الميراث، في جوهره ليس مالًا فقط، بل هو امتداد لحب العائلة، لوصية الآباء، لذكريات البيوت، لكن للاسف في زحام المنشورات اليومية على مواقع التواصل الاجتماعي، تختبئ هناك مآسي حقيقية لا تحمل وسمًا رائجًا ولا تثير جدلًا لحظيًّا، لكنها تصرخ من عمق الوجع الإنساني هناك، حيث لا محاكم ولا محاضر، تنفجر حكايات الميراث، تكتبه النساء غالبًا بمرارة، وينقله الرجال أحيانًا بخجل أو وجع، «أخويا حرمني من ورث أبويا، عمامي كتبوا كل حاجة باسمهم، ماما ماتت وأنا ماخدتش حقي لحد النهاردة»، صرخات إلكترونية لكنها من دم ولحم، في حقيقة الأمر أصبحت السوشيال ساحة صراع جديدة وأصبحت ملجأ لهؤلاء المتحدثين عن الميراث وضياع الحقوق بين العائلات، فللاسف نحن أمام خلل كبير، خلل في القيم، وفي الرحمة، فالصرخات على فيسبوك ليست مجرد كلمات، بل وثائق وجع، ورسائل استغاثة، لتصبح المنصات الإلكترونية المنبر الوحيد أمام من لا صوت لهم، تفاصيل أكثر إثارة سوف نسردها لكم فى السطور التالية. في السنوات الأخيرة، وبالاخص الايام الاخيرة، تحولت السوشيال ميديا إلى ما يشبه بمحكمة رأي عام شعبية، يلجأ إليها المظلومون بعد أن تتقطع بهم السبل، وتغلق أمامهم الأبواب الرسمية بسبب ضيق ذات اليد في إقامة القضايا أو الجلسات العائلية العرفية، فهناك الكثير من طبقات اجتماعية مختلفة، بدءًا من بنات سردن معاناتهن مع الحرمان من الميراث، يتهمن اشقاءهن الذكور أو أعمامهن أو حتى أمهاتهن بالاستيلاء على حقوقهن الشرعية، في حقيقة الامر لا يقتصر الأمر على الفتيات فقط، بل أيضًا بعض الأبناء الذكور الذين حرموا من ميراث أمهاتهم بعد وفاتهن بسبب طمع أشقائهن أو وصايا الأقارب على الأموال، والكثير والكثير مثلا حرمان الاحفاد من ميراث اجددهم، وحرمان الامهات من ميراث ابنائهم وغيرها الكثير والكثير. قصص لايف في واقعة غريبة وبعدما تداول فيديو على صفحات السوشيال ميديا؛ لشاب حاول هدم منزل شقيقه بلودر خلال وقت الإفطار بسبب خلافات حول الميراث، وفق ما أظهر مقطع فيديو تداوله رواد الوشيال ميديا، وتلقى رجال الامن بلاغا بمحاولة شخص بقرية الأورمان التابعة لمدينة طلخا بمحافظة الدقهلية بهدم منزل شقيقه أثناء تواجده بداخله رفقة أسرته باستخدام رافعة، وذلك أثناء وقت الإفطار، بسبب خلافات حول الميراث، مما تسبب في انهيار أجزاء من المنزل، بسرعة تم التوجه وبالتحريات الأولية تبين؛ استخدام المتهم لودر وهدم أجزاء كبيرة من المنزل والهجوم على أسرة شقيقه محاولا هدم المنزل على من بداخله لوجود خلافات فيما بينهما على الميراث، وبالقبض عليه، اعترف المتهم بارتكاب الواقعة للانتقام من شقيقه وأسرته، فيما أخطرت النيابة التي تولت التحقيقات. في واقعة أخرى، تمكنت أجهزة وزارة الداخلية، من كشف ملابسات تداول مقطع فيديو عبر أحد الحسابات على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" يتضمن تضرر صاحب الحساب من قيام أحد الأشخاص بتهديده بتجميع زجاجات مولوتوف بقصد إحراق سيارته، بسبب وجود خلافات مالية بينهما، وباستدعاء صاحب الحساب المشار إليه تبين أنه عاطل يقيم بدائرة قسم شرطة المعصرة بالقاهرة وأقر بوجود خلافات بين والده وعمه حول الميراث، وأن الأخير أرسل مقطع فيديو لوالده على هاتفه المحمول لتهديده فنشره خشية تعرض والده للابتزاز، وباستدعاء طرفي النزاع تبين أنهما مالكي شركة استيراد وتصدير، وقرر الأول بوجود خلافات بينه وشقيقه الثاني حول الميراث واتهمه بالتعدي عليه بالسب وتهديده بتجميع زجاجات مولوتوف بقصد إحراق سيارته، وبمواجهة الثاني قرر قيامه بذلك لقيام الأول بالنصب عليه والاستيلاء منه على ميراث والدهما، اتخذت الإجراءات القانونية، وتولت