يبدو أن بعض العقول فى إسرائيل لا تزال عالقة فى لحظة الهزيمة فى رعب 1973، فى مشهد الجندى المصرى وهو يعبر القناة، وفى صمت الدبابة الإسرائيلية المحترقة على رمال سيناء فكلما تحركت مصر خطوة لتقوية وتحديث جيشها، اهتزت عروش التحليل العسكرى والسياسى داخل الدولة العبرية، وسادت هستيريا «الخطر المصرى القادم»، وهو خطر لا يسكن إلا فى عقول نمت على العنف وتغذت بالعدوان. اقرأ أيضًا| إسلام عفيفى يكتب: فاسدون حيثما حلّوا قرأت ما كتبه اللواء الإسرائيلى (احتياط) إسحاق بريك، وشعرت أننا أمام اعتراف غير مباشر بقوة الجيش المصري، لكن مشوبًا بكثير من القلق، والخوف، والتضليل، وهنا نطرح التساؤل: ما الذى يُزعجهم تحديدًا؟ هل لأن مصر تشترى سلاحًا؟ أم لأنها تُجرى تدريبات؟ أم فقط لأن جيشها لا يتراجع بل يتقدم؟ ولماذا لا يرى اللواء أن كل ما تفعله مصر هو أمر طبيعى لدولة تحترم نفسها، وتحمى حدودها ومقدراتها، وتعيش فى إقليم مضطرب لا مكان فيه للضعفاء؟ فى مقاله، يكرر اللواء حديثًا مهترئًا عن «انتهاك مصر لاتفاقية السلام»، متجاهلًا أن الاتفاقية نفسها تم تعديل بنودها عدة مرات بموافقة الطرفين، وأن مصر لا تتخذ قرارات أحادية الجانب احتراما لمعاهدات واتفاقياتها الدولية خاصة حتى وهى تحارب الإرهاب الذى لا يهددها وحدها بل يهدد الجميع فى هذا الإقليم الأخطر من ذلك، هو استخدامه لنظرية «النية مقابل الإمكانية». وكأن الجيش المصرى يستعد للهجوم الآن أو غدا لكن، يا هذا النوايا تُقرأ من السياسات لا من الصور الجوية ومصر لم تُطلق رصاصة عدوان منذ الأزل، بل كانت دائمًا عنصر استقرار، وعامل توازن فى المنطقة، بينما أنتم تخوضون الحروب، تُهاجمون، تقصفون، وتغتالون، وترتكبون جرائم حرب وإبادة إنسانية، تستهدفون الأطفال والمسعفين والصحفيين والدبلوماسيين بوقاحه تحسدون عليها. اقرأ أيضًا| إسلام عفيفى يكتب: تحولات كبرى وهشاشة تحالفات ومع ذلك، فإن الخوف من الجيش المصرى لا ينبع من تهديد فعلي، بل من أوهام وسيناريوهات مكذوبة لا دليل عليها، ففكرة وجود جيش عربى قوي، احترافى، منظم، غير تابع، يملك قراره، هو فى ذاته كابوسٌ للبعض فى إسرائيل، لأن هذا الجيش - الذى هو قوة رشيدة- يُذكرهم أن التفوق ليس أبديًا، وأن التاريخ لا يُكتب بالبوارج فقط، بل بالوعى والكرامة والسيادة. دعونا ننتبه لفقرة خطيرة فى مقاله، حيث يتحدث عن تدمير سد أسوان ك«ردع استراتيجى» ضد أى مغامرة مصرية هذا التصريح لا يُعبّر عن استراتيجية، بل عن وهم نووى وعنصرى يرى فى إبادة ملايين البشر أداة ردع مشروعة! من المؤسف أن يصدر هذا عن جنرال سابق، يُفترض أنه يدرك أن الحروب لا تُبنى على الكراهية، وأن الشعوب لا تُهدد بمياهها ونيلها وحياتها. الأكاذيب كثيرة والافتراءات أكثر لم يكن إيلى ديكال وحده من قاد أوركسترا التخويف من الجيش المصرى داخل إسرائيل، بل انضم إليه محللون وخبراء آخرون، كل منهم يسعى بطريقته لشيطنة أى نهضة عسكرية مصرية باعتبارها تهديدًا وجوديًا لتل أبيب فقد دعا المحلل العسكرى يائير أنسباخر عبر القناة السابعة الإسرائيلية إلى شن هجوم وقائى واسع النطاق على مصر، مدعيًا أن اتفاقية السلام باردة، وأن «معاداة السامية» منتشرة فى الشوارع والإعلام المصرى بشكل غير مسبوق، ومضيفًا أن التحصينات التى أنشأها الجيش المصرى على الحدود لا تُفهم إلا على أنها استعداد