علي عبد الرحمن في عيد ميلاده الخامس والثمانين، لا نُطفئ شمعة بل نُضيء أرشيفًا كاملًا من الذاكرة العربية، "الزعيم"، "أستاذ ورئيس قسم"، "الحريف".. هي ليست مجرد ألقاب عابرة، بل محطات فنية وإنسانية خاضها الفنان المصري عادل إمام، الذي ظل متربعاً على عرش الفن العربي لأكثر من 5 عقود، في هذا العمر الممتد بين ضحكة الجمهور وسهام النقاد، لم يكن عادل إمام مجرد ممثل يُتقن دوره، بل ظاهرة ثقافية أعادت تشكيل مفهوم "النجم" في الوعي الجمعي المصري والعربي. من على خشبة المسرح إلى شاشة السينما والتلفزيون، تناول قضايا السلطة والدين والتطرف والفقر والحرية، بأسلوب ساخر لا يُجامل، ساخر لا يُسخف، بل يُكثّف المأساة في نكتة، ويزرع الوعي خلف ابتسامة، اسمه صار مرادفًا للكوميديا الذكية، وصوته امتزج بذاكرة الأجيال، حتى أصبح الرقم الأكثر تأثيرًا والأعلى أجرًا في تاريخ السينما المصرية والعربية، دون أن يُضاهيه أحد في قمة الجماهيرية. النشأة في صباح هادئ من ربيع عام 1940، وتحديدًا في 17 مايو، وُلد عادل محمد إمام في قرية "شها" التابعة لمركز المنصورة بمحافظة الدقهلية، ولم تكن القرية الصغيرة تعلم أنها تحتضن طفلًا سيصبح يومًا ما وجهًا مألوفًا في كل بيت عربي، وصوتًا ساخرًا يفضح الممنوع ويضحك على المسموح في آن واحد، ورث عادل عن والده، الموظف البسيط في وزارة الداخلية، ملامح الوقار وخفة الظل معًا، وهي الخلطة التي صنعت فيما بعد زعيمًا لا يشبه أحدًا. منذ طفولته، بدا أن هذا الطفل يملك حسًّا فكاهيًّا لا يُدرّس، وفطنة حادة في إلتقاط المفارقات اليومية، وكأنّ السخرية كانت إحدى لغاته الأصلية. يروي إمام في أحد لقاءاته القديمة أن مدرس اللغة الإنجليزية في المرحلة الابتدائية كان يطلب منه قراءة النصوص بطريقة تمثيلية، فيضحك التلاميذ ويصفقون له، وكانت تلك أول مرة يشعر فيها بأن الضحك يمكن أن يكون مسرحًا، وأن الكلمة الملقاة بشكل ساخر قد تكون أكثر وقعًا من أي نص جامد. بعد سنوات الطفولة في الدقهلية، انتقلت العائلة إلى حي السيدة زينب بالقاهرة، ذلك الحي الشعبي العريق الذي اختزن تقاطعات الحياة المصرية بكل تناقضاتها، وهناك اختلطت ملامح الشخصية القاهرة القديمة بروح ابن الريف، وتشكلت بدايات الوعي الاجتماعي والدرامي لدى الشاب الذي التحق لاحقًا بكلية الزراعة بجامعة القاهرة، ليحصل على إجازة في الهندسة الزراعية، لكنها لم تكن سوى محطة عابرة، لأن المسرح الجامعي هو من خطف روحه باكرًا، وفي هذا الفضاء الحر، عرف إمام أن الهواية ليست مجرد رغبة بل قدر. خطى خطواته الأولى على المسارح من خلال فرقة التليفزيون المسرحية، مشاركًا في أدوار ثانوية، حتى صادف في عام 1963 إعلانًا من الفنان الراحل فؤاد المهندس يبحث فيه عن وجه جديد لمشاركته في المسرحية الشهيرة "أنا وهو وهي"، ومن بين أكثر من 90 شابًا تقدّموا، كان عادل إمام هو الاختيار، ليقدم شخصية "دسوقي"، وكيل المحامي المغلوب على أمره، تلك الشخصية التي رسمها بعين الناقد وسخرية المهمَّش. عبارة واحدة قالها في العرض المسرحي "دي بلد بتاعة شهادات صحيح" كانت كفيلة