سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم الأحد 15 يونيو 2025    جيش الاحتلال الإسرائيلي يعلن اعتراض 7 طائرات درونز    باريس سان جيرمان يبدأ مشواره بمونديال الأندية أمام أتلتيكو مدريد الليلة    ريبيرو: أهدرنا العديد من الفرص أمام إنتر ميامي    وزارة التعليم: الأسئلة المتداولة لامتحان الدين بالثانوية العامة لسنوات سابقة    طلاب الثانوية الأزهرية بشمال سيناء يؤدون الامتحانات في اللغة الأجنبية الأولى    سعر صرف الدولار في البنك المركزي والبنوك صباح اليوم الأحد    الأردن يعلن إعادة فتح مجاله الجوي بعد إجراء تقييم للمخاطر    أولياء الأمور ينتظرون طلاب الثانوية العامة أمام لجان الامتحانات فى أسوان    ثانوية عامة 2025.. إجراءات أمنية مشددة على أبواب لجان عين شمس    حظك اليوم الأحد 15 يونيو وتوقعات الأبراج    الجيش الإسرائيلى: اعترضنا 7 مسيرات انقضاضية إيرانية خلال الساعات الأخيرة    طريقة عمل الحواوشي في البيت، غداء سريع التحضير وقيمته الغذائية عالية    «الجوع العاطفي».. هروب إلى الثلاجة!    طلاب الثانوية العامة 2025 يتوافدون على لجان الامتحانات لإجراء التفتيش الإلكتروني    تعليم المنوفية: ممنوع إحضار الهاتف المحمول بلجان الثانوية العامة    وفاة ابن عم الفنان محمد الشرنوبي ونجل الموسيقار صلاح الشرنوبي    30 دقيقة تأخر في حركة القطارات على خط «القاهرة - الإسكندرية».. الأحد 15 يونيو    برواتب تصل ل12 ألف جنيه.. العمل تعلن وظائف جديدة بشركة أدوية بالإسماعيلية    دعاء امتحانات الثانوية العامة.. أشهر الأدعية المستحبة للطلاب قبل دخول اللجان    أسعار الخضروات والأسماك والدواجن اليوم الأحد 15 يونيو    اليوم.. مجلس النواب يناقش مشروع قانون الموازنة العامة للدولة للعام المالي الجديد    8 قتلى و207 مصابا في هجومين صاروخيين شنتهما إيران على إسرائيل    "زيزو الأعلى".. تعرف على تقييمات لاعبي الأهلي خلال الشوط الأول أمام إنتر ميامي    «المركزى» يُقر خطة تحويل «إنكلود» لأكبر صندوق إقليمي في التكنولوجيا المالية    محافظ قنا يشارك في الاحتفالية الرسمية لاستقبال الأنبا إغناطيوس بالمطرانية    جيش الاحتلال الإسرائيلي يستهدف مقر منظمة أبحاث دفاعية إيرانية    حارس إنتر ميامي الأفضل في افتتاح مونديال الأندية أمام الأهلي    مقتل ثلاثة على الأقل في هجمات إيرانية على إسرائيل    مجدي الجلاد: الدولة المصرية واجهت كل الاختبارات والتحديات الكبيرة بحكمة شديدة    السينما والأدب.. أبطال بين الرواية والشاشة لجذب الجمهور    ذكريات مؤثرة لهاني عادل: كنت بابكي وإحنا بنسيب البيت    رقم تاريخي ل زيزو مع الأهلي ضد إنتر ميامي في كأس العالم للأندية    متى تبدأ السنة الهجرية؟ هذا موعد أول أيام شهر محرم 1447 هجريًا    «زي النهارده».. وفاة وزير الداخلية الأسبق النبوي إسماعيل 15 يونيو 2009    تجاوز 63%.. مؤشر تشغيل القروض للودائع يواصل التحليق لمستويات غير مسبوقة    اليوم.. الأزهر الشريف يفتح باب التقديم "لمسابقة السنة النبوية"    الموعد المتوقع لإعلان نتيجة الدبلومات الفنية 2025؟.. رابط الاستعلام برقم الجلوس    سبب دمارًا كبيرًا.. شاهد لحظة سقوط صاروخ إيراني في تل أبيب (فيديو)    "رفقة سواريز".. أول ظهور لميسي قبل مباراة الأهلي وإنتر ميامي (صورة)    أعراض السكتة القلبية، علامات صامتة لا يجب تجاهلها    المصرية للاتصالات وي تتلقى عروضاً لتزويد عدة مؤسسات بتكنولوجيا الجيل الخامس    الجلاد: الحكومة الحالية تفتقر للرؤية السياسية.. والتعديل الوزاري ضرورة    السفارة الأمريكية في البحرين تدعو موظفيها إلى توخي الحذر عقب الهجوم على إيران    بداية العام الهجري الجديد 1447.. عبارات مميزة لرسائل تهنئة وأجمل الأدعية    القانون يحظر رفع أو عرض العلم المصرى تالفا أو مستهلكا أو باهت الألوان    ضبط كوكتيل مخدرات وأسلحة آلية.. سقوط عصابة «الكيف» في قبضة مباحث دراو بأسوان    "العسل المصري".. يارا السكري تبهر متابعيها في أحدث ظهور    كهرباء قنا تفتتح مركزًا جديدًا لخدمة العملاء وشحن العدادات بمنطقة الثانوية بنات    بمشاركة 20 ألف.. مستقبل وطن يُطلق مؤتمر شباب الدلتا بالإسكندرية    دون أدوية أو جراحة.. 5 طرق طبيعية لتفتيت وعلاج حصوات الكلى    ضمن مبادرة "100 مليون صحة".. صحة الفيوم تقدم خدمات المبادرات الرئاسية لأكثر من 18 ألف مواطن خلال عيد الأضحى    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاحد 15-6-2025 في محافظة قنا    سر دموع عبد الفتاح الجرينى على الهواء فى "صندوق الذكريات" ب"آخر الأسبوع"    كأس العالم للأندية| «ريبيرو» يعقد محاضرة فنية للاعبي الأهلي استعدادًا لمواجهة إنتر ميامي    جامعة بدر تفتح باب التقديم المبكر بكافة الكليات لطلاب الثانوية العامة والأزهري والشهادات المعادلة    هاني رمزي: خبرات لاعبي الأهلي كلمة السر أمام إنتر ميامي    رئيس هيئة الرقابة النووية والإشعاعية السابق: لا تأثيرات لاستهداف المنشآت النووية الإيرانية على مصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحمد ابو الغيط :رفضنا فى القدس ما عرضة الإسرائيليون فى الإسماعيلية والقاهرة


أحمد ابو الغيط شاهد على السلام
الحلقة الثانية
يواصل السيد أحمد أبوالغيط وزير الخارجية فى هذه الحلقة الثانية شهادته التاريخية عن المفاوضات المباشرة بين مصر وإسرائيل التى أعقبت زيارة الرئيس السادات للقدس. ويوضح فى هذه الحلقة أجواء ما بعد مؤتمر الإسماعيلية الذى اعتبره الإعلام المصرى فاشلاً، والتحرك المصرى والأمريكى لاحتواء الأمور من بعده ليصل إلى السجال التفاوضى الصعب الذى خاضه الوفد المصرى فى مؤتمر القدس.
التقينا جميعا الوزير «محمد إبراهيم كامل».. وهو شخص مثلما كتبت سابقا دمث الأخلاق.. لديه اقتناع عظيم ببلاده وقدراتها.. كما أنه تمتع فى هذه الفترة بقناعات محددة لم يتنازل عنها حتى استقالته فى قمة كامب ديفيد.
قام «أحمد ماهر السيد» مدير مكتبه.. ووزير الخارجية القادم فى مستقبل الأيام.. بإبلاغه أننى سوف أعمل مع «أحمد ماهر السيد» فى ملف التسوية.. وبذلك فسوف أقترب من الوزير كثيرا.. وعبر الوزير عن معرفته بى وتقديره لى وأنه سوف يكلفنى بالكثير من المهام والمسئوليات.. وأخذت أعمل معه منذ ذلك اليوم 26 ديسمبر 77 اليوم التالى لانتهاء مؤتمر الإسماعيلية وحتى يوم إعلان استقالته فى 22 سبتمبر 78 عن قرب لصيق.