فعلى لمواجهة إسرائيل. اقرأ أيضًا| إسلام عفيفي: نطرق أبواب التحديات حتى تُفتح أمام مستقبل عقاري واعد أما الباحث الأمنى الإسرائيلى إيتان، فقد نشر دراسة تفصيلية على موقع NTDTV، اعتبر فيها أن مصر تنتهك اتفاقية السلام بإدخال قوات عسكرية إلى مناطق محظورة فى سيناء، مشيرًا إلى أن الجيش المصرى يبنى ترسانته بهدف واضح هو الاستعداد لحرب قادمة مع إسرائيل كما لم يُخفِ قلقه من النفقات العسكرية الضخمة التى تضخها القاهرة فى تعزيز جيشها. وتُضاف إلى هذه الأصوات منصات إعلامية إسرائيلية متطرفة مثل «Hakol Hayehudi»، التى احتفت برؤية ديكال وساهمت فى تضخيمها، عبر تقارير تلمّح إلى دعم مصرى لحماس، واتهامات بتهريب أسلحة، وتحريض ممنهج ضد ما سمّوه «الانبعاث العسكرى المصري» هكذا تتضح الصورة: مجموعة من الأصوات التى لا ترى فى تطوير جيش مصر مسألة سيادة وطنية، بل مشروع تهديد يتطلب المواجهة، حتى وإن كانت تلك المواجهة مبنية بالكامل على نظريات المؤامرة، لا على الواقع. قيادة تدرك وجيش لا يُستدرج حين قال الرئيس عبد الفتاح السيسى إن «قدرات الجيش المصرى كافية للدفاع عن مصر»، لم يكن يُلقى تصريحًا عابرًا أو مجرد رسالة طمأنة داخلية، بل كان يضع حدًا واضحًا لكل محاولات التشكيك والتأويل التى اعتادت بعض الأطراف ترويجها بشأن الدور المصرى فى الإقليم فمصر، التى تعى تمامًا موقعها ومكانتها، لا تحتاج إلى صراخ ولا إلى استعراض، لأن جيشها يقف على أرض صلبة، بعقيدة لا تعرف العبث ولا تسمح لأحد بأن يقترب من حدودها أو يستدرجها إلى حسابات لا تخصها. هذا الفهم يتضح أكثر حين يؤكد الرئيس فى مناسبات متكررة أن «أمن مصر وسلامتها أمانة فى رقبتنا جميعًا». ليست هذه مجرد عبارة إنشائية، بل موقف ثابت يرسخ لقاعدة استراتيجية: مصر تحترم الجميع، لكنها لا تقبل المساس بأمنها ولا تقف مكتوفة الأيدى إذا حاول أحدهم اختراق سيادتها أو التشكيك فى مواقفها إنها دولة تدير ملفاتها بعقلانية واتزان، لكنها فى الوقت ذاته تُدرك أنها تملك قوة رادعة قادرة على الحسم إذا لزم الأمر. من هنا، فإن محاولات بعض الأصوات الإسرائيلية الزج باسم الجيش المصرى فى روايات ملفقة، خصوصًا ما يتعلق بملف غزة أو الأنفاق أو «عرقلة العمليات»، لا تُعبر إلا عن حالة ارتباك سياسى تبحث عن شماعة خارجية. ومصر – كعادتها – لا ترد بالضجيج، بل تُجيب بالفعل والعقل والوضوح فالجيش المصرى ليس أداة للاستعراض، بل مؤسسة وُجدت لتحمي، لا لتخضع، لتبنى لا لتعتدى والحديث عنه يجب أن يكون بحجم تاريخه، لا بحجم الأزمة الآنية فى عقول مَن لا يفهمون أن لمصر جيشًا لا يُستدرج. الجيش المصرى ليس «كابوسًا» لأحد، بل هو درع للسلام، وحامى الجبهة الداخلية، وعنوان للدولة القوية التى تُراهن على نفسها من الطبيعى أن تُطور مصر جيشها، أن تُحدث ترسانتها، أن تفتح قنوات تعاون مع قوى دولية وإقليمية، فهذا ما تفعله أى دولة مسؤولة أما من يرى فى كل ذلك «إعلان حرب»، فهو لا يخشى الحرب بل يخشى السلام حين يكون على قدم المساواة. وفى النهاية، فإن مصر لا تخوض صراعًا من أجل التوسع، ولا تطلب معونة لاحتلال أرض، ولا تُراهن على أسطورة التفوق مصر تُراهن على جيشها لأنه جيشها، ولأنه جيش الدولة، لا جماعة، ولا طائفة، ولا ميليشيا والجيش الذى لا يعتدى لا يُخيف إلا من يعرف أنه إن قرر الدفاع، فسيُدافع جيدًا.