بأن تنتشر كالنار، وتضعه على خريطة الكوميديا المصرية، لا كمجرد ممثل، بل كصوت شعبي يعبر عن قهر الإنسان العادي بطريقة تثير الضحك والتأمل معًا. ثقل الموهبة .. النضج قبل النجومية على الرغم من النجاح اللافت الذي حققه في بدايته من خلال شخصية "دسوقي" في مسرحية أنا وهو وهي، لم يكن عادل إمام من أولئك الذين يغترّون ببريق الأضواء الأولى، كان مدركًا أن الموهبة، وإن لمع بريقها مبكرًا، لا تكتمل إلا بصقل التجربة والانتظار الصبور. فبدلًا من السعي المحموم نحو البطولة المطلقة، فضّل أن يتماهى مع الأدوار الثانوية، التي بدت له كتمارين روحية، يعيد من خلالها اكتشاف أدواته كممثل ويختبر حدود الكوميديا والتراجيديا في شخصيات الهامش. وخلال 8 سنوات من هذا التمرين المستمر، شارك في 26 فيلمًا سينمائيًا، و4 أعمال درامية، و5 عروض مسرحية، ولم يكن مجرد رقم في شريط الأحداث، بل كان ممثلًا يرسم مساره بثقة، متأنيًا في البناء، وكأنّه يعرف أن النجومية لا تُمنح، بل تُنتزع بالتدرج والاقتراب العميق من الجمهور، وكان يرى أن البطولة ليست أن تكون في مركز الصورة، بل أن تحفر في الذاكرة، ولو من الهامش. وفي عام 1971، جاءت لحظة التحول الكبرى، حين رشّحه المخرج المسرحي جلال الشرقاوي للمشاركة في العرض المسرحي الثوري "مدرسة المشاغبين"، إلى جانب كوكبة من المواهب الصاعدة حينها: سعيد صالح، وأحمد زكي، وسهير البابلي، ويونس شلبي، وكان النص لاذعًا، والمسرح يعج بالتمرّد، لكن في قلب هذا الجنون المسرحي برز عادل إمام بشخصية "بهجت الأباصيري"، الشاب المتمرّد بضحكته الساخرة ونظراته الحادة، ليُعيد تعريف معنى الكوميديا لدى الجمهور المصري. لم يكن "بهجت" مجرد دور، بل نقطة ارتكاز درامية أسست لمرحلة جديدة في تاريخ الكوميديا، جمعت بين التهكم والذكاء، بين العبث والوعي، ومن هناك، بدأت ملامح "الزعيم" تتشكل، لا كنجم جماهيري فحسب، بل كرمز ثقافي يعكس روح المصري البسيط وهو يسخر من السلطة، والعجز، والحياة اليومية المعقدة، وهكذا بدأ عادل إمام مسيرته الصعودية الطويلة نحو عرش الفن المصري، الذي تربّع عليه لأكثر من 5 عقود، دون أن يزيحه أحد، لا من قلوب الناس، ولا من ذاكرة الفن. المسرح.. منصة "الزعيم" الأولى والأصدق لم يكن المسرح مجرد محطة عابرة في مشوار عادل إمام، بل كان بمثابة الخشبة التي صقلت موهبته، وساحة المواجهة الأولى بينه وبين الجمهور، ففي عام 1960، وقف الشاب العشريني على المسرح لأول مرة من خلال العرض المسرحي "ثورة قرية"، الذي كتبه الفنان الراحل عزت العلايلي، وشاركه بطولته رشوان توفيق، كان العرض بمثابة اختبار أول، لكنه سرعان ما اكتشف أن خشبة المسرح تمنحه ما لا تمنحه عدسة الكاميرا وهج التفاعل المباشر، لحظة الصمت قبل الضحك، وشرارة الارتجال التي تصنع العبقرية على الهواء. ومنذ تلك اللحظة، تشكّلت علاقة وجدانية بين "الزعيم" والمسرح، علاقة أقرب إلى الطقس الفني الذي لا يُمكن الانفكاك منه. قدّم خلال مشواره 15 عرضاً مسرحيًا، لم تكن مجرد أعمال فنية بل وقائع جماهيرية بامتياز، تركت أثرها في الوعي الجمعي، وأعادت