أين ذهب اليورانيوم المخصب؟ أعتقد أن كل قادة العالم وكبار المسئولين الذين يلتقون مع الرئيس الأمريكى ترامب يحسبون ألف حساب لأى حديث معه لأنه سرعان ما سيعلن كل ما تم خلال هذه اللقاءات أمام رجال الإعلام وينطبق عليه المثل الذى يقول إن فمه لا تبل فيه فولة. وإذا كانت الصفقة التى تم بموجبها وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران تحوطها السرية فلا شك أن هذه السرية والكتمان لن تستغرق طويلًا. فى حديثه الأول عن الصفقة وجه ترامب الشكر لإيران لأنها أبلغت الإدارة الأمريكية عن الضربة الجوية التى وجهتها لقاعدة العيديد الأمريكية فى قطر وذلك قبل القيام بها بوقت كافٍ. هذا الشكر الترامبى قد يكون مفتاحًا لفك الألغاز الخاصة بصفقة وقف النار والتى جاءت متزامنة مع اشتداد المعارك بين إيران وإسرائيل والضربة الجوية التى قامت بها واشنطن ضد 3 قواعد ومراكز أبحاث نووية فى طهران. أحد الأسرار الغامضة حول الاتفاق أنه جاء من واشنطن وهى ليست طرفًا محايدًا ولكنْ طرف مشارك فى الحرب وحتى الآن لم يحسم الأمر الخاص بكميات اليورانيوم المخصب وهل قامت إيران بنقلها من المحطة النووية -قبل الضربة الأمريكية وكذلك مدى الأضرار التى لحقت بالمراكز النووية فعلى حين تعلن أمريكا انها دمرتها بالكامل تؤكد إيران أنها فى مكان آمن وأن المراكز النووية أصيبت بأضرار وسيمكن إصلاحها وعودتها للعمل وهو أمر أشك فيه كثيرًا. إن القراءة المتأنية لتطور الأحداث فى حرب الإثنى عشر يومًا تؤكد أن الصفقة تمت بطلب من الجانبين الإسرائيلى والإيرانى مع الأخذ فى الاعتبار مدى التفوق الإسرائيلى فى الأسلحة والعتاد غير أنه يسعى لعدم استمرار الحرب لمدة طويلة تعرضه للاستنزاف كما أن جزءًا من ترسانته العسكرية يعمل بقطاع غزة. لكن ما أعلنه ترامب من أن إيران أبلغتهم بضرب قاعدة العيديد يعنى أن الطرف الإيرانى يحاول استمالة الجانب الأمريكى ليكون وسيطًا فى تحقيق وقف إطلاق النار.. غير أن الاستمالة وحدها لا تكفى ويبدو واضحًا أن إيران قد بدأت التخلى عن الحلم النووى وبشروط إذعان أمريكية قد تسمح بحدود ضيقة من الاستخدام السلمى للطاقة النووية مستقبلًا. جاء الاتفاق الذى لا يزال هشًا فى الوقت الذى قام فيه وزير خارجية إيران بزيارة لروسيا التقى فيها بالرئيس بوتين. غير أن ما يقال عن دعم روسى لإيران لا يعدو إلا أن يكون من باب التعاطف وخاصة مع انشغال الدب الروسى فى حربه ضد أوكرانيا ورغبته فى عدم المساس بعلاقاته مع الولاياتالمتحدة. اتفاق كان وليد صفقة تحقق كل مطالب أمريكا وإسرائيل ولا يريق ماء وجه إيران أمام شعبها!! لقد خاضت إيران حربًا دامية كشفت النقاب عن حالة الوهن والضعف الذى تعيشه والتى تشهد صراعات داخلية وخارجية تخوضها جماعات المعارضة التى ترفع شعار الوطن قبل العقيدة ولا تتخفى وراء أحلام الإمبراطورية الفارسية والتى أعادت إيران للوراء عشرات السنين. كشفت الحرب أن أذرع إيران فى حماس وحزب الله وجماعة الحوثيين وبعض الجماعات المسلحة فى العراق وسوريا لم تشارك بأى صورة من الصور فى الدفاع عنها وأعتقد أن الأيام القادمة سوف تشهد انفصالًا تامًا بين إيران وهذه الجماعات ووقف أى تمويل لها. ورغم وقف إطلاق النار الهش نتمنى أن تبدأ إيران فى إعادة حساباتها والتوقف عن دعم أى جماعات مسلحة وإزالة المخاوف والهاجس الذى جعلته سدًا منيعًا أمام علاقاتها مع دول الخليج العربى. وكم نتمنى أن يكون وقف إطلاق النار فرصة لإصلاح الوضع الداخلى والتعامل مع المعارضة الإيرانية بأسلوب ديمقراطى مع الأخذ فى الاعتبار أن حصاد الحرب مع إيران لن يرضى طوائف كثيرة بالمجتمع الإيرانى وربما يكون بداية لمتغيرات داخلية كثيرة.