بعد تجاوزات إثيوبيا غير القانونية.. مصر تكشر عن أنيابها في أزمة سد النهضة.. متخصصون: ندافع عن حقوقنا التاريخية في نهر النيل والأمن المائي خط أحمر    الأولى على القسم الجامعي "تمريض": التحاقي بالقوات المسلحة حلم الطفولة وهدية لوالدي    رئيس الوزراء البريطانى يصل إلى شرم الشيخ للمشاركة فى قمة شرم الشيخ للسلام    فرنسا تُعلن تشكيل حكومة جديدة برئاسة لوكورنو لتجاوز الأزمة السياسية    ترامب: الصراع في غزة انتهى والإدارة الجديدة ستباشر عملها قريبًا    استشهاد فلسطيني برصاص قوات الاحتلال في مدينة خان يونس    منتخب مصر ينتصر على غينيا بيساو بهدف نظيف في تصفيات كأس العالم 2026    بولندا تواصل تألقها بثنائية في شباك ليتوانيا بتصفيات المونديال الأوروبية    بوركينا فاسو تختتم التصفيات بفوز ثمين في ختام مشوار إفريقيا نحو المونديال    عبد الظاهر السقا: تنظيم أكثر من رائع لاحتفال المنتخب بالتأهل لكأس العالم    نائب محافظ قنا يتفقد عددًا من الوحدات الصحية لمتابعة جودة الخدمات المقدمة للمواطنين    ترامب: الحرب في غزة انتهت ووقف إطلاق النار سيصمد    خبير تربوي يضع خطة لمعالجة ظاهرة العنف داخل المدارس    حبس رجل أعمال متهم بغسل 50 مليون جنيه في تجارة غير مشروعة    القائمة الكاملة لأسعار برامج حج الطبقات البسيطة ومحدودي الدخل    إعلام عبري: إطلاق سراح الرهائن من غزة بداية من الساعة 8 غدا على دفعتين    زيلينسكي: بحثت مع ترمب تزويد أوكرانيا بصواريخ توماهوك وأنظمة باتريوت    منتخب مصر يتقدم على غينيا بيساو بهدف بعد مرور 15 دقيقة    ذهبية المنياوي وبرونزية صبحي تزينان اليوم الثاني من بطولة العالم لرفع الأثقال البارالمبي    البنك المركزي يقبل سيولة بقيمة 125.6 مليار جنيه في عطاء أذون الخزانة اليوم    باحث فلسطينى: زيارة ترامب لمصر محطة مفصلية لإحياء مسار السلام    وائل جسار يُحيى حفلا غنائيا فى لبنان الأربعاء المقبل    الخارجية الفلسطينية تؤكد أهمية ربط خطة ترمب للسلام بمرجعيات القانون الدولي    وزير الصحة يلتقي الرئيس التنفيذي لمعهد WifOR الألماني لبحث اقتصاديات الصحة    بيحبوا يصحوا بدري.. 5 أبراج نشيطة وتبدأ يومها بطاقة عالية    هل التدخين يبطل الوضوء؟ أمين الفتوى: يقاس على البصل والثوم (فيديو)    أسامة الجندي: القنوط أشد من اليأس.. والمؤمن لا يعرف الإثنين أبدًا    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : أول الحذر..ظلمة الهوى000؟!    نوفمر المقبل.. أولى جلسات استئناف "سفاح المعمورة" على حكم إعدامه    ابن النادي" يتصدر تريند "إكس" بعد تصاعد الأحداث المثيرة في الحلقات الثالثة والرابعة (صور)    قافلة طبية بجامعة الإسكندرية لفحص وعلاج 1046 مواطنًا بالمجان في الكينج مريوط (صور)    خاص للفجر.. يوسف عمر يخرج عن صمته ويكشف تفاصيل فيلمه الجديد مع أحمد عز    بعد مصرع الطفل " رشدي".. مديرة الامراض المشتركة تكشف اساليب