تشكيل الذوق المسرحي العربي لعقود. وكانت "مدرسة المشاغبين" الشرارة التي فجّرت تلك العلاقة، حين أطلق فيها عادل إمام سحره الكوميدي المتمرّد في شخصية "بهجت الأباصيري"، لكنّ الانفجار الحقيقي جاء مع مسرحية "شاهد ماشفش حاجة"، التي أصبحت مدرسة قائمة بذاتها في فن السخرية من السلطة والبيروقراطية، واستمر عرضها 8 سنوات كاملة، في زمن لم تكن فيه العروض تتجاوز بضعة شهور. ثم جاءت مسرحية "الواد سيد الشغال"، التي دامت عروضها 7 سنوات، لتجسّد قدرة إمام على اللعب بين التهريج الذكي والحس الشعبي، وتحولت إلى واحدة من أكثر المسرحيات تداولًا في البيوت العربية. أما مسرحية "الزعيم"، فهي ليست مجرد عرض، بل حدث ثقافي تجاوز المسرح المصري، لتُعرض في أكثر من 12 دولة عربية، حاملة معها خطاباً شعبياً ممزوجًا بالضحك والمرارة، واستمرت عروضها 7 سنوات كاملة، كأنها مسرحية لا تعرف الغروب. وفي نهاية مسيرته المسرحية، أطلق الزعيم مسرحية "بودي جارد"، التي تجاوزت كل التوقعات، واستمرت على المسرح 11 عاماً، لتسجل رقمًا قياسيًا عربياً كأطول عرض مسرحي في تاريخ المسرح العربي، والثانية عالميًا بعد "مصيدة الفئران" لأجاثا كريستي. مسرح عادل إمام، لم يكن مجرد خشبة وتمثيل، بل كان مرآة لمجتمع يتغير، وجمهور يبحث عن ذاته في الضحك، وسخرية تعري الواقع دون خطاب مباشر. ولذا، ظل المسرح هو بيت "الزعيم" الأول، ومحراب الفن الذي بدأ منه الرحلة، وعاد إليه حين أراد أن يختبر مجددًا صدق المحبة بينه وبين الناس. الدراما.. من الهامش إلى صدارة الشاشة الرمضانية لم يكن طريق عادل إمام إلى الدراما مفروشًا بالبطولات منذ اللحظة الأولى، بل جاء على مهل، كما لو أنه كان ينتظر اللحظة التي ينضج فيها الزمن وتتضح ملامح الشاشة الصغيرة ليخاطب جمهورًا أوسع وأقرب إلى يوميات الناس. بدأ حضوره الدرامي في عام 1964 بمشاركة ثانوية في مسلسل "المانشيت الأحمر" إلى جانب الفنان الراحل محمد رضا، وكان الدور هامشيًا، لكنه كان كافيًا لأن يكشف عن ذلك الوجه الذي سيصير لاحقًا وجهًا للمجتمع نفسه، بقلقه، وسخريته، ونزقه، وأحلامه المنكسرة. وظل "الزعيم" يقترب من الدراما خطوة بخطوة، حتى جاءت لحظة الانفجار الدرامي الحقيقي عام 1978 مع مسلسل "أحلام الفتى الطائر"، الذي تحوّل إلى ظاهرة اجتماعية، حيث كانت المقاهي تُغلق، والشوارع تفرغ، والبيوت تتجمع حول الشاشة لمتابعة قصة الإنسان البسيط الذي يحلم، ويخيب، ويضحك، ثم يحاول من جديد، ولم يكن المسلسل مجرد كوميديا، بل كان مرآة لحياة المصري في زمن التحولات، وقدّم عادل إمام فيه أول ملامح لما سيُعرف لاحقًا ب"الدراما الشعبية الذكية"، التي تضحكك بينما تُشعرك بأنك ترى نفسك على الشاشة. ثم عاد بعد عامين فقط ليقدّم إحدى أكثر محطاته الفنية نضجًا، عبر مسلسل "دموع في عيون وقحة"، الذي مزج بين الوطنية والدراما النفسية، مجسّدًا شخصية الجاسوس المصري الذي يتحدى الذات والعدو، دون أن يفقد خفة الظل التي ميزته حتى في أحلك اللحظات. هنا، لم يعد عادل إمام ممثلًا للكوميديا فقط، بل صار رمزًا دراميًا يعيد تشكيل صورة "البطل" المصري، لا من موقع القوة المطلقة، بل من موقع الإنسان المأزوم الذي يُقاوم. لكن اللافت في مسيرته الدرامية هو اختفاؤه عن الشاشة الصغيرة لثلاثة عقود، فترة كانت كفيلة بجعل الجمهور يعتقد أنه لن يعود إليها أبدًا، إلا أن عام 2012 كان عام العودة الكبرى، وعاد عادل إمام ب"فرقة ناجي عطا الله"، الذي لم يكن مجرد عمل درامي، بل إعلانًا عن ولادة موسم رمضاني جديد يترقبه الملايين لسبب واحد: "الزعيم في رمضان". ومنذ تلك اللحظة، أصبح عادل إمام عنوانًا دائمًا في السباق الرمضاني، توالت أعماله بين الكوميديا الاجتماعية كما في "العراف" (2013)، والدراما العائلية في "صاحب السعادة" (2014)، والنقد السياسي والاجتماعي كما في "أستاذ ورئيس قسم" (2015)، و"مأمون وشركائه" (2016)، وحتى الغموض في "عوالم خفية" (2018)، الذي عاد فيه لإستكشاف ملامح الفساد الإعلامي والسياسي بشيء من النضج الهادئ. أما ختام رحلته الدرامية فجاء عام 2020 بمسلسل "فلانتينو"، الذي مزج بين خفة الدم والرمزية، عبر شخصية رجل يدير سلسلة مدارس خاصة، محاولاً أن يُمسك بخيوط حياته التي تتفلت منه وسط زخم المواقف والمفارقات. بهذه المسيرة، لم يكن عادل إمام مجرد نجم في الدراما، بل كان نبضًا متغيرًا يُجيد الغياب والعودة في التوقيت الأهم، ليؤكد أن الدراما في حضوره ليست فقط قصة تُروى، بل حدثًا يُنتظر. السينما: من الأدوار الثانوية إلى قمة النضج الفني على مدار مشواره السينمائي الممتد لأكثر من 5 عقود، قدّم عادل إمام 131 فيلمًا، كانت كل واحدة منها محطة فارقة في مسيرته، تكشف عن تطور مستمر في شخصيته الفنية وقدرته على التجديد. بداية من عام 1964، شارك في 32 فيلمًا سينمائيًا خلال التسع سنوات الأولى من مسيرته، حيث ظل يؤدي أدوارًا ثانوية تفتقر إلى البروز، لكن هذه الأدوار كانت بمثابة تمهيد لظهور شخصية جديدة في السينما المصرية، تجسدت في البطولة المطلقة لأول مرة في فيلم «البحث عن فضيحة» الذي شكل انطلاقة فعالة نحو تسليط الضوء على موهبته الكوميدية الفريدة. لكن رغم بداياته في الأفلام التجارية التي اتسمت بطابع الكوميديا، مثل "رجب فوق صفيح ساخن"، لم يكن عادل إمام مجرد "مضحك" في أعماله، بل كان، ولا يزال، شخصية ذات أبعاد فنية معقدة، تجمع بين الفكاهة والدراما، السخرية والجدية، ليقدّم للجمهور صورًا متنوعة لشخصيات حية ومؤثرة في الواقع المصري. في فترة السبعينات والثمانينات، بدأ عادل إمام يتسلّح بتنويع الشخصيات التي يؤديها، ليقتحم مجالات التراجيديا والكوميديا المأساوية، متجاوزًا الشخصية الواحدة ليصبح ملهماً لعدد لا يُحصى من الأجيال. في فيلم "المشبوه" (1981) مثلاً، قدم شخصية اللص الذي يبحث عن التوبة، بينما في الغول (1983) كان الصحافي الذي يضحي من أجل العدالة، وفي "المتسول" (1983) جسّد شخصية الريفي المعدم الذي يُحوّل التسول إلى تجارة ناجحة، هذه الشخصيات، رغم تباينها الشديد، كانت توضح بوضوح قدرة عادل إمام على تقديم أدوار تتأرجح بين الفقر والثراء، التوبة والفساد، والتضحية والأنانية. ما جعل شخصياته أكثر تأثيرًا هو قدرته