وكنت ومنذ بداية العمل مع الوزير الجديد أستشعر أنه ورغم بدء اقتناعه بالمزايا الإيجابية للمبادرة المصرية إذا ما تمت إدارتها بمقدرة وفاعلية.. فإنه استمر أيضا يطرح الكثير من الأسئلة والاستفسارات حول الأسباب والدوافع التى فرضت على الرئيس «السادات» أن يفكر فى نهج هذا السبيل وتحقيق هذه الصدمة للجميع بزيارة القدس وتحريك عملية السلام بهذا الأسلوب غير المسبوق فى جرأته، وكتبت للوزير الجديد فى الأيام التالية لتوليه مسئولياته ما تصورته تفسيرا منطقيا لمبادرة الرئيس، وحيث جاء بالمذكرة المرفوعة له والتى وافق عليها السفير «أحمد ماهر السيد»:
«إن مصر وبعد مضى أربع سنوات على صدمة معركة الحرب وضرب الجيش الإسرائيلى فى سيناء تبينت أن الموقف قد تجمد بشكل واضح».
«كما أن محاولات جمع العرب وإسرائيل فى إطار مؤتمر السلام فى جنيف قد كشفت أيضا عن الاستمرار فى إضاعة الوقت حول مسائل إجرائية وأن الأطراف العربية من ناحية.. والمفترض رضاها بالمشاركة فى المفاوضات.. والجانب الإسرائيلى من ناحية أخرى.. تستمر تناور وتراوغ حول الإجراءات دون البحث فى الجوهر وكيفية التوصل إلى المفاوضات الجادة التى يمكن أن تفتح الطريق إلى التسوية العادلة والصادقة التى تحقق أهداف الجميع.. وهى نقاط لاشك أنها لم تغب عن الرئيس «السادات» رغم اقتناع وزير الخارجية عندئذ.. «إسماعيل فهمى».. أنه يقترب من تحقيق هدف عقد المؤتمر وإطلاق المفاوضات الجادة فى إطار عربى متماسك وصلب».
وفى هذا السياق أبلغت الوزير «محمد إبراهيم كامل» شفهيا بحديث كان لى مع أحد الأصدقاء والزملاء الذين جمعتنى بهم صلة وثيقة منذ وجودنا فى مدرسة مصر الجديدة الثانوية سويا.. وهو الصديق «محمد أحمد إسماعيل» نجل المشير «أحمد إسماعيل على» الذى كان قد أخبرنى فى أكتوبر 77 أنه كلف من الوزير «إسماعيل فهمى» أثناء مشاركته فى دورة الجمعية العامة فى سبتمبر من نفس العام بحمل تقرير سياسى للعرض على الرئيس «السادات» رأى إسماعيل فهمى إرساله مع مخصوص وعدم تضمينه الحقيبة الدبلوماسية أو الإبراق به خشية كسر شفرته.. وكان التقرير على حد قول «محمد أحمد إسماعيل» يتناول جهود الوزير «إسماعيل فهمى» لعقد مؤتمر جنيف مرة أخرى واتصالاته مع الأمريكيين وبقية الأطراف فى هذا الشأن. لقد أبلغنى «محمد أحمد إسماعيل» فى حينه أنه حمل التقرير إلى ديوان رئاسة الجمهورية فى الأسبوع الأول من أكتوبر .77 إلا أن الرئيس «السادات» وقد علم بأن حامل التقرير هو نجل المرحوم المشير «أحمد إسماعيل على» فقد طلب أن يأتى حامله السكرتير الثانى «محمد أحمد إسماعيل» للقائه فى القناطر الخيرية.. فى استراحة الرئيس هناك.
واستقبل الرئيس «السادات».. الشاب «محمد أحمد إسماعيل» فى حجرة نومه بالاستراحة وفتح المظروف المغلق بالخاتم.. وأخذ يقرأ بإمعان وتدقيق كبير.. ثم نظر إلى الشاب الواقف أمامه «محمد أحمد إسماعيل».. وسأله هل لديك اطلاع على محتويات هذا التقرير؟ وأجابه الدبلوماسى الصغير بالنفى.. فتحدث إليه الرئيس بإيجاز شديد بمحتواه.. وسأله الرئيس: ما رأيك؟.. وأخذ الشاب «محمد أحمد إسماعيل» يتحدث ويعقب دفاعا عن رؤية الوزير «إسماعيل فهمى».. وإذ بالرئيس يقاطعه ويقول له: هذا كلام لن يقود إلى شىء حقيقى.. الأمور لن تتحرك.. إن الأمر يحتاج لصدمة.. وصدمة شديدة، وعبر للدبلوماسى عن شكره.. وطلب منه العودة إلى مقر عمله فى نيويورك.
وقد سرد «محمد أحمد إسماعيل» لى هذا الأمر قبل سفره عائدا إلى نيويورك واستغربنا سويا.. ماذا يدبر الرئيس.. على أى الأحوال مضت الأسابيع بطيئة بعد ذلك حتى الإعلان عن زيارة الرئيس إلى القدس.. وقدرت كما قدر «إسماعيل» أنها هى الصدمة التى تحدث بها الرئيس معه فى القناطر الخيرية فى أوائل أكتوبر .77 ولا يجب أن يخفى على القارئ هنا أن الاتصالات المصرية - الإسرائيلية المباشرة كانت قد بدأت فى المغرب فى نهاية سبتمبر 77 بين «حسن التهامى» و«موشى ديان» مع وجود رئيس المخابرات المصرية «كمال حسن على» فى المغرب فى نفس التوقيت.
وأطلعت الوزير «محمد إبراهيم كامل» على هذه القصة.. تأكيدا لاقتناعى بأن الرئيس «السادات» لم يكن على يقين بأن مؤتمر جنيف سوف يعقد.. وأنه إذا ما كان قد عاد للانعقاد.. فإنه ما كان سيؤدى إلى شىء حقيقى فى التسوية.. وأخذت مذكرتى تسرد بقية الأسباب والتفسيرات التى أراها سببا للمبادرة وقلت: «إن ما يتردد عن الرئيس أنه يرى أن العرب - ما بعد انتهاء حرب أكتوبر - لم يدعموا مصر بالشكل المناسب.. بل إن البعض منهم ذهب بعيدا فى التعبير عن ضيقه من المطالب المصرية للدعم الاقتصادى فى فترة التحولات التى أطلقها الرئيس «السادات» فى المسرح المصرى سواء فى أبعادها الاقتصادية أو السياسية. وقيل إن الرئيس غاضب من أسلوب المعاملة الذى تعرض له بعض مبعوثيه فى دول عربية.. عند طلب الدعم للاقتصاد المصرى ومشروعاته الطموحة.
وتطرقت بعد ذلك إلى عنصرين اعتقدت وقتها أن لهما ثقلهما فى قراراته بالتحرك فى إطار المبادرة.. وكان أولهما.. انفجار المسرح الداخلى المصرى فى مظاهرات 18:19 يناير والشعور بأنها تعبر عن استنفار المجتمع المصرى والحاجة للإسراع فى برامج التنمية الاقتصادية لحماية الجبهة الداخلية خاصة وكان العدو لايزال يرابط فى الجزء الأعظم من سيناء.. أما السبب الآخر فكان فى وصول حزب الليكود إلى الحكم فى إسرائيل.. فى مايو 77 ولم يكن خافيا عن الرئيس «السادات» أن الحزب وهو فى الأصل والأساس حزب «حيروت» الذى يعد من عتاة التشدد بإسرائيل برئاسة «مناحم بيجين» التلميذ الحميم والمحب لمعلمه «جابوتنسكى» البولندى الذى كان أكثر اليهود عداء للعرب فى فلسطين. لقد كان وصول الحزب إلى السلطة فى إسرائيل مؤشرا إلى مرحلة من التشدد والاتجاه نحو اليمين لأول مرة فى إسرائيل منذ إنشائها فى عام .48 وكان مؤشرا سلبيا.. فرض على الرئيس أن يفكر مليا فى كيفية تطويق الجانب الإسرائيلى ووضعه فى موضع الدفاع..
وجاء الأمريكيون فى هذا التوقيت ينقلون محاولة إسرائيل الانفتاح على مصر وطرح رؤى ومواقف جديدة.. أو هكذا أوحى الأمريكيون.. وقدر الرئيس المصرى إمكانية السعى للتحقق منها.. من هنا تحرك فى اتجاه الموافقة على لقاءات «حسن التهامى» و«موشى ديان» فى المغرب وتلاها.. بالتالى بصدمة القدس.. ويبقى السبب الأخير فى تقديرى وقتها وهو أن مصر وقد أضعفت علاقتها بالاتحاد السوفيتى فقد مضى السوفيت فى تضييق الخناق على الإمدادات السوفيتية بالسلاح لمصر واستشعر الرئيس عندئذ أن علاقات القوى وتوازنها العسكرى يتحول إلى صالح إسرائيل وكان عليه التحرك.