مقاومة الكلاب الحرة في قنا    محافظ القليوبية يقود حملة مفاجئة لإزالة الإشغالات بمدخل بنها    في حب المعلم    تأجيل إستئناف المتهم الرئيسي ب " تظاهرات الألف مسكن "    الخريف.. موسم الانتقال والحنين بين دفء الشمس وبرودة النسيم    تأجيل الدعوى المقامة ضد إبراهيم سعيد لمطالبته بدفع نفقة ابنه    رئيس منطقة مطروح الأزهرية يكرم الطالبة هاجر إيهاب فهمي لتفوقها في القرآن والخريدة البهية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم 12-10-2025 في محافظة الأقصر    دمياط: فصل المياه في بعض المناطق منتصف الليل حتى الثامنة صباحا    أوسكار عودة الماموث.. فيلم يخطو نحو الإبهار البصري بقصة إنسانية مؤثرة    20 أكتوبر.. انطلاق جولة «كورال وأوركسترا مصر الوطني» بإقليم القناة وسيناء    الخريف موسم الانتقال... وصراع المناعة مع الفيروسات الموسمية    بالأسماء.. الرئيس السيسي يُصدر قرارا بتعيينات في مجلس الشيوخ    "سلامة الغذاء" تنفذ 51 مأمورية رقابية على السلاسل التجارية في أسبوع    الأهلي يحدد 20 أكتوبر موعداً لحسم موقف إمام عاشور من السوبر المصري    الضرائب: الفاتورة الالكترونية والإيصال الإلكتروني شرط أساسي لإثبات التكاليف ورد ضريبة القيمة المضافة    وزارة الصحة: 70% من المصابين بالتهاب المفاصل عالميا يتجاوز عمرهم ال55 عاما    الداخلية تضبط أكثر من 106 آلاف مخالفة مرورية في 24 ساعة    "الوطنية للانتخابات" تواصل تلقي طلبات الترشح لانتخابات مجلس النواب 2025 لليوم الخامس    تنفيذ ورش تدريبية مجانية لدعم الحرف اليدوية للمرأة في الأقصر    مراكز خدمات «التضامن» تدعم ذوى الهمم    مشروع الفستان الأحمر    مدارس التكنولوجيا تعيد رسم خريطة التعليم الفنى    مصر تتسلم رئاسة المنظمة الدولية للتقييس "أيزو" لمدة 3 أعوام بعد فوز مشرف ومستحق    استبعاد معلمي الحصة من حافز ال 1000 جنيه يثير الجدل.. خبير تربوي يحذر من تداعيات القرار    وزير الأوقاف فى الندوة التثقيفية بالإسماعيلية: الوعى أساس بناء الوطن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حكايات «لها العجب» عن المرضى والمرض :متسول يطلب بتر أذرع أطفاله استعدادا لرمضان
نشر في بوابة أخبار اليوم يوم 22 - 05 - 2025

ما بين أيدينا ليست خواطر للدكتور جمال مصطفى سعيد كبير الجراحين بالجامعة الأم «جامعة القاهرة»، لكنها حكايات ومواقف «لها العجب مليئة بالعبر» من بطن الحياة وخبرة العمل الميدانى، يرويها د.جمال بدقة المشرط، وبحميمية بالغة، حكايات عاش فيها ومعها، وعششت فى ذاكرته، وبرزت فجأة فى رأسه مصممة أن تخرج للعلن، فخرجت على الورق حتى تكون شاهدًا على مر الزمان، وعلى تقلب البشر وسموهم ووضاعتهم، وبدأ فى روايتها كتابة، وستشعر وأنت تقرأ كلماته كأنك أمام قاص متمرس، وليس جراحًا وخبيرًا بالنفوس فقط، وسكبت ذاكرته ما بخزائنها فى كتاب تحت عنوان «الألم والأمل.. مشرط الجراح وضفائر الأمل».
