أثار حادث أشمون المأساوي بالمنوفية، والذى راح ضحيته 18 فتاة، حالة من الحزن في نفوس المصريين، استتبعها انتفاضة رسمية حقيقية على كافة المستويات، حيث وجه الرئيس عبدالفتاح السيسي، الحكومة بزيادة التعويضات بمبلغ 100 ألف جنيه لكل حالة وفاة، وبمبلغ 25 ألف جنيه لكل حالة إصابة فوق المبالغ التي قررتها كل من وزارتى العمل والتضامن، كما وجه الحكومة بمتابعة صيانة وإصلاح الطرق بكل دقة، خاصة الطريق الدائري الإقليمي، وسرعة الانتهاء منها، بينما قطع الفريق كامل الوزير، نائب رئيس مجلس الوزراء للتنمية الصناعية، وزير الصناعة والنقل، زيارته الرسمية لتركيا، وفور عودته لمصر، قام بجولة تفقدية في مواقع العمل بالطريق الدائري الإقليمي لمتابعة أعمال صيانة الطريق في المرحلة الأولى من أعمال الصيانة، بطول 152 كيلومترًا. ◄ بيانات بالبرلمان ..والهلال الأحمر يستجيب لقرينة الرئيس وكلف الوزير، خلال جولته التفقدية، اللواء ماجد عبدالحميد نائب وزير النقل للنقل البري، بالإشراف على تنفيذ التطوير الشامل للطريق الدائري الإقليمي بكافة مراحله بطول 400 كيلومتر، كما وجه بزيادة عوامل الأمن والسلامة بالطريق، خاصة في أماكن العمل الجاري تنفيذ أعمال الصيانة بها، وأماكن التحويلات والاهتمام بأعمال النيوجرسي لفصل الحركة بالاتجاهين وغلق فتحات النيوجرسي التي تؤدي للخروج أو الدخول للطريق الدائري الإقليمي بشكل عشوائي من المناطق الزراعية أو السكنية، وكذلك تكثيف العلامات الإرشادية والتحذيرية والضوئيّة على مدار الساعة وكذلك التنسيق مع وزارة الداخلية لتنفيذ التوجيهات الصادرة بإجراء تحليل عشوائي لكل سائقي الشاحنات والميكروباصات سواء في هذا الطريق أو كافة طرق الجمهورية. ◄ أدوات رقابية واستخدم عدد من نواب البرلمان أدواتهم الرقابية من خلال تقدمهم بعدد من البيانات العاجلة بشأن هذا الحادث الأليم، مطالبين بفتح تحقيق عاجل وشامل في الحادث، مع إجراء مراجعة دورية لحالة الطرق، ووضع خطط عاجلة لتطوير نظم الأمان على الطريق الإقليمي، بينما طالب المستشار الدكتور حنفي جبالي، رئيس مجلس النواب، لجنة النقل والمواصلات بالمجلس، باستمرار عقد اجتماعاتها على مدار هذا الأسبوع، لإعداد تقرير برلماني يعرض على المجلس فى جلساته البرلمانية المُقبلة بشأن الحادث، ومن جانبه قال المُستشار محمود فوزي، وزير الشئون النيابية والقانونية والتواصل السياسى، إن الحكومة تتقدم بالعزاء والمواساة لأسر الشهيدات، ولكل بيت مصرى في حادث الطريق الإقليمي، لافتًا إلى أنه تم التحرك الفوري من الحكومة، وتم تشكيل لجنة فنية موسعة لمعاينة الطريق، وكذلك إحالة السائق إلى النيابة العامة، والحكومة ستظل على تواصل دائم مع أسر الضحايا لتقديم كافة أوجه الدعم المادي والمعنوي. ومن جانبها، عبّرت السيدة انتصار السيسي، قرينة رئيس الجمهورية، عن بالغ حزنها وأسفها لحادث المنوفية المفجع الذي راح ضحيته عدد من الفتيات، ووجهت عبر صفحتها الرسمية على «فيسبوك»، الهلال الأحمر المصري بسرعة تقديم الدعم النفسي والمادي لأسر الضحايا، إيمانًا منها بأن الدولة كانت وستظل دومًا سندًا قويًا لأبنائها في أوقات الشدائد، وأن قيم التكافل والتضامن هي التي تمنح المجتمع قوته في مواجهة المحن، وتنفيذًا لتوجيهات قرينة الرئيس، والرئيسة الشرفية للهلال الأحمر المصرى، انطلقت فرق الهلال الأحمر لتقديم الدعم النفسي والمادي لأسر ضحايا الحادث، وتواصل الفرق عملها، حيث يتم دراسة