوية مصر الإفريقية لا يمكن نزعها، فقد كانت شريكًا لدول القارة فى فترة الاستقلال وما تلا ذلك فى مرحلة البناء والتنمية والبحث عن دور فى النظام الدولى، وأن هذا الدور مقدر فى القارة، وليس دورًا تاريخيًا فقط وإنما دور مستمر. وقد كنت فى ذلك الوقت سفيرًا فى أديس أبابا وشهدت على التغير والاضطراب فى الساحة الإفريقية والمصرية وكانت عودة مصر إلى العمل الإفريقى بفاعلية شهادة لسياسات مصر ودورها فى القارة، وآخر هذه الشهادات اختيار دبلوماسى مصرى لرئاسة بعثة الاتحاد الإفريقى فى الأممالمتحدة. وقد حققت مصر خلال رئاستها للاتحاد نجاحًا كبيرًا، كما كان لعودة مشاركة مصر فى المحافل الإفريقية على المستويات السياسية العليا أثر كبير، بما يؤدى لانخراط مهم ومؤثر، ما يحقق التواجد الفعلى فى القارة، ومن المهم التنسيق بين مؤسسات الدولة للعمل الفعال داخل القارة.