بين واشنطنوبروكسل، تدور مفاوضات أشبه بلعبة شطرنج، تتحركا فيها تحت عناوين «الشراكة» و«الاستثمار»، لكن الحقيقة تكمن في تبادل مصالح مركبة، تتمثل في، مقايضة غاز أمريكي مقابل فتح أسواق أوروبية للسلاح والغذاء، ومرونة جمركية مشروطة ب«رضا البيت الأبيض». وفي خلفية هذه المحادثات، يلوح شبح الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الذي قلب موازين التجارة عبر الأطلسي، وفرض على أوروبا قواعد لعبة جديدة.. إما أن تدفع أو تُقصى. ومع اقتراب جولة تفاوضية جديدة، تبادل الطرفان (واشنطنوبروكسل) وثائق تفاوض غير مسبوقة تتجاوز حدود الرسوم الجمركية لتشمل التجارة الرقمية وفرص الاستثمار، ليكون السؤال.. إلى أي مدى أصبحت السياسة التجارية ساحة صراع جيوسياسي مقنّع؟؟ وبينما تطالب بروكسل بالتريث والهدوء، وتحذّر من مغريات "المكاسب السريعة"، يلوح سؤال آخر في الأفق، حول، هل ما يحدث هو تفاوض أم ابتزاز ناعم؟ وهل يمكن للاتحاد الأوروبي أن يخرج من عباءة «المتلقي» ليعيد صياغة العلاقة بشروط أكثر توازنًا؟ في نظام عالمي يعاد تشكيله ببطء، حيث الغاز.. سلاح، والغذاء.. ورقة ضغط، أما السلاح.. عملة تفاوض. وفي هذا التقرير، تقدم «بوابة أخبار اليوم» تحليلًا شاملًا للتطورات الجارية في المشهد التجاري بين واشنطنوبروكسل، وسط محادثات دقيقة وحذرة لتفادي صدام تجاري جديد قد يترك بصماته على الأسواق العالمية. بدايةً.. من الغاز الأمريكي إلى المنتجات الزراعية والسلاح، ومن ضريبة القيمة المضافة إلى السيارات الأوروبية، يدخل الطرفان في مفاوضات أشبه بمباراة شطرنج، عنوانها «كل شيء قابل للتفاوض ما عدا السيادة الاقتصادية». اقرأ أيضًا| خيانة اقتصادية.. كيف تضرر أكبر حلفاء ترامب بسبب سياسة الرسوم الجمركية؟ تحذيرات أمريكية.. لا مقترحات = لا تسهيلات كثّف جيميسون جرير، الممثل التجاري في إدارة ترامب، الضغط على الجانب الأوروبي، حين وجّه تحذيرًا مباشرًا بأن واشنطن بدأت تشعر بالإحباط من تردد الاتحاد الأوروبي في تقديم مقترحات مكتوبة، بحسب ما كشفه مصدران مطلعان على فحوى الاجتماعات، وفقًا لما أفادت به صحيفة «فاينانشال تايمز» البريطانية. وأضاف أن الرسالة كانت واضحة.. «إما التحرك أو عودة كاملة للرسوم الجمركية التي فُرضت في 2 أبريل». فرصة محدودة قبل العودة للعقوبات من جانب، كان الاتحاد الأوروبي قد قلّص الرسوم الجمركية التبادلية بنسبة 20% إلى النصف، كخطوة "حُسن نية" تمتد حتى 8 يوليو، على أمل إتاحة فرصة للتفاوض. في المقابل، أبقت واشنطن على رسومها الثقيلة (الرسوم الجمركية الأمريكية التي فرضها الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب مؤخرًا) 25% على الصلب والألومنيوم والسيارات، وهددت برفعها لتشمل الأدوية، وأشباه الموصلات، والنحاس، والخشب، والمعادن، وحتى مكونات الطائرات، بحسب صحيفة «فاينانشال تايمز» البريطانية. بروكسل ترد: لا للابتزاز.. ونعم للتفاوض «المدروس» أكد مفوض التجارة الأوروبي، ماروش شيفتشوفيتش، خلال محادثة مع جرير رغبته في لقائه الشهر المقبل على هامش اجتماع وزاري في باريس تابع لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. وأشار شيفتشوفيتش، إلى أن بروكسل مُستعدة لتقليص الفجوة التجارية مع واشنطن، عبر زيادة وارداتها من الغاز الطبيعي، والأسلحة، والمنتجات الزراعية الأمريكية. عقبات صلبة أمام طاولة المفاوضات رغم الاستعداد الأوروبي، لا تزال الولاياتالمتحدة تثير مخاوف بشأن نظام ضريبة القيمة المضافة الأوروبي، وتنظيمات الخدمات الرقمية، ومعايير الغذاء، والرسوم الجمركية على بعض صادراتها. وفي هذا السياق، يتوقع دانييل مولاني، كبير المفاوضين الأمريكيين السابقين، أن تركز بلاده في المحادثات على ملفي الأدوية والزراعة، تحديدًا فتح الأسواق الأوروبية أمام المنتجات الأمريكية. فيما أوضح الاتحاد الأوروبي بشكل قاطع أن النموذج الذي اتبعته الولاياتالمتحدة مع المملكة المتحدة والذي أبقى على الرسوم الجمركية بنسبة 10% لا يُمثّل نموذجًا مقبولًا لبروكسل. وقال وزير التجارة السويدي، بنيامين دوسا: "لن نرضى باتفاق من هذا النوع"، وأضاف مسؤول أوروبي: "10% ليست صفقة حقيقية"، مؤكدين أن بروكسل تحتفظ بحق الرد في حال فشل المحادثات. اقرأ أيضًا| الحرب التجارية بين ترامب والدول الكبرى.. هل ستكون التجارة فريسة للرغبة الأمريكية؟ تهديدات بالمثل.. 95 مليار يورو جاهزة للرد رغم تعليقها لرسوم انتقامية بقيمة 21 مليار يورو دعمًا لمحادثات واشنطنوبروكسل، طرحت المفوضية الأوروبية مُؤخرًا مُقترحًا بفرض حزمة جديدة بقيمة 95 مليار يورو، قد تشمل شركات أمريكية كبرى في مجالات الطيران (بوينج)، والسيارات، والويسكي الأمريكي. لكن،، أكد شيفتشوفيتش، أن الاتحاد الأوروبي لن يرضخ لأي مطالب أمريكية تتعلق بإلغاء ضريبة القيمة المُضافة، أو تغيير القواعد المنظمة للضرائب الرقمية والخدمات. وفي الوقت نفسه، أعربت بروكسل عن استعدادها لتقليص اعتمادها على الصين في المواد الخام والأدوية، واتخاذ موقف أكثر صرامة تجاه الدعم الحكومي الذي تتلقاه الصادرات الصينية. وبحسب وثيقة داخلية للاتحاد الأوروبي، فإن زيارة وياند إلى واشنطن في مطلع مايو، كشفت عن نوايا أمريكية واضحة، وهي «استخدام الاتفاقات التجارية للسيطرة على سلاسل التوريد العالمية، وممارسة ضغوط على المنتجات الصينية من خلال تحالفات اقتصادية». اقرأ أيضًا| حروب الشرق الأوسط وأوروبا تكشف تحولًا مفاجئًا في استراتيجيات التسليح العالمي