ويصف ما كتبه قائلًا: "هذه الخواطر تحتوى على عشرات المواقف والمشاهد الإنسانية التى تراكمت فى وجدانى على مدى أكثر من أربعة عقود أو أكثر، وهى فترة الممارسة العملية لجراح صنايعى مثلى فى (سوق) ذى طبيعة خاصة، وهى مواقف أثرت فى نفسى بصورة كبيرة، وربما غيرت مفهومى للحياة كلها، وأنا فى الحقيقة أتأسف على استعمال على كلمة (سوق) فى مجال يعتبره عموم الناس عالما يغص بالرحمة ويفيض بالإنسانية لكنه فى واقع الأمر ليس كذلك على الإطلاق.
وبتمكن لغوى يرتدى أستاذ الجراحة لباس القاص، وكأنه من أجيال يحيى حقى ويوسف إدريس لينقل لنا بأسلوب عذب قصصًا، وحكايات المرض والمرضى، ومواقفهم الغريبة والمريبة أحيانا، ولا يكتفى بمجرد السرد المتقن لحكايات العديد من البسطاء مع لعنات المرض حتى يفاجئنا فى نهاية كل سرد بشرح علمى غاية فى البساطة والسهولة والاستيعاب فى شرح علة المرض وأسبابه وكيفية الوقاية منه، فتشعر حين تقرأ التشخيص بأن ما يكتبه روشتة قابلة للفهم بعيدة عن غموض المصطلحات الطبية.
والملاحظ هنا أن القاص "الجراح الكبير" د.جمال لم يكن أبدًا محور تلك الحكايات والقصص فلم يكن غير مجرد سارد يعى أبعاد ما يحدث فيقول: "بوصفى طبيبًا معالجًا لست أنا المقصود بهذه الخواطر، بل - أكثر من ذلك - لم أكن محور الحدث فى معظمها، وأزيد القارئ من الشعر بيتا: إن المريض أيضًا قد لا يكون فى مركز الصورة، ولا حتى المرض الذى أتى به لأراه ويرانى، فقد تستغرب يا عزيزى، أن تعرف أن المرض فى عيادات الأطباء ليس هو كل شيء، بل إن ما وراءه من أحداث قد يكون أكثر قسوة من المرض ذاته، وللتقريب فإن نجاح عملية كبرى لاستئصال ورم سرطانى ينهش فى جسد مريض يراها الرائى من الخارج أنه غاية المطلوب فقد شفى المريض -عاوز أيه تانى؟!- وقد تكون العملية أيضا قد ساعدت فى منع أسباب وفاته المرتبطة بهذا الورم القاتل، طبعا هذا برحمة من الله - سبحانه وتعالى - وإرادته، لكن ما أراه أنا، إضافة إلى ذلك أنها أيضا نجحت فى منع زوجة من الترمل أو ابن من أن يتيتم أو أسرة من أن تنهار وهذا هو المفهوم الخفى الذى لا تراه حضرتك هو مسئولية جسيمة..!".
اقرأ أيضًا | حين تتجلى القدرة الإلهية فى كلمة «إذا» ..«المعرفة والمقدس» كتاب يجيب بالعقل والقلب على وجود الله
حالات إنسانية
وعبر 26 حالة مرضية أو حكاية سردية مليئة بالعواطف الإنسانية الفياضة وأحيانا بالعجائب يروى د.مصطفى كحكاء قدير غاص فى بطن حياة المرضى البسطاء ومعاناتهم مع المرض نكتشف عالما خفيا لا نعرفه، ولا نشعر به، رغم أننا نحيا فيه كل يوم، وبأسلوب قريب من القلب ينقل لنا لغتهم وفهمهم للمرض والمعاناة فيذكر: "مهنة الجراحة بها أشياء غريبة، وفيها أيضا فن التعامل مع الناس وكيف تكلمهم ومتى تكلمهم ومتى لا تكلمهم وعن أى شيء تتكلم معهم".
