منى عبدالكريم لم تقف المعارض التى قدمها أسبوع القاهرة للصورة عند إعادة الكشف عن الأرشيفات المنسية أو القديمة وتقديمها لجمهور واسع فحسب لكنها كذلك تناولت أفكارا ملهمة كشفت عن علاقات ممتدة بين الصوت والصورة، وكذلك علاقة الصورة بالموسيقى وبالطعام وبالطقوس اليومية، وكشفت المزيد عن ثقافات العالم فيما يشكل ترجمة فعلية لما يعنيه اكتشاف المشهد، وهو الشعار الذى خرج به أسبوع القاهرة للصورة فى دورته الرابعة التى اختتمت مؤخراً، وقدم للجمهور تجارب بصرية ثرية عبر خمسة وعشرين معرضاً أقيمت فى ذات التوقيت فى 14 موقعاً مختلفا غالبيتها فى منطقة وسط البلد، كان كل منها يحمل مذاقاً مختلفاً يعيد تفسير ما الذى يعنيه إعادة «اكتشاف المشهد». أذكر من بين تلك المعارض «صندوق المزيكا» الذى نظمته منصة «ديجيتنت وورلد» وهو معرض أرشيفى يوثّق تاريخ الموسيقى فى الشرق الأوسط بصريًا وصوتيًا من عشرينيات القرن الماضى حتى اليوم. منى عبدالكريم إذ تقول نيرفانا بيبرس، منسقة المعرض، إن الفكرة جاءت من إيمانها بغنى التراث الموسيقى العربى وتأثيره على الموسيقى الغربية، مما دفعهم إلى محاولة ترجمة هذا التأثير بصريًا عبر توثيق الحقب الزمنية المختلفة فى تاريخ مصر الموسيقي، وأشارت إلى أن المعرض يضم كذلك صورًا نادرة من أرشيف الجامعة الأمريكية، بمشاركة أعمال المصور المصري-الأرمينى الشهير «فان ليو»، أحد أوائل من التقطوا صورًا لفنانين مثل: فريد الأطرش وشيريهان، ويُعد من أبرز المصورين فى الخارج. وفى كلمتها المصاحبة للمعرض اختارت نيرفانا أن تقترب من الجمهور بكلمات بسيطة.. لتقول «المزيكا مش بس للترفيه هى بتوثق، بتشكل فترات وسينما وثقافة بس قبل كل حاجة هى بتشكل الذاكرة.. اللى هتشفوه هنا مش نوستالجيا للماضي، ده سجل حى لروحنا.. كل الأرشيف المعروض جاى من الشرق الأوسط.. كل غرفة فيها صوت وصورة وإحساس منا ولينا لأن الحقيقة تراثنا الموسيقى مش بس غنا – ده أساسى فيه فنانين ومنتجين وملحنين عالمين استلهموا من منطقتنا ..نغماتنا.. مقاماتنا وآلات موسيقية جذورها من هنا». ومن الموسيقى إلى الدراما حيث معرض «موسم من مسلسلاتنا» للفنانين عائشة الشبراوى وأحمد هيمن والتى قامت بالتنسيق له هبة المعاذ، حيث قدم المعرض مجموعة من البوسترات لأهم الأعمال الدرامية التى عرضت فى السنوات الأخيرة وبورتريهات للنجوم المشاركين فيها. والحقيقة أن سمة أساسية ميزت هذا المعرض هى حرص الشبراوى وهيمن على التقاط إحساس الشخصية وروحها من خلال الصورة، بحيث تعكس الصورة طبيعة العمل الفنى نفسه، حيث ذكر هيمن أنه يخوض عدة جلسات عمل مع فريق العمل والمخرج، ويقرأ السيناريو جيدًا قبل تنفيذ البوستر للوصول إلى الشكل النهائى الذى يخدم الرؤية الفنية. ومن المعارض الأخرى التى كشفت عن سياقات بديلة يأتى «ما