الفائقة على المزج بين السخرية والواقع المأساوي للمجتمع المصري في فترة ما بعد الانفتاح، كما في فيلم "الحريف" (1983)، حيث قدّم شخصية لاعب كرة القدم الذي يُحارب قسوة المجتمع، ويُجسد مأساة الطبقات المهمشة في القاهرة، أما في فيلم "الافوكاتو" (1984)، لعب شخصية المحامي "حسن سبانخ"، ليكون عنوانًا للفساد المهني والاجتماعي، وهو ما أعطى لأدائه طابعًا معبرًا عن فساد النظام الاجتماعي من خلال "فهلوة" البطل في سبيل البقاء. وفي فترة الثمانينات، حقق عادل إمام نجاحًا تجاريًا غير مسبوق، حيث قدّم أفلامًا ضخمة إنتاجيًا، مثل "النمر والأنثى" و"المولد"، ليواصل التألق ليس فقط في نطاق الكوميديا، ولكن في شجاعة سياسية غير مألوفة. ففي تلك الحقبة، بدأ يتعاون مع الكتاب المبدعين مثل وحيد حامد والمخرج شريف عرفة، حيث قدم أفلامًا جريئة تناولت قضايا سياسية واجتماعية، مثل "اللعب مع الكبار" (1991)، و"الإرهاب والكباب" (1992)، التي كانت بمثابة تحطيم للأعراف السائدة في السينما المصرية، حيث تناولت قضايا الفساد الحكومي، والظلم الاجتماعي، وتدهور الأوضاع في البلد بأسلوب نقدي لاذع. استمر عادل إمام في تحدي القوالب الجاهزة في أفلامه على مدار التسعينات والألفينات، فقدم أفلامًا تُجسد القضايا السياسية والاجتماعية بصورة مباشرة، مثل "طيور الظلام" و"النوم في العسل"، حيث استمر في محاكاة الوضع السياسي في البلاد من خلال الشخصية المصرية التي تجمع بين الخفة والسخرية، كما ناقش في "حسن ومرقص" موضوع الوحدة الوطنية، في حين سلط الضوء على فساد الطبقات الاجتماعية في "بوبوس". وأخيرًا، في "زهاريمر"، قدم عادل إمام رؤية جديدة للمجتمع المصري من خلال علاقات الأبناء بآبائهم، مُعالجًا القضايا الأسرية بأسلوب يجمع بين التأملات الفلسفية والطابع الكوميدي. الزواج: قصة تتجاوز الحدود الشخصية تزوج عادل إمام مرة واحدة في عام 1973 من السيدة هالة الشلقاني، التي كانت شقيقة الفنان الراحل مصطفى متولي، وعلى الرغم من أن الزواج يعد لحظة فارقة في حياة أي إنسان، فإن قصة زواجه بعيدة عن كونه مجرد حدث عابر في حياة الفنان، بل تحمل بين طياتها دلالات عميقة عن التقاليد الاجتماعية وطبيعة العلاقات في عالم الفن. يروي عادل إمام تفاصيل لقائه الأول مع هالة في مسرح الراحل سمير خفاجة، حيث كانت هالة تطل من نافذته، فتجذب الأنظار بجمالها، إلا أن ما يميز هذه الحكاية ليس جمال السيدة هالة وحده، بل ما كشفه عادل إمام عن نفسه في تلك اللحظة، فهو كان الشخص الوحيد بين الحاضرين الذي لم يُبدِ إعجابًا أو يعاكسها، بل نظر إليها من منظور إنساني بعيد عن المظاهر، وكان ذلك تعبيرًا صريحًا عن شخصيته المغايرة، التي ترفض الأساليب السطحية في التعارف والتواصل، هذه الحكاية التي تبدو بسيطة تحمل في طياتها عمقًا في مفهومه عن الحب والعلاقة، حيث كان ينظر إلى الزواج كإتحاد روحي وإنساني وليس مجرد خطوة عابرة أو تحقيقًا لغرور. لقد كان معارضو هذا الزواج من أهل هالة، الذين لم يروا في عادل إمام الرجل المناسب لها في تلك اللحظة، حيث كان في بداية مشواره الفني، ولم