وأطلع «محمد إبراهيم كامل» بالتقدير على هذه المذكرة الصريحة التى رفعتها إليه.. وأخذنا نعد لاجتماع القدس الذى عقد فعلا يوم 17 يناير .1978 وأخذ الوزير «محمد إبراهيم كامل» يتحول تدريجيا وبسرعة لكى يتبنى أهداف مبادرة الرئيس السادات ويعبر عن اقتناعه بها وبما يمكن أن تحققه لمصر وللعرب خاصة إذا ما نجح العرب ومصر فى الاستمرار فى الضغط على الجانب الإسرائيلى وتوظيف الرأى العام الدولى للقبول بالأطروحات المصرية. وكان تقدير مجموعة العمل المصرية والوزير «محمد إبراهيم كامل» أن أحد الأهداف المصرية المباشرة يجب أن تكون فى تطوير التعاون والاتصال مع الأمريكيين.. وفى هذا السياق أبقى الوزير «محمد إبراهيم كامل» على اتصال وثيق مع السفير الأمريكى بالقاهرة وهو السفير الأمريكى الكفء «هيرمان إيلتس».
ودعت الولايات المتحدة إلى بدء الاجتماعات للجان السياسية والعسكرية.. وأخذنا نحن على الجانب المصرى دبلوماسيين وعسكريين ننسق المواقف ونعد لما سوف نتبناه سواء فى البعد العسكرى للمفاوضات أو المسائل السياسية والدبلوماسية للتسوية.. وعقد اجتماع عالى المستوى لوزيرى الدفاع والخارجية المصريين فى مقر الخارجية المصرية يوم 10 يناير توطئة لبدء أعمال اللجنة العسكرية فى الأيام التالية بالقاهرة.. والأخرى السياسية فى القدس..
وأسفر التنسيق على أهمية عدم وقوع الدبلوماسية المصرية فى شرك قد ينصبه لها الجانب الإسرائيلى للبحث فى موضوعات خطوط الانسحاب والمستوطنات وخلافه، إذ اتفق أن تلك هى موضوعات تدخل فى المسائل العسكرية للانسحاب المحسوم أمره مسبقا، وبالتالى فلن تتطرق لها الاجتماعات الدبلوماسية.. أما فى اجتماعات القدس فقد اتفق أن يكون المنهج هو البحث فى إطار التسوية السياسية الشاملة بين العرب وإسرائيل وليس فقط بين مصر وإسرائيل. كما كان الهدف المصرى المعلن هو التوصل إلى إعلان مبدأ متفق عليه يحكم عناصر التسوية والمفاوضات التالية، والتى يجب ألا تستغرق طويلا.. وأخذ الجانبان الإسرائيلى والمصرى يتبادلان الوثائق التى تعكس رؤية كل منهما لما يمكن أن يكون إعلانا مرضيا للمبادئ الحاكمة للتسوية وذلك عبر الجانب الأمريكى الذى أبقى وإلى حد كبير على حيادية واضحة.
كانت نهايات عام 1977 تشهد بدء تململ المسرح الإيرانى وظهور الإمام الخومينى على المسرح الإيرانى وبدء متاعب الشاه داخليا وتركيز الولايات المتحدة على التطورات الإيرانية.. وجاء الرئيس «كارتر» إلى مصر قادما من الهند.. والتقى الوزير «محمد إبراهيم كامل» مع «سيروس فانس» لأول مرة فى الأقصر.. وتوطدت الثقة بينهما بعد لقائهما القصير الذى لم يستغرق أكثر من نصف ساعة.. وهنا ينبغى القول إن من يعرف «سيروس فانس» لا يستطيع إلا أن يستشعر الرجولة فى أخلاقياته ولقد كنت أنظر إليه دائما باعتباره أحد الشخصيات «الخارجة» من التاريخ الأمريكى أثناء الحرب العالمية الثانية.. من هؤلاء الرجال «الأنجلو ساكسون».. من أمثال «أفريال هاريمان»، «لوفيت»، «ماكلويد»، «مارشال»، «هوبكنر»..
الذين ساعدوا بلادهم على الانتصار فى الحرب وتوجيه العالم الغربى نحو الحرب الباردة وحلف الأطلسى وغير ذلك من تطورات وأقول سعى الجانب المصرى مرة أخرى لتأمين أكبر قدر من التفاهم المصرى الأمريكى.. وأعلن «كارتر» فى أسوان فى مصر.. ولأول مرة موقفاً أمريكياً أكثر مواءمة للوضع الفلسطينى إذ قال البيان الأمريكى «أنه يجب أن يكون هناك حل للمشكلة الفلسطينية من جميع جوانبها.. وأنه ينبغى أن يتضمن الحل الاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى وحقه فى المشاركة فى تقرير مصيره».. وهى إشارة ذات مغزى كان يجب التمسك بها والبناء عليها فى الأيام والأسابيع والشهور التالية.. لم أكن أعرف عندئذ.. أننى السكرتير الأول صغير السن سوف أبقى أتناول هذه المسألة مع غيرى من أعضاء وزارة الخارجية المصرية ليس فقط على مدى عام 1978 ولكن عبوراً بمؤتمر مدريد فى أكتوبر 1991 بعد ثلاثة عشر عاماً.. ثم بعد ذلك كمساعد رئيسى لوزير الخارجية المصرية «عمرو موسى» فى الفترة من 91 وحتى عام 99.. وأخيراً وزيراً للخارجية اليوم.
واسترجع الآن الجهد الذى بذل للإعداد والاتفاق على جدول أعمال المفاوضات.. إذ سارع الجانب الإسرائيلى لكى يقدم لنا فى أول يناير 78 تصوراً لما يمكن أن يكون عليه هذا الجدول للأعمال.. وتكشف الوثيقة المؤرخة فى 31 ديسمبر عناصر المشروع الإسرائيلى فى هذا الصدد، إذ كتب «هيرمان ايلتس» السفير الأمريكى بالقاهرة إلى وزير الخارجية «محمد إبراهيم كامل» بما جاءه من قرينه الأمريكى «صمويل لويس» بإسرائيل وحيث اقترح «موشى ديان» جدول أعمال من ثلاث نقاط:
بحث موضوع وضعية المستوطنات الإسرائيلية المدنية فى سيناء فى المنطقة الواقعة إلى الشرق من خط العريش / رأس محمد.
مبادئ معاهدة السلام المتعلقة بكل من جوديا وسماريا.. يقصد الضفة الغربية والمقترح الإسرائيلى فى الحكم الذاتى للفلسطينيين العرب من سكان جوديا وسامريا وقطاع غزة. العناصر التى يمكن تضمينها فى اتفاقية السلام.
وطلبت الرسالة من مصر أن تقدم رؤيتها إذا ما كانت مصر ترغب فى تقديم مقترح مضاد. وأشارت الرسالة الأمريكية أيضاً أن «موشى ديان» يحث الجانب المصرى على سرعة إعداد رده ولكى تتحرك الأمور إلى الأمام، كما أضاف - أى «موشى ديان» - أنه يقدر أن موضوع نزع سلاح سيناء سوف تعالجه اللجنة العسكرية بالقاهرة التى ستبدأ أعمالها عدة أيام قبل اللجنة السياسية بالقدس «حقيقة الأمر فقد بدأت اللجنة العسكرية أعمالها يوم 11 سبتمبر أما الأخرى السياسية فقد انعقدت فى 17 سبتمبر فى القدس.
وأضافت رسالة «موشى ديان» أخيراً أنه إذا ما تمكنت الاجتماعات العسكرية من تسوية موضوع نزع سلاح شبه الجزيرة فإنه يمكن بالتالى أن تركز أعمال اللجنة السياسية على المسائل السياسية - على سبيل المثال - مسألة وضعية المستوطنات المدنية الإسرائيلية فى سيناء. أما إذا لم يتم التوصل إلى تسوية مسألة نزع السلاح.. فإنه يمكن بالتالى بحثها أيضاً فى القدس والقاهرة فى اجتماعات اللجنتين رغم تقدير الوزير الإسرائيلى أن المسألة هى عسكرية أكثر منها سياسية.
وأكد السفير الأمريكى بالقاهرة فى نهاية رسالته أنه مجرد ناقل للرسالة وهى لا تعكس أى موقف أمريكى.
وقرأنا نحن فى القاهرة، مجموعة العمل السياسية والسفير «أحمد ماهر السيد» و«أحمد أبوالغيط»، الرسالة بالكثير من الضيق لأنه وضح منها أن إسرائيل مازالت تفكر بالأسلوب القديم، وأنها تفترض افتراضات غير موجودة، فى مقدمتها مسألة مطلب «مناحم بيجين» فى مشروعه المعيب بالحفاظ على المستوطنات الإسرائيلية داخل أراضى سيناء وكذلك مسألة نزع السلاح.. كذلك وضح أن الإسرائيليين يتحدثون عن تسوية للقضية الفلسطينية باعتبارها قضية تدور حول مجرد ضمان الحكم الذاتى للفلسطينيين.
