الوحدة العربية، الأمل الذى سعى إليه وتكررت مساعيه على مدار أكثر من سبعين عامًا مضت أغنيتان كنت أتابعهما وأسمعهما على موجة صوت العرب تذيعهما منذ عدة عقود، ومعروف أنهما نتاج حقبة الستينيات تتحدثان عن الوحدة العربية، الأولى اسمها «أمجاد ياعرب أمجاد» التى غناها الراحل كارم محمود وكانت تذاع فى بدء وختام إرسال صوت العرب، حيث كان الإرسال الإذاعى محدودًا بساعات ويتوقف لساعات قبل أن يعاود البث فجرًا، وقت أن كنا طلابًا نستعد للامتحانات بالسهر حتى صباح اليوم التالى. والأغنية الأخرى هى «وحدة ما يغلبها غلاب» التى غناها محمد قنديل، رحم الله المغنيين، أما مضمون الأغنيتين فقد هب فجأة من رقدة طويلة ليبحث عنه العرب جميعا فى ملاعب الصراع فى المنطقة العربية ما بين فلسطين والخليج العربى، واللاعب العابث فيهما واحد هو العدو الصهيونى وراعيته الكبرى أمريكا. لقد أثارت فى خاطرى هذه الأحداث الملتهبة معنى وضرورة «وحدة ما يغلبها غلّاب».. الوحدة العربية، الأمل الذى سعى إليه وتكررت مساعيه على مدار أكثر من سبعين عامًا مضت، وتعددت محاولاته وباءت كلها بالفشل السريع، وحتى ما بقى من أشكاله فى هيئة الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجى. ثمانون عامًا أو تزيد قليلا شهدت عددًا من المحاولات لعل فى رصدها نوعًا من إحياء معرفة بنوايا كانت تبدو طيبة ولكن الظروف والأساس الضعيف لم يجعلا لهذه النوايا دورا فى البقاء، ولابد من التوقف قليلًا أمام إنشاء جامعة الدول العربية التى شهد انبعاثها العام 1945؛ ففى الوقت الذى يرى فيه مراقبون ومؤرخون أن فكرة جامعة الدول العربية هى فكرة عربية أوجدها حراك قومى ورغبة فى لمّ كيان الدول العربية فى فترة مقاومة الاحتلال، إلا أن هناك من يرى أن هذه الفكرة جاءت بإيحاء من الدول الغربية، لاسيما بريطانيا ووزير خارجيتها أنتونى إيدن. ففى 29 مايو 1941 صدر بيان وزير الخارجية البريطانى الذى أعلن فيه تأييد حكومة بلاده آمال الوحدة العربية واستعدادها لمعاونة العرب لتحقيق ذلك، وجاء فيه: «وحكومة صاحب الجلالة من ناحيتها ستؤيد كل التأييد أية خطة تلقى من العرب موافقة عامة». وبالتزامن مع دعوة وزير الخارجية البريطانى، ألقى رئيس الوزراء المصرى مصطفى النحاس خطابا فى مجلس الشيوخ عام 1942 أعلن فيه سعى مصر إلى عقد مؤتمر للقادة العرب لبحث أمر الوحدة العربية، وتوافق أيضا مع ذلك تصريحات ملك الأردن الملك عبد الله الأول. وفى السابع من أكتوبر 1944 كانت الخطوة الكبيرة بالتوقيع على ما يعرف ب «بروتوكول الإسكندرية» من قبل رؤساء حكومات مصر ولبنان وشرق الأردن وسوريا والعراق. وأقيمت مراسم التوقيع على البروتوكول بمقر إدارة جامعة فاروق الأول حينذاك (الإسكندرية حاليا)، وقد أرجأ وفدا السعودية واليمن التوقيع إلى ما بعد إطلاع حكومتيهما على نص البروتوكول، فوقعت السعودية على هذه الوثيقة فى 3 يناير 1945 واليمن فى 5 فبراير 1945. وجاء التأسيس العملى للجامعة رسميا فى 22 مارس 1945. كان التوقيع على الصيغة النهائية لنص الميثاق من قبل رؤساء حكومات خمس دول عربية هى: لبنان ومصر والعراق وشرق الأردن وسوريا، ثم وقعت السعودية فيما بعد على النسخة الأصلية. وقد جرت مراسم التوقيع على هذه الوثيقة التاريخية فى البهو الرئيسى لقصر الزعفران فى القاهرة. وشهد يوم 22 مارس اختيار المصرى عبد الرحمن عزام أميناً عاماً للجامعة ليكون أول أمين عام فى تاريخ الجامعة العربية وتولى المنصب إلى سنة 1952. وهكذا كان مولد الجامعة التى أنشئت ككيان جامع للدول العربية، لم يستطع حتى الآن أن يحقق مضمون الهدف الرئيسى منه بفعل عوامل عالمية وإقليمية وتضارب رؤى، وكلها تحاول الوقوف دون تحقيق هدف «وحدة ما يغلبها غلاب»!.