ويطوف بنا القاص الجراح فى المجتمعات المخملية ويحكى قصصا غاية فى الطرافة، كيف وجد نفسه مضطرا لعلاج حصان لأحد أضلع المجتمع المخملي، وكيف خدعته راقصة مصر الأولى وجاءت فى ثوب امرأة ريفية هروبا من أتعاب العملية، وحكاية الخواجة الذى عالجه من الإصابة ومع ذلك هدده واستنكر علاجه، وكيف وجد نفسه متهما بالتزوير وبإصابة مريض بفيرس!
ولم ينس الطواف بنا فى العالم الخارجى حتى وصل بنا فى الصين وطرافة ما حدث له هناك، حواديت وقصص مليئة بالعبرة وتكرس لزيادة الوعى بالصحة والمرض، ويفيض علينا بمعلومة غاية فى الأهمية تلقاها فى بداية حياته العملية "إن عدو المريض ليس المرض فقط، لكنه قد يكون هو نفسه أو أقرب الناس إليه".
الحصان مريض
وسنقرأ هنا بعض الحكايات حتى نأخذ منها العبر، فى الحكاية الأولى يجد الجراح أحد المليونيرات يطلبه سريعا عبر التومرجى بعيادته ليلا لحالة خطيرة خاصة، وتم نقلنا سريعا بسيارة أمريكانى شديدة الفخامة، وصلنا سريعا إلى مبنى كبير يشبه السرايات التى نراها فى الأفلام القديمة، ثم سرنا إلى حديقة كبيرة داخل السرايا، ثم مشينا إلى حجرة أخيرة من حجرات الأحصنة ودخلنا وسألت: "فين المريض يا أستاذ؟ موجها كلامى الى الشخص دليلنا للوصول إلى المكان.
فأشار إلى حصان راقد على الأرض ومغطى ببطانية سوداء لا يظهر من تحتها إلا رأسه. ويتعجب الجراح لأنه ليس طبيبا بيطريا، لكن تحدث مفاجآت ويضطر للتعامل مع الموقف بمهارة. أظن من الأفضل عزيزى القارئ أن ترجع للحكاية بنفسك وتستمتع بقراءة تفاصيلها المدهشة.
وتحت عنوان "ومن الحب ما قتل" نجد شابا فى مقتبل العمر 27 عاما يعمل فى شركة طيران عالمية تثبت التحليلات أنه يعانى من ورم سرطانى متأخر بالمعدة وأجزاء من الورم تربض كالوحش على أهم شريان فى جسم الإنسان، وهو شريان الأورطى الذى يخرج من القلب مباشرة، ويذكر الجراح:" هذه المرحلة لا شفاء منها واستئصال الورم عمليا شبه مستحيل، فإن كان ولا بد من إجراء عملية بسيطة، ليتمكن بها الشاب من الأكل والشرب بوصفها حلا مؤقتا حتى لا يموت من الجوع والعطش قبل أن يموت من السرطان"، وتمت بالفعل الجراحة، وقد شرحت لخطيبته حالته وبينت لها أن شفاءه مستحيل، وتوقعت أن تتركه وألا أراها معه مرة أخرى فهذه طبيعة الأحداث، لكنى فوجئت بتليفون من المريض يقول: أنا باكلم حضرتك عشان أعزمك على فرحى.. وخطيبتى أصرت على أن تكون حضرتك أول المدعوين، عموما أنا وهى سنمر عليك فى العيادة عشان نجيب الدعوة بأنفسنا..!!