الحالة لكل أسرة لتقديم التدخلات والمساعدات اللازمة، بالتنسيق مع وزارة التضامن الاجتماعى. ◄ اقرأ أيضًا | محافظ المنوفية يقدم واجب العزاء لأسرة سائق التوك توك «ضحية الطقس السيئ» بمنزله ◄ حكاية شقا مشاهد تلك المأساة شهدتها قرية صغيرة اسمها «كفر السنابسة» بمحافظة المنوفية، عشرات الفتيات يخرجن بعد شروق الشمس بدقائق بسيطة، يسرعن على عجل للحاق بواحدة من السيارات المتهالكة لتوصيلهن إلى عملهن بإحدى مزارع العنب، يرتدين أوشحة الرأس وأحذيتهن البلاستيكية المتهالكة، لا يلقين بالا بتناول الإفطار، فساندويتش صغير يسد جوعهن، ويعينهن على العمل المستمر لمدة ثمانى ساعات على الأقل، أنهن خادمات الحقول، وحاصدات التعب والشقا، خلف ابتسامة كل واحدة منهن «حكاية شقا» وكفاح رغم أعمارهن الصغيرة. الضحكات خافتة ومتقطعة، الحديث لا يتوقف عن تعب أمس، وأمنيتهن بتقاضى يومية كبيرة، إذ فضلن العمل يوم راحتهن الأسبوعية لجنى جنيهات إضافية، ربما تصل إلى 150 جنيهًا، تساعدهن على الادخار لشراء كل ما يحلمن به، لكن فى ذلك اليوم وقفت الحياة فجأة، غادرن الحياة دفعة واحدة، لم يسعفهن شيء. 18 نعشًا اصطفت بجوار بعضها البعض، بداخلها الشهيدات الصغيرات يساندن بعضهن كما اعتدن، وحدهن الأمهات المكلومات جلسن بجوار النعوش، ينادين صغيراتهن بأسمائهن يطلبن منهن الاستيقاظ من السُبات، يذكرونهن بأحلامهن وخططهن المستقبلية، لكن البنات لا يقمن. في ذلك المساء غادرت الأحلام والضحكات القرية، واتشحت كافة البيوت بالسواد، الحسرة والقهر تطل من أعين الرجال والشباب، لكن سرعان ما تصبح حكايات الفراشات التى ودعت الدنيا مجرد حدوتة صغيرة تتخطفها نشرات الأخبار والسوشيال ميديا، ثم ينتهى كل شىء. وبعد قليل تستيقظ مجموعات أخرى من الشباب والفتيات فى ريف مصر، يذهبون فى الساعات الأولى من الصباح للمزارع والمصانع، تختزن ذاكرتهم صور من لقوا حتفهم بطريقة مأساوية فى حوادث الطرق الإقليمية، قلوبهم ترتجف ويساورها نوع من الضعف، لكن لقمة العيش والفقر لا يرحمان أو يذللان المصاعب. ◄ عجز وفقر على باب أحد البيوت الطينية المتواضعة يقف والد الشهيدة ميادة، لا يستطيع لملمة شتات نفسه، عيناه الزائغتان تحكيان مدى حسرته وعجزه، فالشهيدة كانت خير سند ومعين له، إذ كانت تعمل منذ نعومة أظفارها فى رحلات الحصاد ومحطات فرز المحاصيل، وبعد خطبتها زادت من أيام عملها لتستطيع تجهيز نفسها وتأسيس عش الزوجية، لم تكن تلقى بالًا لحرارة الشمس أو ساعات العمل الطويلة، فحفل زفاف ميادة التى احتفلت بخطبتها قبل ثلاث سنوات كان مقررًا بعد شهر. يقول يحيى عطية والد ميادة: يعانى أغلب أهالى القرية من فقر شديد وتدنٍ فى الأوضاع الاجتماعية وهو ما يدفع فتيات القرية للعمل فى مصانع تصدير المحاصيل الزراعية بمدينة السادات، فضلا عن مزارع الفاكهة المختلفة لإحساسهن بالمسئولية تجاه أسرهن، ففى الإجازات وبعد انتهاء العام الدراسى يبدأن فى الالتحاق بالعمل ومضاعفة عدد ساعاته ليدخرن مبلغًا من المال يساعدهن على نفقات الحياة، مشيرًا إلى أن ابنته كانت تستعد لكتب كتابها المقرر له بعد أسبوع وهو ما جعلها تعمل فى يوم الجمعة لتتحصل على يومية تصل ل150 جنيهًا. ويضيف: رغم معاناتها كل يوم فى العمل لأكثر من ثمانى ساعات، فإنها كانت تشكو من الطريق الإقليمى ومخاطره، حتى أن بعض قريناتها المتوفيات تعرضن لحادثة قبل ذلك دون إصابات، وحاول الكثير من الأهالى عرض شكاواهم ومخاوفهم من هذا