وراء الطبق ماذا يأكل العالم» الذى نظمته When we Eat، إذ قدم المعرض صورا لشخصيات من مناطق متنوعة من العالم يعملون بمهن مختلفة، ليروى حكايات لها صلة بنوعيات الأطعمة التى يتناولها كل منهم وكميات الطعام والسعرات التى يستهلكونها فى روتينهم اليومي، وهى مجموعة الصور التى تم نشرها من قبل بكتاب «ماذا آكل.. حول العالم فى 80 نظام غذائى» للزوجين المصور بيتر ميتزل والمحررة فيث دالوزيو وهما زوجان قضيا ثلاث سنوات فى السفر إلى أكثر من 30 دولة، حيث قابلا 80 شخصاً من خلفيات وثقافات مختلفة، وسجلا ما يأكله كل شخص فى يوم واحد ليكمل كل منهم عبارة «عندما نأكل.. فإننا..». فمن صموئيل تاكر صياد الكركند من الولاياتالمتحدة، إلى روبينا فايسر من ألمانيا وهى خبازة وصانعة حلويات محترفة، حيث تم التقاط الصورة لها وهى ترتدى وشاح وتاج «ملكة الخبز» الذى ترتديه فى المهرجانات عندما تمثل نقابة الخبازين فى منطقة كولونيا الكبرى، وكذلك فيهونجييرا موسوتوا من ناميبيا وهى امرأة من قبيلة الهيمبا وهى تبلغ من العمر 23 عاما وهى أم لثلاثة أطفال.. وهكذا تكشف كل صورة عن تفاصيل إضافية تتعلق بحياة كل منهم. وقد جاءت كلمة المعرض لتكشف عن السبب وراء اختيار موضوع الطعام كتيمة رئيسية للصور، حيث تذكر أن الطعام أكثر من مجرد وسيلة للتغذية بل هو العادة التى تجمعنا، فعندما نأكل نتعلم كيف يتحول ما نفعله بشكل يومى إلى تقاليد، كيف تحمل الأشياء البسيطة معانى كبيرة.. وكيف ترسخ مشاركة الوجبات صلتنا بإيقاع حياتنا.. وقد حرص القائمون على المعرض كذلك تفعيل روح التفاعل مع الجمهور من خلال جدار تفاعلى يحمل أطباقا فارعة معلقة على الحائط ومتروكة للجمهور ليملأها كل منهم بكلماته عما يعنيه الطعام بالنسبة له. إن أسبوع القاهرة للصورة الذى نظمته مؤسسة «فوتوبيا» بكل ما قدمه هذا العام شكل حدثًا استثنائيًا حيث استضاف 25 معرضًا فوتوغرافيًا بمشاركة 120 فنانًا من المصورين المصريين والعرب وكذلك من الفنانين الدوليين المحترفين، إلى جانب 133 متحدثًا قدموا رؤى ملهمة عبر أكثر من 100 جلسة نقاشية وحوارية. كما نظم الأسبوع 16 ورشة عمل متخصصة، بالإضافة إلى 6 جولات فنية، مما أتاح للمشاركين فرصة استكشاف جمال الفوتوغرافيا فى قلب القاهرة، وقد استقبل الحدث أكثر من 25000 زائر، وقد أقيمت فاعليات أسبوع القاهرة للصورة بالتعاون مع أكثر من 30 جهة شريكة من بينها: عدد من المؤسسات الدولية مثل: مؤسسة الصورة الصحفية العالمية وناشيونال جيوغرافى و Getty Images، بالإضافة إلى مجموعة من السفارات، وخرج برعاية وزارة السياحة والآثار وهيئة تنشيط السياحة، ووزارة الآثار. الحقيقة أن تنظيم أسبوع القاهرة للصورة بكل هذه الفاعليات خرج بصورة مبهرة وبشكل يستحق الإشادة ويدفعنا جميعا للتأمل وإعادة اكتشاف المشهد من جديد.