يكن قد وصل بعد إلى المكانة التي تجعله شريكًا متكافئًا من الناحية المادية والإجتماعية، لكن مع إصرار هالة على الزواج، تجاوزت عقبة هذه الاعتراضات، مما يفتح بابًا لفهم العلاقة بين العوامل الاجتماعية والمهنية في حياة عادل إمام الشخصية، ولم يكن المال أو الشهرة هو الدافع وراء ارتباطه، بل كانت العلاقة قائمة على التفاهم والاحترام المتبادل، مما يضيف أبعادًا إنسانية للعلاقة الزوجية في حياة الفنان. هذا الزواج، أثمر عن 3 أبناء هم رامي، وسارة، ومحمد، ليشكلوا جزءًا كبيرًا من حياة عادل إمام الشخصية، وتتمثل قوة هذا الرابط العائلي في كونه ليس مجرد علاقة تقليدية، بل انعكاسًا لفكر إنساني يضع الأسرة في مرتبة عالية من الأهمية، ويتابع عادل إمام الحديث عن أبنائه وأحفاده بكل فخر وحب، فحياته الأسرية تظل في نظره مصدرًا كبيرًا من السعادة والاطمئنان، بعيدًا عن الأضواء التي يسطع فيها في المجال الفني. هذه القصة لا تعكس فقط جانبًا شخصيًا من حياة عادل إمام، بل هي بمثابة تجسيد لفكرة الثبات والإصرار على القيم الإنسانية في زمن تتقلب فيه الظروف المهنية والإجتماعية، مما يجعل من هذه العلاقة مثالًا نادرًا في عالم الفن الذي يفتقر في كثير من الأحيان إلى الاستقرار الشخصي. الجوائز والتكريمات .. رحلة من الإعتراف الدولي حصد عادل إمام العديد من الجوائز والتكريمات على مدار مسيرته الفنية الممتدة لأكثر من 5 عقود، ليشكل بذلك رمزًا للإبداع والتميز في عالم الفن العربي والدولي، تمثل هذه الجوائز والوسامات تجسيدًا للإعتراف العالمي بمساهماته الفريدة، ليس فقط في السينما والمسرح، بل في الثقافة العربية بشكل عام، حيث أصبحت أعماله الفنية مرآةً لقضايا اجتماعية وسياسية عميقة، وحجر الزاوية لأسلوب فني جمع بين الكوميديا والدراما والتراجيديا بأسلوب إنساني عميق. حصل عادل إمام على وسام "الكفاءة الفكرية" من الملك حسن الثاني في عام 1997، تقديرًا لجهوده الفنية التي تألقت في المغرب، على خلفية عرض مسرحيته الشهيرة "الزعيم"، هذا التكريم لم يكن مجرد احتفاء بنجاحه الفني، بل كان بمثابة تكريم لقدرته على نقل الثقافة المصرية إلى العالم العربي. ثم جاء منحه الوسام الوطني للإستحقاق في قطاع الثقافة من الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي في عام 2016، ليؤكد أن تأثير عادل إمام تجاوز الحدود المصرية، ليصبح جزءًا من النسيج الثقافي العربي بأسره، حيث تمثل تونس مكانًا مميزًا في مسيرته الفنية، تعكس التعاون الثقافي بين البلدين. لم تقتصر تكريمات عادل إمام على تلك التي منحته إياها الدول، بل توالت جوائزه في المهرجانات السينمائية الدولية، مثل جائزة الإنجاز مدى الحياة من مهرجان دبي السينمائي، التي حصل عليها مرتين في عامي 2005 و2008، هذا التكريم لم يكن مجرد اعتراف بمسيرته الفنية الطويلة، بل كان تقديرًا لإرثه الذي أثرى السينما والمسرح في العالم العربي، وأصبح له تأثير بعيد المدى في صناعة الفن. وعلى الرغم من تقديمه لكثير من الأدوار الكوميدية، فإن الجوائز التي حصل عليها تعكس تنوع أدواره وقدرته