في لهجةٍ مغايرةٍ لمواقفه السابقة، بات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يدفع قدمًا نحو إبرام اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، مع إطلاق العنان لمصطلح "الصفقة الكبرى"، في إطار مباحثات إنهاء الحرب في غزة، وسط ترقبٍ لما ستسفر عنه المفاوضات، التي لامست جديتها من رأس هرم الإدارة الأمريكية أرض الواقع وحتى لو لم تترجم الأقاويل إلى أفعال إلى حد اللحظة، في الأرض التي لا تزال تبيت ليلها ونهارها على وقع المدافع والصواريخ الإسرائيلية. اختلفت الدوافع والرؤى تجاه الصفقة المنتظرة، والتي باتت وشيكة، وإن صارت الأمور على ما يُرام سترى النور في الأسبوع المقبل، ولكن المؤكد أنها ستُفضي في نهاية الأمر عن وقف لإطلاق النار في غزة يدوم لفترة زمنية في قطاعٍ انهكته الحرب المتواصلة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023. ووفقًا للأوساط السياسية في واشنطن وتل أبيب، فإن ترامب يُمارس ضغوطًا جمة على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على أمل الوصول لاتفاق يُنهي الحرب المستعرة في الأراضي الغزية منذ نحو 21 شهرًا. ورعى ترامب مع توليه الإدارة الأمريكية اتفاقًا لوقف إطلاق النار في غزة بدأ سريانه في 19 يناير/ كانون الثاني الماضي قبل يومٍ واحدٍ فقط من جلوس ترامب على عرش البيت الأبيض، بيد أن هذا الاتفاق لم يمتد إلى مرحلته الثانية وانهار في 18 مارس/ آذار بعد أن استأنف جيش الاحتلال حربه على قطاع غزة. وأعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مساء الثلاثاء، أن إسرائيل وافقت على شروط وقف إطلاق النار في غزة لمدة 60 يومًا، تعمل خلالها الولاياتالمتحدة وأطراف أخرى على إنهاء الحرب، في وقتٍ حث فيه سيد البيت الأبيض حركة حماس على قبول الاتفاق، وفق وكالة "أسوشيتدبرس" الأمريكية. وقال ترامب "آمل، من أجل مصلحة الشرق الأوسط، أن تقبل حماس بهذه الصفقة، لأن الأمور لن تتحسن بل ستزداد سوءًا فقط"، وذلك حسب تعبيره. وقبلها قال ترامب إنه سيكون حازمًا جدًا مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بشأن إنهاء حرب غزة، وذلك في إشارةٍ منه إلى محادثات مرتقبة بين الجانبين خلال زيارة يُنتظر أن يجريها نتنياهو إلى واشنطن في الأسبوع المقبل. ترامب، الذي أنذر بالجحيم في غزة، في فبراير/ شباط، بعد إعلان كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، تأجيل تسليم الأسرى وقتئذ نتيجة خروقات للاتفاق من قبل الاحتلال، بدا اليوم داعمًا لاتفاق يوقف الحرب على غرار ما حدث في حرب ال12 يومًا بين إيران وإسرائيل، وهو يُطالب حماس بقبول الصفقة، ويتحدث عن التعامل بحزم مع نتنياهو، الذي طالما اتُهم من قبل حركة حماس بالمماطلة والتهرب من التزامات إسرائيل تجاه أي اتفاق أُبرم لوقف الحرب في غزة. اقرأ أيضًا: ترامب يعتزم الإعلان عن إبرام اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة ضغط «غير حقيقي».. ومخطط لنتنياهو ومع ذلك يقول، أشرف القصاص، المحلل السياسي الفلسطيني في غزة والمقرب من «حماس»، إن الموقف الأمريكي لا يقوم بضغط حقيقي ولا يدين صراحة استمرار رفض نتنياهو وتعطيله لإبرام صفقة هدنة في غزة. ويضيف القصاص، ل"بوابة أخبار اليوم"، أن نتنياهو يحاول استثمار معركته مع إيرانوغزة للذهاب نحو انتخابات مبكرة في إسرائيل، مؤكدًا أن نتنياهو مستمر في مسلسل القتل والإبادة الجماعية في غزة من أجل حساباته الداخلية ولإبقاء اليمين الصهيوني المتطرف في سدة الحكم. ويقول أشرف القصاص أيضًا إن "إسرائيل بدعم أمريكي تريد هندسة حلّ لاستمرار الاحتلال والتهجير"، مضيفًا أن "تلك التطورات التي تشهد جهودًا مكثفة من الوسطاء، لا تحمل في الأفق سوى اتفاق هدنة جزئي، وليس شاملًا، باعتبار أن الحلول تاتي ضمن ترتيبات تخصّ المنطقة كلها وترتيب الداخل الإسرائيلي"، مشيرًا إلى أن الضغوط الأمريكية ستدفع في اتجاه صفقة جزئية قريبًا بالتعاون مع الوسطاء "ولكنها ستنتقص من الحق الفلسطيني"، حسب قوله. اتصالات مصرية قطرية مكثفة ويؤكد القصاص أن هناك اتصالات مصرية قطرية حثيثة لتحقيق وقف لإطلاق النار في غزة، واتفاق للإفراج عن الأسرى في أقرب وقت ممكن. ويشير القصاص إلى عقد