هو من الاستثنائيين الذين يعدون على أصابع اليدين، ويسكنون الذاكرة، ويتربعون فى الضمير، وتدوى كلماتهم بين جنبات النفس، ويتردد صداها، فى المواقف الفارقة، والخطوب الهائلة، ولأنه مفكر حاد البصر، نافذ البصيرة، برع فى استشراف ملامح المقبل من الأيام، بصورة تثير الدهشة، واكتشاف العلائق الخفية، والخطوط المختبئة بين الأشياء المخادعة، فقد تنبأ عملاق الفكر والأدب العربى عباس محمود العقاد بانهيار وسقوط الاتحاد السوفيتى فى ذروة الحرب الباردة عبر سلسلة من المقالات العجيبة، التى شرح أحدها تفاصيل السقوط بدقة، و«سيناريو» الانهيار، وكأنه يروى أحداث فيلم شاهده من قبل، ولأننى دائم العودة إلى مؤلفاته الكاملة، اكتشف باستمرار جانبا من سبق الفكر النفاذ، وشفافية البصيرة المتفردة، وتفوق الذهن المذهل، وخاصة مع تدفق الأحداث الداهمة التى تضرب الساحات تباعا، ولأن المفكر والأديب هو ضمير أمته اليقظة فطن العقاد إلى خطورة الجماعات الدينية المتطرفة، وجسامة الغلو والتكفير، وطرح الخوارج الجدد المسموم، فتصدى لهم بقوة وشجاعة نادرة، وكشف للأجيال مخططاتهم الدنيئة، وأساليبهم المنحطة وخاصة جماعة الإخوان المتأسلمين الإرهابية، ونبه إلى خطورتهم على الأوطان، ومستقبل الأجيال، وقد كشف مفكرنا المقدام الخيوط الخفية بين الصهيونية العالمية، والجماعات الدينية المتطرفة، وفى المقدمة جماعة الإخوان، وقد تتبع فى مقال شهير له جذور مؤسسى الإخوان، ونزعاتهم الاجرامية لهدم البلدان والأوطان، وفى مثل هذه الأيام الزكية العطرة أترحم على «العقاد» الذى تحل ذكرى ميلاده فى نهاية هذا الشهر، وأرجو أن تلفت مؤسساتنا الثقافية القومية إلى المناسبة فتحييها، وتجذب الأجيال إلى فلك الأفكار المنتمية البناءة.. وإلى روح «العقاد» الخالدة التى تلهمنا الفطنة والشجاعة فى مواجهة التآمر والدمار.