وكان الملاحظ.. مرة أخرى.. استمرار إسرائيل فى تناول أوضاع السكان الفلسطينيين باعتبارهم الفلسطينيين العرب.. أى أن هناك فلسطينيين يهود.. وهم الإسرائيليون.. وذلك تماشياً مع النهج الذى طرحه «مناحم بيجين» فى لقاءاته بالإسماعيلية وأحاديث «موشى ديان»، و«جولدا مائير» وغيرهم من أن الإسرائيليين هم الفلسطينيون اليهود وأن هناك فلسطينيين عرب فى أرض متنازع عليها. وقمنا من جانبا بمناقشة الأمر فيما بيننا ووافق وزير الخارجية «محمد إبراهيم كامل» على مقترح قدم له لكى يطرح على الإسرائيليين عبر الأمريكيين للرؤية المصرية بالنسبة لجدول أعمال اجتماعات اللجنة السياسية وتضمن فى أهم عناصره:
بنداً خاصاً بإنهاء الاحتلال الإسرائيلى للأراضى العربية المحتلة منذ عام .67 ضمان وحدة أراضٍ والاستقلال السياسى لكل دول المنطقة من خلال إجراءات يتفق عليها بين الأطراف على أساس المعاملة بالمثل.
ضمان حق كل دول المنطقة لسيادتها ووحدة أراضيها واستقلالها. التوصل إلى تسوية عادلة للقضية الفلسطينية فى جميع عناصرها من خلال مفاوضات تشارك فيها كل من مصر / الأردن / إسرائيل / وممثلى الشعب الفلسطينى.
إنهاء كل دعاوى الحرب وإقامة علاقات سليمة بين كل دول المنطقة بالاتساق مع ميثاق الأمم المتحدة.
وبطبيعة الحال يلاحظ القارئ الكريم أن الطرح المصرى فى هذه الوثيقة لم يتغير كثيراً فى جوهره خلال هذه السنوات الثلاثين.. إذ ركزنا عندئذ على إنهاء الاحتلال / بحث التسوية الفلسطينية / حق الجميع فى العيش فى سلام / وإقامة علاقات طبيعية فى إطار سلام شامل وتسوية للقضية الفلسطينية.
وغاب الجانب الإسرائيلى لعشرة أيام بعدما طرحت مصر مشروع جدول أعمال المفاوضات فى الأول من يناير 78. وجاءت رسالة من «موشى ديان» إلى «محمد إبراهيم كامل» تعبر عن موافقة إسرائيل على ثلاثة مقترحات من التى قدمتها مصر مع تعديلات محددة تفرغها فى الحقيقة من محتواها.. كما أضاف رفضهم لفقرتين.. هما بند الانسحاب من الأراضى المحتلة / والتسوية العادلة للقضية الفلسطينية.
وذكرت رسالة «موشى ديان» أنه بطبيعة الحال فإن إسرائيل توافق بالكامل وبدون أى تحفظات على حق كل دول المنطقة فى العيش فى سلام داخل أراضيها.
وأكد «موشى ديان» فى رسالته أن إسرائيل على استعداد لقبول أى صياغة لجدول الأعمال يكون قد تضمنها قرار مجلس الأمن 242,. وما عدا ذلك فإن إسرائيل لا تستطيع القبول بأى شىء آخر مشيراً إلى رفض إسرائيل ما قدمته مصر من مقترحات فى الإسماعيلية يوم 25 ديسمبر 77 مثلما سبق التعرض له فى الحلقة السابقة.. وعاد وزير خارجية إسرائيل إلى تكرار الموقف الإسرائيلى بخصوص الفلسطينيين العرب وعلاقتهم بجوديا وسامريا.. ثم اقترح أن تكون الصيغة الأساسية لجدول أعمال مفاوضات القدس تدور حول «معاهدات السلام» مع معالجة كل النقاط السياسية والمدنية للقضايا مثل مسائل المستوطنات المدنية فى سيناء.. وعادت الرسالة فى نهايتها تؤكد الرؤية الإسرائيلية فى خمس نقاط كجدول أعمال مقترح.. وهى:
ضمان قدسية الأراضى والاستقلال السياسى لكل دولة فى المنطقة من خلال إجراءات من بينها إقامة مناطق منزوعة السلاح.
ضمان حق كل الدول بالمنطقة فى السيادة / ووحدة الأراضى والاستقلال السياسى. إنهاء كل دعاوى الحرب وإقامة علاقات سلام بين كل الدول من خلال توقيع معاهدات السلام. تضمين معاهدات السلام، المسائل السياسية والمدنية مثل المستوطنات فى سيناء.
الاتفاق على إعلان خاص بالفلسطينيين العرب المقيمين فى جوديا وسامريا وغزة. ومرة أخرى نلاحظ أن إسرائيل تسعى للتركيز على النقاط التى تراها إيجابية لها وفى مقدمتها إنهاء حالة الحرب وتوقيع معاهدات السلام.. وتراوغ فى استمرار الإشارة إلى مسألة المستوطنات بسيناء كوسيلة لتثبيت وضعية هذه المستوطنات.. ثم أخيراً إضعاف البعد الفلسطينى وحقوق الفلسطينيين باعتبارهما مجرد قضية سكان وليس شعب له كل الحقوق وعدم تناول مسألة الانسحاب بأى شكل من الأشكال.
وعدنا فى مجموعة العمل السياسية المصرية نتدبر الموقف ووافق وزير الخارجية يوم 12 يناير 78 على موافاة الجانب الإسرائيلى، عبر الأمريكيين بمقترح جديد.. مع تأكيدنا أن الأفكار المصرية لجدول الأعمال تعكس فى الأساس روح ونص القرار 242 الذى يؤكد على عدم جواز الاستيلاء على أراضى الغير بالقوة ومن ثم مطالبتنا لإسرائيل بالانسحاب من الأراضى المحتلة منذ عام 67 وأن مصر ترفض بشكل حازم إسقاط مطالبها فى الانسحاب الإسرائيلى من جدول الأعمال المقترح للمفاوضات مع تأكيد رفض مصر أيضاً للموقف الإسرائيلى المعلن فى الإسماعيلية ومقترحاتها فى هذا الصدد وتقديم مصر لمقترحات بديلة فى حينه.. تؤكد ضرورة انسحاب إسرائيل من سيناء / الجولان / والضفة الغربية وغزة. وأخذت الرسالة المصرية من «محمد إبراهيم كامل» إلى «موشى ديان» تسخف الموقف الإسرائيلى وترد عليه باستفاضة وبالكثير من التفاصيل واتسمت الرسالة المصرية بالتالى بالحدة وبالاقتراب من نفاد الصبر.. وعاد «محمد إبراهيم كامل» يكرر الموقف المصرى السابق طرحه فى جدول الأعمال المصرى السابق اقتراحه.
وبدا أن الجانبين المصرى والإسرائيلى لن ينجحا بمفردهما فى التوصل إلى اتفاق على جدول للأعمال يفتح الطريق أمام بدء المفاوضات فى إطار اللجنة السياسية بالقدس، وقدر الأمريكيون أهمية.. بل وضرورة التفكير فى التدخل بين الطرفين لمساعدتهما على تجاوز خلافاتهما، وجاءت رسالة من السفير الأمريكى إلى وزير الخارجية المصرية فى 12 يناير 78 تقترح التركيز على التوصل إلى إعلان مبادئ للمفاوضات والتسوية باعتبارها الهدف الابتدائى لأعمال اللجنة السياسية ومع التوضيح بأهمية التسوية الفلسطينية والتحرك من خلال حل مرحلى لها مدته حوالى خمس أعوام.. ووصلت خلاصة الطرح الأمريكى فى الرسالة إلى المطالبة بإتاحة الفرصة للوزير الأمريكى «سيروس فانس» أن يناقش فى القدس مع الطرفين المصرى والإسرائيلى مسألتين أساسيتين.. هما الاتفاق على خطوط استرشادية للتفاوض على ترتيبات للضفة الغربية وغزة لفترة خمسة أعوام.. وكذلك إعلان مبادئ للتسويات بين العرب وإسرائيل.. من هنا اقترحت الولايات المتحدة تحديداً. جدولاً للأعمال يتناول ثلاث نقاط محددة.. هى:-
إعلان مبادئ حاكم للمفاوضات ومعاهدات السلام فى الشرق الأوسط.. مع تركيز هذا الإعلان على مسائل تتناول السلام / الانسحاب من الأراضى المحتلة / اتفاق حول الحدود الآمنة والمعترف بها / والتوصل إلى حل عادل للقضية الفلسطينية.