لقاء بالقاهرة بين بشارة بحبح، رجل الأعمال الأمريكي الفلسطيني المقرب من ترامب، وغازي حمد، القيادي في حركة «حماس»، بالتزامن مع استمرار الجهود المصرية القطرية المكثفة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة، موضحًا أن القاهرة والدوحة تعدَّان مقترحات جديدة ستُطرح على الطرفين في الأيام المقبلة. شكل «الصفقة الكبرى» وفي إطار الصفقة المحتملة، صارت الرغبة الموجودة والمعلنة لدى الرئيس الأمريكي في إبرام "صفقة كبرى"، وإن كان الحديث عن صفقة جزئية في غزة هو المطروح أيضًا على طاولة المفاوضات. ويقول القصاص: "ترمب لا يريد وقفًا مؤقتًا لإطلاق النار في غزة في الوقت الحالي، بحسب بل التحرك نحو صفقة كبرى تشمل إنهاء الحرب في غزة وإطلاق سراح الرهائن وإحراز تقدم في العلاقات مع الدول العربية وإسرائيل خاصة سوريا والسعودية". ويضيف القصاص أن "هناك مقترحًا لعقد مؤتمر دولي لإعادة إعمار غزة بشرط خروج حماس من مشهد حكم قطاع غزة". ويتحدث القصاص عن أن خطة ترامب تتلخص في إنهاء الأعمال العدائية في غزة خلال أسبوعين، ونفي قيادة حماس المتبقية إلى دول أخرى، بينما ينال الرهائن الإسرائيليون حريتهم، من خلال صفقة تبادل جزئية على دفعات زمنية تشمل عشرة أسرى أحياء، ونصف جثث الأسرى الأموات من جنود الاحتلال. ملامح الصفقة برؤية «حماس» وفي الجهة الأخرى، يرى أشرف القصاص أن ملامح الصفقة المنتظرة التي تريدها حماس يجب أن تحقق مطالب المقاومة في غزة ، وفي مقدمتها ضمان وقف إطلاق نار، يؤدي إلى وقف الحرب وانسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي من كامل قطاع غزة وعودة النازحين إلى المناطق التي هجروا منها، وعقد مؤتمر دولي لإعادة إعمار غزة مع تبادل أسرى فلسطينيين وفق المعايير السابقة. ويضيف أن "إسرائيل مدعومة من الإدارة الأمريكية وتريد هندسة حلّ يحقق استمرار الاحتلال والسيطرة"، مؤكداً أن "هذا التوجه مرفوض، ولن تُشرعِن حركة حماس احتلال القطاع واستمرار مخططات السيطرة والتحكم والتهجير". ويواصل قائلًا: "إذا أرادت إسرائيل المضي قدمًا في الوصول إلى هدنة فعليها الانسحاب وعودة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل الهدنة التي كانت سارية حتى بداية مارس (آذار) الماضي، بما يضمن فتح المعابر وإدخال المساعدات الإنسانية، حسب البروتوكول الإنساني المتفق عليه، برعاية الوسطاء وشهادة المجتمع الدولي". ويعتقد القصاص أن الطرح الأمريكي المثار يؤكد أن هناك ترتيبات أمريكية جارية للمنطقة، وفي إطارها غزة والشأن الداخلي الإسرائيلي، الذي قد يتجه لانتخابات مبكرة، مشيرًا إلى أن هذه الترتيبات تأخذ وقتًا، "لكن الأقرب حاليًا أن نشهد اتفاقًا جزئيًا قد يتوسع لاحقًا لاتفاق شامل بضغوط أمريكية". ورقة محاكمة نتنياهو.. وصفقة جزئية وفي خضم ذلك، دعا ترامب إلى إلغاء محاكمة نتنياهو، الذي تُلاحقه في إسرائيل تهم تتعلق بالفساد، وكتب على موقع «اكس»، إن "الولاياتالمتحدة هي من أنقذت إسرائيل، والآن ستكون الولاياتالمتحدة هي من ستنقذ بيبي نتنياهو. لا يمكن السماح باستمرار هذه «المهزلة»"، حسب وصفه، في خطوة رأها محللون أنها مساومة من ترامب لنتنياهو فيما يتعلق بصفقة إنهاء حرب غزة. ومن جانبه، يقول أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس والخبير في الشؤون الإسرائيلية، إنه "تابعنا في الفترة الأخيرة إنه لأول مرة يتدخل الرئيس الأمريكي في الشأن الداخلي الإسرائيلي، حيث طلب ترامب من القضاء الإسرائيلي إسقاط ملفات على نتنياهو، وطلب من الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ بتقديم عفو عن نتنياهو، ولكن هذا لم يعجب القضاة في إسرائيل، والذي قالوا: إذا حدث ذلك فعلى نتنياهو أن ينسحب من الحياة السياسية". ويضيف الرقب، ل"بوابة أخبار اليوم"، "زيارة نتنياهو لواشنطن في الأسبوع المقبل ستكون فرصة للضغط عليه من قبل الأمريكيين لإبرام تلك الصفقة". ويتابع قائلًا: "هناك وجهات نظر عربية تتحدث عن صفقة شاملة، وإسرائيل وأمريكا تتحدثان عن صفقة جزئية، وأنا أعتقد أن الأقرب هو صفقة جزئية لمدة 60 أو 70 يومًا بإطلاق سراح 10 أسرى إسرائيليين، ويبقى الاحتلال في أماكن مهمة في غزة، وقد يعود للحرب مرة أخرى".