ويذكر المؤلف أنه حضر الفرح، وهو متعجب، وتم حجز إقامة فى الفندق أسبوعا له ولزوجته، وبعد عدة أيام حاولت الاتصال به لكنه لم يرد، فاتصلت بالفندق الذى أخبرنى أنه فى نهاية الأسبوع دخل موظف خدمة الغرف لتنظيف الحجرة بعد أن طرق الباب ولم يفتح له أحد، لكنه فوجئ به ملقى على أرض الغرفة أمام باب الحمام ومحاطا ببركة مرعبة من الدماء، فطلبت الحديث مع زوجته، فأخبرنى الفندق: إحنا لقينا زوجته الجميلة بجواره على الأرض وجسدها يعانق جسد المتوفى وقد فارقت الحياة هى الأخرى!.
حامل فى ورم
وحكاية "تيراتوما" يرويها حين كان فى زيارة لبلد خليجى وفى إحدى جلسات مع لقاء صديق طبيب حدثه بأنه جاءته مريضة لم تبلغ من العمر الخامسة عشرة ببطن منتفخ مع أمها، وكشف عليها ولم يرتح لنتيجة الكشف، ولاحظت ذلك الأم أيضا، ومن النادر فى هذا البلد أن تحضر الأم فقط دون زوجها!، فطلبت من صديقى أن نراها معا إذا أمكن ذلك، وكان الشك أنها حامل، وحين طلبت أن أرى الأب، ردت الأم بفزع: أبوس أيدك، بلاش أبوها، وبعد العديد من الأحداث التى يرويها الكاتب، تم استئصال ورم كبير حميد، واستردت البنت كرامتها قبل أن تسترد صحتها. وفى نهاية الحكاية يشرح لها بأسلوب علمى واضح وبسيط عن هذا الورم بأنه من الصعب الوصول إلى تشخيص دقيق لهذا الورم المسخى لندرته، وهو ورم "التيراتوما".
نجا المريض ومات السليم
وفى قصة "عند الأسانسير" يروى حكاية مريض جاء فى حالة هزال شديد ، ويتحرك بصعوبة بالغة، ويكاد يسقط على الأرض من الوهن، ومعه شخص آخر عرفت أنه أخوه الأصغر، الذى قال لى إنهم فى معهد الأورام فى أسيوط قالوا عنده ورم فى بطنه وملوش علاج عندهم لأن المرض ميؤوس منه، ثم يروى أحداثا كثيرة، ومفارقات عجيبة تنتهى بموت الآخر الصغير السليم، وتكتب الحياة للأخ صاحب الورم الخبيث.
الراقصة والجراح
وفى "قهر الطبيب" يروى كيف خدعته راقصة مصر الأولى حيث: "جاءتنى فلاحة رائعة الجمال تلبس فستانا أسود أطرافه تلامس الأرض، وتغطى شعرها بطرحة عادية سوداء نظيفة وجميلة، تظهر منها بضع شعيرات ذهبية اللون على جبهتها أوحت لى بشعر جميل أشقر ناعم، وقالت أنا مخلفة 4 أولاد يا دكتور، ولاحظت أخيرا أن بطنى أصبحت مترهلة وعاوزه أعمل شد بطن وتجميل.
وبحيلة رخيصة سردها الجراح الكبير تمكنت من دفعه لإجراء العملية دون دفع التكاليف ودون أن يدرى أنها راقصة مصر الأولى، وحين مغادرتها المستشفى لاحظ سيارة مرسيدس أحدث موديل تقف فى انتظارها، وبالمصادفة رآها صديقه رجل الأعمال وهو قادم فى زيارة له بالمستشفى، فوقف يسلم عليها، فسأله إن كان يعرف هذه المريضة من قبل، فأجاب مندهشًا ومين فى مصر كلها مايعرفش أشهر راقصة فى مصر.!