- الخطوط الاسترشادية للمفاوضات لتسوية القضية الفلسطينية فى كل عناصرها.
- عناصر معاهدات السلام بين إسرائيل وجيرانها اتساقًا مع مبادئ القرار 242 الصادر فى 22 نوفمبر 67 عن مجلس الأمن.
- وانغمسنا مرة أخرى وإسرائيل فى جدال حول عناصر الطرح الأمريكى وحاول كل طرف أن يحقق المزيد من المكاسب لوجهة نظره.. وعادت الولايات المتحدة يوم 15 يناير 78 لكى تطرح رؤية نهائية لما تراه جدولاً عادلاً للأعمال ونص المقترح الأمريكى الأخير على عناصر ثلاثة هى:
- إعلان مبادئ للعناصر الحاكمة للمفاوضات التى تستهدف تسوية سلمية شاملة فى الشرق الأوسط.
- الخطوط الاسترشادية للمفاوضات المتعلقة بالضفة الغربية وغزة. - عناصر معاهدات السلام بين إسرائيل وكل جيرانها اتصالاً بمبادئ القرار 242 لعام 67 الصادر عن مجلس الأمن.
- وقبل الطرفان المصرى والإسرائيلى الذهاب إلى المفاوضات فى إطار أعمال اللجنة السياسية بالقدس على هذا الأساس.
وكانت اللجنة العسكرية المصرية/ الإسرائيلية قد بدأت أعمالها وعقدت فعلاً أربعة اجتماعات فى أيام 11/12 يناير 78 قبل أن يصل الوفد المصرى إلى القدس يوم 16 يناير.. ورأس الجانب المصرى الفريق أول «محمد عبدالغنى الجمسى» والجانب الإسرائيلى «عيزرا فايتسمان» وزيرا الدفاع فى البلدين.. وكشفت مواقف الأطراف فى هذه الجولات الأولى بين الجانبين العسكريين عن تباعد كبير، إذ أخذ الإسرائيليون يؤكدون حاجتهم للأمن وحساسيته الكبيرة لديهم وبهذا استمروا يتمسكون باستخدام القواعد الجوية فى سيناء من قبل قواتهم الجوية وبقاء المستوطنين فى مستوطنات سيناء.. وأخذوا يرددون سخافات وسخافات.. منها على سبيل المثال أن بقاء المستوطنات ستوفر لهم الشعور بالأمن.. كما أن التواجد فى مطارات الجورة/ رأس النقب/ رأس نصرانى. تعتبر ضرورية لأمن منطقة شرم الشيخ التى سينسحبون منها.. كما أنها- أى القواعد الجوية- تصلح قاعدة للدفاع عن إيلات فى مواجهة السعودية والأردن.. بالإضافة إلى أنها بعيدة عن مدى الطيران السورى..
وأكد الإسرائيليون بعد ذلك عدم ثقتهم فى الأوضاع العربية وخاصة بالنسبة للدول ذات العلاقات الخاصة بالاتحاد السوفيتى.. وعادوا يكررون عدم ثقتهم فى ضمانات الدول الكبرى بما فيها الولايات المتحدة.. ثم أكدوا أن مستعمرات رفح وياميت تشكل عازلاً للتجمع البشرى السكانى الفلسطينى فى غزة.. ووصل الموقف والطرح الإسرائيلى فى نهايته إلى القول أنهم يطلبون ضمانات من خلال السيطرة على هذه المطارات والمستوطنات وذلك لعدم ثقتهم فى الأجيال المصرية القادمة.
ورد الجانب العسكرى المصرى بتسفيه كل هذه المطالب والحجج مؤكدًا عدم الاستعداد إطلاقًا وتحت أى ظرف بالقبول ببحث مسألة الأمن من خلال التنازل عن أراضٍ أو السماح بالتواجد على الأرض المصرية بأى شكل من الأشكال، ورفض الجانب العسكرى المصرى بالتالى المقترحات الإسرائيلية لإخلالها الفاضح بالسيادة المصرية.. كما أنها تحد من قدرات مصر فى الدفاع عن سيناء أو الدفاع عن قناة السويس ضد أى نوايا عدوانية إسرائيلية مستقبلية.. وأخيرًا عقب العسكريون المصريون بقولهم: إن الأطروحات الإسرائيلية تعكس الميول التوسعية لإسرائيل وهو أمر مرفوض بالكامل ولن يمكن القبول به إطلاقاً..
وأقول من جانبى إننى وبعد أن استعدت قراءة ما هو مسجل لهذه المفاوضات بين العسكريين.. أن اليوم ما هو إلا انعكاس للأمس.. وأن محاولات إسرائيل اليوم فى تطويع الفلسطينيين تحت دعاوى مختلفة أشرت إليها سابقًا.. ما هى إلا محاولات فى الحقيقة تستهدف الحصول على الأرض وتحت دعاوى مختلفة أثبت التاريخ والواقع خلوها من أى منطق أو حقيقة.
وكشفت المفاوضات فى إطار اللجنة العسكرية أيضاً أنه وبرغم الاتفاق على الانسحاب الإسرائيلى إلى الحدود الدولية المصرية مع فلسطين تحت الانتداب وعودة السيادة المصرية على سيناء.. إلا أن إسرائيل استمرت تتمسك بالمطارات والمستوطنات داخل أراضى مصر.. أى استمرار التمسك بالموقف الذى جاء فى مشروع «بيجين» للسلام مع الرئيس «السادات» فى الإسماعيلية فى 25 ديسمبر 77,. واتفق الجانبان من ناحية أخرى، وخلال هذه الاجتماعات الأربعة على مدى يومى 12 ,11 يناير على عناصر للأمن المتبادل فى مقدمتها: الموافقة على وجود مناطق منزوعة السلاح وأخرى محدودة التسلح وأن القوات الرئيسية لطرفين فى سيناء والنقب لن تمثل تهديدًا لأى الطرفين.
على الجانب السياسى أخذنا نعد للسفر إلى القدس، وكلفنى «أحمد ماهر» بأن أشرف على كل أوراق المهمة سواء فى أبعادها ومتطلباتها الإدارية والتنظيمية أو الأوراق الموضوعية التى كلفت بحملها إلى القدس وقمت بتكثيف العمل والاتصال مع الأجهزة الأمنية المصرية التى كان من المقرر أن تسبق وصول الوفد إلى إسرائيل لكى تقوم بتأمين مقر الوفد وحجرات أعضائه وغرفة الاجتماعات التى كنا سنستخدمها وحجرات الاتصالات والتليفونات المؤمنة التى كان المتوقع أن نستخدمها للاتصال بالقاهرة وغرفة شفرة الوفد التى كانت المخابرات العامة المصرية مسئولة عنها.
وكانت ملاحظتى الأساسية فى هذه المرحلة أن الكثيرين من أعضاء الخارجية والأجهزة المصاحبة الأخرى يتهافتون على المشاركة فى الوفد.. واتضح لى فى الحقيقة أن هناك لدى الكثيرين رغبة جارفة للتعرف على إسرائيل وأسلوب الحياة بها وشكل المجتمع الإسرائيلى وحقائق أوضاعه وكل ما يتعلق بشئونه.. كما لاحظت أيضًا أن الكثيرين من المتخصصين فى الشئون الإسرائيلية بوزارة الخارجية المصرية يلحون فى المشاركة والسفر لتقديرهم أن هذه الزيارة وهذه المشاركة ستتيح لهم فرصة فريدة للمزيد من المعرفة فى الشأن الإسرائيلى.. وأخذنا نسلم السفارة الأمريكية بالقاهرة كل الأسماء والإيضاحات ونوعيات جوازات السفر ومهام الأعضاء لكى تنقل إلى الجانب الإسرائيلى ولكى يمكن تحقيق الإقامة المناسبة للجميع.
لقد كانت إحدى الملاحظات التى لفتت نظرنا بالقاهرة عندما حضر الوفد الإسرائيلى إلى مصر يوم 13 ديسمبر وسبقه وفد مقدمة أمنية للتحضير لوصول الوفد الرئيسى والحصول على مقر إقامته فى فندق مينا هاوس بمنطقة أهرامات الجيزة.. أن هذا الوفد تصرف مع الفندق وكأن لا شىء يمكن أن يردع الأمن الإسرائيلى ورغبته فى التأكد من عدم وجود ميكروفونات فى الغرف أو أجهزة التليفون أو الحوائط أو الأثاث.
