واقع تشهده الصين حاليا، بعد أن أعلنت منذ أيام عن افتتاح أول مستشفى فى العالم يعمل بالكامل بالذكاء الاصطناعى تخيل أنك تدخل مستشفى، فلا تجد به أى طاقم بشرى، لا أطباء ولا ممرضات، ولا حتى موظفى استقبال.. لا تجد كراسى مزدحمة بالمرضى، ولا قوائم انتظار، ولا طبيب مجهد يشكو ضعف الأجور، أو ممرضة مطحونة تشكو مكافأة الشفت الهزيلة.. تخيل أنك تدخل مستشفى طويل عريض، ليستقبلك بمجرد دخولك روبوت لطيف، بابتسامة ألطف، ويسألك بمنتهى الأدب عن شكواك، ويطلب منك بمنتهى الذوق وضع لسانك فى الماسح الضوئى هذا ليس خيالا علميا، بل واقع تشهده الصين حاليا، بعد أن أعلنت منذ أيام عن افتتاح أول مستشفى فى العالم يعمل بالكامل بالذكاء الاصطناعي. المستشفى لا وجود فيه للبشر، بل يعتمد على 14 طبيبا افتراضيا، و4 ممرضات افتراضيات يعملون بكفاءة لا تعرف الكسل، ولا يحتاجون للنوم أو الراحة، أو حتى القهوة، المستشفى يعمل من خلال تقنيات ذكاء اصطناعى متطورة ،تعتمد على نماذج لغوية ضخمة قادرة على فهم الأعراض من المريض وترجمتها للغة تفهمها الأجهزة المتطورة، وقراءة وتحليل السجلات الطبية، واستيعاب كم هائل من البيانات، والخروج من كل هذه البيانات والمعلومات بنتائج تساعد فى تشخيص الحالة بدقة، واتخاذ القرار العلاجى المناسب، بعيدا عن أى أخطاء بشرية.. المستشفى الجديد -والذى يتبع جامعة تسينغهوا الصينية- يستطيع استقبال 3000 مريض يوميا،، وإجراء التشخيصات الدقيقة لهم، واقتراح خطط علاج مخصصة لكل مريض بناء على تاريخه الصحى ونتائج الفحوص.. وحتى نتخيل الصورة تعالوا نستعرض سيناريو واقعيا لما يحدث فى هذا المستشفى داخل قسم الأشعة مثلا: المريض يدخل المستشفى ويسجل بياناته على شاشة ذكية، ويتم تحديد نوع الأشعة المطلوبة بناءً على شكوى المريض، ثم يتم توجيه المريض مع الروبوت إلى قسم الأشعة، وبعد استخدام تقنيات التعرف على الوجه، يتم إجراء الأشعة من خلال جهاز أشعة مزود بذكاء اصطناعى يضبط الإعدادات تلقائيا حسب نوع الأشعة والمريض، ويعطى المريض التعليمات صوتيا، حتى يتم التأكد من الوضع الصحيح للمريض. وبمجرد التقاط صور الأشعة يقوم الذكاء الاصطناعى بتحليل النتائج فورا وتحديد نوع المشكلة أو الخلل، ويتم إصدار تقرير مبدئى يتضمن التشخيص واقتراحات العلاج وما يفعله الذكاء الاصطناعى فى قسم الاشعة، يستطيع تنفيذه فى جميع الخدمات الصحية، مثل تحليل نتائج الفحوص المعملية ، وإدارة الأدوية وتحديد الجرعات، بل وإجراء الجراحات الدقيقة والمعقدة ، وكذلك المتابعة الذكية للمريض بعد العلاج عبر تطبيقات أو أجهزة تراقب العلامات الحيوية، وترسل التنبيهات للمريض عند وجود تغيرات مقلقة. أما المدهش فهو مشاركة الذكاء الاصطناعى فى العلاج النفسى السلوكى من خلال نماذج حوارية مدربة على البروتوكولات النفسية، وتساعد فى حالات القلق أو الاكتئاب وغيرها.. لابد أن نعترف أن نموذج هذا المستشفى، ثورة حقيقية فى مستقبل الرعاية الصحية، لأنه يستهدف تحقيق المعادلة الصعبة، فى علاج أكبر عدد ممكن من المرضى، بدقة فائقة، وفى أسرع وقت، وبنسبة خطأ تقارب الصفر، بعيدا عن الأخطاء البشرية المحتملة.. نموذج المستشفى سيتم تصديره قريبا لدول العالم، ومن المتوقع أن يساعد فى تحسين خدمات الرعاية الصحية فى الدول التى تعانى من نقص الأطباء، وقلة الأموال، ، بالإضافة إلى إمكانية استخدامه فى الحروب لتقديم علاج سريع ودقيق للجنود والضحايا.. أما الأخطر والأهم من كل ذلك أن هذا «الاختراع» سيؤثر بلا شك على مهنة الطبيب، ليصبح الأطباء أول ضحايا الذكاء الاصطناعى، وبدلا من أن يطالب الأطباء بزيادة الأجور، والبدلات، والمكافآت، وحمايتهم من العدوى ،ومن شكاوى المريض، ومن «رزالة» أهله، سيضطرون لهجرة الطب والبحث عن مهنة أخرى.. وهذا أيضا ليس خيالا علميا ، بل واقع سنشهده قريبا خلال سنوات قليلة.