المريض المزور
وفى "أرض اللوا" كيف استطاعت مريضة لا تعمل بالجامعة أن تحضر بطاقة الرقم القومى بأنها تعمل فى شئون العاملين بالجامعة، وتشكو من ورم فى بطنها وبعد الكشوفات والتحاليل حضرت مع أختها وأمها، وأخبرتهم بأنها فى حاجة لاستئصال المبيض، وبعد العديد من المفاجآت الغريبة، وبعد استئصال الورم تم اكتشاف أن بياناتها المقدمة هى بيانات أختها التى تعمل فى شئون العاملين، ووجد الجراح الكبير نفسه أمام اتهام بالتزوير، وتم استدعاؤه للنيابة بتهم كثيرة وللقصة بقية تقرؤها بالكتاب.
وفى "الشيطان يفكر" كيف استطاع الصحفى الذى يعمل فى دولة عربية شقيقة أن يتحايل عليه ليستخرج شهادة بأنه خال من فيروس الكبد الوبائى، ثم يتهمه بأنه نقل له الفيروس وهو يجرى له عملية، ويكتشف أن النيابة أرسلت استدعاء له، ولم يحضر لأنه لم يصله الاستدعاء بحيلة، وعليه أحيلت القضية للمحاكمة، وبالمناسبة الصحفى طالب بتعويض كبير جدا لإصابته فى العملية بالفيروس كما ادعى، لأنه طبقًا لقانون دول الخليج قد خسر عمله إلى الأبد ولن يستطيع الرجوع إليه.! وتحدث فى نهاية الحكاية مفاجأة مذهلة.
«فين عبمنعم»
وفى حكاية "فين عبمنعم" يحكى أنه فى ليلة رأس السنة، وكان حديث التخصص فى الجراحة وفى نوبتجية ليلية، حضر شخص مهيب.. يرتدى ملابس بلدية نظيفة وبيضاء ناصعة البياض تظهر من داخل عباء بنية اللون وتزين رأسه عماية ضخمة، ولم يكن وحده بل كان معه ثلاثة أطفال فى أعمار مختلفة ملابسهم رثة، ومتسخة فى تناقض واضح مع ملابس الحاج الذى بدأت أناديه بهذا الاسم، رغم هيئته التى تشبه معلمى وكالة البلح الذين نراهم فى السينما، فإنه عندما تكلم شبهتنى طريقته بطريقة الفنان الراحل توفيق الدقن:
-مساء الخير يا دكترة .. مساء الخير على الشباب اللى زى الورد كل سنة وأنت طيب يا دوك.
قالها بصوت لم أسمع مثله إلا فى المسلسلات ثم أضاف:
كان الله فى عونك.. قاعد هنا والعالم كلها مبسوطة تهيص بره.. صدق من قال عليكم ملائكة الرحمة بصحيح.. عموما أنا هأعوضها لك.. ولك عندى سهرة هتحلف بيها العمر كله.
- خير يا حاج؟
- خير إن شاء الله، وهو اللى يشوفك هيكون فيه إيه غير كل خير.
- شكرا.. نجيب بقى من الآخر عشان الوقت متأخر، مين بقى العيان؟
- لا.. لا سمح الله، ما فيش عيانين ولا حاجة، ربنا ما يجيب عيا، أنا جاى فى مصلحة لوجه الله.
- اتفضل.
- التلت عيال دول جايين علشان أنا وأنت نتعاون سوا ونبنى لهم مستقبلهم.
- إزاى يا حاج؟ هنا مستشفى مش مكتب عمل، وإحنا مش تبع وزارة الشئون الاجتماعية .. عموما بكرة الصبح إذا كنت عاوز لهم إعانة فى مكتب الشئون الاجتماعية جنب العيادة الخارجية، هاكتب لك جواب توصية له علشان ما تتعبش أدام أنت قاصد خير.
- آه فهمت.. يبقى حضرتك باسم الله ما شاء الله -لا مؤاخذة يعنى- لسه جديد فى كار الطب ثم نظر حوله وقال:
- آمال فين عبمنعم؟
- عبمنعم مين؟
- الباشتمرجى بتاع الاستقبال .. دا راجل كمل ومحترم.
- قصدك عبد المنعم الممرض .. مش موجود دلوقتى.