من هنا كانت الصدمة كبيرة عندما غادر الإسرائيليون مينا هاوس لكى تكتشف إدارة الفندق أن كل الأسلاك والتليفونات والحوائط.. وربما كل الأثاث قد أسىء معاملته بشكل احتاج إلى إعادة تأهيل كاملة لهذه الأجنحة والأقسام التى احتلها الإسرائيليون بالفندق وذلك تحت دعاوى الأمن والتأمين والتأكد من خلو الغرف والأجنحة وحجرات الاستقبال من أى أجهزة تصنت مصرية.
وبالتالى.. ومع وصول وفد المقدمة الأمنية المصرية.. فقد قامت باستلام الأدوار التى كنا سنقيم بها فى فندق هيلتون القدس وهى أدوار عالية.. وتعاملنا مع كل شىء بنفس الأسلوب الذى عومل به فندق مينا هاوس.. وكأن الرسالة هى أن «البادى أظلم».. وقام الوفد المصرى بتركيب شبكة اتصالات كاملة بين كل غرف أعضائه ومسحت حوائط الأدوار والحجرات بأجهزة كشف ميكروفونات التصنت، لقد كانت مهمة كبيرة لجهاز المخابرات العامة تتسم بالتحدى والمواجهة.. إلا أن المؤكد أنها لم تكن المواجهة الأولى بين جهازنا المخابراتى الأمنى وأجهزة التجسس الإسرائيلية، لقد كانت التوصيات التى قدمت لنا من مخابراتنا..
نحن الدبلوماسيين من أعضاء وفد التفاوض المصرى.. ألا نتحدث إلا فى الأماكن المفتوحة خارج مبانى الفندق.. وإن اضطرتنا الظروف للجلوس سويًا فى قاعة اجتماعات مشاورات الوفد أو أجرينا أحاديث فيما بيننا لدراسة الموقف.. أن يتم ذلك وهناك أكثر من جهاز مذياع وتليفزيون مفتوح وعلى صوت عالى لكى لا تنجح وسائل التصنت فى التلصص على مناقشاتنا.. ووصل الأمر فى بعض الأحيان أننا كنا نتحدث مع وزير الخارجية فى جناحه أو فيما بيننا ونحن نصرخ حيث لم نكن فى الحقيقة نسمع أصواتنا أو نقاشنا بسبب علو صوت الأجهزة التى وضعتها المخابرات المصرية لنا.. وتبينا سريعًا أن أصلح الوسائل وأنجحها هو فى التحدث معًا خارج الفندق فى حدائقه أو حول حمام السباحة وبصوت هامس.
كان الدكتور «بطرس بطرس غالى»، وزير الدولة للشئون الخارجية قد أعد مشروع كلمة الوزير «محمد إبراهيم كامل» الذى كان من المفترض أن يلقيها فى المطار فور الوصول.. وكذلك فى الاجتماع الافتتاحى لأعمال اللجنة السياسية فى يوم 17 يناير صباحًا.. وقرأت الكلمة بتكليف من «أحمد ماهر» واستشعرت عدم الارتياح.. وقدرت أنها تحتاج لتقوية، وأن نكرر فيها مواقفنا الواضحة التى تطالب بتحقيق الأهداف التى كنا نسعى إليها.. وهى تحقيق الانسحاب الكامل من الأراضى العربية المحتلة والتسوية العادلة للقضية الفلسطينية.. والأمن للجميع.. واستأذنت السفير «أحمد ماهر» فى أن أقوم بإعادة صياغة الكثير من فقرات مشروعى الكلمتين أو البيانين.. ووافق فورًا.
وطالبنا بالتالى فى كلمة مطار «اللد» أن ينتهى الاحتلال إذ أنه لا سلام مع هذا الاحتلال كما أكدنا على حق تقرير المصير للفلسطينيين.. وتحولت الكلمة التى وافق عليها «محمد إبراهيم كامل» إلى كلمة نارية تتسم بالجرأة والحزم وخاصة أن من سيلقيها هو وزير خارجية مصر فى عقر دار الخصم.. وأقلعت الطائرة المصرية وكانت من طراز بوينج .737 وعلى متنها كل أعضاء الوفد المصرى برئاسة الوزير «محمد إبراهيم كامل» ومشاركة الدكتور «عصمت عبدالمجيد».. وانضم إلى المهمة الدكتور «بطرس بطرس غالى» الذى طلب منه الرئيس «السادات» أن يشارك فى هذه الجولة من المحادثات لمساعدة وزير الخارجية المصرية.
كانت مجموعة العمل السياسية بكل أفرادها متواجدة.. كما كان هناك الكثير من ضباط المخابرات من أعضاء هيئات التقييم والمعلومات ورجال من الأمن والداخلية والاتصالات وغيرهم، ووصلنا إلى القدس بعد فترة زمنية ليست بالطويلة، وألقى «محمد إبراهيم كامل» بيانه القوى وأخذ الجانب الإسرائيلى لوضوح الرسالة وصرامتها، وكان الليل قد هبط على أرضية مطار اللد وتحركت سيارات قافلة الوفد من المطار فى طريقها إلى القدس عبر مناطق جبلية مرتفعة.. كان المخصص لى سيارة متوسطة الحجم صحبنى فيها السكرتير الأول «حسين حسونة».. عضو مجموعة العمل والدبلوماسى الوحيد الذى صحب الدكتور «بطرس بطرس غالى» فى المهمة الأولى عند مصاحبته للرئيس «السادات» فى زيارة القدس فى نوفمبر .77 واستقل معنا السيارة مدير مكتب وزير الخارجية الإسرائيلية «يواكيم»، وأخذنا جميعًا نتحدث حديثًا بسيطًا.. وأخذت أسأل «يواكيم عن بعض مواقع المعارك التى دارت على هذا الطريق الجبلى بين العرب وإسرائيل.. سواء الفيلق الأردنى أو الجماعات الفلسطينية التى كانت تقاتل فى عام 48 ضد الهاجناة والأرجون وغيرهم من جماعات وميليشيات إسرائيل.
وفجأة استدار «يواكيم» ليقول: وهنا فى هذا الاتجاه ربما ترى سجن «الرملة» الذى نستضيف فيه بعض أصدقائك.. وتنبهت إلى ما يقصده واستشعرت التحدى فيما قاله ورددت: هم ليسوا بأصدقائى.. هم إخوتى.. وسوف نحارب من أجل استقلالهم وتخليصهم من الاحتلال الإسرائيلى.. وسوف ننجح فى نهاية المطاف.. وساد الصمت حتى وصلنا إلى الفندق بعد حوالى نصف ساعة.. ويجب أن أعترف هنا أن لحظات الوصول إلى إسرائيل ثم التحرك بالسيارة فى هذا الطريق الذى كان موحشا.. أدى إلى الكثير من التوتر فى نفسى.. وفجأة استشعرت أن أنفى يصفد دما.. وأخذت أبلع ريقى ولكى لا أسمح بانفجار الشعيرات الدموية ومن ثم اتساخ قميصى أو جاكت البدلة التى كنت أرتديها.. لقد فكرت فى هذا المنظر الذى كان يمكن أن يحدث ضجة إعلامية.. لهذا الدبلوماسى المصرى الذى يخرج من السيارة أمام الفندق وهو مضرج فى الدماء على قميصه.. ولم يكن لدى منديل أو أى شىء أحكم به الدماء.. وتحدثت مع «حسين حسونة» زميلى بالسيارة.. بالمشكل الذى يواجهنى.. وقال بهدوء: «ضع رأسك خارج شباك السيارة.. لعل الهواء البارد يوقف النزيف».. وفعلت ما نصحنى به.. ولم ينتبه «إلياهو يواكيم» للوضع الذى أتعرض له.. وبدأ النزيف يتوقف.. وإن كنت أحسست أن التهابا رئويا سوف يصيبنى فى نهاية هذه الرحلة القصيرة زمنيا رغم أننى أحسست أن لا نهاية لها بسبب هذا الوضع الذى واجهنى خلالها.
ووصلت الفندق.. وكانت الصحافة الإسرائيلية والدولية والمصرية تنتظرنا.. ووضعت يدى على أنفى وأسرعت بالدخول إلى البهو وحاول بعض الإعلاميين التحدث معى وتوجيه الأسئلة.. مثلما فعلوا مع كل أعضاء الوفد المصرى.. وتفاديت الجميع وأسرعت إلى حجرتى وانتهت الأزمة.