النيابة العامة التحقيقات. لم تختلف تلك الواقعة عن ما قبلها، فكانت قد توصلت الأجهزة الأمنية إلى ملابسات واقعة تعدي صاحب مكتب مقاولات وأنجاله على ابن شقيقه في محافظة الغربية، بالسلاح والتهديد بقتله، بعدما اتضح وجود خلافات على الميراث، وكانت المتابعة الأمنية قد رصدت تداول مقطع فيديو عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تضرر خلاله شخص من صاحب مكتب مقاولات وأبنائه، بدعوى التعدي عليه وشقيقه بالأسلحة النارية، مُحدثين بهما إصابات بالغة وتهديدهما بالقتل، بهدف الاستيلاء على أرض مملوكة لهما، مطالبًا بسرعة اتخاذ الإجراءات القانونية حيال المشكو في حقهم، وبالفحص تبين أن الشاكي يعمل بإحدى شركات المقاولات يقيم بالغربية والمشكو في حقهم صاحب مكتب مقاولات "عم الشاكي" وأنجاله، كما اتضح ورود بلاغ لمركز شرطة طنطا من الشاكي، قال إنه أثناء توجهه للأرض الزراعية خاصته، فوجئ بتعدي عمه "المشكو في حقه" وأنجاله عليه بالضرب بأسلحة بيضاء، وإحداث إصابته، كما أكد أن ذلك على إثر خلافات عائلية بينهم حول الميراث، وتحرر عن ذلك محضر بالواقعة. الأزمة فى التطبيق بالتواصل مع إسلام محمد السيد المحامي، بدأ حديثه قائلاً: القانون المصري مستمد من الشريعة الإسلامية، التي تضمن للمرأة نصف ميراث الرجل في حالات محددة، ولكن تضمن لها الحق الكامل في حالات أخرى، ومع ذلك يطبق القانون على الورق فقط في كثير من الحالات، بينما الواقع تهيمن عليه العادات، فما يحدث في الميراث مش بس ظلم، ده استقواء واضح القانون موجود، لكن الستات كتير بيتعرضوا لضغوط نفسية واجتماعية رهيبة، بيخافوا يطالبوا بحقهم عشان مايتقالش عليهم بيهدوا البيت، كما أن المشكلة الأكبر إن في حالات كتير التلاعب بيحصل قبل الوفاة، زي التوكيلات الصورية، أو التسجيلات العقارية المزورة. ليستكمل إسلام قائلاً: الإسلام حسم قضية المواريث منذ 1400 عام بنصوص واضحة ومع ذلك، لا تزال ترتكب آلاف التجاوزات باسمه، الدين واضح جدًا، ومينفعش التلاعب فيه، حرمان المرأة من الميراث مش بس حرام، ده كبيرة من الكبائر، اللي بيعمل كده بيأكل مال حرام وعليه وزر عظيم، كما ان الأزمة ليست في النصوص، الأزمة في التطبيق، وفي ثقافة مجتمعية ذكورية ترى أن البنت لا تستحق، ورغم وجود قوانين تنص على حقوق المرأة في الميراث، إلا أن الواقع يكشف عن فجوة هائلة بين النصوص القانونية والتطبيق الفعلي، فهذه الفجوة تظهر بصفة خاصة في الريف والصعيد، بسبب العرف السائد في هذه المناطق التي تفضل الذكور على الإناث في الميراث، مما يحرم ملايين من النساء من حقهن الشرعي والقانوني، كما أنه وفقًا للنظر في قانون المواريث الصادر سنة 1943، تم تعديل القانون في العام الحالي وتشديد العقوبات على من يخالف القانون، حفاظًا على حق المرأة وتحقيق المساواة بينها والرجل، حيث نصت المادة 49 المعدلة على: أن يعاقب الممتنع عمدا تسليم أحد الورثة نصيبه الشرعي بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن عشرين ألف جنيه ولا تجاوز مائة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، مشددة على إمكانية مضاعفة العقوبة في حالة العودة إلى الحبس الذي لا تقل مدته عن سنة، ليختتم إسلام، قائلاً: على أنه رغم أهمية التعديلات القانونية الأخيرة، إلا أنها تظل غير كافية، فلابد من تغليظ العقوبات على جرائم الحرمان من الميراث، تبسيط الإجراءات القضائية لتسريع الفصل في قضايا الميراث،تعزيز آليات التوعية المجتمعية بحقوق المرأة، كما لابد منإشراك رجال الدين في حملات التوعية، ومثلها المجتمعية من خلال الإعلام والمدارس. اقرأ أيضا: أمين الفتوى: لا يجوز حرمان الابن العاق من الميراث