- هو عملها فيا تانى؟ عموما البركة فيك.
- أيوا يا حاج.. أنا اللى باعالج مش الباشتمرجى عبد المنعم فى أيه عند أولادك أعملهولك؟
- لا يا بيه.لا مؤاخذة، دول مش ولادى، دول ولاد الحتة ولاد مصر، شباب عشرة على عشرة.. الواد الكبير عاوزين نعمله فوق الكوع، والجوز دول تحت الكوع والبركة فيك بعون الله.
- نعمل إيه فوق الكوع وتحت الكوع؟!
- الله .. جرى أيه يا بيه .. فين عبد المنعم؟
- ما قلت لك مشى، إيه هو اللى فوق الكوع وتحت الكوع؟
- بتر يا بيه.. فاضل شهرين على رمضان والخيرين كتير، بيقفوا فى الإشارات قبل المغرب وإنت فاهم الباقى بقى.
- يا نهار أسود! امش اخرج بره .. قبل ما أجيب لك أمين الشرطة من نقطة الاستقبال.
- الله! أمال فين الواد عبمنعم.. مش عاوزين نضيع وقت فى الليلة اللى زى الهباب دى .. عاوزين نقضى مصلحة، إيه الليلة السودا دى؟ إيه الليلة السودا دى؟ قال أطبا، يا شيخ بلا قرف.! وفى "خبيث.. وأيضا كاشف الأسرار!" يروى: حضرت السيدة "..."تمشى متثاقلة ولم تكن وحيدة بل معها أربعة من أقربائها عرفت فيما بعد أنهم زوجها وابنها وأمها وأخت لها تكبرها فى السن، وقال ابنها: مساء الخير يا دكتور جمال أنا الدكتور".."، وكنت تلميذ عند حضرتك فى الكلية، بس طبعا مش حتفتكرنى، والمريضة دى والدتى وأنا ابنها الوحيد.
-أهلًا يا دكتور وألف سلامة على الوالدة اللهم اجعله خير، رد بسرعة لكن بصوت واطى جدًّا: مش عاوزها تعرف مرضها يا بيه، عشان حالتها النفسية.
- طبعا .. طبعا أنا براعى دا دايما يا دكتور لا تقلق .. بس احكِ لى ايه الموضوع.
- ماما عندها ورم فى صدرها "يقصد ثديها" غالبا بقاله مدة طويلة، بس هى ما قالتش لبابا عليه إلا من أسبوع واحد، وللأسف ما قالوش لى إلا إمبارح، لأنى باشتغل فى التأمين الصحى فى مستشفى الغردقة، وبانزل الخميس والجمعة من كل أسبوع، وهما طبعا لفوا على دكاترة كتير قبل ما آجى الكل أجمع على ضرورة استئصال الثدى إنقاذا لحياتها.
وأضاف: وأنا افتكرت إن حضرتك درست لنا الجراحة الحديثة لسرطان الثدى فى الكلية اللى هى الجراحة التحفظية، يعنى بتعمل العملية كاملة من دون استئصال الثدى حرصا على الحالة النفسية للمريضة، وهى كانت رافضة إجراء الجراحة أصلًا.. وأخيرا لما أقنعتها إن حضرتك ممكن تعمل العملية الحديثة من غير استئصال للثدى كله اطمنت ووافقت إنها تيجى تسمع الكلام دا بنفسها فلو سمحت واحدة واحدة عليها.