قمت بعد فترة وجيزة.. وبعد التأكد من توقف النزيف تماما نتيجة لتدخل أحد الأطباء المصاحبين لنا.. بالذهاب إلى جناح الوزير «محمد إبراهيم كامل» ورأيت جناحا رائعا كبيرا مؤثثا بأجمل أنواع الأثاث.. إلا أن ما استوقفنى كان وجود أكبر تل رأيته فى حياتى للفواكه الطازجة والمجففة الموجودة على مائدة طويلة للغاية فى مدخل حجرة طعام الوزير.. وأتذكر اليوم.. أننا وقد قضينا فى الفندق ليلتين أننى استهلكت كميات من الفواكه.. لم يسبق لى أن أكلتها فى مثل هذه الفترة الوجيزة.
كان الإسرائيليون عند وجودهم فى ميناهاوس يأمرون بكميات كبيرة من الأطعمة المصرية.. أطعمة تكفى لأعداد غفيرة من البشر.. إلا أن الوفد الإسرائيلى كان محدودا جدا فى عدد أفراده.. وتبينا أنها وسيلة لمضايقة الفندق وتحميل الضيافة المصرية.. ولم يفتنا نحن أن نقوم باللازم لرد الصاع صاعين.. فإذا ما كان العشاء لثمانية أفراد بالحجرات أو بجناح الوزراء.. فإن قائمة الأطعمة المطلوبة كانت دائما أضعاف الاحتياجات الحقيقية والفعلية للوفد.
وجاء وزير الدفاع الإسرائيلى «فايتسمان» لكى يعبر عن تحياته للوزير المصرى.. وكان «موشى ديان» قد غادر الفندق بعد اصطحابه للوزير «محمد إبراهيم كامل» من الطائرة فى مطار اللد إلى جناحه بالهيلتون.. وكان «فايتسمان» يتحدث كلمات عربية وينطقها باللهجة المصرية نتيجة لخدمته السابقة فى سلاح الطيران البريطانى أثناء الحرب العالمية الثانية.. وكان بادى السعادة والمجاملة للوزير المصرى.. وكنت أجلس بتعليمات من «أحمد ماهر» لكى أسجل محضر المقابلة أو أى نقاط مهمة قد يتطرق إليها النقاش بين وزير الخارجية المصرية وأى من زواره.. وفى أثناء الحديث الخفيف بين الوزيرين.. أبلغه «محمد إبراهيم كامل» أن والدى كان طيارا مصريا فى أثناء الحرب العالمية الثانية.. وسأل «فايتسمان» عن اسمى واسم والدى.. ثم عقب بالقول أنه كان يعرف الكثير من الطيارين المصريين أثناء هذه الحرب العالمية وفى السنوات التالية، وأنه شارك مع «محمد صدقى محمود» فى دورة أركان حرب الطيران فى كلية «أندوفر» فى بريطانيا.. وقلت له: لعلك تقصد «جمال عفيفى» الذى كنت أعلم منه أنه زامل «فايتسمان» فى هذه الدورة.. فقال: نعم..
إنه «جمال عفيفى» وليس «صدقى محمود».. وذكر: لقد أسفت لما حل بهما بعد حرب .67 ولم أعلق.. وسألنى ما الطائرات التى كان يقودها والدك؟ وعددتها له: .. سبتفاير، هاريكان، هاليفكس/ لانكستر/داكوتا/ والكوماندو/ مشيرا إلى أن سنواته الأولى شهدت طيرانه على المقاتلات.. ثم القاذفات وأخيرا طائرات النقل. وأضفت أن لديه - أى والدى - الكثير من القصص التى يسعده أن يقصها على أصدقائه وابنه فى الإغارة على إسرائيل فى عام 48 ,.49 وجاملنى «فايتسمان» بالقول: لن يحدث ذلك مرة أخرى وسوف يحل السلام فيما بيننا. وأخذ وزير الدفاع الإسرائيلى يتحدث مع وزير الخارجية المصرية، حيث أكد أنه سيعمل بقوة من أجل تحقيق السلام مع مصر، وإن كان أشار أيضا إلى الاهتمام المحورى لإسرائيل بأمنها ومستقبلها.
وبدأت أعمال اللجنة السياسية صباح يوم 17 يناير.. وألقى الوزير «محمد إبراهيم كامل» بيانا مصريا قويا يطالب بتحقيق السلام الشامل والانسحاب من كل الأراضى المحتلة وتأمين حقوق الشعب الفلسطينى وتحدث الجانب الأمريكى بنفس النقاط التى تطرق إليها الرئيس «كارتر» فى أسوان فى 4 يناير، وكذلك بنقاط ومفهوم جدول الأعمال الذى قدمه الأمريكيون إلى الطرفين يوم 15 يناير وتبعه «موشى ديان» الذى عكس بيانه وبدقة المواقف الإسرائيلية المعروفة عندئذ.. ورفعت الجلسة ولكى تتحرك الوفود من بدروم الفندق، حيث عقد الاجتماع الافتتاحى فى قاعة متوسطة الحجم إلى الدور الحادى والعشرين بالفندق لاجتماع ثلاثى مغلق فقط على أعضاء الوفود الثلاثة «الأمريكى/ الإسرائيلى/ والمصرى»، وأخذت الأطراف الثلاثة تتحدث مرة أخرى بمواقفها وأوضح النقاشات الاختلافات الكبيرة بين الجانبين المصرى والإسرائيلى حول التوصل إلى مفهوم متفق عليه لإعلان مبادئ يحكم التسوية حسبما يقضى جدول الأعمال الأمريكى المقبول من كليهما.
وطرح الإسرائيليون علينا مقترحهم فيما يجب أن يكون عليه إعلان المبادئ الذى يمكن أن يصدر عن اجتماع اللجنة السياسية وتضمن المقترح:
أن حكومتى مصر وإسرائيل مصممتان على مواصلة جهودهما للوصول إلى تسوية شاملة للسلام بالإقليم.
أن الحكومتين، وفى إطار مثل هذه التسوية تبديان استعدادهما للتفاوض حول معاهدات سلام على أساس المبادئ التى تضمنها قرارا مجلس الأمن 338 ,242 فى عامى .1973 ,67 واتفقت الحكومتان على أن إقامة هذا السلام الدائم يتطلب إجراءات لتأمين الآتى:
- انسحاب إسرائيل من أراضٍ احتلت فى خلال نزاع عام .67
- إنهاء كل حالات الحرب واحترام.. والاعتراف بسيادة ووحدة أراضى واستقلال وحق كل دول المنطقة فى العيش فى سلام داخل حدود آمنة ومعترف بها وبدون أى تهديد باستخدام القوة.
- ضمان حرية الملاحة فى المجارى المائية الدولية.. «يقصد بذلك قناة السويس/ ومضيق تيران».
- التوصل إلى تسوية عادلة لمشكلة اللاجئين.. «ويلاحظ هنا أنها لم تشر إلى اللاجئين الفلسطينيين، ولكن سمتهم باللاجئين.. بهدف فرض التعامل مع ادعاء إسرائيل بأن هناك لاجئين يهود من الدول العربية».
- ضمان سيادة الدول وسلامتها الإقليمية من خلال اتخاذ إجراءات من بينها إنشاء مناطق منزوعة السلاح.
- أن التسوية العادلة لقضية الفلسطينيين العرب المقيمين فى يهودا وسماريا وقطاع غزة سوف تحل من خلال الحكم الذاتى لهم وحق الإدارة الذاتية.
وكان من الطبيعى أن نرى نحن فى الوفد المصرى.. أن هذا المقترح الإسرائيلى لإعلان المبادئ الحاكمة للتسوية والذى يمكن على أساسه بدء التفاوض الجاد.. أنه لا يستجيب لأهدافنا أو مطالبنا.. إذ غاب عنه الإشارة الواضحة للانسحاب من سيناء والجولان والضفة الغربية وعدم جواز الاستيلاء على أراضى الغير بالقوة.
كما استمر الطرح الإسرائيلى يتعامل مع قضية اللاجئين الفلسطينيين بعيدا عن حق تقرير المصير وهو المطلب الفلسطينى والعربى المحدد.. من هنا قامت مجموعة العمل بطرح المشروع المصرى لإعلان المبادئ مثلما أعددناه نحن بالقاهرة مع تعديلات طفيفة قمنا بتضمينها فى أثناء وجودنا بالقدس، وذلك على ضوء ما جاء من الإسرائيليين.. وتضمن الطرح المصرى: أن الجانبين المصرى والإسرائيلى على استعداد للتفاوض على اتفاقات السلام على أساس تنفيذ قرارى مجلس الأمن 338و242 فى كل أجزائهما.
إنه ومن أجل التوصل إلى هذه الاتفاقات، فإن المطلوب:
- انسحاب إسرائيل من سيناء/ الجولان/ والضفة الغربية وغزة طبقا للقرار 242 ومبدأ عدم جواز الاستيلاء على أراضى الغير بالقوة.