على التجديد الفني، فقد حصل على جائزة أفضل ممثل من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي مرتين، الأولى في عام 1995 عن فيلم "الإرهابي"، والثانية في عام 2007 عن فيلم "عمارة يعقوبيان"، مما يعكس قدرته على التفاعل مع قضايا المجتمع والحياة السياسية، ليس فقط من خلال الفكاهة، ولكن أيضًا من خلال معالجة قضايا معقدة بعمق إنساني. ولا يمكن إغفال تكريمه الأخير بجائزة الإنجاز الإبداعي في الدورة الأولى لمهرجان الجونة السينمائي عام 2017، الذي جاء بمثابة اعتراف نهائي بعطاءات عادل إمام في مجال الفن، وجعل منه أحد الشخصيات الأكثر تأثيرًا في الساحة الفنية العالمية. إن هذه الجوائز والتكريمات تمثل شهادة على مشوار طويل من العطاء والإبداع، حيث تمكن عادل إمام من أن يكون واحدًا من القلائل الذين استطاعوا الحفاظ على مكانتهم الفنية دون أن يتراجعوا عن تقديم الفن الذي يعبر عن الإنسان العربي في أبعاده. سفير النوايا الحسنة عادل إمام نموذجًا للإنسانية العالمية يُعد تعيين عادل إمام سفيرًا للنوايا الحسنة من قبل المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة في عام 2000 خطوة مفصلية في مسيرته، حيث تميزت هذه المرحلة بمشاركة فنية وإنسانية جادة في قضايا لا تقل أهمية عن أدواره الفنية، وكان عادل إمام بذلك رابع فنان عربي يتم تكريمه بهذا المنصب المرموق، بعد كل من صفية العمري، حسين فهمي، ودريد لحام، ليكون جزءًا من كوكبة فنانين ساهموا في تسليط الضوء على قضايا اللاجئين والمشردين. حصوله على هذا التكليف لم يكن مجرد تكريم شخصي، بل كان بمثابة تعبير عن الثقة العالمية في قدرة عادل إمام على التأثير الجماهيري باستخدام مكانته الفنية لتحقيق الأهداف الإنسانية، ومن خلال هذا الدور، أصبحت رسالته تتجاوز حدود الفن، ليتحول إلى عنصر مؤثر في نشر الوعي حول قضايا اللاجئين في العالم العربي، حيث قام بتسليط الضوء على مشاكلهم وهمومهم، خاصة في الدول الناطقة بالعربية، وقد أضاف هذا الدور بعدًا جديدًا لرسالة الفن في العالم العربي، ليعكس كيف يمكن للأيقونات الثقافية أن تتقاطع مع القضايا الإنسانية الكبرى. ولم تقتصر مساهمات عادل إمام على رفع الوعي العام فحسب، بل ساعد أيضًا في تعبئة الموارد الخاصة لدعم هذه القضايا، مستغلاً مكانته الاجتماعية والفنية في توجيه اهتمام المجتمع المدني نحو قضايا اللاجئين، علاوة على ذلك، كان له دور بارز في الإحتفال بالعديد من الأحداث الهامة للمفوضية العليا لشؤون اللاجئين، أبرزها الذكرى الخمسين لتأسيس المفوضية، وفي تلك المناسبة، لم يكن عادل إمام مجرد شخصية احتفالية، بل كان الواجهة التي تم من خلالها التأكيد على أهمية الدعم المستمر للاجئين، من خلال تأثيره في تشكيل الرأي العام وحشد التأييد لقضيتهم. من خلال دوره كسفير للنوايا الحسنة، كان عادل إمام قد قدم مثالاً فريدًا للفنان الذي يتجاوز حدود التأثير الثقافي إلى العمل الإنساني، ليكون نموذجًا للتفاعل المسؤول مع قضايا العالم المعاصر. اقرأ أيضا: إسعاد يونس: توثيق مسيرة عادل إمام مهم للأجيال الجديدة| فيديو