وبعد تفاصيل عديدة "يرويها".. تم إجراء الجراحة بنجاح، وذلك بتوفيق من الله، وحققت للمريضة طلبها من عدم استئصال الثدى.. وأنا دائما أقول لزملائى الأطباء - ولنفسى أحيانا - إن من حق المريض المصرى أن يتمتع بالتقدم الطبى الحاصل فى أى مكان فى العالم، وهنا لى ملاحظة غامضة ومحيرة بالنسبة لى حتى كتابة هذه الخواطر: ما سر انزعاج المرأة -أى امرأة– من استئصال أحد ثدييها إلى هذه الدرجة؟ فالثدى عضو غير لازم للحياة، ووظائفه كلها تنتهى غالبا بعد سن الأربعين، وليس فى أهمية الكبد -مثلا- أو الكلى أو البنكرياس، ومع ذلك فالمرأة عندها استعداد لاستئصال أى عضو من هذه الأعضاء المهمة جدا بصدر رحب مع عدم الاقتراب بتاتا من الثدى، حتى إننى أسمع صراخ المريضة قائلة: دا أنا أروح أموت أحسن وما تشيلش صدرى يا دكتور".
المهم تمت العملية وخطة العلاج، ما حدث لم يكن فى الحسبان، فجاء الزوج للعيادة مع الزوجة ونظر إليها وسط العيادة ودفعها بقوة بيده حتى كادت تسقط على الأرض، وقال لها بحدة شديدة وبصوت عال سمعه باقى المرضى بالعيادة ومرافقوهم الموجودون فى حجرة الانتظار: روحى وأنت طالق ..!
وما حدث بعد ذلك كان أغرب من الخيال، أتركك تقرؤه بالكتاب وتقرأ ما كتبه الجراح الكبير عن سرطان الثدى وحواء والحياة.
فى البلد السعيد
وفى "البلد السعيد" لم يكن المريض هذه المرة مصريا بل من البلد السعيد. دخل علىَّ كهل .. محولا من أحد الأطباء فى بلده لاستئصال ورم سرطانى بالبطن، شرحت لى ابنته وكانت صغيرة وجميلة وغير محجبة أو منتقبة على غير عادة ستات بلدها، وبلهجة مصرية متقنة تتخللها بضع كلمات إنجليزية سليمة، شرحت لى قصة مرض أبيها، دخل الحاج إسحاق "وهذا اسمه ويبدو أنه اسم شائع هناك" حجرة العمليات، ونظرا لجسامة عمليته وخطورتها كان لابد من الاستعانة بأحد أساتذة التخدير الفطاحل من كلية الطب، وهذا إجراء غير معتاد أقوم به أحيانا عندما تكون العملية غير معروف طبيعتها إلا بعد فتح بطن المريض ورؤية الورم المتسبب فى المشكلة رأى العين .. حالته كانت مستقرة طوال العملية، وخرجت من حجرة العمليات إلى المكتب الملحق بها، وعادتى أن أنتظر فيها لمدة قصيرة بعد العمليات الجراحية الكبرى، وهى المدة التى يستكمل فيها طبيب التخدير إجراءات إفاقة المريض وهى مرحلة مهمة جدا كما الجراحة تماما. وبعد فترة أخبرنى طبيب التخدير منزعجا: العيان مش عاوز يفوق من البنج! وكان علىَّ أن أبلغ أهل المريض وزوجته وابنته، ومندوب سفارة بلاده الذى طلبوا حضوره عندما لاحظوا حالة الاضطراب القائمة فى جناح العمليات كله.
وكنا قد وصلنا إلى الساعة السادسة مساء أى بعد 12 ساعة من بداية العملية وبعد ست ساعات من نهايتها. وكانت المفاجأة الكبرى حين تمكنت ابنته من دخول حجرة العمليات وفكت شفرة عدم إفاقة أبيها.. وكان السر عادة يمنية.. ستعرفها حين تقرأ الكتاب. أخيرًا "الكتاب" يضم العديد والعديد من الحكايات الطبية الغريبة، وكيف تعامل معها طبيبنا، بل وقدم شرحا لكل مرض خاصة الأورام، وكيفية الوقاية منها وخطورتها والتعامل السليم معها.. أتمنى لكم قراءة ممتعة وأن يكون العرض السريع الذى قدمناه دافعًا لقراءة الأصل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.