- ضرورة ضمان سلامة أراضى الدول واستقلالها السياسى من خلال إجراءات يتفق عليها ومن خلال مبدأ التبادلية والمعاملة بالمثل.
- احترام سيادة ووحدة أراضى واستقلال كل دول المنطقة.
- تسوية عادلة للقضية الفلسطينية فى كل جوانبها على أساس حق تقرير المصير ومن خلال مفاوضات تشارك فيها كل من مصر/ الأردن/ إسرائيل وممثلى الشعب الفلسطينى.
- إنهاء كل دعاوى الحرب وإقامة علاقات سلام بين كل دول الإقليم من خلال توقيع معاهدات سلام تقوم على أساس ميثاق الأمم المتحدة.
وبطبيعة الحال أيضا.. فقد رفض الجانب الإسرائيلى المقترح المصرى الذى استهدف وضع الأمور فى نصابها بشكل محدد فيما يتعلق بمسألة الانسحاب الإسرائيلى من
الأراضى المحتلة منذ عام 67 وكذلك القضية الفلسطينية والتى هى ليست بقضية لاجئين فقط.. ولكن قضية حق تقرير مصير لشعب كامل يبغى أن يحكم نفسه وفى استقلال كامل داخل بلده.
ووضح أن الأمور لن تتحرك بعيدا بهذه المواقف المصرية والإسرائيلية التى تظهر لدى العين أو العقل غير المدرب على قراءة النصوص أن الفروق بينها ليست كبيرة.. إلا أن القانونيين والدبلوماسيين المدربين يمكنهم فورا تبين نقاط الخطر والشراك والفخاخ الموجودة فى كل نص.. وجاء «سيروس فانس» لكى يقابل وزير الخارجية المصرية ولكى يتحدث حول ما يمكن للولايات المتحدة القيام به من مبادرات أو أفكار يطرحها لتجاوز المشاكل بين الطرفين.. وأكد له الوزير «محمد إبراهيم كامل» ما سبق أن تحدث به مع «موشى ديان» أثناء الاجتماع الرسمى الصباحى.. وسجلت وقتها أن «محمد إبراهيم كامل» رفض المطلب الإسرائيلى فى إنشاء لجان لبحث المسائل والنقاط المعروضة على جدول الأعمال والتى تفصل الجانبين عن بعضهما البعض قبل الاتفاق بشكل كامل على صياغة إعلان المبادئ التى ستحكم المفاوضات، وبالتالى التسوية السياسية للنزاع.. وعاد الوزير «محمد إبراهيم كامل» طبقاً لما سجلته عندئذ أن مصر ترفض بالكامل الطرح الذى جاء فى مشروع «مناحم بيجين» بالإسماعيلية أو مواقف الوفد العسكرى الإسرائيلى فى القاهرة يومى 11/12 يناير 78,.
وفيما يتعلق بالتسوية الفلسطينية فإن مصر تهتم بتأمين حق تقرير المصير للشعب الفلسطينى.. وأما تفاصيل تطبيق هذا الحق ومراحل تنفيذ أى اتفاق فى هذا الشأن فإنه أمر يمكن لإسرائيل أن تبحثه مع ممثلى الشعب الفلسطينى وبحضور كل من مصر والأردن باعتبارهما الطرفين اللذين كان لهما السيطرة على الضفة الغربية وغزة قبل اندلاع الأعمال العسكرية وهجوم إسرائيل على مصر والأردن فى عام .67 وحاول «سيروس فانس» أن يتطرق إلى مسألة المستوطنات الإسرائيلية فى سيناء.. ورفض «محمد إبراهيم كامل» فوراً التطرق إلى الموضوع.. وأضاف أن هذه المسألة هى مسألة عسكرية ستحتاج إلى تسوية بين العسكريين المصريين والإسرائيليين فى إطار اللجنة العسكرية المعنية بمناقشة ترتيبات الانسحاب الإسرائيلى من أراضى مصر وإخلاء المستوطنات والمنشآت والمطارات والموانئ وغير ذلك فى سيناء وصولاً إلى خط الحدود المصرية مع فلسطين تحت الانتداب.. وأكد «محمد إبراهيم كامل» أن الفهم المصرى لعمل اللجان هو أن اللجنة العسكرية ستعمل على بحث كل الإجراءات العسكرية وترتيبات العلاقات بين الجانبين ومنع الخطأ فى أى أعمال عسكرية.
أما اللجنة السياسية فإن دورها هو فى صياغة اتفاق تفاوضى سياسى لتسوية سياسية بين مصر وإسرائيل يتم تضمينها فى معاهدة سلام مقترحة.. وكذلك التفاوض على مستقبل تسوية القضية الفلسطينية وبما يتيح للفلسطينيين حق تقرير المصير الكامل.
واستمع «سايروس فانس» بإمعان شديد.. وكان يرافقه كبار مساعديه.. مثل «اثرتون» / «ساندرز» / «ايلتس»/ وأعضاء من مجلس الأمن القومى الأمريكى من معاونى «برزنيسكى».. مثل «بيل كوانت».
وعلى الجانب المصرى.. تواجد الدكتور «أسامة الباز» / «أحمد ماهر» / و«أحمد أبوالغيط».. وهنا يجب أن أتطرق إلى الوضع الجديد لأسلوب الوفد المصرى فى التعامل مع كل أنواع هذه المفاوضات أو دعنا نقول المشاورات والمحادثات.. فلقد وضح أن الوزير الجديد «محمد إبراهيم كامل» لا يرغب فى أن يكون هناك هذا العدد الكبير من المعاونين المصريين.. من هنا تم وبشكل هادئ وبالتدرج تقليل دور عدد من أعضاء مجموعة العمل المصرية الدبلوماسية التى أدارت المفاوضات خلال الشهور السابقة وبالتحديد فى شهر ديسمبر 77 وحتى الوصول إلى القدس.
وتقديرى أن دور «أحمد ماهر» الذى تعاظم كثيراً فى هذه الفترة كان له تأثيره الحاسم.. كذلك فإن خشية «محمد إبراهيم كامل» من الاعتماد على بعض الدبلوماسيين الذين سبق لهم العمل اللصيق مع الوزير «إسماعيل فهمى» كان أيضاً له تأثيره.. إلا أنه ينبغى القول أيضاً أن «محمد إبراهيم كامل» احتفظ بعلاقة طيبة للغاية مع الدكتور «بطرس بطرس غالى».. خاصة مع وجود الحساسيات التقليدية بين منصبى وزير الخارجية صاحب التأثير المطلق فى أعمال الوزارة وتوجيه السياسة وغير ذلك من مهام ووجود وزير دولة للشئون الخارجية يسعى لإيجاد دور.. ربما له صفة الاستقلال عن وزير الخارجية.. وهو ما يثير دائماً مشكلات مختلفة يعانى منها هذا التنظيم فى حالة وجوده.
ينبغى القول أيضاً فى هذا السياق.. أن «محمد إبراهيم كامل» قد احتفظ بأحسن العلاقات مع الدكتور «أسامة الباز».. ولكن مع وجود الكثير من الحذر فى نظرته.. وكذلك «أحمد ماهر».. نتيجة للنفوذ الكبير والمعرفة العميقة للدكتور «أسامة الباز» فى الملفات وصلاته الواسعة مع كل أقطاب الحكم فى مصر.. وأبلغنى كل من «أحمد ماهر».. والدكتور «أسامة الباز» أن الأخير.. بادر بالتحدث إلى الأول مشيراً إلى قلق مجموعة العمل من تنحيتها وأن بعض أعضائها بدأ يحمل على «ماهر» إلا أن الأول أكد أن هذا هو أسلوب الوزير الجديد وأنه لن يعدل من منهجه بسبب ضيق البعض من هذا الأسلوب.. وبقى الحال بعد ذلك فى شكله الجديد.. أى وجود فاعل وقادر للدكتور «أسامة الباز» وكل من السفير «الريدى» والسفير «العربى» وأخيراً «أحمد أبوالغيط».. وانزوى دور بقية أعضاء مجموعة العمل تدريجياً حتى استقالة الوزير «محمد إبراهيم كامل» فى سبتمبر .1978
وخرج «سايروس فانس» من الاجتماع مع «محمد إبراهيم كامل» مساء يوم 17 يناير.. لكى يلتقيا على مائدة العشاء التى دعا لها «مناحم بيجين» رئيس وزراء إسرائيل.. مع وعد من جانب «سايروس فانس» أن يحاول التوصل إلى صياغة مرضية لإعلان مبادئ يمكن أن يقبله الجانبان المصرى والإسرائيلى فى اليوم التالى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.