الطريق الذى يسير عليه أبناؤنا صباح كل يوم، لكن مسئولى محافظة المنوفية وأعضاء مجلس النواب لم يلقوا بالًا بمعاناتنا. ويرى أن الفقر والحاجة هما الدافع الرئيسى الذى دفع كافة الشهيدات للعمل خلال الإجازة الدراسية رغم حصولهن على أعلى الشهادات والمؤهلات الدراسية، مؤكدًا أن نفقات الزواج العالية كانت واحدة من أسباب سعى ابنته للعمل وتوفير قوت يومها. ◄ خارج النطاق أما السيدة أم أحمد، عمة الشهيدة مروة أشرف، فقالت: لا يخفى على أحد حالة الفقر التى يعيشها أهالى الشهيدات فأغلبهم يسكنون فى بيوت طينية متهالكة، كما يعانون من أمراض عدة، فوالد مروة التى كانت تدرس بالمعهد الفنى الصحى بقويسنا، أجرى عملية الغضروف مما جعله لا يستطيع مواصلة عمله فبات يعمل يومًا ويتوقف عشرة، وعجز عن تدبير نفقات الحياة لأبنائه، ولإحساسها بالمسئولية تجاه أسرتها قررت النزول للعمل بمصنع تفريز العنب بالسادات، مشيرة إلى أن إهمال المسئولين وتغاضيهم عن إصلاح الطرق السريعة والوقوف بالمرصاد لكل متحدى القانون هو ما عجل بوفاة بناتهم. وتشير إلى أن قرية السنابسة تفتقد الكثير من الخدمات الحيوية من شبكة صرف صحى وطرق ممهدة، فضلًا عن عدد كافٍ من المدارس، ما يجبر العديد من الأهالي لإرسال أبنائهم لمدارس منوف وقويسنا، وكذلك عدم وجود مستشفى يخدم المرضى والمصابين، مما جعل الفتيات يعملن بمزارع الجبل والمصانع لساعات عديدة، لافتة إلى أن معاش «تكافل وكرامة» الذى كانت تتقاضاه أسرة مروة تم إيقافه دون سبب رغم مطالبتهم به مرارًا. ◄ حياة كريمة لا تختلف قرى الشرقية عن مثيلاتها فى المنوفية أو باقى المحافظات الزراعية، ففى كل بيت يقبع أحد عمال التراحيل سواء بالمصانع أو بالمزارع المختلفة، فتحتضن مدينة العاشر من رمضان أغلب المصانع وتستقبل آلاف العمال، وعادة ما يكون الطريق الإقليمى الواصل بين القرى والمدينة الصناعية هو وسيلة وصولهم، وبالطبع فإن الفقر والتطلع لحياة كريمة هو القاسم المشترك بين «الشقيانين». يقول أحمد فضل الله (50 عامًا) من قرية البلاشون: يعمل أغلب أهالى القرية فى المصانع العديدة الموجودة بمدينة العاشر من رمضان حتى الطلاب فى إجازتهم الدراسية، فمنهم من يعمل فى تعبئة الاستاكوزا المصدرة للخارج أو حتى الإنتاج المحلى، ويسلكون الطريق الإقليمي أيضًا الواصل من نزلة السعديين حتى مدينة العاشر من رمضان مرورًا ببعض القرى، ونعانى نحن أيضا من حوادث طرق كثيرة يروح ضحاياها عمال «شقيانين»، ورغم تنظيم الأهالي وقفة احتجاجية لغلق هذا الطريق فإن صرخاتنا راحت هباءً. ويرى فضل الله أن عدم توفير فرص عمل للشباب تضمن لهم حياة كريمة هو ما يدفع هؤلاء الشباب للمغامرة بحياتهم والعمل لأكثر من عشر ساعات يوميا، مشيرًا إلى أن بعض مصانع القطاع الخاص لا يعتد بمجهود العمال ويقوم بفصلهم دون وجه حق. أما عبدالرحمن سعد (55 عامً) فيقول: يخرج أغلب الشباب للعمل فى مصانع مدينة العاشر من رمضان فى الإجازة الصيفية لتدبير نفقات الحياة وأغلبهم أتم بالكاد مرحلة الشهادة الإعدادية، فهناك من يرسلون أبناءهم لكسب بعض الجنيهات تعينهم على مصروفات الحياة. ويتابع: أغلب المصانع لا تقوم بالتأمين على حياة العمال مستغلة عدم وجود رقابة من الحكومة، كما أن أغلب مصانع فرز المحاصيل الزراعية تصدر إنتاجها لدول أوروبا بالدولار وتدفع يومية لعمالها لا تزيد على 150 جنيهًا، وبالطبع فإن الطريق الإقليمى الذى نسميه «طريق الموت» يحصد حياة أبنائنا كل يوم.